المتابعون

‏إظهار الرسائل ذات التسميات جغرافيا وتاريخ والقاب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جغرافيا وتاريخ والقاب. إظهار كافة الرسائل

السبت، 4 مايو 2024

Conquest of Egypt _ الفتح العربي الإسلامي لمصر



 الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

حظيت مصر بكثير من الاهتمام عبر العصور المتنوعة ، فإلى جانب ما ذكره الجغرافيون و المؤرخون القدماء _ من يونان ورومان _ فإن الجغرافين و الرحالة العرب و المسلمين قد أسهموا بدورهم في هذا الاهتمام فمصر قريبة من الجزيرة العربية و هي بوابة الدخول إلى أفريقيا و هي حدود فلسطين العربية ، كما أنها تمتد على الساحل المقابل لساحل شبه الجزيرة العربية على البحر الأحمر .

و لم تكن بلاد العرب بمنأى عن قبط *(1) مصر ، إذ نزح بعضهم إليها قبل الإسلام و منهم من استوطنها مثل القبطي الذي سكن بمكة و عمل فيها بحرفة التجارة ، و أعان قريشًا على تجديد عمارة الكعبة المشرفة عام ( ٦٠٦ ) م قبيل البعثة النبوية بنحو خمسة أعوام *(2) ، ثم كان منهم القبطي الذي أرسله المقوقس مع _ مارية القبطية _ و أختها _ سيرين _ و الهدية التي أهداها لرسول اللّٰه ﷺ ردًّا على رسالته ﷺ التي دعا فيها _المقوقس_*(3) ، إلى الإسلام ، فأسلم و أصبح من صحابة رسول اللّٰه ﷺ *(4).

أهمية مصر عند العرب 

و لأهمية مصر عند العرب و المسلمين فقد وردت في القرآن الكريم في ما يقرب من خمسة مواضع نذكر منها _: { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ }( يوسف : ٢١) .

و قال تعالى _: { وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ }( يوسف : ٩٩ ).

و قال تعالى _: { وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ } ( الزخرف : ٥١ ).

و قال تعالى _: { وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتٗا }( يونس : ٨٧ ).

و لقد كرم رسولنا ﷺ بلادنا ، فذكرت مصر في أحاديث عدة منها ( إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا ، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا...) و فى رواية ( إنَّكُمْ سَتَفْتَحونَ مِصْرَ وَ هَيِ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ ، فَإذَا فَتَحْتُموهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا ، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ) أَوْ قَالَ ( ذِمًّةً وَصِهْرًا .. )*(5).

و قد كان صحابة رسول اللّٰه ﷺ حريصين على تحقيق توجيهات النبي ﷺ ، و لهذا كان الفتح الإسلامي *(6) لمصر عام ( ٢٠ هجرية _ ٦٤١ ميلادية ) بقيادة عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب *(7) .

مصر قبل الفتح الإسلامي

كانت مصر قبل الفتح في قبضة الاستعمار الروماني لمدة _ سبع مئة عام _ ، حيث كانت مستعمرة رومانية منذ عام _ ٤٧ قبل الميلاد _ ؛ يتحكمون في الشئون الإدارية و المالية و القضائية من مقرهم في الإسكندرية ، يعاونهم ثلاث فرق عسكرية رومانية يدفع نفقات إقامتها الأقباط ( أي المصريون ) ، و هنا نقول إن مصر في ظل هذا الاستعمار قد فقدت استقلالها السياسي ، كما كانت مصر تعد مخزنا لمد روما _بالـغـلال_ ، فقلد كان شعب مصر يكد و يكدح لخدمة هؤلاء المستعمرين ، ففي ظل الاستعمار الروماني عاني الأقباط من طبقية صارخة تتماشى مع سياسة الاستعمار مبدأ فرق تسد _ ، الطبقة العليا المواطن الروماني او المستعمر الروماني ، أما الأقباط أهل البلد فقد كانوا من الطبقة الفقيرة التي حرمت من أبسط حقوقها وهو التحدث بلغتهم حتى فيما بينهم و حرموا عليهم الجندية ، أما رجال الدين فقد لاقوا من الرمان الأمرين فقد وقفوا منهم موقف العداء الصريح *(8).

انقسام الإمبراطورية الرومانية

و بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية سنة _٥٩٥_ ميلادية أصبحت مصر تابعة للسيادة _الإمبراطويـة البيزنطية_ ، و أكثرها خصوبة و إنتاجا و سكّانا ، و كانت تموّن العاصمة بالمواد الغذائية ، و قد وصفها عمرو بـن العاص _ في كتابة الذي كتبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ بقول _: (( مصر تربة غبراء و شجرة خضراء ، طولها شهر ، و عرضها عشر))*(9) ، و لأن مصر كانت تحت الحكم المركزي فيها ، فإنها كانت وافرة أثر مباشرًا بما يحدث في البلاط البيزنطي من صراعات و مؤامرات و كانت هزيمة الإمبراطورية البيزنطية أمام_ الفرس _ في أسيا الوسطى ، و البلقان سببًا من الأسباب المباشرة لدخول الفرس مصر و سقوط الإسكندرية عام ( ٦٢٩)*(10).

بداية التفكير فى فتح مصر 

عندما فرغ المسلمون من فتوح الشام طلب عمرو بن العاص من الخليفة _ عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه ؛ أن يأذن له في فتح مصر ، و قد استطاع بعد محادثات كثيرة إقناعه في فتحها ، و يذكر أيضا في_ الروض الأنف_ قولة (( و عن فتح مصر يقال إنه اجتمع عمرو بن العاص بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في _الجابية بقرب دمشق_ وراح يزن له فتح مصر ، و ذلك في خريف (٦٣٠) ميلادية ، و مما أبداه من أسباب أن _ مصر ستكون قوة للمسلمين إذا هم ملكوها ، و أن حاكم الروم على بيت المقدس هرب إلى مصر ، وراح يجمع فيها جنود الدولة ، فيجب المبادرة إلى القضاء عليه ))*(11).

و قد رأي عـمـر أن فتح مـصـر فيه خير للمسلمين وعونا لهم ، و لكنه ظن أن عمرا يقلل من شأن ما يلقاه من الصعوبة في فتحها ، و أن في ذلك الوقت لا يستطيع أن يضعف جند الشام بأن يبعث منهم جيشًا كافيًا لفتح مصر ، فلما طلب منه عمرو أن يسير إلى مصر بجيش من ٣٥٠٠ أو ٤٠٠٠ رجل و عده أمير المؤمنين أن يفكر في الأمر ، فإنه لم يكن قد استقر على رأي في ذلك ثم عـاد عمرو بن العاص إلى قيصرية و كان _ _قسطنطين بن هرقل_ قائد الجند بها ، فبعث الخليفة وراءه بكتاب مع _شريك بن عبده _ ، (( يقول له فيه إنه قد رضي بغزو مصر ، و تقدم إليه أن يجعل الأمر سرا و أن يسير بجنده إلى الجنوب سيرا هينا ، فسار عمرو بن العاص في الليل في جيش صغير من الخيل و لم يحدث له حدث حتى صار عند الحدود بين مصر و فلسطين)) .

وصول عمرو بن العاص مصر

و سار عمرو بن العاص حتى وصل عند _ رفح _ و هي على مرحلة واحدة من _ العريش بأرض مصر ، فأتت عند ذلك رسل تحمل رسالة من الخليفة ، ففطن عمرو بن العاص إلى ما فيها و ظن أن الخليفة لابد قد عاد إلى شكه في الأمر خاشيًا من الأقدام و المضي فيما عزم عليه _ إلا أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحس أن جيش العرب إذا دخل مصر كانت عودته عنها خذلانًا وسبة للمسلمين إذ يكون ذلك بمثابة الفرار من العدو _ و على ذلك أرسل كتابه و تقدم فيه إلى عمرو بن العاص أن يعود كان بعد في فلسطين ، فإذا كان قد دخل أرض مصر_ فـلـيـسـر على بركة الله ، و وعده أن يدعو له بالنصر وأن يرسل له بالمدد ، أما عمرو فقد كان بدأ أمره و لم يكن بالرجل الذي ينقض ما بدأ فيه ، و عرف أن ذلك الكتاب الذي لحق به لم يأته بالرضا عما هو فيه ، و لهذا لم يأخذه من الرسول حتى عبر _ مهبط السيل _ و هو الحد بين أرض مصر و فلسطين ، وبلغ بسيرة الوادي الصغير عند العريش ، و هناك أتى له بالكتاب فقرأه ، ثم سأل من _: (( أنحن في مصر أم في الشام !؟ فقيل له _: نحن في مصر ، فقراء على الناس كتاب الخليفة ثم قال _: إذن نسير في سبيلنا كما يأمرنا أمير المؤمنين ، و مما لاشك فيه أن عمرا لقى من الناس الجواب الذي كان يرغب فية ))*(12).

و عبر عمرو بن العاص سيناء في آخر العام_ التاسع عشر الهجري_ و تقدم إلى_ بلبيس _ و استولى عليها ثم التقي جيش الروم في موقعة عين شمس شمال القاهرة فهزمهم هزيمة منكرة و تقدم جنوبا إلى حصن _ بابليون _ و يقع على الساحل الشرقي لنهر النيل على الطريق بين _ منف و هليوبوليس _ و حاصره شهورا ، بعد أن علم المقوقس بعجز البيزنطيين عن الوقوف بوجه المسلمين ، وافق على عقد الصلح شريطة أن يوافق الإمبراطور على هذا الصلح و الذي رفضه بدوره وحثه للمقوقوقس على الاستمرار في حرب المسلمين ، و هنا هاجم المسلمون الحصن بالمنجنيق ، ولقد استطاع _ الزبير بن العوام _ أن يدخل الحصن وتبعه المسلمون ، فاضطر المقوقس إلى عقد معاهدة مع عمرو بن العاص ، كان إثرها دخول الكثير من المصرين في الدين الإسلامي ، و بدأت مفاوضات انتهت بعقد صلح مع المقوقس على دفع الجزية التي كانت _ أقل كثيرا _ مما يأخذه الروم من المصريين و كان ذلك عام ( ٢٠) هجرية _ (٦٤٠) ميلادية.

فتح مدينة الإسكندرية 

و تقدم عمرو بن العاص لفتح مدينة الإسكندرية ، و فتحوا في طريقهم جميع الحصون الرومانية التي اعترضتهم و حاصر المسلمون اهم مدينة فى ذلك الوقت _ الاسكندريه _ وسقطت في أيديهم ، و كان المقوقسصاحب الإسكندرية قبل ذلك يؤدّي خراج بلده وبلد مصر إلى ملك الرّوم _ فلمّا حاصره عمرو بن العاص _ جمع أساقفته و أكابر دولته و قال لهم :_(( إنّ هؤلاء العرب غلبوا كسرى و قيصر و أزالوهم عن ملكهم و لا طاقة لنا بهم ، و الرّأي عندي أن نؤدّي الجزية إليهم ؛ ثمّ بعث إلى عمرو بن العاص يقول : إني كنت أؤدّي الخراج إلى من هو أبغض إليّ منكم _ فارس _ و _ الرّوم _ ثمّ صالحه على أداء الجزية ، و بعث عمرو بالفتح و الأخماس إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ))*(13).

