المتابعون

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة واقعية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة واقعية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

Tahira Quraish طاهرة قريش


 



كانت قريش على حقٍّ حين لقَّبَتْها بلقبِ الطاهرة ؛ فقد شدت انتباهَ أهلِ مكةَ بنقائِها ، و أمانتِها ، و طهارتِها فى كل ما تفعلُ أو تتركُ من الأمر.

رأتها قريش طاهرةَ اللسان ؛ تقولُ فتصدقُ ، و تعِدُ فتَفِى ، و تتحدثُ بالكلمةِ النافعةِ التى تحمى حقََّـا ، أو تدفعُ ظلماً ، أو تنفِّسُ كربةَ سائل أو جائعٍ أو محروم ، فإذا لم يكن حقٌّ و خيرٌ صانت لسانَها عما يلوِّثُه و يشوِّهُـه .


و وجدَتْها طاهرةَ اليِـد ، تبسُطُها بالعطاء ، فتمسحُ بها دموعَ المحزونين ، و تداوى بها آلامَ البائسين و اليائسين ، و تقبضُها عن أن تمتدَّ إلى ما ليس لها ، أو تؤذىَ أحداً من أهلِها أو ممن يعملون في تجارتِها أو من غيرِ هؤلاء و هؤلاء .

و عهِدَتْها طاهرةَ الذَّيلِ ، تعـطِّـرُه بالعـفَّـةِ و الالتزامِ و قوةِ الإرادةِ ، و لا تعرِّضُـه أبداً إلى شيءٍ مما يدنّسُ النساء ، ويجلب لهنَّ الفضيحة والعار .

و عرفَتْها طاهرةَ القلبِ ، تعمُرُه بحبِّ الخير للناسِ ، و لا تطويه على غلٍّ أو حقدٍ أو طمعٍ أو خداع .

و تابعَتْ قريش حياةَ هذه السيدة : بنتاً ، و زوجةً ، و أُمًّـا ، وربَّةَ عملٍ واسعٍ في التجارةِ و تـثميرِ المالِ ، فأعجِبَت بها فى كلِّ حالٍ من أحوالِها ، و كل موقفٍ من مواقفِها.

أُعجبت بها فتاةً عاقلةً رزينةً ، تترفَّـعُ ، مع جمالها و شبابها ، عن كلِّ ما يصدرُ عن الفتياتِ الطائشاتِ من نظرةٍ مائعة ، أو كلمةٍ لينة خاضعة ، أو حركة منحطة نابية ، و تحرِصُ على أن تتصرَّفَ في الخفاءِ كما تتصرفُ حين يراها الناسُ ، و تتسلطُ عليها الأنظار .

و أُعجِبَت بها زوجةً صالحةً ، تنهضُ بحقِّ زوجِها ، و تخلِصُ له ، و تحملُ أعباءَه و ما تستطيعُ من هفواتِه ، و لكنها تترفَّعُ عما لا يجمُلُ بمثلها من حياةِ سيداتِ قريش اللائى تصوَّرْنَ أن السيادة غطرسةٌ و كبرياء ، و إسراف في المأكِل و الملبَس و الزينة ، و مجاراةٌ للأزواجِ فى اللهو و العبث والتمتعِ بالرقصِو الغناءِ . 

كما أُعجِبت قريش بها ؛ لحسنِ قيامِها على تربيِة أولادِها الذين تركهم لها عتيقُ بنُ عائٍذ المخزومىُّ زوجُها الأول ، و هندُ بنُ زُرارةَ زوجُها الثاني ؛ فقد بذلت غاية جهدها فى رعايتهم وإعدادهم للحياة التي تنتظرُ أمثالَهم ورضِيَت قريش عنها كل الرضا ، وهى تمارس عملها التجارى الواسع ، فى مَقدرةٍ يعجِزُ عنها كثيرٌ من الرجالِ ؛ لأنها فتحت أبوابَ العيش لمن يعملونَ في تجارتها ، كما فتحت بجودها وسخائِها أبواب الأملِ لمن كانوا يتهافتون عليها من الجياعِ المطحونين فى مكةَ ، و ممن يفدون إليها طلباً للمعونة والعطاء .

لهذا كلِّه ، و أكثرِ منه ، رضيت عنها قريش وأُعجِبَتْ بها في الجاهلية ، و عبرت عن رضاها و إعجابِها بهذا اللقب الذى منحته إياها ، وكانت تسميها و تناديها به.

و لكن أهلَ مكة عادوا ، فاستعجبوا ودهشوا لموقفها الغريب من الزواج ؛ فقد تقدَّمَ لها عددٌ غيرُ قليل من كبارِ قريش ، و طلبوا فى إلحاحٍ يدَها ، و لكنها ردتهم جميعاً ، و لم تَرتَضِ واحداً منهم .. و طالما تساءَلَ مَنْ حولَها عن سرِّ هذا

الرفض ، و قالوا فى حيرة : حقًّا إنها تزحف نحو الأربعين من عمرها و لكنها تبدو و كأنها فى ميعة الشباب ؛ بما فيها من قوةٍ و حيوية ، و ما لها من جمالٍ و نضارةٍ و إشراق .. ثم إنها ذاتُ حسبٍ و نسبٍ و ثراءٍ و منزلةٍ كريمة في عيون الناسِ و قلوبهم ، و كلُّ هذه مبرراتٌ ، تدفع إلى الزواج ، و لا تدفع إلى

العُدولِ عنه .. و كثيراً ما عتبوا عليها ، وودُّوا لو تغيّر موقفها منه ، و لكنها لم تستمع لهم ، و لم تغير من موقفها شيئاً

و لم تكن هذه الحيرة بعيدةً عن بيت هذه السيدة نفسه ، فكثيراً ما كان

مواليها يفرُغون من عملهم ، فيلتقُون على سمرٍ أو حديث أو حوار كهذا الحوار :

الأول : لقد رعانى القدَرُ حين ساقنى إلى بيتِ هذه السيدةِ الطيبة .. إن بيتها جنة ! إنها تعاملُنا كما تعامل أولادَها ، فلا شتم ولا زجر ، ولا ضربَ ولا إذلالَ ولا شيء مما يعانى الموالى والعبيد من حولنا !

الثاني : الموالى و العبيد من حولنا ! إنهم يعيشون فى جحيم ! يأكلون من بقايا الطعامِ كالكلاب ، و يُضْرَبون بالسياطِ ، و يكلَّفونَ القيامَ بأشقِّ الأعمال ، ولا يحسُّ أحد بآلامِهِم ، و إذا تعبوا أو مرِضوا أو هدَّتهم السنُّ لم يجدوا من يفكر فيهم.

الثالث : كم أود أن تكمل سعادتها بزوج صالحٍ مثلِها !

الأول : و من مثلُها ؟ لا أجد أحداً مثلَها أو قريباً منها . شرفٌ و سيادةٌ ، و عفة و طهارةٌ ، و أدبٌ وأخلاقٌ ، و جمال ورقةٌ ، و عقلٌ كبيرٌ ، ويدٌ سخيةٌ ؛ يبدو أنها عزفت عن الزواجِ و أصبحت لا تفكر فيه !

الثاني : بل هى تفكرُ فيه ! أراها من حين إلى حين شاردةَ الذهن كأنها تحلمُ ، و فى ملامحِ و جهِها ثقةٌ وأمل بأنَّ الأقدارَ سوف تُهدِيها أو تُهدى إليها الرجلَ الذي تحلمُ به !

الثالث : لعل القدَرَ أَخَّرَ زواجها لأمرٍ أراده و لا نعلمه !

كانت طاهرةُ قريش التى جذبت انتباهَ ، قومِها ، فأعجبوا بها ، و حاروا في أمرِها هي خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسدٍ حفيدِ قصيِّ بن كِلاب ، عَظيمِ قريش الذى ألَّفَ بين أهلها ، وجمعهم على الوحدة والمحبة والسلام .

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


الخميس، 7 سبتمبر 2023

مؤيد الدين العلقمي Minister Al-Alqami

 




الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

من هو الوزير مؤيد الدين العلقمي ، و لا يغرك اسمه ، فقد كان رجلاً فاسداً خبيثاً جداً ، وكان رافضياً ، يرفض خلافتي _أبو بكر الصديق_ و _عمر بن الخطاب_ رضي الله عنهما ، وكان شديد التشيع كارهاً للسنة وأهلها ، ومن العجب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق في دولة سنية تحمل اسم الخلافة و هو على هذه الصفة ، ولا شك أن هذا كان قلة رأي و ضحالة فكر و سوء تخطيط من الخليفة ( المستعصم بالله ) ، الذي ترك هذا الوزير المفسد في هذا المكان الخطير الحساس.

و لم يتول هذا الوزير الوزارة شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين، وإنما بقي فيها ١٤_ سنة كاملة من سنة ( ٦٤٢) هجرية إلى سنة( ٦٥٦ )هجرية عندما سقطت بغداد ، فقد تولى المستعصم بالله خلافة المسلمين سنة ( ٦٤٠ )هجرية ، وبعد سنتين جاء بهذا الوزير المفسد إلى مركز كبير وزراء الخلافة العباسية.

فتعاون مع هولاكو و إستغل منصبه و اتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالآراء الفاسدة الاقتراحات المضللة على قدر ما يستطيع ، في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة.

و اقنع الوزير مؤيد الدين العلقمي الخليفة العباسي 

( المستعصم بالله ) بأن يخفض من ميزانية الجيش ، وأن يقلل من أعداد الجنود ، و ألا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح و الحرب ، وأن يحول الجيش إلى الأعمال المدنية و الزراعية و الصناعية و غيرها ، حتى يصبح الجيش مشغولاً بزراعة الطماطم و الخيار و بناء الكباري و عمل المخابز و الأطعمة ، و لا داعي للتدريب و القتال و السلاح و الجهاد ، حتى لا تثار حفيظة التتار ، ونقول لهم :_ ( نحن قوم سلام ولسنا قوم حرب ، وانظروا إلى جيشنا ماذا يعمل ) ؛ فلما قال الوزير مؤيد الدين العلقمي هذا الكلام للخليفة ( المستعصم بالله ) وافقه على ذلك.

و بدأت خطة إضعاف جيش الخلافة العباسية ، فخفض ميزانية التسليح وقلل أعداد الجنود ، أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام ( المستنصر بالله ) ( والد المستعصم بالله ) سنة ( ٦٤٠ ) من الهجرة لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة ( ٦٥٤ ) هجرية ، وكان هذا هبوطاً مروعاً في إمكانيات الخلافة العسكرية ، و ليس هذا فقط ، بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر و الضياع ، فكان الجندي لا يجد ما يأكل أصلاً ، حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق ، وأهملت التدريبات العسكرية ، و فقد قواد الجيش مكانتهم ، حتى لم يوجد بينهم من له القدرة على التخطيط أو الإدارة أو القيادة ، ونسي المسلمون فنون القتال و النزال ، و غابت عن أذهانهم تماماً معاني الجهاد بسبب ضحالة الفكر من الخلفية.

و في _البداية و النهاية_ لابن كثير ، يلقي باللوم الكامل على _مؤيد الدين العلقمي_ في نصائحه للخليفة ، و لكن اللوم هنا على الخلفية ذاته ، فهو الذي قبل بهذا الهوان ورضي بهذا الذل ، و غاب عن ذهنه أن من أهم و اجباته كحاكم أن يضمن لشعبه الأمن و الأمان ، وأن يدافع عن ترابه و أرضه ضد أي غزو أو احتلال ، وأن يبذل قصارى جهده لتقوية جيشه و تسليح جنده ، وأن يربي الشعب بكامله لا الجيش فقط على حب الجهاد و الموت في سبيل الله ، ولم يفعل _الخليفة المستعصم _ذلك ، ولا عذر له عندي و عندكم فى التاريخ ؛ فإنه كان يملك من السلطان ما يجعله قادراً على أخذ القرار ، و لكن النفوس الضعيفة لا تقوى على أخذ القرارات الحاسمة.

و كان هذا هو إعداد هولاكو و وزيرة منكو خان، و قد كان إعداداً مبهراً عظيماً كبيراً حقاً.

و في المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين استعداداً للغزو التتري القريب عما قليل للخلافة العباسية ، فما هي إلا خطوات و هولاكو يجميع الجيوش ويستعد لغزو العاصمة الإسلامية التليدة العتيدة بغداد !

التي كان بمجرد التفكير في غزوها فقط قبل بضع سنوات هي نهايته و نهاية مملكة التتار.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ و أن يجعل لنا في التاريخ عبرة ، إنه ولي ذلك والقادر علية ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله على مدونتي 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼





الاثنين، 31 يوليو 2023

Patience over affliction الصَّبرُ على البلاءِ


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

بيَّنَّا في مقالات سابقةِ أن الابتلاءَ بالنسبةِ للمؤمنِ باللَّه تعالى خيرٌ كلُّه ؛ لأنه يُعرِّضُه لثوابٍ عظيمٍ ينالُه جزاءَ ما قدَّمَ من شكرٍ أو صبرٍ ، وبيَّنَّا أن الابتلاءَ بالمصائبِ كالفقرِ و المجاعةِ و الأمراضِ و فَقْدِ الأحبَّةِ ليس أمارةً على سَوءِ حالِ المبتلَى ، فصفوةُ البشريةِ هي التي يُصيبُها البلاءُ ، كما بيَّنا أنَّ البلاءَ كثيرًا ما يكون طريقًا معبَّدًا الى جنةِ الرضوانِ و النعيمِ المقيمِ .... بل إن العبدَ قد تكونُ له منزلةٌ في الجنهِ لا يَصِلُ إليها بعملِه الذي اعتادَ عليه لعلوِّ هذه المنزلةِ و سُموِّها عن درجةِ عمله ، فيُبتلَى من اللَّهِ ، فيبلغ هذه الدرجة بثواب الصبرِ على قضاء اللَّه ، و قد مرَّ بنا قول النبي ﷺ : (( عَجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمْرَه كلَّه له خيرٌ ، و ليسَ ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ؛ إن أصابَتْه سراءُ شَكرَ فكان خيرًا له ، و إن أصابَتْه ضراءُ صبرَ فكان خيرًا له )) …*(١).

