المتابعون

السبت، 25 مارس 2023

مكانةُ الأخلاقِ في الإسلام


 

بسم اللّٰه و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه.

نود أن نتذكر بعض القيم الخلُقيَّة و الفضائلِ الإنسانيَّةِ التي غابت عن مجمعاتِنا في السنواتِ و العقودِ الماضية ، و كان غيابُها مِن أهمِّ بواعِثِ الشَّكوَى مِن تغيُّراتً متسارعةً فَقَدنا فيها الكثيرَ من خصائصِنا كأمَّةٍ إسلاميَّةٍ و عربيةٍ ، عُرِفَت بالكَرم و المروءة و السماحة.

إن الإسلامَ بكلِّ ما اشتملَ عليه من عقيدةٍ و عبادةٍ و أحكامٍ فقهيِّةٍ مرتبطٌ بالأخلاقِ ارتباطًا و ثيقًا ، لا نحتاجُ في بيانِه إلا أن نتأمَّلَ قيلًا بعضَ آيات القرآنِ الكريمِ و بعضَ أحاديث النبي ﷺ مثل قوله تعالى : { إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ }{ العنكبوت : ٤٥ } ، و قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }{ البقرة : ١٨٣ } و التَّقوى هي معنى جامع لمكارم الأخلاق ، و كذلك قوله تعالى في الزكاة : { خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا }{ التوبة : ١٠٣ } و التَّطهيرُ هو التَّخلي عن الرذائل ، و التَّزكية هي التَّحلي بالفضائل.

و كذلك الحديثُ الشَّريفُ (( مَـن حَـجَّ لـلَّـهِ فـلـم يَـرفُـث ولـم يَـفـسُـق رَجَـعَ كـيـوم وَلَـدَتـهُ أُمُّـهُ )) __ أخرجة البخاريُّ في _ صحيحه_ ( ١٥٢١ ) _ و مسلم في _صحيحه _ ( ١٣٥٠ )_ من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

و كل هذه إشاراتٌ سريعةٌ يتَّضِحُ منها أنَّ السُّموَّ الخُلُقيَّ مقصِدٌ واضِحٌ بل شديد الوضوح ، وغرضٌ أساسٌ من إقامةِ أركانِ الإسلامِ و التي هي الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج ، و أنَّ العباداتِ في الإسلامِ و مكارمَ الأخلاقِ الإنسانيَّةِ و جهانِ لعملةٍ و إحدةٍ لا يمكن فَصلُ أحدِهما عن الآخر ، بل إن الحديث الشريف ليذهب بنا خطوة أبعد في الكشف عن أهمية البُعدِ الأخلاقي و تـغلغله في بناء الإسلام : عبادة و شريعة و سلوكًا ، و ذلك في قول النبي ﷺ : (( إنَّـمـا بُـعِـثـتُ لِأُتَـمِّـمَ مـكـارمَ الأخـلاقِ )) ، أخرجه أحمد في _ مسنده _ (٨٩٥٢) _ و البخاريُّ في (( الأدب المفرد )) (٢٧٣)_ من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه بلفظ (( إنَّـمـا بُـعِـثـتُ لِأُتَـمِّـمَ صـالـح الأَخـلاقِ )) أمَّا اللَّفظ المذكور فقد أخرجه ( البيهقيُّ ) في _ السُّنن الكبرى : ١٩١/١٠ .

لو نظرنا إلى هذا النَّصَّ النبويِّ الصَّريحِ الذي جعَل من مكارمِ الأخلاقِ هدفًا و غايةً قصوَى من بَعثته ﷺ للدُّنيا بأسرِها ، و كيف أن رسالتَه تتعانَق مع الأخلاق وجودًا و عدمًا ، فإذا أَثمَرت العبادةُ في صاحبِها مكارمَ الأخلاقِ ؛ كان ذلك دليلًا على أنَّه أدَّى عبادتَه على الوجه الأكمل ، و مؤشرًا على قبولِها مِنَ اللَّهِ تعالى ، أما إذا بقي المتعبِّدُ على حالٍ سيئةٍ مع النَّاسِ و مع المجتَمع فهذا أكبر دليلٍ على أنَّ عبادتَه ضُربَ بها عُرْضُ الحائِطِ ؛ لذا رُوي عن النبي ﷺ أنه قال : (( مَـن لـم تَـنـهَـهُ صَـلاتُـهُ عـن الـفـحـشـاءِ و الـمـنـكَـر لـم يَـزدَد مـن الـلَّـهِ إلَّا بُـعـدًا )) , أخرجة الطَّبرانيُّ في _ المعجم الكبير ( ١١٠٢٥ ) من حديث عبداللّٰه ابن عبَّاس _ رضي اللّٰه عنهما.

و نستطيع أن نذهبَ إلى أبعدَ من ذلك في تعليلِ العلاقة العضوية التي تستعصي على الانفصامِ بين الإسلام و الأخلاق ، حين نكتشف أن العبادات من صلاة و قيام و صوم و حج إذا لم تستند إلى ظهير خُلقيٍّ لا تُفيد صاحبَها يومَ القيامةِ بل تتركُه على أبوابِ جهنَّم ...

انظر إلى المرأة التى كانت تصوم النهار و تقوم الليل و كانت تؤذي جيرانها بلسانها ، كيف أن كثرةَ صيامِها و قيامِها لم تنفعها بشيٍء في الآخرةِ ، بل ذهبَتْ بكلِّ ذلكَ إلى النَّارِ ، و ذلك في مقابل المرأةِ التي كانت تقتصِر في عبادتِها على صيام رمضان فقط ، و على الصلوات الخمس المكتوبة لكنها كانت تحفظ لسانها و تتصدق ببقايا طعامها ، كيف نفعها حسن الخلق و أدخلها الجنة.