و تكمن أهمية الإسكندرية في أنها كانت عاصمة مصر قبل الفتح الإسلامي ، كما أنها كانت ضمن مجموعة الموانئ المطلة على البحر المتوسط المهمة ، و قد أمّن عمرو بن العاص حدود مصر الغربية بفتح بـرقـة و طرابلس ، وعقد صلحا مع المقوقس بشروط.

أهم الشروط

💡_ دفـع الجزية 

و حسب رواية ابن عبد الحكم : (( فاجتمعوا على عهد بينهم و اصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر من القبط ديناران من كل نفس ، شريفهم و وضيعهم ، ومن بلغ الحلم منهم ، و ليس على الشيخ الفاني و على الصغير الذي لم يبلغ الحلم و لا النساء شئ…… ))*(14).

💡 _ حـريـة الـعـبـادة

فقد عاني قبط مصر من الاضطهاد الديني و الذي كان موجها للمسيحين الأرثوذكس وهم غالبية أبناء مصر و الأقباط.

سماحة الإسلام 

إن الصفات و الخلق و المعاني الإسلامية التي تربى عليها المسلمون جعلت عمرو بن العاص يقبل بالصلح و كان من حقه أن يرفضه ، لأن المسلمون دخلوا أرض مصر فاتحين و ليسوا غزاة مغتصبين كما قد يشيع البعض ، و لكن كان هدفهم توصيل الدعوة الإسلامية وحتى تظل مصر لأهلها شامخة أبية دون أي استعمار أو سيطرة من الخارج عليها.

ولقد أدت سياسة التسامح بين المسلمين و الأقباط إلى الاندماج في حياة واحدة ، و كان نتيجة لذلك دخول الكثير من الأقباط في الدين الإسلامي مما أدى إلى نقص الخراج ؛ فلما ولي الخلافة _ عمر بن عبد العزيز _ ( ٩٩ _ ١٠١ ) هجرية ، كتب والى مصر _ أيوب بن شرحبيل _ يشكو كثرة دخول الناس في الإسلام مما أثر على جمع الخراج ، ثم استأذنه أن يفرض الجزية على من أسلم ، فنهره عمر بن عـبـد العزيز قائلا لـه : _(( إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيًا ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَـابِـيًـا ؛ وَعَزَلَه وَوَلَّى بَدَلَهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ نُعَيْمٍ الْقُشَيْرِيَّ عَلَى الْحَرْبِ ؛ وَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِاللَّهِ عَلَى الْخَرَجِ ؛ وفِيهَا كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ يَاْمُرُهُمْ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ ، وَيُبَيِّنُ لَهُمُ الْحَقَّ وَيُوَضِّحُهُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، وَيَخوٌِفُهُمْ بَأْسَ اللَّه وِ إِنْتِقاَمِهْ ))_*(15).

و ختاما نذكر هنا أن الإسلام لم ينتشر في مصر عن طريق السيف كما قد يشيع البعض ، بل كان ينتشر و يتضاعف معتنقوه أوقات السلم أكثر و أسرع مما كان ينتشر في أوقات الحرب ولعل السبب في ذلك أن الإسلام يحمي حرية العقيدة لغير أتباعة ، كذلك العدالة في الضرائب التي شرعها الإسلام ، فالإسلام جاء هاديا مبشرا بحياة أفضل للجميع .

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


*الـمـراجـع _______________________

*(1) _ قـ بـ طـ : ( الْقِبْطُ ) يِوَزُنِ السِّبْطِ أَهْلُ مِصْرَ وَهُمُ بُنْكَهَا اي أَصْلُهَا وَرَجُلٌ ( قِبْطِيٌ ) . مختار الصحاح ٢٤٦/١.______

*(2) تاريخ الرسل و الملوك للطبري ٢٨٧/٢ ، وكان اسم ذلك الرجل باقوم و قيل : باقول ، سيرة ابن هشام ١٣٩/١._____

*(3) الموقوقس : طائر مطوق طوقا سَوادُهُ في بياضٍ كالحمام ، وجريج بن مِننَى القِبْطيُّةوقد عُدَّ في الصحابة صاحبُ مصر و الاسكندريه ولقب لكل من ملكهما و لعظيم الهند ، القاموس المحيط ٥٦٧/١.__________

*(4) جبر بن عبدالله القبطي مولى أبي بصرة الغفاري هو الذي أتي بمارية من عند المقوقس مع خاطب ، الوافي بالوفيات ٣٥/١١._______________________

*(5) أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري _ رضي اللّٰه عنه _برقم : ( ٢٥٤٣)._________________

*(6) أصبحت مصر ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية منذ عام ( ٢١ هجرية __ ٦٤٢ ميلادية و حتى عام ٢٥٤ هجرية _ ٨٦٨ ميلادية) حيث كان ولاة مصر يعينون من قبل الخلافة الإسلامية فى المدينة المنورة أو دمشق أو بغداد .______

*(7) فتح مصر أ.د. جمال عبد الهادي صـ ١٢ ._________

*(8) فتح مصر أ.د. جمال عبد الهادي صـ ١٦_١٥ .________

*(9) السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي ٤٠٤/١.__________

*(10) فتوح البلدان ، للبلاذري ، ٢١٧/١ .______________

*(11) الروض الأنف ٩٧/١ .__________

*(12) فتح العرب لمصر د ألفريد بتلر مترجم من د محمد فريد أبو حديدة ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، فتوح مصر و المغرب ، لابن عبد الحكم ٧٦/١.___________________________

*(13) البداية و النهاية ، لابن كثير ٩٧/٧.____________

*(14) فتوح مصر و أخبارها ، لابن عبد الحكم .__________

*(15) البداية و النهاية لابن كثير ١٨٨/٩._____________






 


السبت، 27 يناير 2024

الحق العربي و المزاعم الصهيونية بالقدس_ Jerusalem



الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

هي المدنية المقدسة ، و مدينة السلام وزهرة المدائن و دُرّتها ، من أقدم مدن العالم ، عربية المنشأ و التكوين ، إسلامية الهُويّة ، تضرب جذورها العربية في أعماق التاريخ منذ ستة آلاف عام ، عروبتها حقيقة تاريخية راسخة ثابتة لا تقبل التغير أو الشك أو التأويل ، مهبط الأنبياء والرسل - عليهم السلام - ، ومسرى خاتم الأنبياء و الرُّسُل سيدنا محمد ﷺ فيها ثالث الحرمين و أولى القبلتين ، مدينة صنعت التاريخ و صُنِع فيها التاريخ ، عاصمة دولة فلسطين الحرة الأبيَّة.

عروبة المنشأ و التكوين 

إنَّ تاريخ القدس لا ينفصل عن تاريخ أرض كنعان العربية       ( فلسطين ) ، الذين هاجروا من شبة الجزيرة و استقروا بأرض فلسطين في الألف الرابع قبل الميلاد و صارت تعرف البلاد بأرض كنعان أو بلاد كنعان ، و أقاموا فيها حضارتهم العربية ، واشتهروا بالزراعة و التجارة و صناعة الأواني الفخارية و صناعة النسيج و الزجاج ، وقد أكد ذلك ماورد فى الشواهد الأثرية القديمة ، وقد شهد الساحل الجنوبي الغربي لأرض كنعان _من غزة إلى يافا _ في القرن الثاني عشر قبل الميلاد هجرة إحدى قبائل جزيرة كريت بالبحر المتوسط قبائل          ( البِلست ) وانصهارهم في الحضارة الكنعانية التي أفادوا من ازدهارها ، وقد جاء ذكرهم في الكتابات الأثرية فى القرون الأخيرة قبل الميلاد ، ثم أطلق مؤرخو الغرب فى القرن الرابع الميلادي - كهيرودوت - و من بعده اسم ( بلستين ) على ساحل أرض كنعان ثم على كامل البلاد ، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل فاشتهرت به بعد ذلك ، ثم تم تعريبها إلى      ( فلستين ) ثم ( فلسطين ) ، و من هنا صارت أرض كنعان تعرف بفلسطين ، ولفظ ( كنعان ) في اللغة العربية القديمة تعني خشونة الأرض ؛ و لذلك اشتهر أهلها بالصلابة و القوة و شدة البأس ★(1).

وقد تأسست مدينة القدس فى الألف الرابع قبل الميلاد على يد العرب اليبوسيين و هم إحدي قبائل العرب الكنعانيين ، وقد اختار اليبوسيون موقعًا مميزًا لإنشاء مدينة يبوس ( القدس ) بوسط أرض كنعان ( فلسطين ) على أحد التلال المطلة على قرية ( سلوان ) بفلسطين ، و مكان محصن من ثلاث جهات ، و أقاموا حولها سورًا منيعًا لتحصينها ، فامتازت منذ القدم بموقعها الجغرافي المميز و الاستراتيجي المحصن المنيع ، بسبب مناعتها الطبيعية ضد الغزو ★(2) ، فهي بذلك من أقدم المدن العربية و العالمية حيث بلغ عمرها ستة آلاف عام.

و قد تعدد أسماء مدينة القدس بتعدد الأزمان و الشعوب التي تعاقبت على استيطانها فعرفت في بداية تأسيسها باسم بُـنـاتِـهـا الأوائل و هم اليبوسيون ، فأطلق عليها مدينة         ( يبوس ) ، و صار علمًا عليها حتى مطلع القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، كما عرفت باسم ( أورو سالم ) ؛ أي مدينة السلام نسبة إلى سالم إلـه السلام لدى الكنعانيين ، و قيل نسبة إلى القائد اليبوسي العربي - سالم أو ساليم - الذي أشرف على بنائها ، و قد ذكرت بهذا الاسم فى النصوص الأثرية القديمة مثل : ( الهيروغليفيه و الآشورية ) ، و إليه يرجع المسمي الإفرنجي ( جيروزاليم Jerusalem ) و الذي تم تحريفه إلى ( أورشليم ) ، كما عرفت مدينة القدس فى العصر اليوناني باسم ( قاديتس ) و هو اسم مشتق من مسماها العربي ، كما عرفت في العصر الروماني بــ ( إليا كابيتولينا ) نسبة للقب عائلة الإمبراطور الروماني ( إيليوس هادريان ) ، و تعني مدينة إيليوس العظيمة ، ثم عاد مسماها لبيت المقدس و القدس عقب الفتح الإسلامي لها على يد عمر بن الخطاب _رضي الله عنه _ عام ( ١٥ هجرية = ٦٣٦ ميلادية )★(3) ؛ و هكذا نرى أن أسماء القدس عربية أو مشتقة منها ، و لم يكن يومًا لها أي مسمى عبري أو تابع لبني إسرائيل.