و سببُ الخير في عموم البلاءِ هو : 

التَّحقُّقُ بمقامِ الصبرِ أو مقامِ الشكرِ ، و هما مَنزلانِ لا يَنزلُهما إلا مؤمنٌ باللَّه و باليومِ الآخرِ ، و بالجزاءِ ثوابًا و عقابًا .

و قد وردَ ذِكرُ الصبرِ و مُشتقاته في القرآنِ الكريمِ أكثر من مئة مرةٍ ، و هو يدورُ على(( حبس النَّفسِ على ما تَكرَه ابتغاءَ مرضاةِ اللَّه )) ، و قد أشارَ النبي ﷺ الى مناطِ الثوابِ في الصبرِ ، و هو : 

الصبرُ على المكارِه ، و ذلك في الحديثِ الشريفِ : (( و اعْلَمَ أنَّ في الصبرِ على ما تَكرَه خيرًا كثيرًا )) …*(٢).

و قد ربطَ القرآنُ الكريمُ ، و كذلك السنةُ المشرفةُ ، بين الصبرِ و بين أعظمِ الدرجاتِ في الدنيا و أجلِّها ثوابًا في الآخرةِ ، فالصابرونَ هم أئمةُ المتقينَ ، و ينالون أجرهم مرتينِ بما صبروا ، و اللَّهُ مع الصابرينَ ، كما ربطَ القرآن بين الصَّبر و النَّصر ، و جعَل الصَّبر الأنفعَ في النوازلِ و الملماتِ : { وَأَن تَصْبِرُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ }{ النساء : ٢٥ } ،

{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } { النحل : ١٢٦}.

و قد رُوي عن النبي ﷺ أنَّه وصفَ الصَّبرَ بأنَّه نصفُ الإيمانِ …*(٣).

و علينا أن نعلمَ أن الصبرَ المقبولَ هو ما كانَ في و قتِه الصحيحِ : (( إنَّما الصَّبرُ عند الصَّدمةِ الأُولَى ))…*(٤).

فإذا فَترَ المبتلَى بتأثيرِ مرورِ الزَّمنِ أو مواساةِ الآخرينَ فإنه لا يُسمَّى صابرًا محتسبًا .

و قد بلغت فضيلةُ الصبرِ هذه المنزلةَ لضرورتِها القُصوَى في تحقيقِ الآمالِ في الدنيا و الآخرةِ ، فهو ضرورةٌ دينيَّةٌ و ضرورةٌ دنيويةٌ سواءً بسواءٍ ، و إذا كان اللَّهُ تعالى قد أجرَى العادةَ في الدنيا على نظامِ التَّدرُّجِ ، درجةً بعدَ درجةٍ و خطوةً إثرَ أُخرَى ، فلا جرمَ أن كان الصبرُ هو الوسيلةَ الوحيدةَ التي يتمكن بها العبد من تحقيق آماله و بلوغ غاياته ، فالزارعُ و الصانعُ و التَّاجِرُ و العالمُ و المتعلِّمُ و المفكِّرُ و غيرهم لا يُمكنُ لهم أن يُنجِزُوا عملًا أو يحقِّقوا غايةً أو هدفًا إلا باصطحابِ الصبرِ و الانتظارِ لقَطعِ كل مرحلةٍ من المراحلِ التي تَسبِقُ مرحلةَ الإنجازِ.

و يطولُ الكلام كثيرًا في ذِكرِ الحِكَمِ في الشعرِ و النثرِ التي تدعو لفضيلةِ الصبرِ ، و أن الإنسانَ لا يبلُغُ مجدًا و لا نجاحًا و إلَّا إذا اتخذَ الصبرَ مطيةً في السعي لبلوغ المقاصِدِ و تحقيقِ الآمالِ .

و من أبلغِ ما قيلَ في ذلك ؛ قولُه ﷺ (( حُفَّتِ الجَنَّةّ بالمَكارِه ، و حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ ))…*(٥).

و قولُ المسيحِ عليه السلامُ : (( إنَّكم لا تُدركُون ما تحبُّونَ إلا بصبرِكم على ما تَكرهُون ))...*(٦).

و ما من زمنٍ نحن فيه أحوجُ إلى الصبرِ على نزلَ بنا مثلُ زمنِ هذا الوباء الذي يَجثُمُ على الصدورِ ، و يخنُقُ الأنفاسَ ، و يَقُضُّ المضاجعَ ، و يَحدُّ من الحرياتِ العامةِ و الخاصةِ .

و إنه لَبَلاءٌ عظيمٌ لا يعالجُه إلا الصبرُ و الدعاءُ الدائم عَقِبَ الصلواتِ أن يَكشِفَ اللَّهُ عن عبادِه ما نَزَلَ بهم .

و هذا باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

                     ‏

_________________________________________

(١)*أخرجه مسلم في صحيحه (٢٩٩٩) من حديث صُهيب الرُّوميِّ رضي اللّٰه عنه.

_________________________________________

(٢)*جزء من حديث أخرجه أحمد في مسنده (٢٨٠٣) من حديث عبداللَّه بن عبَّاس رضي اللّٰه عنهما.

________________________________________

(٣)*أخرجه ابن الأعرابيِّ في معجمه (٥٩٢) و ابن شاهين في التَّرغيب في فضائل الأعمال (٢٧٠) من حديث عبداللَّه بن مسعود رضي اللّٰه عنه.

_________________________________

(٤)*جزء من حديث أخرجه البخاريُّ في صحيحه (١٢٨٣) و مسلم في صحيحه (٩٢٦) من حديث أَنَس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

(٥)* أخرجه مسلم في صحيحه (٢٨٢٢) من حديث أَنَس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

_______________________________________

(٦)* رواه ابن أبي الدُّنيا في(( ذمِّ الدُّنيا )) (٢٨٦) عن فُضيل بن عِياض ، قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ((إنَّكم لن تُدرِكُوا ما تُرِيدُون إلَّا بتَركِكُم ما تَشتَهُون ، و لا تَنالُونَ ما تَأمَلُونَ إلَّا بصَبرِكُم على ما تَكرَهُونَ ...)).____________



الجمعة، 7 يوليو 2023

Love your mom and dad


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

بِـرُّ الـوالِـدَيـن

مـن أَخطرِ الموضوعاتِ و أهمِّها التي يجبُ التذكيرُ بها في كل وقتٌ (( بِـرِّ الـوالـديـنِ )) و التزامِ الأدابِ في معاملةِ الأباءِ و الأمهاتِ ، وما وردَ في التَّرغيبِ _بـبـرِّ الـوالـديـنِ_ و التَّحذيرِ من عـقـوقِـهـمـا من أحكامٍ شرعيَّةٍ واضحةٍ و صريحةٍ في القرآنِ الكريم و السنةِ النبويَّة المطهرةِ .

وأولُ ما يَلفِتُ نظرَ المسلمِ في شأنِ هذا الموضوعِ هو تكرارُ ورودِه في القرآنِ الكريمِ سبعَ مراتٍ في صورةِ توجيهاتٍ صريحةٍ ؛ يقول اللَّهُ تعالى : 

_{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا }{ البقرة : ٨٣}.

_ { ۞ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }{ النساء : ٣٦ }.

_{ ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ }{ الأنعام : ١٥١}.

_{ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }{ الإسراء : ٢٣}.

_{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }{ لقمان : ١٤ }.

_ { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ }{ العنكبوت : ٨}.

_{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } { الأحقاف : ١٥ }.

كما ورَدَ _ أكثَرَ من مرَّةٍ _ في صورةِ ثناءٍ على الأنبياءِ و المرسلين بما هم أهلُه من نُبْلِ الأخلاقِ الإنسانيةِ ، وفي الذُّؤابةِ منها برُّ الوالدينِ ؛ مثل قولِه تعالى في شأنِ سيدِنا يحيـي _ عليه السلام_ : { يَٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَٰبَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)}{ مريم : ١٢_١٥ }.

و في قولهِ تعالى حكايةً عن سيدِنا عيسى _ عليه السلامُ _ في معجزتِه التي تفرَّدَ القرآنُ الكريمُ بتسجيلِها و ذِكرِها ، و هي : كلامُه في المهدِ ، وفي عُمْرٍ لا يَقدِرُ الأطفالُ فيه على النطقِ بالحروف ، و ذلك حين واجهَت السيدةُ مريمُ _ عليها السلامُ_ ما واجهت بعد ما اتَّهمُوها و سألُوها ، و كانت قد أُمِرَت بالصيامِ عن الكلامِ ، فأشارَت إليه _ عليه السلامُ_ و هي تنظرُ إليهم نظرةَ مَن يُحيلُ السؤالَ إليه _عليه السلامُ_ وقدِةاستنكروا ذلك منها ، و لكن سرعانَ ما فاجأتهمُ المعجزةُ حين خاطَبهم _عليه السلامُ_ بلسانٍ فصيح : { قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)}{مريم : ٢٩_٣٢ }.

و تدلُّ هذه الآياتُ مجتمعةٍ أنه سبحانَه فرضَ حقوقًا لأعضاءِ الأسرةِ ، وجعلَ من أوجبِها وأعظمِها خطرًا حقوق الآباءِ و الأمهاتِ على الأبناءِ كما تدلُّ على أن مطالبةَ الأبناءِ بأداءِ هذه الحقوقِ لوالدَيهم ليست مجرَّدَ وصايا خُلقيةٍ خاليةٍ مِن أحكامٍ تكليفيةٍ يترتَّبُ عليه الثوابُ و العقابُ ، أو لنَقُلْ : من وجوبٍ أو حرمةٍ ، فالحقوقُ في هذه الآياتِ و إنْ وردَ بعضُها بصيغةِ (( الـوصـايـا )) ، إلا أنَّها في حقيقتِها أوامرُ ونَواهٍ تكليفيةٌ ، يدلُّ على ذلك أنها وردتْ في القُرآنِ الكريمِ إمَّا تاليةً للأمرِ بعبادةِ اللَّه و توحيدِه ، و إما مقرونةً بما يجبُ لله تعالى على العبدِ من شكرٍ : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }{ لقمان : ١٤}.

و في هذا الاقترانِ و التجاوُرِ بين التكاليفِ المتعلِّقةِ باللَّه تعالى : إيمانًا وعبادةً وشكرًا ، و بين شُكرِ الوالدَيْنِ و الإحسانِ إليهما _ ما يدلُّ على عِظَمِ المسؤوليةِ و خطرِها في حياةِ المسلم ، و أنَّها قضيةٌ لا يُقبلُ في الإبطاءِ بالوفاءِ بها تبريرٌ و لا اصطناعُ عللٍ أو معاذيرُ .

عزيزي /ت القارئ /ة…!

إن التَّذلُّلَ أو خفضَ جناح الذلِّ للوالدَيْنِ هو أوَّلًا من باب سدادِ الدُّيونِ كما قُلنا ، ثم هو خُلُقٌ من أخلاقِ الواجبِ و الوفاءِ و المروءةِ ، و مصدرُه الرحمةُ ورقةُ القلبِ و استقامةُ الضميرِ ، وإذا بذلَه الأبناءُ فإنما يبذلونَه طواعيةً و اختيارًا ؛ امتثالًا لأمرِه تعالى و تقرُّبًا إليه ، لا تضطرُّهم إليه زُلفى و لا مصلحةٌ ، ولا يشعرونَ معه بشيءٍ منَ الهوانِ أو النِّفاقِ أو المداهنةِ التي تَلحَقُ المُتذلِّلَ الناسِ من أجلِ الحاجةِ و المصلحةِ ، سواءً أكان التذلُّلُ سجيَّةً في طبعِه ، أم ممَّا ألجأتْه إليه خلائقُ الحِرصِ ، و قديمًا قال العرب : ( أذلَّ الـحـرصُ أعـنـاقَ الـرجـالِ ) .


سَمِعنا مرارًا و تكرارًا الترغيبَ و الترهيبَ في شأنِ ((بـرِّ الـوالـديـن )) سواءً من آياتِ الكتابِ الكريمِ أم أحاديثِ النبي ﷺ ، و عرفنا أن (( بـرَّ الـوالـديـنِ )) من أفضل الأعمال قاطبةً بعد التوحيدِ و عبادةِ اللَّه ، و أنه على قَدَمِ المساواةِ مع الصلاةِ و الزكاةِ : { وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي }{ مريم : ٣١_٣٢}.

و أنَّ عقوق الوالدينِ من أكبرِ الكبائرِ حتي لو كان العقوقُ بكلمةٍ غيرِ مهذَّبةٍ ، أو كلمةٍ تعبِّرُ عن الضِّيقِ ، مثل ، ( أُفــ ) : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }{ الإسراء : ٢٣ }.

و الأبُ والأمُّ سواءٌ في وجوبِ برِّهما ، و بعضُ الأئمَّةِ يرى استحقاقَ الأمِّ مزيدًا من البرِّ ، للحديثِ الذي نحفظُه جميعًا : (( أمِّـكَ ، ثـمَّ أمُّـكَ ، ثـمَّ أبـوكَ ))…*(١).