عن أبي هريرة _ رضي اللّٰه عنه _ قال رجل : يارسولَ اللَّه ، إنَّ فلانةَ يُذكَرُ من كثرةِ صَلاتِها و صِيامِها و صَدَقاتِها ، غيرَ أنَّها تُؤذِي جِيرانَها بِلِسانِها ، قال ﷺ : ( هـي فـي الـنَّـار ) ، قال يارسولَ اللَّهِ ، إنَّ فلانةَ يُذكَرُ من قِلَّة صِيامِها و صَلاتِها و صَدَقاتِها ، و أنَّها تتصدَّقُ من بَقايا الطعام، و هي لا تُؤذِي جِِيرانَها بِلِسانِها ، قال ﷺ : ( هـي فـي الـجـنَّـةِ ) ، _ أخرجة أحمد في _مسنده (٩٦٧٥ )و البخاريُّ في الأدب المفرد ( ١١٩ )من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد صحَّحه ابن حبَّان ( ٥٧٦٤ ) و الحاكم : ( ٤_١٦٦ ) .

 و الخُلق الحسن يسبق العبادة في صحبة النبي ﷺ في الجنة و الاقتراب من مجلسه و مقامه الشريف ، و يقول ﷺ : (( إنَّ أحَـبَّـكُـم إلـيَّ و أقـرَبَـكُـم مـنِّـي مَـجـلِـسًـا يـومَ الـقـيـامـةِ أَحـاسِـنُـكُـم أخـلاقًـا ، المُـوَطَّـئُـونَ أَكنافًـا ، الَّذين يَـألَـفُـونَ ويُـؤلَفُـونَ )),, أخرجة التِّرمذيُّ في _ جامعه ( ٢٠١٨ ) _ دون قوله ؛؛ [[ المُوَطَّئُونَ أَكنافًا ]] ؛؛ و الطَّبرانيُّ في _ مكارم الأخلاق _ ( ٦) من حديث جابر رضي الله عنه.

 ‏و هذا الحديث نص قاطع في أن صاحب الخلق الحسن ، الذي يحب الناس و يحبه الناس لتواضعه و أدبه يسبق غيره.

 ‏و عن هذا التَّلازم العَجيب بين الإسلام و بين الخُلقِ الحسَنِ حتى في بابِ العباداتِ التي يُقصَدُ منها و جهُ اللَّهِ و حده مما يستلزمُ اليقظَةَ و التَّنبُّهَ لهذا المعنى الذي يغفُل عنه الكثيرونَ ، و يكتفون بمجرد أداء الصلاة و القيام و صوم رجب و شعبان و تكرار العمرة و الحج و لا يبالون بعد ذلك بمظالم العباد و أكل حقوقهم أو إيذائهم و إساءة معاملتهم.

 ‏و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼🌼🌼

 ‏و كل عام و أنتُم بخير 🌼 

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 

 ‏ 


هناك 16 تعليقًا:

غير معرف يقول...

تسلم ايدك
جزاكم الله خيرا

غير معرف يقول...

جميل يا استاذ فارس . ما سنة وانت طيب

غير معرف يقول...

أرى أجيالا شابة كثر تريد أن تقترب من الله
وهناك أجيالا شابة أخرى مسالمة ولكنها شديدة الدنيوية وبعيدة عن الله ولكنهم إذا هداهم الله وإقتربوا أكثر من الرحمن سيفيدوا أنفسهم ويفيدون الأوطان كلها
وهذه جريمة كبرى منهم فى حق أنفسهم
بإصدار طاقتهم فى لاشئ كالجلوس على المقاهى وتدخين النارجيلة أو الجلوس فى المنزل لإعادة نفس الأغنية آلاف المرات لكى يحفظها ويفخر أمام الجميع بحفظها
وأما الدولة فقادتها الجاهلون يرتكبون جريمة أفظع بعدم حماية كنوز الوطن
لابد أن يأتى رئيس صالح تقى يخاف على وطنه وشعبه وإعطاؤه أبسط حقوقه
وهى" المأكل "و " المسكن " ....

غير معرف يقول...

صل الله عليه وسلم اللهم احسن اخلاقنا

غير معرف يقول...

الاخلاق...هي الغاية القصوى و هي الشيء الصعب

غير معرف يقول...

مواضيعك رائعة جداً ومفيدة..والأجمل حسن السرد.
جعلها الله في ميزان حسناتك..ما شاء الله على ثقافتك.
راضية بديني

غير معرف يقول...

جميل جدا

غير معرف يقول...

بارك الله فيكم ونفع بكم

غير معرف يقول...

ماشاءالله بارك الله فيك

zizo يقول...

احسنت

غير معرف يقول...

ربنا أتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا ربنا أتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا ربنا أتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وقدوتنا ومعلمنامحمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

غير معرف يقول...

والله لو اننا التزمنا كمسلمين بديننا وجعلناه خلقنا وتعاملنا به بيننا ومع غيرنا لتغير حالنا ولأصبحنا قدوة و دعوة لهذا الدين بأسهل طريقة.. اللهم اجعلنا ممن تحلت ارواحهم بحسن الخلق.... بارك الله فيك يا فارس وجعله في ميزان حسناتك 🤗

غير معرف يقول...

جزاكم الله خيرا كثيرا ونفع بكم وجعل الله عملكم خالصا لوجهه الكريم في موازين حسناتكم اللهم آمين

غير معرف يقول...

جميل

ashraf elshreef يقول...

جزاكم الله خيراً رائع .. كل عام وأنتم بخير

الإثارة والتشويق بطرح الأسئلة Content creators

  الإثارة والتشويق بطرح الأسئلة في السيرة النبوية الحمد اللّٰه رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، و بعد . فإن الإثا...