الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.
نكلم اليوم موضعاتنا عن السابقةِ إلى توضيحِ معنى البلاءُ و الابتلاءُِ، و كيف أنَّه يصيبُ العبدَ سواءٌ كانَ هذا العبدُ صالحًا أو غيرَ صالحٍ ، و أن البلاءَ كما يكونُ بالشَّرِّ يكونُ بالخيرِ ، و كما يكونُ بالضَّراءِ يكون بالسَّراءِ.
ثم نأتي للسؤالِ الذي كان دائما يطرأ في مخيلة كل إنسان ، وهو ؛ ما علاقةُ البلاءِ بما يمرُّ به العالَمُ الآنَ مِن وباءِ و أمراض و مجاعات !؟
هل هو : عقابٌ ؟ أو هو : ابتلاءٌ ، وبناءً على ما فهمنا نستطيعُ القولَ بأن اللَّهَ سبحانه و تعالى له أن يفعلَ مع عبادِه ما يَشاءُ .
لكِن هناكَ شواهد تبعث على الاعتقاد بأنَّ ما يحدُثُ الآن هو رسالةُ تحذير أو إنذار من اللَّهِ_تعالى!_ ... ولله _ سبحانه _ و كما هو معلوم ، نُذُرٌ في عباده ، يخوِّفهم بها ليرجعوا عمَّا هم فيه مِن ضلال و انحراف.
إن مَن يتتبَّعُ تاريخيَّا و ضعَ الحضارةِ الغربيةِ سواء فى الغرب أو في الدول التي تسير على سيرها _ يُطالعه كمٌّ هائل من الانحرافات الخُلقية و الإنسانية و الأُسرية و الاجتماعية ، لا يمكن استقصاؤها في مقالات وموضوعات.
و لكن تكفينا في هذا السياق مؤلَّفات كثيرة جدًّا غربيةٌ ، تُرجمتْ إلى اللغةِ العربيةِ ، و كُتِبَتْ بأقلامٍ حكيمةٍ ، نبَّهت إلى الخَطر الشَّديدِ الذي يتربَّص بالعالمِ كلِّه من جراءِ انحرافِ هذه الحضارةِ العِلميَّةِ عن أصول الأخلاقِ الإنسانية ، و أثبَت مؤلفوها أنَّ هذه الحضارةَ تنكَّرت لله سبحانه و تعالى ، و للأديانِ ، كما تنكَّرت للأخلاقِ ، و لقيم الأسرة وبخاصة في أيامنا هذه ، بل تنكَّرت لكلَّ قيمةٍ بُنيَت على الفِطرةِ الإلهيَّةِ التي فَطرَ اللَّهُ النَّاسَ عليها ، و قد أصبح من المألوف _ اليوم _ أن نجد بعضَ الشَّخصيَّاتِ الغَربيَّةِ المرموقةِ سياسيَّا ، و التي تمثِّل أنموذجًا يتطلَّع الجميعُ إلى محاكاته _ يُقدِّم في احتفال عام صاحبتَه التى أنجَبَ منها أولادًا كبارًا ، على أنها مخطوبته التي سيتزوج بها بعد أن عاشَ معها فترةً في علاقةٍ بالنسبة لنا _ نحن أبناء الأديان أو المؤمنين _ آثمة.
و قد يعيب علىَّ بعض الاخوة ، و يقول (( خلِّيك في حالك وسيب الناس )) ، أو دع الحضارات الأخرى و شأنها ، فهي حضارات رضي بها أهلها ، و أن القرآن الكريم يُقرِّر : { لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }{ المائدة : ١٠٥} ، و هذا صحيح و لكن يجب أن نتنبَّه إلى أن هذه الانحرافات لو كانت قاصرة على بلاد المنشأ ، و لا تسعى ليل نهار في فرضها على الأمم الأخرى ، و بخاصة : الأمم الأسلامية ، فإن مثل هذا الاعتراض تكون له و جاهته و منطقيته.
و لو أنَّ الغربَ اكتفى بانحرافاتِه و أغلق بابهَ عليه و لم يُطالِبنا بالاقتداء به ، لكان الحال أن نحمدَ اللّه على أن عافانا و ينتهي الأمر ، و لكن نحن اليوم أمامَ غزوٍ متدفِّقٍ لنَشرِ هذه الثقافة ، التي تهدف إلى إزالةِ كل الفروق بين الرجلِ و المرأةِ ، و التي تُطالبُ بأنَّ المرأةَ تتزوج امرأة ، و الرجل يتزوج رجلًا ، و أن تستبدل كلمة (( مشاركة )) أو (( مؤاخاة)) بكلمة (( زواج )) و (( زوج و زوجة )) .
مشكلة الغرب معنا الآن أنه يريد أن يفرِضَ علينا ثقافةً تُدَمِّرُ ثقافَتنا ، بحيث تغرقنا فيما غرق فيه ، أو نقاومه لننجو و نَسْلم ، و أنا هنا أتذكَّرُ الحديث الشَّريفَ في تصويره لما يحيط بنا من مخاطر الحضارات الإلحادية ، و هو قولُه ﷺ : (( مَـثَـلُ القائمِ في حُدُودِ اللَّهِ و الواقعِ فيها ، كمَثَل قَومٍ استَهَمُوا على سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاها و بعضُهم أسفَلَهَا ، فكان الَّذين في أسفَلِها إذا استَقَوا من الماء (١) مَرُّوا على مَن فَوقَهُم ، فقالوا : لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا و لم نؤْذِ مَن فَوقَنا ))...*(٢).
و الحديث يصور مغالطات هؤلاء الخارجين على قواعد الأخلاق الإنسانية ، و مبرراتهم التي يقدمونها بين يدي إفسادهم و تخريبهم ، و أنهم إنما يفعلون ذلك حتى يُجنِّبوا مَن فوقهم الأذى ، و يوفروا على أنفسهم تعب الصعود و الهبوط .
ثم يقول النبي ﷺ : (( فـإنْ تَرَكُوهُم و ما أَرادُوا )) ، أي : إن ترك أصحاب السفينة هؤلاء القوم ينفذون خطتهم التي هي في ظاهرها خطة لتحقيق المنفعة العامة ، فإن السفينة ستغرق بهم و بمن فوقهم ، و لكن إذا تحرك العقلاء في هذه السفينة ، و أخذوا على أيدي هؤلاء العابثين ، و منعوهم من أن يحدثوا هذا الحدث ، فالنتيجة هي نجاة السفينة : مَن كان بأسفلها ، و مَن كان بأعلاها .
و علينا أن نقارن بين هذه الصورة ، و بين سفينة العالم اليوم ، لنستخلص الدروس و العِبَر من هذا الحديث النبوي الشريف ، و بخاصةٍ تحذيره ﷺ لعقلاء العالم في قوله في آخر الحديث : (( فإنْ تَرَكُوهُم وما أَرادُوا هَلَكُوا جميعًا ، و إن أَخَذُوا على أَيدِيهِم نَجَوْا و نَجَوْا جميعًا )…**(٢).
هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .
إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية
#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
_____________________________________
(١) _بمعني أن _كلما أرادوا أن يشربوا ذهبوا إلى الدَّور الأعلى ليُحضِروا الماء.
_______________________________________
(٢)** أخرجه البخاريُّ في ( صحيحه) ( ٢٤٩٣ ) من حديث النُّعمان بن بشير _رضي اللّٰه عنهما _
_____________________________