الشواهد الأثرية تؤكد عروبة القدس و تدحض المزاعم الصهيونية

كما تؤكد الشواهد الأثرية - بما لا يدع مجالًا للشك - على عروبة القدس من حيث المنشأ و التكوين و الحضارة ، و منها - على سبيل المثال لا الحصر _: ( عين سلوان )


و هي البئر التي حفرها اليبوسيون ؛ للوصول الى نبع الماء و تقع على مسافة ثلاث مئة متر من الزاوية الجنوبية الشرقية للحرم القدسي الشريف ؛ و أطلق المقدسيون عليها ( أم الدرج ) ؛ لأنَّ الوصول إليها يتم عن طريق دَرَج أو سلم ، و قد قام الخليفة عثمان بن عفان _ رضي الله عنه _ بوقف مياه العين على فقراء مدينة  ( القدس ) ، كما عثر علماء الآثار على أجزاء كبيرة من الأسوار و المنشآت العسكرية اليبوسية القديمة ، مثل ( حصن يبوس ) أقدم أبنية المدينة ، وقد شيده اليبوسيون على القسم الجنوبي من الهضبة الشرقية ، و شيدوا في طرف الحصن برجًا عاليًا للسيطرة على المنطقة ، وأحاطوا الحصن بسور ، كما عثر الآثاريون على مجموعة من الأدوات منها : أواني الطهي ، و السهام العربية ، و غير ذلك من الأدلة و الشواهد مما يؤكد الأصول العربية للحياة في القدس ، و ما اكتشفه علماء الآثار في منتصف القرن العشرين من لوحات طينية مكتوبه باللغة الكنعانية بالقرب من القدس ، يرجع تاريخها إلى ٢٥٠٠ قبل الميلاد ، و هذا بالإضافة إلى ذكر اسمها اليبوسي الكنعاني العربي في الكتابات المصرية القديمة بــ      ( لوحات تـل الـعـمـارنة ) ، و نصوص التوراة المليئة بما يؤكد عروبتها ووجودها قبل ظهور بني إسرائيل بمئات القرون ★(4) ، و حينما خضعت أرض كنعان لمصر في القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، كان المصريون يطلقون على القدس اسمها اليبوسي ( يابيشي ) تارة و اسمها الكنعاني ( أوروسالم ) تارة أخري ★(5).

علاقة بني إسرائيل بالقدس.

لم يكن لبني إسرائيل أدني علاقة بنشأة القدس ، و كان وجودهم حولها و فيها طارئًا و عابرًا لفترات وجيزة لا تمثل ولو حلقة فى عقد زمانها التليد ؛ حيث يعود نسب بني إسرائيل إلى سيدنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام - ، و سيدنا إبراهيم عاش فى جنوب ( العراق ) في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، وقد ارتحل إلى أرض كنعان ( فلسطين ) فأكرم العرب الكنعانيون و فادتة و أطلقوا على مدينة ( حبرون ) التي نزل بها اسم مدينة ( الخليل ) تكريمًا له ، و عرف مع أتباعه ( بالعبرانيين ) ( نسبة لعبروهم نهر الفرات قادمين من العراق ) ، أما أبناء يعقوب ( الأسباط ) فهم الأصل الذي ينتسب له بنو إسرائيل وهؤلاء عاشوا فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد حيث ارتحلوا إلى ( مصر ) و كانت محتلة من الهكسوس ، و استمروا حتى عصر سيدنا موسى -عليه السلام ، ثم انتقلوا عقب وفاته وقضاء فترة التيه إلى أرض كنعان كغزاة تحت قيادة ( يوشع بن نون )★(6).

وظل بنو إسرائيل متفرقين على أطراف أرض كنعان ( فلسطين ) حتى جاء عصر سيدنا داود -عليه السلام - نهاية القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، و يُعدُّ أول من وحَّد بني إسرائيل وأقام ملكًا على جزء من أرض كنعان عام ( ١٠٠٠ قبل الميلاد ) تقريبًا استمر أربعة عقود مُتّخذًا من مدينة يبوس.    ( القدس ) قاعدة لملكه و أقام بها حصنًا عرف بحصن داود ، ثم انتقل الملك من بعدة إلى ابنه سليمان - عليه السلام - واستمر لثلاثة عقود ، وكان اليبوسيون فى عهد مملكة داود و سليمان يعيشون فى مدينتهم يبوس ويقومون على إدارتها كما كانوا من قبل ، ثم تشتت ملك سليمان - عليه السلام - من بعده و تفرق أبناؤه ★(7) ؛ و عمت الصراعات بينهم حتى وقعوا تحت سيطرة الأشوريين و البابليين فتم أسرهم جميعا وتدمير جميع مقدساتهم و إزالة مبعد سليمان فيما عرف بالشتات البابلي عام ( ٥٨٦ قبل الميلاد ) ، ثم عاد بعضهم مرة أخرى إلى أرض كنعان ( فلسطين ) في العهد الفارسي و أقاموا معبدًا على غرار معبد سليمان ، ثم وقعت البلاد تحت سيطرة العديد من الإمبراطوريات الغربية القديمة وآخراها الرومانية ، و فيها ولد ( الـمـسـيـح ) -عليه السلام - في بيت لحم ، و فيها انتهي عهد بني إسرائيل بالقدس و فلسطين بشكل قطعي ؛ لأثارتهم القلاقل و القيام بثوارت عصيان ضد الرومان ، حيث تم القضاء عليهم وإزالة المعبد من الوجود تمامًا و تدمير مقدساتهم و كل ما يرمز لهم عام ( ١٣٥ بعد الميلاد ) على يد الإمبراطور          ( هادريان ) فيما يعرف بالشتات الروماني أو الشتات الأخير ، حيث حُرِّم على اليهود الوجود في( إيليا ) اي القدس منذ ذلك الوقت ففرَّ من نجا منهم إلى مختلف المدن الأوروبية ، وقد قدر تعدادهم _وقتئذ_ بأربعين ألف يهودي ، وظلت مدينة القدس في يد الرومان حتى تم فتحها على يد سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عام ( ١٥ هجرية = ٦٣٦ميلادية ) ★(8)

وختاما ومما سبق يتبين لنا أن مدينة القدس عربية المنشأ والتكوين ، و يكشف بطلان الزعم الذي يتم ترويجه زورًا و بهتانًا ، بأن بني إسرائيل لهم صلة بها وبنشأتها ، فقد تم تأسيسها على يد العرب اليبوسيين في الأف الرابع قبل الميلاد ، فسبقت نشأتها العربية ميلاد إبراهيم -عليه السلام - بأكثر من عشرين قرنًا من الزمان ، و سبقت ميلاد أبناء يعقوب -عليه السلام - الذين ينتسب إليهم بنو إسرائيل بأكثر من سبع و عشرين قرنًا من الزمان ، وسبقت عصر سيدنا داود وابنه سليمان - عليهما السلام- بأكثر من ثلاثين قرنًا من الزمان ، و أن الوجود العربي فيها لم ينقطع على مدار الزمان .

و يتضح أن وجود بني إسرائيل في أرض كنعان ( فلسطين ) ويبوس ( القدس ) كان وجودًا طارئًا على أطراف البلاد ، و أن النبي موسى -عليه السلام - الذي ينتسب إليه اليهود ولد و عاش و مات في مصر فترة وجود بني إسرائيل بها دون أن يرى القدس ، و لم يكن لهم ملكًا فيها سوى في عهديّ داود وابنه سليمان -عليهما السلام- و لم يتجاوز سبعة عقود من تاريخها الذي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ منذ ستة آلاف عام ، مما يؤكد الحق العربي ويدحض المزاعم الصهيونية حول أحقيتهم فيها.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

★الـمـراجـع.___________________________

★(1) فلسطين أرض الحضارات ، شوقي شعث ، دار الأوائل للنشر و التوزيع ، دمشق ، 2000م ،ص 8؛9 ؛ اليهود أنثروبولوجيا ، دار الهلال ، 1996م ، صـ 55 ؛ 56 ؛ تاريخ فلسطين القديم ( 1220 قـ .م - 1359 م ) منذ أول غزو يهودي حتى آخر غزو صليبي ، ظفر الإسلام خان دار النفائس - بيروت ، طبعة ثالثة 1401 هـ = 1981 م ، صـ 15؛ 19.

★(2) القدس عربية إسلامية ، د/ سيد فرج راشد ، دار المريخ للنشر الرياض ، 1406 هـ =1986 م ، صـ 29 ، ملامح من تاريخ القدس عبر العصور ، القدس عبر التاريخ دراسة جغرافية تاريخية أثرية للمدينة المقدسة ، مخائيل مكسي ( د.ن ) 1972 م صـ6 ، لجنة التاريخ والحضارة بهيئة كبار العلماء 1442ه‍ـ =2021 م صـ 9.

★(3) تاريخ القدس ، عارف باشا العارف ، دار المعارف ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، 1994 م ، صـ 11 ، 167 ، القدس الشريف حقائق التاريخ و آفاق المستقبل ، د/ محمد على حُلّة ، 1421هـ = 2001 م ؛ صـ 9 ، 10 ؛ القدس عربية إسلامية صـ 27 ، 28.

★(4) يُنظر : ملامح من تاريخ القدس عبر العصور ، صـ 37: 38 ، القدس عربية إسلامية ، صـ 46 .

★(5) تاريخ القدس عارف باشا صـ 13.

★(6) ملامح من تاريخ القدس عبر العصور صـ 17 ؛ 21.

★(7) حيث انقسم أبناؤه إلى قبيلتين : قبيلة إسرائيل ، و قبيلة يهوذا ، ومنها نشأ مصطلح اليهود بدلًا عن مصطلح بني إسرائيل.

★(8) القدس الشريف حقائق التاريخ وآفاق المستقبل ، صـ 11 ، 13 ؛ القدس عربية إسلامية ، صـ 54 ، 56 ؛ تاريخ القدس ، عارف باشا ، صـ 14 ، 40.
 

الجمعة، 11 أغسطس 2023

الـتَّـوكُّـل…٣ Tawakkul_3


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نكمل اليوم ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن 👈التوكل👉، 

حول موضوع (( السببية )) أو (( العِلِّيَّة )) و طبيعة العلاقة بين طرفيها : السبب أو العلة من ناحية ، و المسبَّب أو ال معلول من ناحية أخرى ، و هذا الموضوع يتعلق بقضية التوكل على اللَّه تعالى ، و يمسُّها مسًّا مباشرًا ، و سوف نتخذ موضوع النار والإحراق مثالًا نمثل به : (( النار )) سببًا أو عِلَّة ، و (( الاحتراق )) مسبَّبًا و معلولًا.

كل منا يعلم علم اليقين من مشاهدته اليومية للعلاقات بين الأشياء في عالم المحسوسات أنه لا يمكن أن يحدث (( شيء )) أو يوجد من (( لا _ شيء )) فإذا شاهدنا مثلًا قطعة من القطن أو الورق تحترق فإن العقل يفترض أن هناك (( نارًا )) كانت هي السبب او العلة في حدوث ظاهرة الاحتراق ، و حين نقف أمام هذا المثال ، أو هذه الظاهرة وِقفة تأملٍ فلسفيٍّ عميق نجد أن هذه الظاهرة تتركب من ثلاث عناصر : 

الأول : النار ، وهو ما يسمى بالسبب ، أو العلَّة ( في لغة الفلسفة ) .

الثاني : الاحتراق ، و هو ما يسمى المسبَّب ، أو ال معلول ( في لغة الفلاسفة أيضًا ).

الثالث : العلاقة بين النار كسبب و الاحتراق كمسبَّب .

و العنصر الأول ظاهر للحسِّ و للعيان ظهورًا بستحيل معه الجدل أو النقاش في ثبوته و وجوده ، و كذلك العنصر الثاني يثبته الحس و العيان ثبوت الشمس في رابعة النهار .