و مما يدل على خطر هذا الموضوع: أن بِـرَّ الـوالـديـن واجبٌ على الأبناءِ حتى لو كان الوالدانِ كافِرَيْنِ ، و يَتأكَّدُ البرُّ في حالِ كِبَرِ الوالدينِ و ضعفِهما أو مرضِهما ، و هنا يجِبُ _ و جوبًا حتميَّا _ على الأبناءِ ألَّا يَضيقُوا ذَرْعًا بإقامةِ الأبِ و الأمِّ مع أسرِهم ، و ألَّايلجؤوا إلى وَضْعِ الأبوينِ في دُور المسنِّين ، اللَّهم إلَّا للضروراتِ القُصوى ؛ كعجزِ الأبناءِ عن رعايةِ الوالدَينِ أو تمريضِهم ، فحُكمُ الأبناء في هذه الحالِ حُكمُ المضطرٌّ ، و لكن يَلزمُهم (( الـبـرُّ و الإحـسـانُ )) بهم ، و الحرصُ على زيارتِهم واستمرارِ التواصلِ معهم ما استطاعُوا إلى ذلك سبيلًا.

و على الـزوجـةِ ألا تَـضِـيـقَ صـدرًا بهذا الواجبِ الخُلقيِّ ، و أن تُشَجِّعَ زوجَها على الوفاءِ به تجاه والدَيْة ، و ليَعْلَمَ الزوجانِ أنَّ ما يُقدمانِه في هذا الشَّأن يُدَّخَرُ لهما ويُجازيانِ به في الدنيا قبلَ الآخرةِ ؛ إنْ خيرًا فخيرٌ ، و إن شَرًّا فشرٌّ ، قال رسول اللَّه ﷺ : (( بِـرُّوا آبـاءَكُـم تَـبَـرَّكُــم أبـنـاؤُكُـم ، و عِـفُّـوا تَـعِـفَّ نِـسـاؤُكُـم ))…*(٢).

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏ ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

______________________________________

*(١) أخرجه البخاريُّ في (صحيحه)(٥٩٧١) و مـسـلم في (صحيحه) (٢٥٤٨) من حديث أبي هـريـرة رضي اللّٰه عنه.

______________________________________

*(٢) أخرجه الحاكم بنحوه في ( مستدركه) : ١٥٤/٤ ، من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه ؛ و قال : (( حديث صحيح الإسناد )).

_________________________



 











الاثنين، 26 يونيو 2023

الـرَّحـمـةُ

 



الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

إنَّ من أبرزِ الصِّفاتِ الًـخُلُـقـيَّـةِ التي أمَرَنا الـشَّرعُ بالتحلِّي بها ، و يحتاجُها الناسُ لضمانِ حياةٍ إنسانيَّةٍ كريمةٍ _ صفةَ الرحمةِ و التراحُمِ ؛ لِما لها مِن أثرٍ بعيدِ المدى في تبادلِ الشُّعورِ بالمحبَّةِ و تعميقِ أواصرِ المودَّةِ ، ولِما لِِغيابِها من أثرٍ سيِّئٍ في تعريض حياةِ الناسِ إلى التَّباعُدِ و التفكُّكِ الأُسَريِّ و الاجتماعيِّ ، و إيقاظِ نوازعِ الشَّرِّ و إشعالِ الحروبِ ، و التسلُّطِ على البلادِ و العبادِ.

و يكفينا دلالةً على عَظمةِ هذه الصِّفةِ إنَّ اللَّهَ تعالى تَسمَّى بها ، مرَّةً باسمِ الرحمنِ ، و مرَّةً باسمِ الرَّحيمِ ؛ و أنَّ اسمَ (( الرَّحم )) التي هي علاقةُ القُربى و مناطُ التواصلِ بينَ بني آدمَ ، مُشتقٌّ من صِفة الرَّحمةِ التي اتصف بها اللَّه تعالى .

و قد وردَت صفةُ الرَّحمةِ و مشتقَّاتُها في القُرآن الكريمِ تسعًا و تسعينَ و ميةَ مرةٍ ، و بمعانٍ كثيرةٍ منها : أرزاقُ المخلوقاتِ ، و الغَيثُ المُرسَلُ من السَّماءِ ، و العافيةُ من الابتلاءِ و الاختيارِ :  

{ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَٰتُ رَحْمَتِهِۦ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }{ الزمر : ٣٨ } .

و مِن معانيها الأُلفةُ و المحبَّةُ ، قالَ تعالى في شأنِ أتباعِ سيِّدِنا عـيـسَـى _ عليه السلامُ _ { وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً } { الحديد : ٢٧ } ، و قد وصف اللَّهُ بها التوارةَ المنزَّلةَ على سيِّدِنا مُـوسـى _ عليه السَّلامُ_ في قوله تعالى : { وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ } { هود : ١٧ } كما وَصفَ بها القرآن في قولِهِ تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا }{ الإسراء : ٨٢ } .

و الرَّحمةُ في بني آدمَ هيَ إرادةُ إيصالِ الخيرِ و هي حالةٌ وجدانيةٌ تَعرضُ للإنسانِ الرَّقيقِ القلبِ ، و هي مبدأُ الرَّأفةِ بالآخَرِ و الإحسانِ إليهِ ؛ أما الرَّحمةُ التي يتَّصِفُ بها اللَّهُ سُبحانه فليسَتْ مِن هذا القَبيلِ ، إنَّها مِن قَبيلِ الإحسانِ المجرَّدِ عنِ الأعراضِ الماديَّة الحسيَّة التي تلازمُ الرحمةُ الآدميَّةَ مِنَ الشُّعورِ بالرأفةِ و التألُّمِ ، و محاولةِ دفعِ الألمِ عمَّن يرحمُهُ ، و نجاحِه أو إخفاقِه في إزاحتِه.

نـعـم ! رحمةُ اللَّه بعبادِه هي مِن طَورٍ آخَرَ مختلفٍ عن طَورِ رحمةِ بني آدمَ بعضِهم لبعضٍ ، و ليسَ فيها من شَبَهٍ بالرَّحمةِ الآدميَّةِ غيرُ الاشتراكِ في الاسْمِ ؛ فهي أوسعُ و أشملُ ، تسعُ الخلقَ كلهم في الدُّنيا و الآخِرةِ ، وقد كتبَها اللَّهُ على نفسِهِ وأخبرَ بذلكَ في كتابِهِ الكريمِ ، فقال : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } و قال : { وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ } ، أي : وسِعَت في الدُّنيا كلَّ بَرِّ و فاجرٍ ، و قال في الحديث القدسي : (( إنَّ رحمتي تغلِبُ غضَبي ))…*(١) ؛ و معنى غَلَبَة الرَّحمةِ أو سَبقِها : أن رِفْقَه تعالى بعباده ، و إنعامَه عليهم و لُطفه بهم أكثرُ كثيرًا من انتقامِه ، فاللَّهُ أرحمُ بعبادِه من الوالدةِ بولدها و قد رغَّب اللَّهُ عبادَه في الرَّحمة و التراحمِ بجميع صُوره و أشكالِه ، و حذَّر من الجفاءِ و الغِلظة و قسوة القلوب ، وتوعَّد غلاظَ الأكباد بالحِرمان من رحمته ، يقول النبي ﷺ : (( مَـنْ لـا يَـرْحَـم لـا يُـرْحَـمُ )) …*(٢) ، أي : لا يستحق رحمةَ اللَّه تعالى إلا الراحمون الموفَّقون ؛ كما وسَّع من مجالاتِ تداولِها حتى شَمِلت عوالمَ المخلوقاتِ كلَّها ، وتراكَم في تُراثِنا من هذه التعاليمِ ما يَستحقُّ المباهاةَ و الفخارَ ، فاللَّهُ الذي يؤمِـنُ به المسلمونَ هو :( الرَّحمن الرحيم )) ، و رسولُهم الذي يتبعونَه هو ( الرؤوفُ الرحيمُ ) ، و العبادُ على اختلافِ ألوانِهم و عقائدِهم و مِـلَـلِـهـم و أديانِهم إخوةٌ في فلسفةِ الإسلامِ ، و أُخوَّتُهم ليست _دَعـوى_ يُحتاجُ في استنباطِها إلى تلمُّسِ الأدلةِ و البراهين ، بل هي شهادةٌ يوميةٌ ، كان رسولُ الإسلامِ ﷺ يردِّدُها عَقِبَ صلواتِه اليوميةِ و يقولُ فيها : (( أنـا شـهـيـدٌ أنَّ الـعِـبـادَ كـلَّـهـم إِخـوةٌ )) …*(٣).

وحَقُّ السَّلام مكفولٌ للعِبادِ كُلَّهم في شرائعِ هذا الدينِ ، و الإسلامٌ لا يسعى للحربِ و لا لإراقةِ الدِّماء ما وَسِعَه ذلك ، و هو يعتصمُ بمبدأ (( السَّلامِ )) إلى آخِـر مـدًى ممكن : { ۞ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا }{ الأنفال : ٦١ }. 

(( لا تَـتـَمَـنَّـوا لِـقـاءَ الـعَـدُوِّ و سَـلُـوا اللَّهَ الـعـافـيـةَ ))…*(٤).

و المسلمون لا يُقاتِلون إلا مَن يُقاتِلُهم : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }{ البقرة : ١٩٠ } ، و هذه عدالةٌ مطلقةٌ لا تُعرفُ لغيرِ المسلمينَ في أحكامِ الحروبِ و مواقعِ القتالِ ؛ وأنْ وَقَعَ قتالٌ في الإسلامِ فهو لِدَفع عدوٍّ مقاتلٍ ، وصَدٍّ لهجُومِه ، وصَوْلتِه على المسلمين ؛ و دفاعُ المسلمِ أو قتالُه لعدوِّه مضبوطٌ بالعدلِ و عدمِ التجاوزِ ؛ فإنْ تجاوَز المسلِمُ في قتالِه كان عُدوانًا يكرَهُه اللَّهُ ، ولو كان ذلك مع الكافرين.

و إذا فُرِضَ القتالُ على المسلمينَ فلا يَحِلُّ لهم أن يَقتلوا الرُّهبانَ ، و لا الصبيانَ ، و لا النِّساءَ ، و لا الفلاحينَ ، و لا العجزةَ و مكفوفي البَصرِ في جيش العدوِّ ، بل لا يـحـلُّ لـهـم قَـتـلُ الـحـيـوانـاتِ في جـيـشِ الأعداءِ إلَّا لـضـرورةِ الأكـلِ .

وقد أحـسـَن أديبُ العربيَّةِ في العَصرِ الحديثِ : مصطفى صادق الرَّافعـي _رحمه اللّٰهُ_ في قولِه : (( إنَّ لـسـيـوفِ الـمـسـلـمـيـنَ أخـلاقًـا )) .

و لعلَّكم تتساءَلونَ عن مُناسبةِ هذا الكلامِ لموضوع اليوم ، و الإجابةُ ظاهرةٌ : إنَّها الرَّحمةُ التي تجسَّدت بتمامِها في نبيِّ الإسلام ، و أعلَت صوتَه في العالمينَ : (( إنَّـمـا أنـا رحـمـةٌ مـهـداةٌ ))…*(٥) ،

 { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}{ الأنبياء : ١٠٧ }.

إنـهـا الرحمـةُ بالإنسانِ و الرحمةُ بالحيوانِ : (( إذا ذبـحـتـم فـأحـسـنـوا الـذِّبـحـةَ ، و إذا قـتـلـتـم فـأحْـسِـنـوا الـقِـتـلـةَ )) …*(٦).

إنها الرحمةُ التي تتساوى فيها الدماءُ ؛ فيُقتلُ الجمعُ بالواحدِ إذا اشتركوا في إراقةِ دمِـه ، جاء في (( الـمـوطَّـأ )) …*(٧) : أن عـمـر بنَ الخطابِ _رضي اللّٰه عنه_ قتل نفرًا - خـمـسـةً أو سـبـعـة - بـرجـلٍ واحـدٍ ، قـتـلُـوه في الـيـمـن قَـتـلَ غِـيـلـةٍ ، أي : خـادَعـوه و أَمَّـنـوه ثـمَّ قـتـلـوه ، قال عـمـرُ : (( لـو تَـمـالَأَ عـلـيـه أَهـلُ صـنـعـاءَ لـقَـتـلـتُـهـم بـه ))._______________

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

__________

*(١) أجرجه البخاريُّ في ( صحيحه )( ٣١٩٤ ) ، و مسلم ( صحيحه )( ٢٧٥١ ) من حديث أبي هريرة -رضي اللّٰه عنه. _________________________________________

*(٢) أخرجه البخاريُّ في ( صحيحه)( ٥٩٩٧ ) ، و مسلم في ( صحيحه )( ٢٣١٨ ) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

*(٣) جزء من حديث أخرجه أبو داود في ( سننه )( ١٥٠٨ ) من حديث زيد ابن أرقم رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

*(٤) جزء من حديث أخرجه البخاريُّ في ( صحيحه )( ٢٩٦٦ ) ، و مسلم في ( صحيحه )( ١٧٤٢ ) من حديث عبداللَّه بن أبي أوفَى رضي اللّٰه عنهما.

______________________________________

*(٥) أخرجه البزَّار في ( مسنده )( ٩٢٠٥ ) ، و الطَّبرانيُّ في ( المعجم الأوسط )( ٢٩٨١ ) ، و الحاكم في ( المستدرك ) : ٣٥/١ ، من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه ؛ و قال الحاكم : (( حديث صحيح ، على شرط البخاريِّ و مسلم ))

_______________________________________

*(٦) أخرجه بنحوه مسلم في ( صحيحه ) ( ١٩٥٥ ) من حديث شدَّاد بن أوس رضي اللّٰه عنه.

________________________________

*(٧) برواية يحيى بن يحيى ا

للَّيثيِّ ( ٢٥٥٢ ).

________




الاثنين، 19 يونيو 2023

fairness _ الإنصاف 1


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نستكمل ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن قيمة 

👈  الإنصاف👉.