أما العنصر الثالث و هو العلاقة بين النار و الاحتراق فهو عنصر شديد الخفاء و الغموض ؛ بسبب أن برهان الحس و العيان و المشاهدة لا يُثْبت لحواسِّنا أن النار هي التي أحدثت الاحتراق و خلقَتْه في القطن أو الورق ، و كل ما تثبته المشاهدة هو أن ظاهرةً أولى حدثت ، و هي النار ، أعقبتها في الحدوث ظاهرة ثانية هي : الاحتراق ، و لا شيء بعد ذلك مما يتعلق بهاتين الظاهرتين ؛ و إذا ما رمزنا إلى النار برمز (أ) ، و للاحتراق برمز (ب) ، فإن كل ما في أيدينا من براهين و أدلة لا يقول أكثر من أننا تعودنا أن نري (ب) تحدث كلما حدث (أ) ، أما أن (أ) هي التي أَوْجدت (ب) و خَلَقتْها فهذا ما لا أعرفه ، فقد تكون (أ) هي التي أَوْجَدَت (ب) ، و قد تكون هناك قوة أخرى هي التي أَوْجَدتْ (أ)و (ب) معًا.

هذا التساؤل تصدى له بعض من عظماء الفلاسفة و المتكلمين من المسلمين ، و بعض من فلاسفة الغرب في العصر الحديث ؛ لما له من اتصال مباشر بمسألة الاستدلال على وجود اللَّه _ تعالى ! _ بدليل العِلَّة و ال معلول ، و قد كانت لهؤلاء و هؤلاء أنظار بالغة الدِّقَّة و العُمق الفلسفي ، و يهمنا منها _ في هذه العجالة _ موقف الأشاعرة ، و بخاصة عند الإمام الغزالي _ رحمه اللَّه !_.

و ربما يَنفرد الإمام الغزالي بصراحته المطلقة في اقتحام هذه المشكلة ، و هو يُقرِّر أنه ليس بصحيحٍ ما نعتقده من أن السبب _ او العِلَّة _ في عالم الأشياء و الظواهر الإنسانية و الطبيعية يُوجِد المسبَّب او ال معلول ، و مِن ثَمَّ ليس صحيحًا أن ( النار ) هي التي توجِد الاحتراق أو تحدثه ؛ و الصَّحيح أن مَن أوجد الاحتراق _ عند ملاقاة النَّار للقطن _ هو : اللَّه _ تعالى ! _ و حده.

و حين يعترض معترض على الإمام الغزالي بأن المشاهدة _ و هي أقوى الأدلة و البراهين _ تؤكِّد أنه كلما حدثت ملامسةُ النار للقطن حدث الاحتراق ، و أننا لم نر قُطْنًا يحترق بدون نار ، و أن هذا الارتباط الذي لم يتخلف مرة واحدة في عالم المشاهدات لهو البرهان الساطع على أن النار هي فاعلة الاحتراق ، و أن العلاقة بين الأسباب و المسببات هي علاقة عِلَّة ب معلول ، أو مُحدِث بحادث ؛ كالعلاقة بين الأكل و الشبع ، و الماء و الرِّيِّ ، و آلات القتل و إزهاق الأرواح ، و غيرها من آلاف آلاف التجارب و المشاهدات.

و حين يُعترض بهذا الاعتراض فإن الإمام الغزالي يتصدى لتفنيده بأدلة عقلية و تجريبية يصعب ثردها في مقالات .

و لكن بمكن تلخيصها فيما يلي : 

أولا : إن الأسباب كلها هي من عالَم الجمادات التي لا علم لها و لا إرادة و لا مشيئة ؛ و الخَلْقُ و الإيجادُ _ الذي هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود _ لا يمكن أن يحدث من علة _ کالنار مثلًا _ لا علم لها و لا إرادة و لا مشيئة ، و الإخراج من العدم إلى الوجود لا بُدَّ له من فاعل عالم بما يخرجه و مريد لخروجه من العدم للوجود.

ثانيًاو : حجر الزاوية في بناء المذهب الأشعري بعامة ، سواء فيما يتعلق بأصول الدين أو في فروعه _ هو المبدأ المنطقيُّ الثابت ، و الذي يُقرِّر أنَّه لا فاعل و لا مؤثِّر في الأكوان و الأشياء و المخلوقات كلها إنسانية أو طبيعيَّة إلَّا (( اللَّه )) _ تعالى !_ وحده ؛ و أَصْلُ ذلك _ عند الأشاعرة _ أن صفة (( القدرة )) الإلهية شاملة و عامة لا يخرج عنها مقدور واحد من مقدورات الكون ؛ و يلزم على ذلك أمران : 

الأول : أن اللَّه هو _ وحده _ الخالقُ و الموجدُ و الفاعل في كل ظواهر الكون و أشيائه و العلاقات بينها.

الثاني : لا شيء في هذا الكون يمكن أن يستقل بالتأثير في شيءٍ آخر.

و قد تغلغل هذا المبدأ في المذهب الأشعري ، و حَكَم كل تصورات الأشاعرة وأنظارهم سواء في الإلهيات أو الطبيعيات أو الأخلاقيات ؛ و من هنا يصعب جِدًّا إن لم نقل : يستحيل_ أن يجتمع _ في مذهبهم _ الاعتقادُ بشمول القدرة الإلهية لكل المقدورات و عمومها لسائر الممكنات ، ما كان منها إنسانيًّا و ما كان طبيعيًّا ، و الاعتقاد بثبوت أي تأثير لأي شيء غير اللَّه _ تعالى !_ بما في ذلك الأسباب والمسببات ، و ما يبدو للعيان من تأثير بعضها في بعض ، فالجميع بين هذين الطرفين هو جمع بين نقيضين يستحيل اجتماعهما معًا.

ثالثًا : أما اعتراض الخصوم بأن تكرار حدوث المسبَّب بعد حدوث سببه ، كاف في إثبات علاقةٍ حتميَّةٍ و ضروريَّةٍ ، هي علاقة التأثير و التأثُّر بين السبب و المسبَّبة ، فإن الإمام الغزالي ، يَردُّ هذا الفرض و يستبدل به فرضًا آخر يؤكد فيه أن العلاقة بين السبب والمسبَّب ليست علاقة تأثير و إيجاد ، و إنما هي علاقةُ (( اقترانٍ )) عادي ، أو تجاورٍ متكرِّرٍ ، و أن تكرار الاقتران بينهما و تتابعه بحكم العادة التي سنَّها اللَّه _ تعالى ! _ لتسيير عالَم الكائنات و الأشياء _ هو الذي خَدَعَنا و جعلنا نعتقد أن السَّبب يستتبع مُسبَّبَه لا محالة ؛ و أن النار هي التي فعلت الاحتراق وأحدثته ، و إلَّا فإنَّ مجرَّد (( الاقتران )) الدائم بين ظاهرتين لا يدلُّنا _ عقْلًا و لا مشاهدةً_ على أن إحداهما علة مُوجدة ، و الأخرى معلولة لها في وجودها ، حتى لو تكرر ذلك ملايين الملايين من المرات ، و إذن فالبرهنة على إثبات هذه العلاقة _ حِسًّا أو عقلًا _ لا سبيل إليها.

بل يذهب (( الإمام )) إلي ما هو أبعد من ذلك فيُقرِّر أن في إمكان القدرة الإلهية أن تُحدِث (( الاحتراق )) من غير نار ؛ و الشِّبع من غير طعام ، و الموت بغير سبب يؤدي إليه..

و في مقدورها أن تُلامس النار القُطْن و لا يحترق..

و ما ذهب إليه الأشاعرة في هذه القضية يتناقض جذريًّا مع ما ذهب إليه بعض فلاسفة المسلمين المتأثرين بالفكر الإغريقي كالفارابي و ابن سينا مِمَّن قالوا بأن الأسباب_ طبيعية أو غير طبيعية _ تؤثر بطبعها اضطرارًا لا اختيارًا ، فالنار هي التي تحرق بطبعها في كلِّ زمانٍ و مكانٍ ، و في جميع الأحوال والظروف ، و لا دَخْلَ لأيِّ مؤثِّر آخر غير طبيعتها التي طبعها اللَّه عليها ، متى تحقَّقت الشروط ، و انتفت الموانع .

و حين نحتكم إلى القرآن الكريم فإنه يتبيَّن لنا _ في و ضوحٍ_ أن مذهب الأشاعرة في هذه القضية هو أصحُّ المذاهب على الإطلاق ، فقد أثبت القرآن الكريم أن النتائج التي تعقب الأسباب مرهونة بقدرة اللَّه تعالى و تدخُّله في كل مثال من الأمثلة التي يُخيَّلُ إلينا _ فيها _ أن الأسباب هي التي تُوجِد النتائج المنتظرة بعد حدوثها ؛ انظر إلى قوله تعالى في قصة إبراهيم _ عليه السلام _ وقَدْ ألقوه في قلب جحيم مشتعل من النيران : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ }{ الأنبياء : ٦٩ }.

و محل الشاهد في الآية الكريمة أن (( النار )) توفرت لها كل شروط الإحراق ، و إلَّا أن (( احتراق إبراهيم بها )) لم يحدث ، مما يدل المؤمنين باللَّه _تعالى!_ على أن نتائج الأسباب مصيرها بيده_ سبحانه!_ إن شاء حدوثها حدثت ، و إن لم يشأ لم يحدث ، و ليس مصيرها بيد أسبابها تحدثه بذاتها أو بطبيعةٍ ثَبَّتها اللَّه فيها ؛ و لو كان الأمر كذلك ، و كانت النار تحرق بطبيعتها ، لما تخلَّفت طبيعة الإحراق عن النار في قصة إبراهيم _ عليه السلام!_ لأن القاعدة العقلية تقرر أن (( ما بالذات لا يتخلف )) .

و قل مثل ذلك في قصة إسماعيل _ عليه السلام !_ فقد قُدِّم للذبح و اتُّخِذَت أسباب الموت من آلة حادَّة ، و مباشرة للقطع و الذبح ، إلَّا أن الموت لم يحدث ، و قُل مثل ذلك _ أيضًا _ في الطريق اليابس الجاف الذي ضُرِب في عرض البحر لإنقاذ موسى _ عليه السلام!_ و مَن معه ، و حولهم المياه تصطفق يمينًا و يسارًا كالجبال دون أن تطبق عليهم و تغرقهم ؛ بل قُل مثل ذلك في سائر معجزات الأنبياء و المرسلين ، فإنها لا تفسير لها إلَّا التسليم بأن علاقة التأثير و التأثُّر بين السبب و المسبَّب ، و العلة و ال معلول ليست حتمية و لا ضرورية ، و أن ما بينهما ليس إلَّا تجاورًا و تتابعًا في الحدوث .

و السؤال المحوري الآن ، هو : ما العلاقة بين هذا (( التحليل )) و بين (( التوكل على اللَّه )) موضوع المقال و المقالات السابقة؟

و الإجابة بإيجاز ، هي : أن المؤمن مأمور في موضوع التوكل بأمر عمليٍّ ، و أمر اعتقاديٍّ.

_ أما الأمر العملي فهو ضرورة اتخاذ الأسباب و مباشرتها.

_ و أما الأمر الاعتقادي فهو الإيمان بأن هذه الأسباب ليست هي (( العلة الموجِدة )) لما يحدث معها _ او بعدها _ من مسبَّبات أو نتائج ، أما المُوجِد و الفاعل و المُحْدِث لها فهو اللَّه _ تعالى!_ وحده لا شريك له … و بعبارة الأشاعرة : (( يخلق اللَّه المسبَّبات عند اتخاذ أسبابها لا بها )).

و نختم مقالنا بمثال محسوس يعين على تصور مذهب الأشاعرة في هذه القضية البالغة الدِّقَّة ، و هو مثال العلاقة بين ( القلم ) كسبب و ( الكتابة ) كمسبَّب ، فأنت لا تستطيع أن تقول : إنَّ مَنْ أحدث الكتابة هو ( القلم ) و حده و بذاته أو بطبيعته و في استقلال عن الكاتب ؛ لأن القلم _ بذاته _ جمادٌ لا يَعي ما الحروف و لا الكلمات ، و هو مفتقر في (( حدوث )) الكتابة بعده إلى ذات أخرى مستقلة تحركه أو لا تحركه و هنا _ في هذا المثال _ما أشبه النار في مثال الاحتراق ، بالقلم في مثال الكتابه ، فكما يحتاج القلم في حدوث أثره إلى ذات تحركه فتحدث الكتابة ، فكذلك النار تحتاج في حدوث الاحتراق إلى ذات تحدثه ، و إذا كان القلم لا تحدث عنه الكتابة بدون تدخل الكاتب ، فالنار لا يحدث عنها الاحتراق بدون تدخل القُدرة الإلهيَّة و قَبْضتِها التي تمسك السموات و الأرض أن تزولا.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


الاثنين، 7 أغسطس 2023

الـتَّـوكُّـل…٢ Tawakkul_2


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

في موضوعِ اليوم نناقِشُ دعوَى مَن يزعمون أنَّهم يتوكَّلون على اللَّهِ وحدَه دُونَ الأخذِ بالأسبابِ رغمَ وُرودِ الشَّرعِ بوجوبِ الأخذِ بالأسبابِ ، و سوف نناقش ونكمل ما شرعنا فيه عن موضوع   👈التَّوكِّل 👉.

أنَّ الرَدْ على هؤلاءِ و أمثالِهم : أنَّهم بذلك يخالِفُون صريحةً ؛ القرآنِ الكريمِ ، و صحيحَ السُّنَّةِ النبويَّةِ مخالفةً صريحةً ؛ فقد ضرَب النبيُّ _ﷺ ! _ لنا مَثلًا بيَّنَ فيه حقيقةَ التوكُّلِ ، وارتباطَه _ أشدَّ الارتباطِ _ بالأخذِ والأسبابِ التي تؤدِّي إلى مُسبِّباتِها ، و ذلك في قوله ﷺ : (( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكَّلِهِ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُوا خِماصًا و تَرُوحُ بِطانًا )) …*(١).

و رغمَ وُضوحِ الحديثِ الشَّريفِ في لَفتِ الأنظارِ إلى ضرورة سبقِ الأسبابِ للمُسبَّباتِ في هذا المِثالِ إلَّا أنَّ هؤلاءِ يُغالِطونَ و يَلْغَوْن في فهم الحديثِ بما ينسجِمُ مع أهواءَهم ، فيفهمون منه أنَّ _ الطَّيرَ_ لم يَكُنْ لها حولٌ و لا قوَّةٌ ، و لا عملٌ تقدِّمُه بينَ يدَي طلبِ الرِّزقِ ، و أنَّ اللَّهَ تعالى رزقَها لمجَرَّد التوكُّلِ عليه دُونَ اتِّخاذِ أيِّ سببٍ مِنَ الأسبابِ ، و هم يتعامَوْن عن الإشاراتِ العديدةِ التي تؤكِّدُ أن _ الطيرَ_ إنَّما رُزِقَ ( بالتوكُّلِ ) المقرونِ باتخاذِ (( الأسبابِ)) من الغُدوِّ في الصَّباحِ ، و مفارقَةِ الأعشاشِ و الأوكارِ خِماصًا ، : _ خاويةَ البطونِ _ ، ثم تَلَمُّسِ الأشجارِ و البحثِ عن مواطنِ الرِّزقِ المختلِفَةِ ، ثم الرُّجوعِ بعدِ الزَّوالِ بطانًا ، : أي _ ممتلئةَ البُطونِ.

و هذه السلسةُ هي _ في حقيقتِها _ إنما هي أسبابُ و أعمالٌ قدَّمتها جماعاتُ الطَّيرِ و هي تطلبُ الرِّزقَ مِنَ اللَّهِ تعالى ، ولو كان المقصودُ مِن الحديثِ إثباتَ حصولِ الرِّزقِ بسببِ التَّوكُّلٌ و حدَه دُونَ حركَةِ الطَّيرِ و غدُوٌّها و بحثِ كلٍّ مِنهما عما يناسِبُه مِن الأشجارِ و الثِّمارِ _ فلماذا ربطَ اللَّهُ تعالى بينَ كل هذه الحركاتِ و بينَ حَصولِ الرِّزقِ ربطَ المسبَّبِ بالسَّببِ ؟! و لماذا لم يرزقْها و هي في أعشاشِها دُونَ تَكَلُّفِ الطَّيرانِ و الارتحالِ و البحثِ عن مصادرِ القُوتِ ، ما دامَ قد صحَّ منها التوكُّلُ على اللَّهِ ، و اللَّهُ تعالى قادرٌ على أن يرزقَها بمجرَّدِ التوكُّلِ ؟! 

وقد سبَق القرآنُ الكريمُ السُّنَّةَ المشرَّفَةَ في تقريرِ هذا التَّلازُمِ بينَ ضرورةِ اتِّخاذِ السَّببِ و حصولِ ما يترتَّب عليه مِن رِزقٍ أو غيرِه ، و ذلك في قِصَّةِ (( مـريـمَ )) _ عليها السَّلامُ ! _ في قولِه تعالى : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا }{ مريم : ٢٥ }.

و قد كان اللَّهُ _ تعالى ! _ قادرًا تمام القُدرةِ ، بل أَتَمَّها ، على أن يُسقِطَ الرُّطبِ ابتداءً على_ مريم_ دُونَ أن يُكَلِّفَها فعل أيِّ شيءٍ ، لكنَّه أمرَها بأن تَهُزُّ جِذْعَ النَّخلَةِ ، رغمَ تَعبِها و إعيائِها ليبيِّنَ لنا سُنَّتَه _ تعالى ! _ في ضرورةِ اتِّخاذِ الأسبابِ جنبًا إلى جنبٍ مع _ التوكُّلِ_ و هذا هو التوكُّلُ _ الشرعيُّ الذي أمرَ اللَّهُ به عبادَه و في طليعَتِهمُ الأنبياءُ و المرسلون و المؤمنون به ؛ و معناه باختصارٍ : انحصارُ الاعتقادِ بأنَّ اللَّهَ _ تعالى !_ هو وحدَه الذي يُحدِثُ المسبِّباتِ و يوجدُها و يخرجُها مِن أسبابها ، و أن_ الأسبابَ_ ليست إلَّا مُجرَّدَ إجراءٍ وضعَه اللَّه تعالى يسبِقُ حدوثَ المسبباتِ ، لكنَّه لا يؤثِّرُ في حدوثِها ، و أنَّ العَلاقَةَ بينَ الأسبابِ و ما ينتجُ عنها من مسبَّباتٍ هي مِن بابِ _ التَّجاورِ _ أو _ السَّبقِ _ في الوقوعِ ليس إلَّا ، و ليست مِن بابِ التأثيرِ مِن أحدِهما في الآخَرِ ، لا مِن قريبٍ و لا من بعيدٍ .

تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ

                        وَ لا تَرْغَبَنْ فِي العَجْزِ يَوْمًا عَنِ الطَّلَبْ(٢)

أَلَــمْ تَـرَ أَنَّ الـلَّـهَ قَـالَ لِـمَـرْيَـمٍ

                                وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ

وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزَّةٍ 

                                      جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَـهُ سَبَبْ.

نعم ! هؤلاء الذين يقولن : نكتفِي بالتَّوكَّلِ على اللَّهِ ، و ليس بلازم أن نتحرَّزَ و نحتاطَ ونفكر في كل شيءٍ _ و ان ما قدِّر اللَّهُ و شاءَه سوف يقعُ ، سواء احترزنا أم لم نحترِزْ _ هؤلاء يخرجون على توجيهات القرآن الكريمِ و السُّنَّةِ النبويَّةِ الصحيحةِ ، و تحضُرُني هنا قصَّةُ سيِّدنا عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللّٰه عنه _ مع أُناسٍ مِن أهلِ اليمنِ ، كانوا يُلقِّبون أنفسَهم بالمتوكِّلِينَ ، و كانوا يخرجُون إلى الحَجِّ بدُونِ زادٍ و لا ماءٍ و لا راحِلَةٍ ، و قد رآهم (( عُـمَـرُ )) على هذه الحالِ فقالَ لهم : (( مَن أنتم ؟ قالوا : نحن ( المتوكِّلُونَ ) ، قال : بل أنتم 

( المتأكِّلون ) أي : تأكلون مِن كَسبِ غيرِكم ، و إنَّما المتوكِّلُ الذي يُلقِي حبَّةً في الأرضِ ثُمَّ يتوكَّلُ علَى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ ))…*(٣).

و حكي عنه أيضًا أنَّه أنكَر على جماعةٍ جَلوسَهم في المسجِدِ بعدَ صلاةِ الجُمُعَةِ ، و قال لهم (( لا يَقْعُدَّن أحدُكم عن طَلَبِ الرِّزقِ و يقولُ : ( اللَّهُمَّ ارزقني! ) و قد عَلِمَ أنَّ السَّماءَ لا تُمْطِرُ ذَهَبًا و لا فِضَّةً ))…*(٤).

و مما يجِبُ أن يعتزَّ به المسلِمُ أيَّما اعْتزازٍ في بابِ _ تعظيمِ _ العملِ و شَرفِه و وجوبِه _ على القادرين _ في جميعِ الأحوالِ و الظُّروفِ و المناسباتِ قولُه ﷺ ! : (( إذا قامَتِ السَّاعةُ و بِيَدِ أحدِكُم فَسِيلةٌ فإنِ استطاع ألَّا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليفعَلْ )) …*(٥).

و معنَى الحديثِ : لو انَّ الأرضَ زُلزِلَت و قامَتِ القيامَةُ ، و في يَدِ مسلِمٍ شَتْلَةُ نَباتٍ صغيرةٍ ، فإن استطاعَ أن يزرَعَها و يَغْرِسَها في الأرضِ فواجبٌ عليه شرعًا أن يغرِسَها.

و قد يَرِدُ _ في هذا السِّياقِ _ تساؤلٌ مشروعٌ ، هو : كيف يتوَجَّهُ على المسلِمِ أَمرٌ شرعيٌّ بالقيامِ بعملٍ يَتَيقَّنُ كُلَّ اليقينِ أنَّه لا جدوَى منه ، بل يراه في مثلِ هذه الظُّروفِ عبثًا و ضَرْبًا مِن كواذب الأوهام و الأماني ؟! 

و الجوابُ : أنَّ العملَ في شريعةِ الإسلامِ و اجبٌ شرعيٌّ متى بَقِيَ للمسلمِ قَدْرٌ مِن عقلٍ و قدرةٍ على القيامِ به ، بغَضِّ النَّظرِ عمَّا يترتَّبُ على هذا العمل من ثمارٍ أو نتائجَ.