فمِن غيرِ الإنصاف أن يعرِضَ متحدِّثٌ لهذا الموضوعِ في الإسلامِ دونَ أن يتوقَّف قليلاً أو كثيرًا عند أحدِ مشاهدِ القرآن الكريم في إدانةِ المسلم و إنصافِ غريمِه ، و انا واحدٌ من هؤلاء الذين تأخذُهم الدَّهشةُ من جميع أقطارها ، كُلَّما قرأتُ الآياتِ المتعلِّقةَ بهذه القِصَّةِ في (( سورة الـنـسـاء )) ، و تبلُغُ الدَّهشةُ ذروتَها حين نقرأُ في الآياتِ ما يُشبِهُ العِتابَ الإلهيَّ للنبي ﷺ في بعض مواقف هذا المشهد ، و كيف أن تِسعَ آياتٍ بيِّناتٍ متتالياتٍ نزلت لإنصافِ يهوديِّ مظلومٍ و إدانةِ مُسلم خائنٍ ، يقول علماءُ التَّفسيرِ في سببِ نزولِ هذه الآياتِ : إن صحابيًّا على عهد النبي ﷺ اسمه (( طُعمةُ بنُ أُبيرِق )) ، سَرَقَ دِرعًا مِن جارٍ له اسمُه (( قتادةُ )) ، و كانت الدِّرعُ في جرابِ دقيقٍ به ثُقبٌ ، فأخَذَ الدَّقيقُ يتناثَرُ على الطَّريقِ ، و خَشيَ طعُمةُ أن يَفتضِح أمرُه إن هو ذَهبَ به إلى منزِله ، و تفتَّقت حيلتُه عن التوجِّهِ به لصَديقٍ له يهوديًّ اسمه : (( زيدُ بنُ السَّمينِ )) ، و قال له : ضَع هذا أمانةً عندكَ ، و لما تنبَّه -قتادةُ- و قومُه للدِّرعِ المسروقةِ ، ذهبوا إلى _طُعمةَ _ و يبدو أنَّه كانَ معروفًا بالسَّرقةِ_ فحَلَف لهم أنَّه ما أَخَذَها ، و ما لَه بها عِلمٌ ، _ فتتبَّعوا أثرَ الدَّقيقِ حتى إذا ما انتَهى بهم إلى بيتِ _زيدٍ اليهوديِّ_ ، فدَخَلوا عليه و قالوا له : (( أنتَ سرَقتَ الدِّرعَ )) فأَقسَمَ باللّٰه ما سَرَقتُه _ و أنَّ طُعمةَ هو الذي جاءَ به ؛ و قالَ : ضَعْه أمانةً عندَك ، فرَجعوا إلى طُعمةَ مرة أخرى و سأَلوه فأَقسم لهم أنِّي ما سرقتُه ، و أنَّ مَن سَرَقَكم هو زيدٌ اليهوديٌّ ، و شاعَ الأمرُ في الناسِ ، و خشي طعمة و قبيلته من و صمهم بجريمة السرقة ، فذَهب طُعمةُ و قبيلتُه إلى النبي ﷺ ليَطلبوا منه تبرئتهم من السَّرقةِ ، و أن يجادِلَ عنهم ليدفَعَ هذه الوصمةَ ، و قالوا : إن لم تُدافِع عنا هَلَكنا و بَرِئَ اليهوديُّ _ فأرسل النبي ﷺ إلى زيدٍ اليهوديِّ ، و سأله فأجابَه : و اللَّه يا أبا _الـقـاسِـمِ ما سَرَقتُ الدِّرعَ ، و لكن رماهُ عندي طُعمةُ كأمانةٍ ، و أوشَكَ النبي ﷺ أن يُصدِّق طُعمةَ و قَبيلَتَه ، في دَعواهم أنَّ الذي سَرَقَ الدِّرعَ هو زيدٌ اليهوديُّ ، و هَمَّ بعقابِ زيدٍ لولا أن نزلَ القرآنُ و برَّأَ اليهوديَّ من تُهمةِ السَّرقةِ ، و دمغَ طُعمةَ و أهلَه بالخيانةِ ، و توعَّدَهم بالعقابِ الأليم إنْ لم يتوبوا إلى اللَّه و يَستغفروه________ (١) .

و هذه هي قصة الآياتِ التي نقرأها في سورة الـنـسـاء في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٦)}{ الـنـسـاء : ١٠٥_١٠٦ } ، أي : استغفرِ اللَّهَ لما همَمتَ به من عقابِ اليهوديِّ ؛ { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩) } { الـنـسـاء : ١٠٧_١٠٩ } ؛ و الآيات خطابٌ لجماعةِ من الأنصارِ ، اشترَكوا في الدِّفاعِ عن طُعمةَ و عن المسلمينَ.

و معنى الآياتِ : هَبوا أنَّكم خاصَمتُم عن طُعمةَ و قومِه في الدَّنيا فمَن يخاصِمُ عنهم في الآخِرَةِ إذا أخذَهم اللَّهُ بعذابِه .

ثم يقولُ اللَّهُ تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)}{ الـنـسـاء : ١١٠_١١٣ } ؛ انظر أيها القارئ الكريم ! تسعُ آياتٍ بيِّناتٍ تنزلُ على نبيِّ الإسلام في تبرئةِ يهوديٍّ مظلومٍ و إدانةِ مسلمٍ ظالمٍ ، و تَعتِبُ عليه ﷺ مَيلَه لتَصديقِ المسلمِ و تكذيبِ اليَهوديِّ ، كُلُّ ذلكَ في جوٍّ كانت فيه أغلبيَّةُ اليهودِ تُناصِبُ الإسلامَ و المسلمينَ العَداءَ ، و تتربَّصُ بهم وتُعينُ عليهم أهلَ الشِّركِ و الوثنيَّةِ من قريشٍ .

و لقَد صدَّقَ القرآن على ( طُعمةَ ) بما يُشعِرُ بسوءِ الخاتمةِ و العَذابِ الأليمِ يوم القيامةِ ؛ فقيلَ : إنَّه هرَبَ إلى مكةَ ، و سَرَقَ و ارتَدَّ ، ثُمَّ سرقَ و قُتِلَ في سَرِقَتِه الأخيرةِ !.

هل أَدركتُم عظمةَ الإسلامِ في تطبيقِ مبدأِ العدلِ و الإنصافِ حتى مع الكارهينَ للإسلامِ ، و كيف أن هذا المبدأَ لا مَفَرَّ منه لاستقرارِ المجتمعاتِ ، و أساسٌ لشعورِ النَّاسِ بالهدوءِ و الطُّمأنينةِ ؟! و كيفَ أن المسلِمَ و غيرَ المسلمِ سواءٌ في دينِ الإسلام ، دينِ العدلِ و الإنصافِ و المساواةِ بينَ بني آدمَ ؟!.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

__________________________________________(١) ؛ أخرج قصَّة طُـعـمـة بن أُبَـيْـرِق _رضي الله عنه_ الطَّبريُّ في (( جامع البيان )) : ٤٦٢/٧ ؛ عن قتادة مرسلًا ؛ و أخرجها كذلك : ٤٦٦/٢ ، عن إسماعيل السُّدِّيِّ ، مرسلًا_






الجمعة، 16 يونيو 2023

fairness _ الإنصاف


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

من القِيمِ المفقودةِ في غِمارِ حياتِنا الماديةِ و العمليةِ اليوم قـيـمـةُ الإنـصـافِ ، التي باتت عملةً نادرةً في معاملاتِنا الحديثة ، و أوشكَت أن تُحال لمستودَع الأخلاقِ القديمةِ ، و التي يُنظرُ لصاحبِها من منظورِ الدَّهَشِ و الاستغرابِ ، و كأنه قادمٌ منَ القورنِ الوسطَي ، و يتعاملُ في الأسواقِ بعملةٍ مضي عليها الزمنُ ، و طَمَرتْها الأعصرُ و الدهورُ .

و الإنصاف - باختصارٍ شديدٍ - هو العدلُ مع النفسِ ، و مع الغيرِ ، و افقَك هذا الغيرُ أو خالفك ، و معناه في بابِ المعاملاتِ : أن تُعامِلَ الناسَ بمثل ما تحبُّ أن يعاملوكَ به ، مِثلًا بمِثلٍ ، و تمامًا بتمامٍ ، و أن تُعطَيهم حقوقَهم بمثلِ ما تطالبُهم به من إعطائِك حقَّك.

و الإنصافُ - بهذا المعني - هو معيارُ العدلِ ، بل هو القسطاسُ المستقيمُ الذي يزِنُ به المرءُ معاملاتِه مع الناسِ ، أخذًا و عطاءً في الجليلِ و الحقيرِ من أصنافِ هذه المعاملاتِ .

و إذا كان الإنصافُ يستلزمُ فضيلةَ العدالةِ طردًا و عكسًا ، فهذا يعني أنه كلما وُجِدَ الإنصاف وُجدَ العدلُ ، و كلما انتفى العدلُ انتفى الإنصافُ ، و لازومُ ذلك أن يكون الإنصافُ و العدلُ توأميْن متلاصقيْنِ.

هذا و إنَّ أعلى درجاتِ الإنصافِ و أعظمَها أثرًا في دُنيا الناسِ هي درجةُ (( الانتصافِ مِنَ النفسِ )) أي : قدرةُ المرءِ على أن ينتصفَ لنفسِه من نفسِه ، و بمعنًى أوضحَ : قدرتُه على أن يخاصِمَ نفسَه و يخطِّئَها و يُعاتبَها فيما أساءتْ فيه من قولٍ أو عملٍ .

و مواجهةُ النفسِ و محاسبتُها و لومُها تتطلَّب قدرًا غيرَ قليلٍ من القوةِ و الشَّجاعةِ و الإيمانِ بمبدأ المساواةِ بين الناسِ الذي أرساه نبيُّ الإسلام ﷺ ورسَّخه في قولِه : (( النَّاسُ سَواسِيةٌ كأسنانِ الـمُـشْـطِ )) أخرجه الدُّولابيُ في الكنى و الأسماء ٩٤٩ و ابن حبَّان في- المجروحين - : ١٩٨/١ ، و أبو الشيخ فى أمثال الحديث ( ١٦٨ ) و غيرهم ، من حديث سهل بن سعد رضي اللّٰه عنهما .

و منَ المعلوم أن مَن يَعجِزُ عن مواجهةِ نفسِه و الانتصافِ منها يَعجِزُ عن إنصافِ غيرِه منَ الناسِ من بابِ أولى ، ففاقدُ الشَّيءِ لا يُعطيه كما يقولُ الحكماءُ .

و بسببٍ غياب هذا الخُلُقِ العظيم انتشر في حياتنا المعاصرة هذا النوعُ من الذين يأخذون و لا يُعطونَ ، و يُبصرونَ أخطاءَ الناس و تَقْذَى عيونُهم عن أخطاءِ غيرِهم ، و يطلبون أن يُعتذرَ إليهم و لكن لا يعتذرونَ لأحدٍ ، و يعترفونَ على الآخرينَ بينما يَعجِزونَ عنِ الاعترافِ على أنفسِهم ، و هم حين يخطئونَ يُجهدونَ أنفسَهم في اختلاقِ المعاذيرِ و العِلَلِ التي تُسوِّغ لهم أخطاءَهم و جرائمَهم ، و ظلمَتهم للعباد : كِبرًا و غطرسةً و هروبًا من وَخزِ الضمير و تأنيبِه.

إن الفائدةَ التي تعودُ على المجتمعِ من التعاملِ بمبدأ الإنصافِ هي اعترافُ المخطئِ بخطئِه فيها بينَه و بين نفسِه أولًا ، ثم ما يتداعَى بعد ذلك منِ استعاذته باللَّهِ من الشَّيطانِ الرجيمِ ، و من طَلبِ المغفرةِ من اللَّه تعالَى و الاعتذارِ للمتضرِّرِ من هذا الخطأ ، مع قضائِه حقَّه إن ترتبَ على هذا الخطأ مظالمُ للعباد .

و مرةً أخرى إنَّه (( المسلمُ القويُّ )) الذي يُحاسِبُ نفسَه على خطئِها قبلَ أن يحاسِبَ الآخرينَ على أخطائِهم.

و هنا سؤالٌ يفرِضُ نفسَه : هل (( الإنصافُ )) في شريعةِ الإسلامِ هو أمرٌ مندوبٌ أو أمرٌ مفروضٌ !؟ 

و الإجابة هي أن (( الإنصافَ )) أمر مفروضٌ على كلِّ مسلمٍ ؛ و القرآن و الحديث مملوءانِ نهيًا و وعيدًا للظالمِ و الظُّلمُ _ كما عرفنـَا هو نقيضُ  العدلِ و العدلُ هو الإنصافِ .

و المسلمُ مأمورٌ بالأنصافِ و العدلِ مع المسلمِ و مع غيرِ المسلم ، و مع صديقه و عدوِّه سواءً بسواءٍ ، يدلنا على ذلك قانونُ القرآن في قتال الأعداءِ المحاربينَ ، و فيه أمر صريح بالتقيِّدِ بمبدأ العدالة في قتال الأعداء ، و عدم تجاوزِها إلى العدوانِ { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }{ البقرة : ١٩٠}.

و لا يتَّسع المقامُ لسردِ النصوصِ في هذا الشَّأنِ ، و لا شهاداتِ التاريخِ التي يَعلمهُا أعداءُ الإسلامِ قبلَ أنصارِه ، و كلُّها تصُبُّ في جملة واحدة مكوَّنةٍ من مبتدأ و خبرٍ ، هي : ( الإسلامُ دينُ الإنسانيِة ) هذه الجملةُ التي اختارها أستاذٌ غربيٌّ مُنصِفٌ  شغلَ مناصبَ هامةً في الأمم المتحدةِ في جنيف : الأستاذ / مارسيل بوازار ، و وضعَها عنوانًا لمؤلَّفِه القيِّمِ ( الإسلامُ دينُ الإنسانيةِ ) و صدرت ترجمتُه إلى اللغةٌ العربية عام ١٩٨٠.