و الإسلامُ يتفرَّدُ بهذه النَّظرةِ إلى _ العمل _ و قيمَتِه ، و يَطْلُبُه لذاتِه أوَّلًا قبلَ أن يكونَ مطلوبًا لغيرِه ، لأن الهدفَ مِنَ العملِ في الإسلامِ أعمُّ من أن يكونَ منفعةً لشخصٍ أو أسرةٍ أو مجتمعٍ ، و إنَّما الغايةُ منه منفعةُ الإنسانيَّةِ بأسرِها على اختلافِ الزَّمانِ و المكانِ.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_________________________________________

*(١) أخرجه التِّرمذيُّ في (( جامعه )) (٢٣٤٤) و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : حديث حسن صحيح .

_________________________________________

*(٢) الطَّلب : اتخاذ السبب .

_________________________________________

*‏(٣) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (٥٢٤) ، و الحديث أصله في صحيح البخاري ( ١٥٢٣ ) من حديث ابن عبَّاس _ رضي اللّٰه عنه ، بسياق مختصر.

_________________________________________

*‏(٤) أخرجه ابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) : ٣٤٢/٢ ، و الغزالي في ( إحياء علوم الدين ) : ٦٢/٢.

_________________________________________

*‏(٥) أخرجه أحمد في ( المسند ) : ( ١٢٩٨١ ) ، و البخاري في ( الأدب المفرد ) : ( ٤٧٩ ) من حديث أنس رضي اللّٰه عنه.

__________________________________

الجمعة، 4 أغسطس 2023

Tawakkul _ الـتَّـوكُّـل...1


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

ما هو التوكُّلُ في الإسلام ؟

إن الإجابةَ على هذا التساؤلِ ، و أمثالِه ، تقتضينا أوَّلًا أن نعرِفَ معنَى (( التَّوكُّل )) في الإسلام ، فماذا يعني التَّوكُّل في شريعةِ هذا الدِّينِ القَيِّمِ ؟

و قبل أن نناقش هذا السؤالِ المحوريِّ في موضوعِ التَّوكُّلِ على اللَّهِ تعالى ، أوَدَّ أن ألفِتَ الأنظارَ الى أن كثيرًا مِنَ العلماءِ نبَّهُوا إلى (( خطأٍ )) شديدٍ يقعُ فيه بعضُ عوامِّ المسلمينَ ، و ذلك حين يفهمون التَّوكُّلَ على أنَّه تفويضُ الأمرِ إلى اللَّهِ تعالى و إرادتِه و قدرتِه و تدبيرِه ، و لا يقيمون و زنًا للأسبابِ التي أمَرَ اللَّهُ باتخاذِها في التَّوكُّل عليه جنبًا إلى جنبٍ ، بل يَعْتدي البعضُ على هذا الأمر الالهيِّ و يتركُ الأسبابَ انتظارًا لقضاءِ اللَّهِ و قَدَرِه .

و في الحقيقةِ هذا الصِّنفُ مِنَ المسلمينَ قليلٌ جِدَّا ، و أغلَبُ الظَّنِّ أنهم يتركون الأسبابَ كسَلًا و تقاعُسًا و مَيلًا إلى الراحةِ و الخمولِ ، و يقدِّمُون مثلَ هذه الأعذارِ تبريرًا لهذا الكسل .

و قد دفع هذا السلوك أعداء الأسلام لاتهامه بأنه السببُ في ما حَلَّ بالمسلمينَ مِنَ الضَّعفِ و الهوانِ و الفَقرِ و الجهلِ .

و هذا الاتِّهامُ هو مِن جملةِ أكاذيبِ بعضِ المستشرقِينَ و المبَشَّرينَ الذين ربطُوا بينَ نَجاحِهم في مهماتهِم الاستعماريَّةِ و بينَ زعزعَةِ ثقةِ المسلمين في دينِهم و قُرآنِهم و سُنَّةِ نبيِّهم ﷺ ، و لسنا بصَدَدِ تفنيدِ هذه الأكاذيبِ و الأباطيلِ ، و يكفي أن نقولَ : إنَّ مَن يُلقِي نظرةً منصفةً على تاريخ المسلمينَ يُدرِكُ على الفَورِ أنَّ ما حَلَّ بالمسلمينَ من ضَعفٍ إنما كان نتيجةَ ابتعادِهم عن تعاليمِ دينِهم ، و أنَّ حضارَةَ المسلمينَ العلميَّةَ و الأخلاقيَّةَ _ التي امتدت مِن إسبانيا إلى الصين في وقتٍ قصيرٍ _ إنَّما تحقَّقَت حين كان المسلمونَ يتوكَّلُون على اللَّهِ وحدَه و يفعلونَ ما أُمِرُوا به مِن اتخاذِ أسبابِ القُوَّةِ الماديَّةِ و الرُّوحيَّةِ ، و كيف يُتَّهَمُ الإسلامُ بأنَّه دِينُ الكَسَلِ و التَّحريضِ على تَركِ (( الأسباب)) و القرآنُ يأمُرُ المسلمِينَ أمرًا صريحًا باتخاذِ الحَيطَةِ و الحَذَرِ و الأسبابِ ؟

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذْرَكُمْ }{ النساء : ٧١ }.

{ وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }{ الانفال : ٦٠ }.

{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }{ الشوري : ٣٠}.

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ }{ الرعد : ١١ }.

و نعودُ إلى سؤالٍ : (( ما هو التوكُّلُ في الإسلامِ ؟)) و الإجابةُ هي : أنَّ حقيقةَ التَّوكُّلِ على اللَّهِ _ في الإسلامِ _ تتركَّبُ من أمرَيِن لا بُدُّ مِنهما : 

الأمرُ الأوَّلُ : اتِّخاذُ الأسبابِ التي أمَر بها الشَّرعُ.

الأمرُ الثاني : الاعتقادُ بأنَّ الأسبابَ لا تعمَلُ عَمَلَها إلَّا بإرادةِ اللَّهِ تعالى و أمرِه إيَّاها أن تَعمَلَ أو لا تعمَل ، و هذا هو معنَى تفويضِ الأمرِ للهِ تعالى .

و إذن فالتَّوكُّلُ الشَّرعيُّ الحقيقيُّ هو مجموعُ الأمرَيْنِ : 

اتخِّاذ الأسبابِ و تفويضُ الأمر إلى اللَّهِ تعالى ، و المسلِمُ المتوكِّلُ على اللَّهِ حَقَّ التَّوكُّلِ هو الذي يتخِذُ كُلَّ الأسبابِ الممكِنةِ ثم يُفَوِّضُ أمرَه إلى ربِّه ، و معنَى التَّفويضِ : أن يعلَمَ عِلمَ اليقِين أن_ الأسبابَ_ رغمَ وجوبِ اتخاذِها فإنَّ ما يترتَّبُ على اتخاذِها مِن نجاحٍ أو فشلٍ في النتائج المنتظرةِ مرهونٌ بإرادةِ اللَّهِ تعالى وحده ، و ليس لها دخلٌ في تحقيقِ النتائجِ أو فشلِها.

الأمرُ بالتَّوكُّلِ :

و التوكُّلُ بالمعنَى الذي تقدَّم ليس متروكًا لاختيارِ المسلِمِ و حريَّتِه في أن يلتزِمَ به ، أو يُلقِيه جانبًا ثم يعتمِدُ في طلَبِ حاجاتِه على اجتهادِه فقط ، او يعتمِدُ على اللَّهِ دُونَ الأخذِ بالأسبابِ ، و يزعُمُ أنَّ كُل شيءٍ بقضاءٍ وقَدَرٍ ، فلا معنَى لاتخاذِ الأسبابِ و لا داعِيَ لها ، نقولُ : إنَّ التوكُّلَ بالمعنَى الشَّرعيِّ الذي أوضحناه هو مِنَ الأوامرِ الشرعيَّةِ التي يأثَمُ المسلِمُ إذا خالفَها و خرَج في عملِه واعتقادِه عن مقتضاها ، و الدَّليلُ على أهميَّةِ التوكُّلِ و خطرهِ في حياةِ المسلم هو أن اللَّهَ تعالى أمَر به النبيَّ بل و الأنبياءَ مِن قبلِه ، صلواتُ اللَّهِ و سلامُه عليهم أجمعينَ ، كما أمرَ به المؤمنينَ كافَّةً فقالَ _ حكايةً عن حالِ جميعِ المرسلينَ السابقِينَ _: 

{ وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }{ إبراهيم : ١٢}.

و يقولُ على لسانِ سيِّدِنا نوحٍ عليه السلام : { يَٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ }{ يونس : ٧١ }.

و على لسانِ هودٍ عليه السلام : { إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ }{ هود : ٥٦}.

كما جاء الأمرُ صريحًا للنبي ﷺ بأن يتوكل على الله في أكثر من آيةٍ : 

{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ }{ هود : ١٢٣ }.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }{ الفرقان : ٥٨ }.

{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }{ النمل : ٧٩ }.

{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }{ التوبة : ١٢٩ }.

كما أمَر اللَّهُ المؤمنينَ كافَّةً بالتوكُّل عليه في قولِه تعالى

{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }{ التوبة : ٥١ }.

{ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }{ المائدة : ٢٣ }.

و لا تقتصِر أهمية التوكل على ما ورد في القرآن الكريمِ مِن أوامِرَ صريحةٍ ، بل نجدُها في السُّنَّةِ النبويَّةِ و بما لا يستوعِبُه مقالات و مقالات ، و يكفينا في هذا السياقِ الجوابُ العلميُّ الذي أجابَ به النبيُّ ﷺ صاحِبَ النَّاقَةِ ، حينَ سألَه : هل يعقِلُها أو يُطْلِقُها و يتوكَّلُ على اللَّهِ ؟ فقال النبي ﷺ : (( اعْقِلْها و تَوَكَّلْ ))…*(١) ، و كذلك قوله ﷺ في الحديثِ الصَّحيحِ (( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكَّلِهِ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُوا خِماصًا و تَرُوحُ بِطانًا )) …*(٢).

و هذا باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_________________________________________

*(١) أخرجه ابن حبان في (( صحيحه )) (٧٣١) من حديث عمرو بن أمية رضي الله عنه.

_________________________________________

*(٢) أخرجه التِّرمذيُّ في (( جامعه )) (٢٣٤٤) و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : حديث حسن صحيح .

_______________________________________








  

الجمعة، 14 يوليو 2023

الـجِـدالُ arguing


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

مِمَّا أُصيبَت به مجتمعاتُنا في العَقْدِ الأخير صناعةُ الجدال ، وادِّعاء المعرفة بلا سقف ، و القُدرةُ على التحدُّث في موضوعاتٍ بالغة التعقيد متنوعةِ المجالِ ؛ حديثَ الخبيرِ الذي يعرف الأكَمَةَ و ما وراءَها ، ويُدلي بأعاجيبَ من القولِ و أفانينَ من التَّحليلات لا يستندُ معظمُها إلى أيِّ أساسٍ ممنهجٍ من عِلمٍ أو دراسةٍ مُتخصِّصَةٍ ، و قد تولَّدتِ عن هذه الجائحةِ جائحةٌ أكبر تمثَّلت في الجرأة على حُرْمَةِ التخصُّص العلمي ، ومكانةِ العلماء المتخصِّصين مِمَّن أفنوا زَهرات أعمارِهم و سَكبوا ماء عيونهم في الدِّراسَةِ و التعلُّم و البَحْث.