و هذا و بالله التوفيق ، و سوف أكمل لكم موضوع الإنصاف بقصة اليهودى الذي انصفه النبي ﷺ وكيف أن تِسعَ آيات نزلت لإنصاف هذا اليهودي المظلوم.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

 #بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


الاثنين، 29 مايو 2023

Societies need for the poor and the simple

 

حاجةُ المجتمعات إلى الفقراءِ و البسطاء


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

يرتبِطُ هذا بموضوعِ (( التواضعَ )) و هو موضوعٌ واسعُ الأطرافِ ، موضوعٌ آخرُ هو منزلَةُ الفقراءِ ، و مدى حاجةِ المُجتمعات إليهِم ، و دَورُهُم التاريخيُّ الكبيرُ في دعمِ الرسالاتِ الإلهيَّةِ و الوقوف إلى جانبِ الأنبياء و المرسلينَ. و التَّاريخُ يُثبتُ أن الفُقَراء كانوا أَذرُع الأنبياء و سواعدَهم القويةَ في نشرِ الدعوةِ إلى اللّٰه تعالى ، و هِدَايةٍ الناس إلى الحقِّ و الخير والجمالِ ؛ كما يُثبتُ أن الترفُّعَ عليهم و الأنفةَ منهم كثيرًا ما مثَّل عقبةً كأْداءَ صدَّتْ المستكبربن ، و أَعمَت أبصارَهم و بصائِرَهُم حتى استحبُّوا الكفرَ على الإيمانِ .
انظر عزيزي القارئ إلى الوجهاءِ مِن قوم نوح _ عليه السلام _ و ما أبدَوهُ مِن عُذرٍ في رَفضِهم و تمرُّدِهم على دَعوته قالوا له : كيف نُصَدِّقُك في دَعوتِك و قد اتَّبعكَ سِفْلَةُ النَّاسِ ، و أراذِلُهُم و خِساسُهم من المساكينِ الذين ليسَ لهم مالُ و لا عِزُّ و لا جاهٌ ، و إنَّا إذا اتَّبعناك صِرنا مثلَهم ، و حُسِبنا عليهم ، ثم كيف نتَّبِعُك و مِنهم من يعملُ في المِهَن المتواضعَةِ في مَنطِق الاعراف و التَّقاليدِ ، و كان ردُّهُ عليه السَّلام : إني لا أعلَم حِرفَتَهم و لا أعمالَهُم ، و لم أُكَلَّف بذلك ، و إنَّما كلَّفني ربِّي أن أدعوَهم إليه و قد أجابوني ، و ما حِسابهُم و حِسابي إلَّا على الذي خلقني و خلقَهم ، و إنكم لو عَلِمتُم ما قلتُه لكم حقَّ العلم ما عبتُم عليهم حِرَفَهم و صنائعَهم ، ثم يَحسِمُ نوحٌ عليه السلامُ حِوارَه مع هؤلاءِ المتكبِّرين بإعلانِ أنه لا يستطيعُ طَرْدَ هؤلاءِ الذين تأنفون من مخالطتِهم فما أنا إلا نذيرٌ يحذِّرُ من معصية اللَّه و يدعُو إلى طاعتِه ، و انتهى حوارُهم معه بتوعدِه بالرجمِ إن هو أصرَّ على موقفِه هذا ولم يتراجع عنه : { كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (١٠٥) إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ (١٠٧) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (١٠٩) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) ۞قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلۡأَرۡذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (١١٢) إِنۡ حِسَابُهُمۡ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيۖ لَوۡ تَشۡعُرُونَ (١١٣) وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ( ١١٤) إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ (١١٥) قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمَرۡجُومِينَ (١١٦) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ ( ١١٧) }{ الشعراء : ١٠٥ _ ١١٧ }.
و قد واجَه نبي الإسلام _ صلواتُ اللَّهِ و سلامُه عليه _ نفسَ الموقفِ مع كفَّار قريش ، و تعاملوا معه بالمعاملةِ ذاتِها ؛ فكانوا يتأفَّفون من الجلوس مع صحابةِ رسولِ اللَّهِ ﷺ ، و كان أكثرُ صحابتِه _ كما نعلمُ _ من الفقراءِ و الفقيراتِ ، و قد سألَه أعيانُ قريش أن يطُردَ من مجلسِه هؤلاءِ العبيدَ و البائسينَ ؛ و منهم : سلمانُ و خبَّابٌ و بلالٌ و عمَّارٌ و غيرهم من ضعفاء المسلمين ، و كان بعض هؤلاءِ يلبسونَ جِبابَ الصوفِ ، و تفوحُ من أثوابِهم رائحةُ العَرَقِ ، فقالُوا له عليه الصَّلاةُ و السَّلامُ : (( لو طرَدْتَ عنَّا هؤلاءِ الأعبُدَ ، أي : العبيدَ و أرحْتَنا من روائحِ جِبابِهم لجلسنا إليكَ و حادثناكَ ))__ أخرجه الطَّبريُّ في جامع البيان ٢٤٠/١٥ ، من حديث سلمان الفارسيِّ رضي اللّٰه عنه.
و قال آخرون : (( لو نَحَّيْتَ هؤلاء عنك حتَّى نَخْلُوَ بك ، فإنَّ و فودَ العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ، ثم إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك )) و همَّ النبي ﷺ أن يجيبهم لطلبهم طمعََا في إسلامهم ، فنزلَ قوله تعالى : { وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ }{ الأنعام : ٥٢ } و هذه الآية نهيٌ صريحٌ للنبي ﷺ عن إجابة المشركين لطلبِهم ، و فيها تحذير منَ الوقوع في الظلم إن هو فعلَ ذلك ، و فيها تذكير بأن هؤلاء العبيد يدعون ربهم صباحًا و مساءًا و يعبدونه طلبًا لوجهه الكريم ، و ليس لشيء آخر من أغراض الدنيا ؛ و أنت - أيها النبي - لست مسؤولًا عنهم و لا هم مسؤولون عنك .
و في السياق نفسه نقرأ توجيهًا مشابهًا تمام المشابهة من توجيهات اللَّه تعالى لنبيه في الموضوع ذاته و هو قوله سبحانه { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا }{ الـكـهــف : ٢٨ } .
و في هذه الآية _ أيضًا _ أمرٌ صريحٌ للنبي ﷺ بأن يَحبِسَ نفسَه مع هؤلاء الذين يعبدونَ ربَّهم بالغداةِ و العشي ، يريدونَ بعبادتِهم و جهَه تعالى لا شيئًا آخر من متاعِ الدنيا ، و أن يَصبِرَ على هذا ، و ألَّا تتحوَّلَ عيناه عنهم إلى غيرِهم ، و يترك مجالسَهم إلى مجالسِ أصحاب الجاهِ و المالِ من أبناءِ الدنيا الذاهلين عن الآخرةِ ، و ألا يتَّبعَ أهواء الغافلين عن ذِكرِ الله ممن اتبعُوا أهواءَهم و أسرفوا في ضلالِهم.
إن الدرسَ الذي ينبغي أن نُفيدَه من هذه الجولةِ السريعةِ مع كتابِ اللّٰه و توجيهاتِه لنبيَّه ﷺ هو أنه لا يصحُّ أن نُقيِّمَ الناسَ على أساسٍ من أشكالهم و مظاهرِهم و إمكاناتِهم الماديةِ ، فكلُّ هذه شكلياتٌ لا دخلَ لها في التعرُّفِ على قدر الإنسانِ لا من قريب و لا من بعيد ، و أن المعيارَ الوحيدَ الذي يُكرم به المرءُ أو يُـهان هو : العملُ الصالح ، و أنَّ قيمةَ الإنسانِ معلَّقةٌ بفائدتِه و أثرِه الطيب في نفسِه و فيمَن حوله ، و هؤلاء الذين يُنظر إليهم و كأنَّهم من الدرجةِ الثانية هم أصحابُ فضلٍ قديمٍ على البشرية جمعاءَ ، و يكفيهم شرفًا أنهم كانوا جنودَ الأنبياء و المرسلين في رسالاتِهم التي أنقدتِ البشريةَ من الضلالِ و أخرجتْها من الظلمات إلى النورِ .
و أختمُ موضوعي بهذه القصةٍ المختصرةٍ ؛ و هي ماترويه كتبُ الحديث و السيرة و التاريخ من أن النبي ﷺ أرسل إلى هرقلَ عظيم الرومِ رسالةً يدعوه فيها إلى الإسلام ، و كان هرقل بالشام حين و صلته الرسالة ، و اتَّفَـق أنْ كان (( أبو سفيان )) على رأس قافلةٍ تجارية بالشَّامِ أيضاً ، فدعاه هرقل و دعا معه مجموعة من كبار قريشٍ و أجلسهُ أمامه ، و أجلس جماعته عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل هذا الرجل عن هذا النبي و قال لهم : فإن كَذَبَنِي ( أي : كذَب عليَّ ) فكَذَّبوه .. وبدأ الملك يسأل أبا سفيانَ عن النبي ﷺ و أبو سفيان يُجيبُ ، و كان من أسئلة الملك لأبي سفيان : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم !؟ فأجاب أبو سفيان : بل ضعفاؤُهم ، فقال الملك : و هكذا أتباع الرسلِ .
ثم قال لأبي سفيان : (( لئن كان ما تقوله حقًّا فهو نبيٌّ .. و سيملك موضع قدميَّ هاتين )) _ أخرجة البخاريُّ في صحيحه ( ٧ ) ؛ و مسلم في _صحيحه_( ١٧٧٣ ) ؛ من حديث أبي سفيان صخر بن حرب رضي اللّٰه عنه.
و يقصد هنا هرقل أرضَ الشَّام ، و لم تمضِ سنواتٌ قلائلُ حتى دخلَ الإسلامُ الشَّامَ ؛ و صدقَت فراسةُ الملكِ هرقل .
هذا و باللَّه التوفيق
و اللّٰه أعلم 🌺🌺
إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 
  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼
  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼



الجمعة، 19 مايو 2023

Prince Rudolph's Journey رحلة الأمير ردُولف


 الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

رحلة الأمير ردُولف

أبهرت و بهرت مصر الكثير من الرحالة و المؤرخين منذ أقدم العصور فلم يستطيعوا مقاومة سحر طبيعتها الخلابة التي تمتزج مع أصالة الماضي ، و إبداع النقوش المحفورة على الجدارن ، و إلهام الأزمنة القديمة و غموض الصحراء ، و تدفق النهر الخصب ، فوفدوا بأعداد كبيرة و توغلوا في جوهر الحياة المصرية ليسبروا أغوارها ، و دونوا مشاهداتهم التي ساهمت في ازدياد الوعي العام للغرب بالواقع الشرقي ، و من أجمل العبارات ما قاله الرحالة الفرنسي _جوستاف فلوبير_ ( إن الشرق يبدأ من مصر ).

و في عهد الخديوي إسماعيل في عام ( 1875 ) من الميلاد زار مصر صاحب السمو الإمبراطوري و الملكي الأمير رودولف من آل هبسبرج بالنمسا ، و بدأ رحلته المثيرة بجولة ما بين ربوع مصر بدءًا من الإسكندرية و مرورًا بالقاهرة و الفيوم و الصعيد و بورسعيد ، ثم قطع قناة السويس و تجول في البحر الأحمر قبل أن يذهب إلى فلسطين.

و بصفته أميرًا فكانت رحلته رسمية ، و كان محاطًا بالمرافقين و الحراس و لم يختلط اختلاطًا مباشرًا بعامة الشعب كسائر أبناء الطبقة الراقية ، و قضى معظم رحلته يشبع هوايته في رياضة الصيد الترفيهية التي كان يمارسها النبلاء و الأثرياء في ذلك الزمان و استخدموا الكلاب لمطاردة ما تجود به الطبيعة من فرائس.

و خلال جولته في مصر استغرقته التفاصيل المفعمة بالحياة و الطبيعة البكر فكتب و صفًا مفصلاً لعوالم الشرق السحرية التي تجسد الجمال الحيَّ ، كما سجل أهم المعالم الجغرافية و الأثرية التي أبهرته روعتها ، و ذكر العديد من أنواع الطيور التي ظفر بها مثل البلشون و أبو قردان و الكركي و الوروار و الحدأة و الصقور ، و دون أسماء الحيوانات البرية التي طاردها و كانت منتشرة في القري و الصحارى و الحدائق مثل الذئاب و ثعالب الصحراء و السحالي و ابن آوى و الوشق و الضباع ، فأظهرت كتاباته مدى ثراء مصر في الحياة الحيوانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .

و يقول الأمير رودولف في رحلته قائلاً إنه يقاسي من برد أوروبا الشديد و يأمل بأن يستمتع عما قريب بدفء بلاد الشرق المتوهج و يرتوي من جمالها الأخاذ ، و بعد و صوله يصف لنا مشاعره الفياضة ، فيقول : ( و تجاوزنا الحديقة الغناء و رأينا أشجار الجميز الضخمة و الروائح العطرية تنبعث من بساتين البرتقال ؛ إنها عطور الشرق المسكرة و امتلأت السماء بنجوم لا حصر لها و أنعش الهواء الدافئ الناعم و جوه الأوروبيين البائسين ، لقد كانت ليلة إفريقية حقيقية غاية من الروعة ؛ إذ ينبغي على المرء أن يدرك السحر اللذيذ لهذه البلاد السعيدة ، ليفهم جاذبيتها التي تفوق الوصف و فتنتها التي لا حدود لها و الشوق الشديد لكل من عاش فيها ليعود إليها ، ففي هذه البلاد ، فقط لا سواها ، يمكن أن يكون مهد البشرية حيث الشرق المزهر الباسم و الصيف الواضح غير الكئيب لا في بلاد الشمال الجرداء العابسة ).

و استقل الأمير رودولف القطار من مدينة الإسكندرية إلى القاهرة شاقًّا طريقه و سط القرى و الحقول ، فشاهد روعة الريف المصري و بساطة الحياة و سط الطبيعة و سجل ملاحظاته : (( تتبع طيور النورس و الفلاحين الذين يحرثون الغيطان و طائر أبو طيط الرشيق ، و بين أشجار الحقول على شاطئ النهر يهدل الحمام وزمج الماء ( طير النورس ) الطائر المصري الأصيل ذو المنقار الطويل ينقض صائدًا السمك، و يرى المرء من القطار الذئاب و هي تعدو في الحقول ، و تحوم الصقور و النسور فوق القرى ، إنه عرض متباين مفعم بالحياة و مشوق للنشاط البشري و الحياة الحيوانية)).

و بعد و صوله إلى القاهرة قام الأمير رودولف بجولات بين الأحياء القديمة و الحديثة ، فأعجب بالملابس الشرقية المزركشة و ببساطة أولاد البلد ، و قد سجل لنا مشاهداته للأعداد الضخمة من الحدآت التي تحلق في سماء القاهرة ، و الحدآت هي طيور جارحة داكنة اللون آكلة للحوم تعيش في جماعات و كانت منتشرة بكثرة و لم يكن مسموحًا بصيدها أو بقتلها لأنها تنظف القاهرة من النفايات و تنقي نهر النيل من أي مخلفات يجرفها النهر في طريقة ، تنقض أعداد الطيور الهائلة على بقايا الطعام و الجيف فتلتهمها في الحال و تترك الشوارع نظيفة .

و يبدأ الأمير رودولف وصفه قائلاً : (( و لا أستطيع أن أصف أسواق القاهرة و صفًا مفعمًا بالحياة زاخرًا بالألوان ؛ إنها مناظر جديدة تصافح عيون الغرباء في كل منحنى ، و قد اشتريت بعض الحلى العربية و درعًا قديمة و بعض المشغولات الذهبية و الفضية ، و في سوق السجاد ذهبت إلى حوش منزل تاجر ثري ، و بسط هذا الرجل العجوز باعتزاز يفوق الوصف سجاجيده الراقية الثمينة ؛ ثم انطلقنا في شارع شبرا ذي الخضرة و الظلال ، و تتابعت الصور صورة في إثر صورة و كأننا في حلم ، زحام بشري و جِمال محملة و حمير صغيرة و شرقيون في ملابس زاهية ملونه و محلات فتحت جوانب من أبوابها و مقاهِِ يجلس زبائنها أمامها ، و أطفال يتشقلبون فوق التراب و هم يصيحون و يتدافعون بشدة و لم يتنح واحد منهم ، و فلاحات أصابهن الرعب يحملن جرار الماء فوق رءوسهن ، يهربن صارخات بمجرد اقتراب الحافلات بقوة ؛ لقد أبهجتني البساتين الناضرة بأزهارها الفواحة و شجيراتها و نخيلها التي تداعب النسائم أغصانها و جريدها ، و رأيت و وسط مدينة القاهرة عددًا من الطيور الجارحة ، آلاف الحدآت تحلق في الجو أو تقف على الأسطح ، و سمعت أغاني الطيور ، و غمرت نفسي في النسائم الشافية لمصر المقدسة )) كما وصف الأمير.


و أثناء زيارة الأمير إلى الجامع الأزهر الشريف جذب انتباهه منظر لم يعتاد عليه ؛ و هو منظر الحلاقين و هم منهمكون بعملية الحلاقة في الشوارع ، و كانوا يقومون بحلق الرءوس بطريقة فريدة ، و علق عليها في كتابتة قائلاً : (( و قد أمتعت نفسي بملاحظة أساليب الحلاقين الشرقيين العريقين إلى جانب بوابة جامع الأزهر الرئيسية و هم يجلسون متربعين على الأرض ممسكين برءوس زبائنهم بين ركبهم و بعد أن يفرشوا رءوسهم بالصابون اللاذع يحكون بأمواسهم رءوس الزبائن حتى تغدو ناعمة كالزجاج ؛ فلا أحد من المصريين يحتفظ بشعر رأسة سوي أفقر الفلاحين أو البدو غير المتحضرين ، و في المدن يعتبر الرأس الأصلع علامة من علامات الجمال ، و يقوم الحلاقون بحركات رشيقة أثناء تزيين زبائنهم و قص شعورهم و غسل رءوسهم و تعطيرهم بعطر زيت الورد و غيره من الدهانات العطرية مما يروج لنشاطهم )).

ذهب الأمير رودولف لمشاهدة الأهرام و أبو الهول ، فانبهر بروعة الحضارة المصرية القديمة و الأهرام إحدى عجائب العالم القديم التى تقف صامدة تتحدى الزمن ، فوقف يتأملها و يتغزل في إبداعات المصريين و دون و قال : (( و عند قصر النيل عبرنا النهر المقدس و جزيرة بولاق و تجاوزنا بعض الفيلات و الحدائق البهية و سرعان ما و صلنا إلى طريق مرتفع تحفه الأشجار و يمر ببعض القرى حتى حافة الصحراء ؛ لقد سارت بنا المركبة و توقفت عند قاعدة تكوينات عملاقة تطل علينا من عمق آلاف السنين من تاريخ العالم ؛ إن كل رحالة يحملق للمرة الأولى في الأهرمات الباقية من أزمنة سحيقة تغشاه رهبة من نوع خاص ، أيمكن أن يلمس بيديه أحجارًا ظلت باقية من قبل إبراهيم الخليل عليه السلام! إنها ما زالت باقية بسبب جهد الإنسان و مهارته ، لقد رأينا أهرامات خوفو و خفرع ومنقرع كما رأينا أبوالهول و قد غطت الرمال نصف جسده ، و شرع بعض العرب في تسلق الهرم الثاني لطرد حيوانات ابن آوى الكامنة بين صخوره ، و غربت الشمس و سبحت المرئيات في بحر من الضياء البهية و تألقت أحجار الأهرام الرمادية كالذهب )).

جال الأمير رودولف طوال رحلته بين مدن و أقاليم مصر و ذهب إلى مدينة الفيوم جنة الصحراء التي كانت تلقب قديمًا بحديقة مصر و تقع في الصحراء الغربية على بعد حوالي تسعين كيلومترًا جنوب غرب القاهرة ، و تعتبر الفيوم مستقرًّا لكثير من أنواع الطيور المهاجرة ، و كانت قديمًا من أهم مناطق صيد البط ؛ قضي الأمير رودولف عدة أيام في الفيوم لإشباع هوايته في الصيد ، يبدأ يومه مع بزوغ أول أضواء الصباح الباكر ، فيخرج لرحلة نائية يتبع أسراب الطيور التي تحلق في جماعات ، و يطارد الفرائس التي تعدو هاربة دون كلل و لا ملل ، و يعود قبل أن تأوي الشمس إلى مخدعها متباهيًا بغنيمته الثمينة ، يبدأ رودولف سرده قائلا : (( يجيد الشرقيون إعداد الوجبات في الخلاء كما يجيدون نصب الخيام بسرعة و بشكل مريح و لا أحد يباريهم في ذلك ، فسعيد هو من يسافر معهم ، و في الصباح الباكر رحنا نلاحظ أسراب طيور الماء أثناء تجوالنا على شاطئ الجزيرة لاختيار البقع المناسبة لتمركزنا ، و ما كدنا نغادر الخيام حتى رأينا أسرابًا من الغاق و أنواعًا من البط البري و البلشون و البجع الذي يبعث منظره على السرور ، و قد ذهبت أنا و الدوق الكبير و اختبأنا بين شجيرات الصفصاف و مر علينا كل أنواع الطيور ، فأطلقنا و كانت النتائج مثمرة فلم نكن نمكث إلا قليلا انطلق طلقات أخرى ، و كان حصادنا غير عادي ، ستة ذئاب أحدثنا بها جروحًا في يوم واحد و وشقين ( حيوان أصغر من النمر ) و سبعة ثعالب و نمسين و أرنبين بريين و أربع بجعات و نسرين من نسور النهر وأحد صقور الجيف و نسرًا إفريقيًّا جارحًا و مائة و سبعين طائرًا ، صغيرًا كان من بينها أنواع غربية )) .

و حصيلة الصيد الضخمة توضح مدى غنى مصر في الحياة الطبيعية في ذلك الزمان ، تتنوع في مصر الأقاليم البيئية ما بين واحات و صحارى و جبال و سواحل و هضاب ، و تبعًا لكل إقليم تتعدد أنواع الحياة النباتية و الحيوانية الكائنة به ، فتزخر أرض مصر بالكثير من الحيوانات و الطيور النادرة .

كما تمتلك أكبر ثروة سمكية في العالم لوجود البحر الأحمر و البحر المتوسط و نهر النيل على أرضها، كما تعد مصر من أهم طرق هجرة الطيور في العالم ، تعبرها ملايين الطيور كل ربيع و خريف ، و بعضها يقضي فصل الشتاء لدفء الجو ، و للأسف الشديد تضاءلت أعداد الطيور و الحيوانات بسبب التغيرات البيئية المطردة في العالم نتيجة للتقدم العلمي و التكنولوجي ، و نتيجة لسلوك الإنسان الذي ساهم بنصيب كبير في هذه التغيرات فأخل بتوازن النظم البيئية.

كما أدي الصيد غير المنتظم إلى تعرض أعداد كبيرة من النباتات و الحيوانات البرية إلى الانقراض فأعلنت مصر العديد من المناطق محميات طبيعية لتحافظ على الحياة الطبيعية و تحمي العديد من الحيوانات و الطيور و النباتات من الانقراض.

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


 

الاثنين، 8 مايو 2023

Khan Masroor خـان مـسـرور


 

خـان مـسـرور 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. 

هيا بنا لنتعرف على على خان مسرور فلنطلق لخيالنا العنان و لنطف بين همسات الزمان لنتصور ماكان علية ذلك المكان ونكمل موضوع خان مسرور لمتابعة الموضوع الأول اضغط هنا على الرابط 👇

https://rovaer55501.blogspot.com/2023/05/khan-masroor.html

اشترى الحكام الرقيق الأبيض من أسواق النخاسة لتكوين فرق عسكرية خاصة ، و في عصر الدولة الأيوبية شجعت حالة الرخاء التي شهدتها مصر أهالى تركستان على بيع أولادهم طمعًا في الحياة الرغدة في بلاط السلاطين و قصور الأمراء .

و في نهاية العصر الأيوبي استكثر الصالح نجم الدين أيوب من شراء المماليك الأتراك و الشراكسه و الروم ، و جعل جزيرة الروضة مقًّرا لهم ، و قد امتازوا بالشجاعة ، و كثرت أعدادهم وازدادت قوتهم ، و تقلدوا المناصب الهامة حتى انفردوا بالحكم .

و تأسست دولة المماليك البحرية على أكتاف هؤلاء المماليك ، و تولوا حكم هذه الامبراطورية العظيمة التي تعاقب خلالها حكم أبناء و أحفاد المنصور قلاون حتى اعتلى الظاهر برقوق السلطة و أسس دولة المماليك البرجية و نقل مركز الحكم إلى قلعة الجبل ، و قد وفد هؤلاء المماليك إلى مصر و هم أطفال و ترعرعوا على أيدي العلماء و الشيوخ فذابوا في المجتمع و ألفوا طباع و عادات المصرين.

و كانت الجواري جزءًا من نسيج المجتمع المصري ، و قد لعبن أدوارًا سياسية و ثقافية و اجتماعية هامة ، و برعن بشكل خاص في الفنون الأدبية و الشعر و الغناء ، و عملن كمغنيات في قصور الملوك و الامراء و الوزراء ، كما تفوقن في العزف على الآلات المختلفة ، و كانت عملية إهداء الجواري بين الملوك و السلاطين من أهم سمات العصور القديمة .

تمتعت الجواري بمنزلة كبيرة و بلغت ثروات بعضهن و نفوذهن مبلغًا عظيمًا فجمعن ثروات ضخمة مثل عائشة جارية عبداللّٰه بن المعز لدين اللّٰه الفاطمي التي يخبرنا عنها المقريزي أن ثروتها كانت تقدر بأربعمائة ألف دينار من الذهب ، و الجارية بياض التي يقص لنا المقريزي قصتها فيقول إنها عاشت في العصر المملوكي و أجادت الغناء و اشتهرت بالعزف على العود ، و عندما تولى السلطان المظفر حاجى هام بحبها و طلبها للزواج ، و بعد عقد القران أراد أن يعبر عن مدى هذا الحب ففرش الأرض تحت أقدامها بستين شقة أطلس و هو قماش براق لامع و نثر عليه الذهب و أربعة فصوص من الألماس و ستة لآلئ ثمينة يبلغ ثمنها أربعة آلاف دينار من الذهب .

أما من أشهر جواري العصر المملوكي الست مسكة الناصرية مربية السلطان الناصر محمد بن قلاون و اسمها الأصلي _ حدق _ أولاها السلطان قلاوون ثقته ، و عهد إليها بتربية ابنه الناصر محمد و هو طفل صغير ، فاعتنت به عنايه فائقة حتى وصل إلى السلطنة ، و قد ظلت هذه السيدة على و لائها الكامل لأسرة قلاوون حتى نهاية حياتها و تجلى ذلك عندما سجنت مع ابنه الناصر حسن حتى توفيت في السجن.

و قد لعبت السكت مسكة دورًا بارزًا في الحياة الاجتماعية في مصر فأنشات مسجدًا للصلاة و تعليم الفقة ، و يطلق عليه مسجد الست مسكة الناصرية ، و ما زال قائمًا حتى اليوم بشارع سوق مسكة المتفرع من شارع الناصرية بالسيدة زينب.