و أصبحَ الجميعُ يعرِفُ كلَّ شئ عن أي شيءٍ ، و قد أصابَ التخصُّصَ في العلم الإسلامي : عقيدةً و شريعةً و أدبًا و لغةً و ثقافةً ، شيءٌ غير قليل مِمَّا تموج به السَّاحةُ من هذا الجدَل المنفَلِت من ضوابطِ المعرفةِ و الحوارِ العلميِّ و الثَّقافي.

و يُسَوِّغُ هؤلاء المجادلون هجومَهم هذا ، بأباطيلَ زعمُوا فيها أنَّ الإسلام ليسَت عِلْمًا بالمعني الذي تتمتِّعُ به العُلومُ المعاصِرةُ من تخصُّصٍ دقيقٍ و دراسةٍ ممنهجةٍ ، و من ثمَّ يجب أن تُفتحَ الأبوابُ على مصاريعِها لكلِّ مَن هبِّ ودبَّ مِمَّن زعموا لنا أن مهمةَ إصلاحِ الإسلام و المسلمين تقعُ على عواتقِهم وحدَهم دونَ غيرِهم ، من المتخصِّصينَ في العِلم الإسلامىِّ.

و لقَد أشارَ القُرآنُ الكريمُ _ أعزائي_ إلى أشباهٍ لهؤلاءِ المجادلينَ في أوئِلِ سورةِ الحَجِّ ، و ذكَّرهم أوَّلًا في الآيتَينِ الثالثةِ و الرابعةِ ، ثم أعادَ ذكرَهم في الآيتين السَّابعة والثَّامنة .

وفي الآيتينِ الأولَيينِ ترتسِمُ معالمُ هؤلاءِ المجادِلين في صورة طائفة من جُهلاءِ النَّاس يُجادلون في (( اللَّه )) دون سابقِ علمٍ ، تَدمَغُهمُ الآيةُ الكريمةُ بالجهلِ و اتِّباعِ أخبثِ فصائلِ الشَّياطينِ و هم المردَةُ ، و أنَّ اللَّهَ كتبَ على مَن يتَّبِعهم من الناس سوءَ المصير : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)}{ الحج : ٣_٤} ، ثم تكتمِلُ الصورةُ في الآيتَين : الثَّامنة و التَّاسعة فيظَهرُ هؤلاءِ في صورةِ جُهلاء يجادلونَ في اللَّهِ دونَ رجوعٍ إلى علمٍ ولا استدلالٍ و لا كتابٍ يضيءُ لهم بدلالاتِ العَقلِ و النقَّلِ طريقَ ما يجادلونَ فيه ، وذكرَ في وصفِهم أنَّهم أهلُ كِبرٍ ، يُميلون أعطافَهم إعْرَاضًا و تكَبُّرًا ، و أهلُ ضلالٍ و إضلالٍ للنَّاس عن طريقِ الحَقِّ ، و نصيبُهم في الدنيا خِزْيٌ و هَوَانٌ من كثرة ما يذمهم النَّاس و يتأفَّفُون من ضلالهم ، إمَّا في الآخِرة فنصيبهم عذاب الحريق قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٩) }{ الحج : ٨_٩}.

و الجَدلُ 

هو : حوارٌ بين اثنين حولَ مسألةٍ واحدةٍ قابلةٍ للبَحثِ ، يُحاولُ كلٌّ منهما أن يصِلَ إلى حقيقةِ الأمرِ فيها عبر استخدامِ الحُجَجِ و البراهين ، و هو منهجٌ من مناهج البَحثِ العِلميّ التي تُفيد اليقينَ المسلمين ، وهو عِلمٌ إسلاميٌّ ، ابتكره المسلمون ولم يُعرف لغيرهم ، و له قواعِدُ و مسائلُ و قضايا وشروط و آداب إذا التُزمت كان جدلًا حسنًا مطلوبًا ، و إن أُهمِلت كان جدلًا مذمومًا.

ومن هنا انقسم الجدل في القرآن الكريم إلى جدل حسن ، كما في قوله تعالى : { ۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ }{ الـعـنـكـبـوت : ٤٦ } ،و قولـه : { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ }{ الـنحـل : ١٢٥ } ، و جدل مذموم كما في الآيات السابقة من سورة الحج و غيرها كثير.

و يُستعمَل الجِدالُ كثيرًا بمعنى الجدلِ المَذموم ، و يرادِفُه المراءُ ، و قد وردَت في ذمِّه أحاديثُ كثيرةٌ منها قوله ﷺ : (( مـا ضَـلَّ قـومٌ بـعـدَ هُـدًى كـانـوا عليهِ إلَّا أُوتُـوا الــجَـدَلَ ))…*(١) ؛ ثم تلا قوله تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًۢا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }{ الـزخـرف }.

و منها : ما ورد في الحثِّ عن الابتعادِ عن الجَدل بغيرِ عِلمٍ ، مثل ما روي عنه ﷺ من قوله : (( أنـا زعـيـمٌ بـبــيـتٍ ربَـضِ الـجـنَّـةِ لِـمَـن تَـرَكَ الـمِـراءَ و إن كـان مُـحِـقًّـا ))…*(٢) ؛ و ذلك العواقبِ الوخيمةِ التي تترتبُ على هذا النوع من الحِوارِ ، و التي تتمثَّل في صورة الغَضبِ أو اللُّجوءِ إلى الكذبِ حتي يغلِبَ صاحبَه ، أو ادعاءِ العِلم وذمِّ الخَصمِ ، و كلُّها عاهاتٌ خُلقُيَّةٌ مُهْلِكَة لكل من المتجادَليْن أو المتجادِليْن حول موضوع واحد.

عزيزي /تى القارئ !

مِما يتصل بموضوع انتشارِ الجدَل بغير علمٍ و لا ضوابطَ ، هذه الثِّقةُ في المعلوماتِ التي تُنْشر على الشَّبكاتِ العنكبوتيةِ ، و التعامُلُ معها كأخبارٍ و معلوماتٍ تتمتَّعُ بالصِّدقِ و يُعتمد عليها في الحوارِ الجادِّ ، بل وفي بناء مواقفَ علميَّة و خصومات شخصية.

و قد أصبحَ من السَّهل المعتادِ أن يُخبِرَك شخصٌ بنقدٍ لاذِعٍ لبعض الناس ، وحين تُنكر عليه يبادرُك بحجَّتِه التي لا يرتابُ في صدقها و يقول لك : _ مكتوبٌ على النَّت أو الفيس أو غيرهما.

و ذكر نبيَّ الإسلامِ صلواتُ اللَّه و سلامه عليه نبَّه قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان إلى كذب مَن يتحدَّث اعتمادًا على ما يسمعه دونَ تدقيقٍ أو تمحيصٍ ، و أن ذلكَ يكفي في أن يُوصم برذيلةِ الكَذبِ ، و يُسمَّى كذابًا ، ويكون عندَ اللَّهِ آثمًا .

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_____________________________________

يقول ﷺ : (( كَـفَـى بـالـمَـرْءِ كَـذِبًـا _ و في رواية : كـفـى بـالـمَـرْءِ إِثْـمًـا _ أنْ يُـحَـدِّثَ بـكُـلِّ مـا سَـمِـعَ ))…*(٣) و احذر أن تتحدث بكل ما تسمع حتي لا تُكتب عنداللَّه كذابًا آثمًا .

*(١) أخرجه التِّرمذيُّ في (جامعه)(٣٢٥٣) و ابن ماجه في (سننه)(٤٨) من حديث أبي أمامة الباهِليِّ رضي اللّٰه عنه ؛ و قال التَّرمذيُّ ( حديث حسن صحيح).

_________________________________________*(٢) جزء من حديث أخرجه أبو داود في (سننه)(٤٨٠٠) من حديث أبي أُمامة الباهِليِّ رضي اللّٰه عنه ؛ و معني رَبَضِ الجَنَّةِ : ما حَولَها خارِجًا عنها ، تَشْبيهًا بالأبْنِيَة التِي تَكُونُ حولَ المُدُنِ و تحت القِلاع ؛ انظر : (النهاية في غريب الحديث والأثر ) ١٨٥/٢.

________________________________

*(٣) أخرجه مسلم في(صحيحه)(المقدمة) : ٨/١ ، من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

_________





الاثنين، 15 مايو 2023

Suhaimi House _ بيت السحيمي

 




الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

 أكمل لكم موضوع  رسائل من الماضي  و الرسالة سوف تكون من بيت السحيمي و لكن إذا أردت عزيزي القارئ قراءة الرسالة اضغط هنا 👆

 هيا لنتجول في 

 ‏بيت السحيمي

و عند دخولك بيت السحيمي كزائر يجب عليك أن تجتاز رواقًا يسمى ( المجاز ) وهو مدخل منحرف وظيفة هذا الرواق هي حجب أهل الدار ، و يفضي هذا الرواق إلى صحن المنزل الذي يضم حديقة غناء تزينها النباتات و الأشجار و تطل عليها الغرف المختلفة ، يتوسط الصحن تختبوش وهو جزء مغطى ملحق بالفناء لجلوس الرجال صيفًا يضم دككًا خشبية مزينة بأشغال من خشب الخرط.


و الطابق الأرضي مخصص للرجال ، و يطلق عليه السلاملك ، و كان سيد المنزل يجلس في المندرة ليستقبل ضيوفه ، و مندرة بيت السحيمي غرفة واسعة منتظمة الشكل تنقسم إلى إيوانين بينهما مساحة منخفضة يطلق عليها الدرقاعة ، أرضية الغرفة من الرخام الملون ، و يمتد حول الجدارن الإيوانين شريط يحتوي على أبيات من بردة الإمام البوصيري مدونة بخط النسخ على ألواح خشبية تغطي كامل الغرفة بشكل دائري ، أما السقف فمن الخشب المكسو بالرسومات النباتية و الهندسية.

و في فصل الصيف ينتقل مجلس صاحب الدار إلى المقعد ، و هو شرفة في الدور الأول ذات واجهة مفتوحة على الجهة البحرية لها درابزين منخفض لتستقبل نسمات الصيف المنعشة.


و للنساء عالمهن الخاص الذي لا يصح اختراقه ؛ فهن كالدرر الثمينة يجب حجبهن من عيون الغرباء ، و كان مخصصًا لهن أجنحة في الدور الأول لا يدخلها سوى رب الدار و أقرب الأقرباء يطلق عليها الحرملك ، و تتكون الغرفة الرئيسية من إيوانين يتوسطهما فسقية من الرخام ، و تطل مشربيات الحرملك على صحن المنزل فتتيح للنساء رؤية الزائرين دون أن يطلع عليهن أحد.

و مما تتميز به غرف الحرملك في بيت السحيمي النوافذ العلوية المغطاة بالزجاج الملون المعشق بالجص على شكل زهور و أغصان ينفذ من خلالها ضوء الشمس و تنعكس الأشعة الملونه على أرضية الغرف مكونًا أشكالاً متنوعة ، كما تضم القاعات بعض الصناديق الخشبية المطعمة بالصدف و العاج كانت تستخدم في الزمن القديم لحفظ الثيات .