و أشهر جواري العصر المملوكي على الإطلاق فهي شجرة الدر التي صارت ملكة على مصر ، و هي تعد أول و آخر ملكة في التاريخ الإسلامي كانت امرأة شديدة البأس و الدهاء تعشق السلطة و تتخطي بجرأة العقبات التي تعترض طريقها و لا تتهاون في البطش بأعدائها ، قال عنها ابن إياس: إنها نالت من العز و الرفعة ما لم تنله امرأة قبلها ولا بعدها ؛ أتي النخاسون بشجرة الدر و هي طفلة و اختلف المؤرخون على جنسيتها ، فالبعض قال إنها تركية و البعض الآخر أشار إلى أنها جركسية أو رومية ، و قد بيعت في أسواق النخاسة و اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب أعظم سلاطين الدولة الأيوبية بعد صلاح الدين الأيوبي و ضمها لجواريه.

و لكنها لم تكن شجرة الدر كباقي الجواري ؛ فقد تميزت بالذكاء الحاد و الفطنة و الجمال فأصبحت سيدة القصر بعد زواجها من الصالح نجم الدين أيوب ، و حظيت عنده بمكانة عالية و منزلة رفيعة فكانت كلمتها نافذة و مسموعة.

توفي الصالح نجم الدين أيوب في وقت حرج عند دخول الحملة الصليبية السابعة إلى مصر و كانت الجيوش الفرنسية في مدينة دمياط بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا تتأهب للزحف على القاهرة عن طريق المنصورة.

صمدت شجرة الدر في المحنة و ظهرت صلابتها و قوة شخصيتها فتكتمت خبر وفاة زوجها و بعثب في طلب ابنه الأكبر توران شاه الذي كان في أرض الشام و استغرقت رحلة عودتة ثلاثة أشهر ظلت فيها شجرة الدر تحفظ السر فكانت تصدر المراسيم و الأوامر باسم الملك و تختم بختمه مدعية أنه يلازم فراش المرض ، و قد ساهمت في الانتصار على الصليبيين و أسر لويس التاسع في دار ابن لقمان ، و لم يطلق سراحه إلا بعد أن دفع أكبر فدية في التاريخ .

و بعد مقتل توران شاه على يد المماليك صارت شجرة الدر ملكة على مصر ، و سطع نجمها في الآفاق ، و لقبت بعصمة الدين و صاحبة الستر و الشرف الرفيع و الحجاب المنيع الملكة أم خليل ، و خليل هو ولدها من الصالح نجم الدين أيوب الذي توفي و هو طفل صغير .

و قد نقشت اسمها على العملات و كانت صيغة النقش.           ( المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين و الدة المنصور خليل ) و كان يدعي لها على المنابر و حكمت مصر لمدة ثمانين يومًا سيطرت فيها على زمام الأمور و أدارت شئون البلاد بحزم ثم حال بينها و بين الاحتفاظ بالملك كونها امرأة فخلعت نفسها و تزوجت من عز الدين أيبك و تنازلت له عن الحكم حرصًا على عرش مصر لعدم قبول الخليفة العباسي بأن يتولى الحكم إمراة.

و لكن دوام الحال من المحال فبدلت الحياة وجهها المؤنس و أظهرت و جهها المحوش فبعد عزل شجرة الدر انفرد المعز أيبك بالسلطة ، و قرر أن يذهب و يخطب ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فتأججت نار الغيرة في نفس شجرة الدر و استحواذ الكبرياء على قلبها و سيطرت عليها الرغبة في الانتقام و في استرجاع عرشها ، فدبرت مؤامرة دنيئة أودت بحياة عز الدين أيبك على يد خمسة من الخدم ، ثم حاولت إخفاء واقعة القتل و أمرت بوضع جثمانه في الفراش و الادعاء بأنه سقط من فوق جواده أثناء عدوه مما أودى بحياته ، و لكن ارتاب أمراء المماليك في أمرها فضيقوا عليها الخناق حتى اعترفت.

و عمت الطامة الجميع فقد نودي للصبي الصغير على ابن عز الدين أيبك بالسلطنه و لقبوه بالملك المنصور علي ، فلما علمت زوجة عز الدين أيبك الأولى أم علي بمكيدة شجرة الدر قررت الانتقام لزوجها فتم اقتياد شجرة الدر إلى بلاط السلطان الجديد و أمرت الجواري بضربها بالقباقيب حتى تفارق الحياة ؛ و ألقوا بجثمانها من فوق سور القلعة إلى الخندق فبقيت ملقاة أيامًا قبل أن تدفن بمقبرتها المعروفة اليوم باسمها و بعد فترة قصيرة تم عزل السلطان الصغير عن الحكم ، و ماتت شجرة الدر ضحية لطموحاتها العريضة فانطمس نجمها وزال مجدها و فني سلطانها ، و قد أنساها شغفها بالسلطة أن الحياة مهما طالت فهي إلى زوال. 

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼



الجمعة، 5 مايو 2023

Khan Masroor خـان مـسـرور

 




الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته .

هيا بنا لنتعرف على خان مسرور فلنطلق لخيالنا العنان و لنطف بين همسات الزمان لنتصور ماكان علية ذلك المكان ، كانت القاهرة في العصر المملوكي عاصمة لإمبراطورية شاسعة الأرجاء يفد إليها أعداد ضخمة من الجواري و العبيد من شتى الأجناس و الألوان و البلدان من تركيا و وسط إفريقيا و النوبة و جزيرة صقلية ، و تطلب ذلك وجود أسواق خاصة عرفت بأسواق الرقيق يقوم عليها تجار يعرفون بالنخاسين.

فخرج من فوق دكك العبيد سلاطين عظماء مثل سيف الدين قطز قاهر التتار والظاهر بيبرس و أبو الفتوحات و السلطان قلاوون الذي بني أعظم بيمارستان لعلاج المرضي و طومان باي القائد المغوار الذي تصدي لجيوش السلطان العثماني سليم الأول فشنق على باب زويلة و شجرة الدر أول ملكة في تاريخ الإسلام حكمت مصر ثمانين يومًا و ماتت ضربًا بالقباقيب.

عرف الرق في كل الحضارات و الثقافات منذ أقدم العصور ومن الصعب تحديد تاريخ بعينة لبداية انتشار ظاهرة استعباد الإنسان لأخية الإنسان ، و الرقيق هم سبايا الحروب أو من يختطفهم اللصوص و قطاع الطرق قسرًا من أهلهم و هم صغار و يرسلونهم إلى أسواق النخاسة ، حيث يتم بيعهم كأي سلعة تباع و تشترى و يسلبون من إرادتهم و يصيرون مملوكين بقوة القانون للمشتري.

و تنكسر قلوب هؤلاء الرقيق الصغيرة لمفارقة الأهل و الأحباب فيلهفم الشجن و الأسى و تسيل دموعهم كقطرات المطر و تتلاطم مشاعرهم فى أمواج الحياة الهادرة، يخشون رهبة الأماكن غير المألوفة ، تلسعهم نظرات المتفحصين ، يتدثرون بأشعة الأمل ويتوقون إلى قلب حنون يأوون إليه حتى ترسو بهم قوارب النجاة في مأوى آمن.

و قد وجدت أقدم أسواق النخاسة في بابل و سومر و آشور و مصر و إسبارطة و روما و أثينا و قرطاجة ، و ظلت هذه التجارة رائجة حتى تم إلغاء الرق رسميًّا في ( 1793 ) من الميلاد في سان دومنجو، و أعلنت الدولة العثمانية التي كانت مصر تابعة لها تحريم تجارة الرقيق و القضاء على صورة من أبشع صور الاستغلال الإنساني و تم إغلاق أسواق النخاسة نهائيًّا في العالم ( 1847) من الميلاد

و كانت تأتي السفن محملة بأقوى الفتيان و أجمل الفتيات من الشرق و من الغرب فيقوم النخاسون باختيار ما يحلو لهم من الجواري و العبيد .

و تطلب وفود هذه الأعداد الكبيرة من الرقيق إلى مصر وجود أسواق خاصة عرفت بأسواق الرقيق ، و من أشهر هذه الأسواق دار البركة بـ الفسطاط و خان جعفر و خان مسرور بـ الجمالية و وكالة كشك ، و يصف لنا _ابن إياس_ أن السلطان _قنصوه الغوري_ أنشأ سوقًا لتجارة الرقيق بالقرب من خان الخليلي.

و كان خان مسرور سوقًا مخصصًا لبيع الرقيق يقع في شارع القصبة في نفس مكان جامع علي المطهر القائم اليوم ، و قد ضم الخان حجرتين للرقيق ، حجرة خاصة بالجواري و إلى جوارها حجرة خاصة بالعبيد ، و بينهما دكة لجلوس من يتم عرضه للبيع يطلق عليها دكة العبيد.

و كان يجلس الرقيق مثلهم مثل أي سلعة معروضة للبيع في وسط الأسواق التي لا تخلو ساحاتها من بائعين و مشترين ، يغطي وجوههم الجمود و يضيق بهم الزمان على اتساعه ، و يأتي المشترون و يقومون بفحص و تقليب الجواري بصورة تقشعر لها الأبدان و يجرون اختبارات لقدرات المماليك في الذكاء و الحساب و الفروسية أمام أعين المارة .

كما يثني النخاس على بضاعتة و يبدأ في تعديد فضائل الإماء ( الجواري ) مرددًا عبارات على شاكلة : 

هيفاء القد ، ممشوقة القوام ، مليحة الحركات ، مسكية الأنفاس ، ممدودة الألحاظ .

كما يقوم النخاس بإمداد المشترين بالنصيحة فيقول : 

من أراد حسن القوام و السمرة المقرونة بالجمال فليأخذ الهنديات لحسنهن ، و من أراد المربيات فليأخذ النوبيات لحنانهن، و من أراد الخازنات و الحافظات فليأخذ الروميات لأمانتهن ، و من أراد الجاريات للولد فليأخذ الفارسيات لخصوبتهن ، و من أراد العبيد للكد و الخدمة فليأخذ الأرمن لقوتهم و من أرادهم للحرب فليأخذ الأتراك و الصقالبة ( صقلية ) لحرارة قلوبهم و هكذا.

و لكن هناك عدة عوامل مؤثرة في تحديد أسعار الجواري تبعًا للغرض الذي سوف يتم استخدامهن فيه ؛ فبذلك يرتفع سعر المغنيات و خصوصًا ذوات المواهب ، و قد فطن النخاسون لذلك فكانوا يعلمون الجواري فنون الأدب و الشعر و الموسيقى ، ثم يبيعوهن بأسعار مرتفعة .

و كثيرًا ما قام النخاسون بعمليات الغش و التدليس للرفع من أسعار الجواري و العبيد ، فكانوا يطيلون شعور الجواري بالوصل بالضفائر ، و يخفون آثار النمش من الوجوه باستخدام غسول من عروق القصب و اللوز المر ، و يغطون الكلف في البشرة ببذر الجرجير و الكروم المعجون بالعسل.

و تتراوح أسعار العبيد مابين 150الى200 درهم من الفضة ، و تتباين أسعارهم حسب اختلاف أجناسهم و أعمارهم ، بينما يرتفع سعرا العبد الخصي إلى أربعماية دينار من الذهب.

و كانت توكل إلى العبيد الأعمال الشاقة مثل الزارعة و الصناعة أو الخدمة في البيوت ويتم تدريب بعضهم كجنود للحرب .

و كان يتم تعين محتسبٍ خاص لهذه الأسواق يجلس على دكة عالية تطل على سوق النخاسة ليراقب حركة البيع و الشراء و يحصل الرسوم و الضرائب المفروضة ، و يسجل عمليات البيع في دفتر خاص ، و قال المقريزي و أشار الية (( خان مسرور)) في خططه { فيجد السالك على يمينه خان مسرور و حجرتي رقيق و دكة المماليك بينهما ولم تزل موضعًا لجلوس من يعرض من المماليك الترك و الروم ونحوهم للبيع إلى أوائل الملك الظاهر برقوق ثم بطل ذلك }.

و كلمة خان في الأصل فارسية تعني الدار ، و قد استخدمت للدلالة على ذلك البناء الذي يتكون من حجرات عديدة محاطة بفناء مكشوف لاستقبال التجار الوافدين على مصر ببضائعهم و يحتوي الطابق الأرضي على إسطبلات للدواب و مخازن و دكاكين البيع و تخصص الأدوار العلوية للسكن.

و لقد تعددت الأسماء التي تطلق على الإناث من الرقيق فكان يقال أمة ، جارية ، مملوكة ، و قد عملت الجواري في الخدمة في بيوت الأثرياء التي تضم عادة جارية أو اثنين للنظافة و تربية الأولاد ، و كن يقمن في الحرملك و يصرن جزءًا من أفراد العائلة.

و قد عامل المسلمون العبيد و الجواري معاملة حسنة ، و قد أقر الإسلام الرق بصورة تؤدي إلى القضاء التدريجي عليه فألزم الناس بحسن معاملة الرقيق و إطعامهم مما يطعم سيدهم و الرفق بهم و عدم تحميلهم فوق طاقتهم و دعا الناس إلى إعتاقهم و جعله كفارة لكثير من الذنوب مثل حنث اليمين و الإفطار عمدًا في نهار رمضان و القتل الخطأ.

و قد أوصى الرسول ﷺ بالمحافظة على مشاعرهم و نهى الناس عن مناداتهم بعبدي أو أمتيِ و استبدالها بفتاي و فتاتي ؛ لأنها أرق على النفس ، كما أمر الرسول ﷺ بحسن معاملتهم فقال : (( من لطم مملوكة أو ضربه فكفارته أن يعتقه )) _ رواه مسلم _ 1657.

و قد حكم الشرع الإسلامي على تجار الرقيق بالالتزام بعدد من القواعد لمراعاة مصلحة الجواري و العبيد منها عدم التفريق بين الجارية و ولدها بالبيع.