أما أجمل غرف بيت السحيمي فهي غرفة بالدور الأول كسيت معظم جدرانها بالقيشاني الأزرق ، و تضم مجموعة من أواني الطعام التي كانت تستخدم في المنزل حين كان عامرًا بأهله ، و لا يوجد في بيت السحيمي أسرة للنوم ، و كانت العائلات تنام على المراتب الصغيرة المكسوة بالقطيفة المزخرفة.


و يضم المنزل مطبخًا و حمامًا و موقدًا لتسخين الماء و حوضًا منحوتًا من قطعة واحدة من الرخام بالإضافة إلى خزان ، و المنزل مشيد على نظام ملاقف الهواء و هي أسقف مائلة مرتفعة لتستقبل الرياح البحرية و تدفع بها إلى الحجرات الجنوبية لتلطيف حرارة الجو.

و الجدير بالذكر في صحن بيت السحيمي شجرتان عمرهما من عمر المنزل ، إحداهما شجرة زيتون و الثانية شجرة سدر

 { نـبـق } مازالت أوراقهما خضراء يانعة ، كما يحتوي البيت على ثلاث آبار لتوفير المياه ، و يضم الفناء الخلفي ساقية لري الحديقة و طاحونة لطحن الحبوب و الغلال .

توجد قاعة في المنزل مخصصة لقراءة القرآن الكريم تطل على الحديقة مباشرة تضم كرسيًّا كبيرًا من الخشب الخرط كان مخصصًا للشيخ الذي يقوم بتلاوة القرآن الكريم ، و يتدلى من سقف هذه الغرفة مصباح كبير من النحاس المشغول للإضاءة و يقال إن بيت السحيمي مقام فوق أنقاض أبنية قديمة ترجع إلى العصر الفاطمي.


و لا يزال سكان الدار يخاطبوننا بكلامهم الهامس المدون فوق الجدارن و ينساب بسلاسة كاللؤلؤ المنثرو من خلال ما تركوه لنا من أبيات شعر منقوشة على الحوائط ، تحمل كل الحكم و القيم و تعكس الشيم الكريمة لأهل الدار.

رسائل فوق الجدران تصل إلينا من أعماق الماضي ، تحثنا على أن نقطف من أشجار الحكمة ثمرات النصيحة و ننهل من ينابيع النور ، بل هي أشبه بهتاف الصامتين .

يجد الإنسان نفسه محاطًا بالعبارات التي تحوي كل معاني الفضلية مدونة على الحوائط ، يسري نورها في الوجدان تخترق الروح و تكمن في خبايا النفس ، هي أبيات مختارة من بـردة { الإمام البوصيري } التي كتبها حبَّا في رسول اللّٰه ﷺ ، منثورة على الإزار الخشبي فوق حوائط المنزل يطالعها كل من يدخل الدار.


فـإن أمَّـارتـي بـالـسـوء مـا اتـعـظـت 

                              مـن جـهـلـهـا بنذير الشـيب و الـهـرمِ

مـن لـي بـرد جـمـاح مـن غـوايـتهـا 

                              ‏كـمـا يـرد جـمـاح الـخـيـل بـالـلـجـمِ

  فـلا تـرم بالـمعاصي كـسر شـهوتها 

  ‏ ‏                           إن الـطـعـام يـقـوي شـهـوة الـنـهـمِ

  ‏و النفس كالطفل إن تهمله شب على 

  ‏                           حـب الـرضـاع و إن تـفـطمه ينفطـمِ

  ‏كم حسَّنت لذة للـمـرء قاتله 

                             ‏ من حيث لم يدر أن السم في الدسمِ

  ‏و اخش الدسائس من جوع و من شبع

  ‏                               فـرب مـخـمـصـة شـر مـن الـتـخـمِ

  ‏و استفرغ الدمع من عين قد امتلأت

  ‏                                    من المحارم و الزم حمية الندمِ

  ‏و خالف النفس و الشيطان و اعصهما 

  ‏                                  و أن هـمـا مـحـضاك النصح فاتهمِ

  ‏أستغفر اللّٰه من قول بلا عمل 

                                    ‏ لـقد نـسبت بـه نـسـلا لذي عـقـمِ

  ‏أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به 

  ‏                                و ما استقمت فما قولى لك استقمِ

  ‏و لا تزودت قبل الموت نافلة 

  ‏                                 و لم أصـل سـوى فـرض و لم أصمِ 

  ‏

  ‏و الكتابات فوق الحوائط جزء من التواصل الإنساني الذي لا ينقطع ، و هناك و مضات مشرقة تربط الماضي بالحاضر ، على مدي التاريخ البشري الطويل و ما زال تفاعل الإنسان مع الجمال المحيط به من طبيعة و فنون و آداب يمنحه شحنات من السعادة و قدرة على إداركه و جوده و لمس و جدانه ، فيرتقي و يعلو بمشاعره ، فتذوق الجمال جزء من كيان الإنسان النفسي .

  ‏لقد فاض جمال الدار روعة الحكم الرفيعة المنبعثة من الأبيات على نفوس السكان فطهرت سرائرهم و أنارت بصائرهم و أدركوا معنى الحياة فتركوا لنا 💌💌💌💌💌 رسائل من الماضي .

  ‏و هذا و اللّٰه أعلم

  ‏ إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


  ‏

الاثنين، 20 مارس 2023

First cataract Islands Protectorate

 


Saluga and Ghazal

Location✋

Saluga and Ghazal protected area are considered as a part of the area of the first cataract.

The cataract area is located 7 Km to the south of Aswan , it's length from south to north is 12 kilometers.

The cataract represents the last obstacle in the way of the Nile River in its course to the Mediterranean.

The protectorate is located at a distance of about 3Km. 

North of Aswan Dam.

Declaration✋



It has been declared as a PA through council of ministers resolution No.928 in year 1986.

Area ✋

The area of the protectorate is estimated to be 0.5 km² approximately and it is regarded as one of the smallest protectorate of Egypt's 30 protectorates which are forming up 14% of the total area of egypt.

Nature✋


It is characterized by diversity in the environments from the sandy areas , igneous rocks and argillaceous deposits.

These lead to the emergence of amazing landscapes and some geological phenomena.

Flora and fauna ✋

The vegetation of the protectorate represent the remnants of Nile valley flora ,where 110 species of flora were recorded at the protectorate , the most famous of them are ( Acacia laeta ,A. raddiana , A. nilotica , A. seyal , faidherbia albida , Lawsonia inermes ,Ziziphus spina-christi salix subserrata ). 

According of the medical benefits of many of these plants , it is rich material for research and study.

-In regards of birds the protectorate is regarded as one of the most important destinations of birds in Egypt where 138 species of birds were recorded there are 35 resident birds species while the other are migratory and visitors birds.

-The most common resident birds in the protectorates area ( Moorhen , Purple Swamp Hen , Squacoo Heron , clamerous Reed warbler , and Nile valley sunbirds ).

-The most common migrating birds towards the protectorate are white stork , Glossy lbis and the waders ( Black Winged Stilt , Common Sandpiper , Ruff ) in addition to 6 species of ducks ( shoveler , teal Pochard , wigeon , pintail , ferruginous Duck ).


-the different environments and the variety of protected plant lead to the emergence of a unique diversity in insects where they were more than 60 species of Butterflies , Dragonflies , Beetles , Bees , Grasshoppers and other recording.

-With the rising of water level many freshwater molluscs appear e.g. Acroloxus Sp , Biomphalaria sp , and Cleopatra Cyclostomades.

-About Reptiles Nubian Spitted Cobra , Tarentola annularis , trachlepis Quinquetaeniata were monitored.

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

أفريقيا وبعض القاب بلدانها ☘️


نعلم جميعا أن قارة إفريقيا تلقب بالقارة السمراء نظرا للون بشرة سكانها الغالب عليهم . وهذه بعض الألقاب الذي التي أطلقت على بلدانها : 

◇ تلقب ليسوتو ب 《 مملكة السماء 》 لأنها الدولة الوحيدة التي تقع جميع أراضيها على ارتفاع 1000 متر فوق مستوى سطح البحر .

◇ تلقّب النّيجر ب《 مقلاة الأرض 》 لأن معظم أراضيها عبارة عن أرض صحراوية وتغطي الغابات 1% من مساحتها ولها مناخ حار جدا .
▪ تُلقّب موريتانيا ببلد 《 المليون شاعر 》 بسبب فصاحتهم وتضلّعهم في اللغة العربية وخبرتهم بالشعر نظمًا و إنشادًا .
▪ تلقب رواندا ب 《 سنغافورة إفريقيا 》و 《 سويسرا إفريقيا 》 نظرا لما حققته من إنجازات رائدة ووثبة إقتصادية هائلة في ظرف وجيز .
☆ أطلق على أوغندا اسم " لؤلؤة إفريقيا " بسبب جمالها و ألوانها و وفرة الحياة الرائعة فيها .
☆ لقبت السودان ب " سلة خبز العالم " لأن الأراضي الصالحة للزراعة تشكل حوالي 45 % من مساحة السودان وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة مع باقي الدول العربية .
• تلقب مالاوي ب " القلب الدافئ لإفريقيا " بسبب طبيعتها الخلابة ومناخها الجميل وبحيراتها المتلألئة .
• تلقب الكاميرون ب " إفريقيا المصغرة " لأنها تتمتع بطبيعة متنوعة وفيها يمكن العثور على الصحاري والغابات و المستنقعات والسافانا .
○ تلقب جنوب إفريقيا ببلد " قوس قزح " نظرا للتنوع الفكري والثقافي الشديد ولديها 11 لغة رسمية .
○ تلقب مدغشقر ب " الجزيرة الحمراء الكبرى " بسبب لون تربتها الأحمر كما تلقب أيضا بالقارة الثامنة وبالكوكب الآخر .
♧ تلقب إثيوبيا ب " سقف القارة الإفريقية " لكونها تحوي 70 % من جبال القارة .
♧ تلقب تشاد ب " قلب إفريقيا الميت " بسبب موقعها في وسط إفريقيا ووقوع جزء منها في الصحراء الكبرى .
¤ تلقب الجزائر ببلد " المليون ونصف المليون شهيد " لأن عدد الشهداء كان كبيرا جدا فقد قتلت فرنسا هذا العدد في ظرف سبع سنوات فقط .
¤ تلقب تونس ب " تونس الخضراء " وهذا بسبب طبيعة أرضها المغطاة بالأشجار الخضراء صيفا وشتاء وطبيعتها الخلابة وكثرة أشجار الزيتون والياسمين والبرتقال .
• تلقب ليبيا ببلد " المليون الحافظ للقرآن " لأنه لا يخلو بيت من قارئ لكتاب الله أو حافظٍ له .
☆ تلقب مصر ب " أم الدنيا " لأنها كانت المصدر الرئيسي والوحيد للقمح والطعام للإمبراطورية الرومانية ، أو أنها كانت مهد العديد من الحضارات.
الجغرافيا تجمعنا

كل ما تريد معرفته عن جروك Grok منافس ChatGPT

  جروك Grok سيحدث ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث يتمتع بكثير من المميزات التي يفتقدها المنافسين له في نفس المجال وخاصة ChatGPT الذي يعت...