و كانت العلاقة بين العبيد و سادتهم تتسم بالود و المحبة ، و كان مسموحًا للعبيد أن يشتروا أنفسهم مقابل مبلغٍ من المال ، و كان يطلق على العبيد الذين يتم إعتاقهم الموالى ، أما الجارية المعتوقة فكان يطلق عليها المولاة.

و يصف لنا الرحالة الإنجليزي ريتشارد بيرتون الذي زار مصر   ( 1848 ) من الميلاد أحوال الرقيق فيقول : « إن الرقيق في بلاد الشرق عامة يأكلون أفضل من الخدم أو حتى من أفراد الطبقات الدنيا الإنجليز ؛ فالشريعة الإسلامية تلزم المسلمين بمعاملة رقيقهم برقة بالغة ، و المسلمون بشكل عام حريصون على الأخذ بتعاليم نبيهم . الرقيق يعد فردًا من أفراد الأسرة و في البيوت حيث يوجد الخدم الأحرار و نادرًا ما يقوم الرقيق بأي عمل خلا تعمير الأرجيلة ( الشيشة ) و إعداد القهوة و مرافقة سيدهم عند خروجه».

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼

أكتفي بهذا القدر إلى أن نكمل بعون الله عن خان مسرور وكيف شجعت حالة الرخاء التي شهدتها مصر أهالى تركستان على بيع أولادهم طمعًا في الحياة الرغدة ، و اشهر جواري العصر المملوكي الست مسكة الناصرية مربية السلطان الناصر محمد بن قلاوون و اسمها الأصلي حدق ، و شجرة الدر ، و الجارية عائشة التي بلغت ثروتها تقدر بأربعمائة ألف دينار من الذهب.

 صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


الأحد، 2 أبريل 2023

chastity ( العِفَّة )


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته !

هي من القِيَم التي تحتاج إلى مُمَارسةٍ و تدريب و تحمل ؛ لأنَّها غير مطبوعةٍ في خلقةِ الإنسانِ و شعورِه كالحياءِ مثلًا.

و معني العِفَّة 

 النزاهةُ و الامتناعُ عن سؤال النَّاسِ ، و يكثُر إطلاقُها على ضبطِ النَّفسِ و منعها ، و بخاصَّةِ فيما يتعلَّق بالأموال و الغرائز و النَّزَوَات الحيوانيَّة الهابِطَة.

ومن ثمرات العِفَّة

الاقتصادُ و التوفيرُ و القناعةُ ، و الاستغناء عمَّا زاد عن الضَّرورياتِ و الحاجيات.

و من ثمَراتِها أيضًا تحريرُ المرء (( رَجُلًا أو امرأة )) من أَسْرِ الشَّهْوَة و سطوتها ، و قديمًا قيل ،

 (( عَبْدُ الشَّهَوات أذلُّ من عبد الرِّق )) .

و العِفَّة المحمودَةُ لها شروط ، من أهمها : أن يُصبح التَّعفُّف خُلُقًا يَصْدُر بصورةٍ تلقائيَّة سهلةٍ لا تَكلُّفَ فيها ، و ألَّا ينتظر المتعفَّفُ جزاءً و لا مصلحةً و لا نفعًا ماديًّا ، و ألا يكون تعفُّفه عن شيءٍ و سيلةً للحصولِ على شيءٍ أكبرَ منه ، و ألَّا يكون التعفُّف بسبب العجزِ و عدمِ القُدرةِ ، أو يكون التعفُّف عن شيءٍ تجنُّبًا لضررٍ يترتَّبُ على ذلك الشَّيء ، أو لأن المتعفِّفَ ممنوعٌ من طلبِ ما يتعفَّفُ عنه، فكلُّ ذلك ليسَ من العِفَّةِ في شيءٍ ؛ لأنَّ عناصِرَ الإرادةِ و العِزَّةِ و الاعتِلاءِ مفقودةٌ في هذه الأمثلةِ و أضرابِها.

و العِفَّةُ فضيلةٌ تلازِمُها فضائِلُ عِدَّةٌ ، في مُقدِّمتها : الاستغناءُ و الاستعلاءُ المحمودُ كتعفُّفِ الفقيرِ و استغنائِه عمَّا في يَدِ النَّاسِ ، و شعورِه بنديَّتِه لغيره ، كما أخبر رسول اللّٰه ﷺ : 

(( شرفُ المؤمِنِ صلاتُهُ بالليلِ ، و عِزُّةُ استغناؤُهُ عمَّا في أيْدِي النَّاسِ )) _ رواه الحاكم في (المستدرك )٣٢٤/٤، و قال هذا الحديث .

و في الحكمة المأثورة : (( أَحْسِن إلى مَن شِئتَ تَكُن أميرَه ، و استَغنِ عمَّن شِئتَ تَكُن نَظِيرَه ، و احتَجْ إلى مَن شِئتَ تَكُن أسيرَه )) و قد قيل أيضًا : (( اتَّقُوا عِزَّةَ المُستَغنِي )).

و لكل هذه المعاني السَّامية أمر القرآنُ الكريمُ المسلمين بالتَّحلِّي بهذا الخُلُق في أكثر من موضع ؛ منها ثناؤه تعالى على الفُقَراء الذين يحجُزُهم (( العَفاف )) عن سؤال الناس و الإلحاح في استجدائهم ، و قد حثَّ اللَّه الأغنياءَ على الذَّهاب بأموالهم إلى هؤلاء العاجزينَ عن الكسبِ ، من الذين لا يسألون النَّاس رغم حاجتهم ، تَعَفُّفًا و أنفةً من ذل السؤال حتى يحسبَهم مَن لم يَعرفهم أنَّهم أغنياءُ من فرَطِ عفَّتِهم ؛ يقول اللّٰه تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ }{ الـبـقـرة : ٢٧٣ } ، يقولُ علماءُ التَّفسيرِ : نزلت هذه الآية في أهل الصُّفَّة (( و هم نحوٌ من أربعِ مئة رجل من الفقراء المهاجرين ، لم تكن لهم مساكن في المدينةِ و لا عشائر ، فكانوا في سقيفةِ مسجدِ المدينةِ ، أوَّلِ مسجدٍ بُنِيَ في الإسلام ، و كانوا يتعلَّمُون القُرآنَ باللَّيل و يعملون في تكسير النَّوى بالنَّهار )) ، و قد و قف رسول اللّٰه ﷺ يَوْمًا عليهم ورأى فقرهم و جهدهم و طيب قلوبهم ، فقال: (( أَبْشِرُوا يَا أَصْحَابَ الصُّفَّةِ ، فَمَن بقيَ مِن أُمَّتي عَلَى النَّعتِ الَّذي أنتُم عليْهِ رَاضيًا بِمَا فِيهِ فإنَّهُ مِن رُفَقَائي يومَ القِيامةِ )) _ أخرجه السُّلَميُّ في -((  الأربعين في التَّصوُّف ١ )) - و الخطيب البغداديُّ في((  تاريخ بغداد ))  ٣٧٣/١٥ من حديث عبداللَّه بن عبَّاس رضي اللّٰه عنهما.

كما أَمَرَ اللَّهُ أولياءَ اليتامَى من الأغنياء بالعِفَّةِ في التَّعامُل مع أموالهم ، و ذلك في قوله تعالى : { وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ }{ النساء : ٦ } ، هذا و يُنزَّل المالُ العام مَنزلةَ مالِ اليَتيمِ ، و المسؤولُ عنه منزلة وصي اليتيم ، و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : (( إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ مَنْزِلَةَ مَالِ الْيَتِيمِ ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَـلْتُ بالْمَعْرُوفِ ، وإِذَا أَيْسَرتُ قَضَيْتُ )) أخرجة ابن أبي شيبة في (( مصنَّفه )) ٣٣٥٨٥ ؛ و (( الطَّبريُّ )) في جامع البيان ٤١٢/٦ .

و معني (( الاستغناء )) في كلام عمر بن الخطاب_ رضي اللّٰه عنه_ عدم الحاجة، و ليس الغني الذي نعرفه ، و هو حيازة المال الكثير بدليل مقابلته بقوله بعد ذلك (( وَإِنِ افْتَقَرْتُ )) أي : إن اضطرتني الحاجة و ألجأتني للأكل من مال اليتيم ، أكلتُ بالمعروف ، و كذلك أمَر اللَّه الشَّبابَ مِمَّن لا يستطيعونَ الزَّواجَ بالعفة ، و ذلك في قوله تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ}{ الـنـور : ٣٣ } .

و في هذه الآية يأمرُ اللّٰه تعالى مَن لا تتوفَّر لديه تكاليف الزَّواجِ و نفقاتُه أن يستعفوا عن الزِّنا إلى أن يُوَسِّع اللَّه علينا و عليهم ، و الاستعفاف هو طلبُ العِفَّة ، و تحصيلُ أسبابها ، و ترغيبُ النَّفس في الصَّبر على تحمُّلِ مشاقِّ الشَّهْوَة ، فهي إلى حين ، و قد و عد اللَّه الصَّابرينَ بتيسيرِ الأسبابِ ، و وعدُه لا يتخلَّف ، مما لا يخفى علينا رغم غلاءِ المهورِ ، و سَفَهِ النَّفقات ، و وضْعِ الأموالِ في غيرِ موضِعها الصَّحيحِ . . و كُلُّها عقباتٌ كأداء تضربُ عِفَّة الشَّباب في مقتل.

أنَّ حاجةَ المسلمين اليوم إلى التخلُّق بفضيلة العِفَّةِ ، تنُبع من كونِها أمرًا شرعيًّا و توجيهًا ليس منه بُدٌّ لإصلاحِ ما فَسَد من سلوكنا و تصرفاتِنا بسببِ الجَشَعِ و ضعفِ النُّفوس ، و الجري وراءَ المالِ الحرامِ ، و تفشِّي السَّرقةِ و هَتْكِ الأعراضِ و فسادِ الذِّمم وغيابِ الوعي بقِيَم التُّراثِ ، و الجهلِ بالثَّقافَةِ الإسلاميَّة الصَّحيحةِ التي علَّمت آباءَنا و أمهاتِنا و أجدادَنا و جداتِنا أنَّ الغِنَى الحقيقيَّ ليس هو كثرةَ المال وعَرَضِ الدُّنيا ، و إنَّما هو (( غِنَى النَّفْس )) فَقْطَّ.

و هذا و باللَّه التوفيق و اللَّه أعلم 🌼🌺

و كل عام و أنتُم بخير 🌼 

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 



الاثنين، 27 مارس 2023

injustice ... الظُّلْمُ

 



الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته !

إن الأضدادَ تستدعي أضدادَها ، و أن ما بينها من علاقاتٍ تُشبهُ علاقةَ المتضايفَيْنِ ، مثل : خالقٍ و مخلوقٍ ، فإن العقلَ لا يَتصوَّر معنى (( خالق )) إلَّا إذا تصوَّرَ معه معنى (( مخلوق )) ، و كذلك مخلوقٌ لا يُتصوَّر إلَّا بالإضافةِ إلى خالق ، و شيءٌ من هذا المعنى ينطبقُ على علاقةِ التضادِّ بين العدلِ و الظلمِ.

فهذان المفهومانِ و إن كانا غيرَ مُتضايفيْنِ إلَّا أنهما متضادانِ ، و أنَّ أحدَ المفهومينِ يرتبطُ بالآخرِ ، فالعدلُ هو نفيُ الظلم ، و الظلمُ نفيُ العدلِ ، و شرحُ مفهوم العدلِ و إن كفى في الدَّلالةِ على نفي الظلم _ فإنَّه لا يكفي في شرحِ مفهومِ الظلم و تحديدِ معناه و أنواعِه ؛ لذا تظلُّ الحاجةُ ماثلة للحديثِ عن مفهوم الظلمِ.

و الظلمُ هو الخروجُ عن حدِّ العدلِ و الاعتدالِ في جميعِ الأمورِ ، و مجاوزةُ الحقَّ إلى الباطلِ و يُسمَّى بالجَورِ ، و الظلمُ يكون بأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ ، و أخذِها ظلمًا ، كما يكونُ بالتَّعدي على الناسِ بالإساءةِ بالقولِ ، و الإهانةِ بالضربِ أو الاستقواءِ على الضُّعفاءِ ، و من الظلمِ الفادحِ أكلُ مال اليتيمِ ، و ظلمُ الزوجِ لزوجتِه بالتقصيرِ المتعمَّدِ في تلبيةِ حاجاتها التي تُقرُّها الأعرافُ و العاداتُ ، و من أظلم الظلمِ التسلطُ على البُرآءِ بتخويفِهم و مضايقاتِهم و ترويعِ أُسَرهم و أطفالِهم ، و كذلك مَطلُ الغنيِّ في أداءِ ما عليه من حقوقٍ أو ديونٍ للآخرينَ ، و تأخيرِه حقَّ الأجيرِ و العاملِ ، و الجورُ في قسمةِ الحقوقِ ظلمٌ ، و محاباةُ الخاملِ و مساواتُه بالنَّابه ظلمٌ ، و التفرقةٌ في تكافُؤ الفرصِ ظلمٌ أيضا ، و منحُ الوظائف لمَن لا يستحقونَ و منعُها عن المستحقينَ ظلمٌ .

و يطول بنا الوقت لو رُحنا نعدِّدُ الأمثلةَ التي تدلُّ على تغلغلِ الظلمِ في حياتِنا الاجتماعيَّةِ و ما يُعانيه غِمارُ الناسِ من مآسٍ لا يحتملونَها ، و لا يملكونَ لها دفعًا و لا يجِدُون مِن بأسِها مَهْرَبًا ؛ و لهذا بلغَ اهتمام القرآن الكريم شأوًا بعيدًا في التحذيرِ من هذه الرذيلةِ القاتلةِ و المربكةِ لسير الحياةِ الاجتماعيةِ.

و قد تعجَبُ حين تعلمُ أنَّ مفردةَ الظلم و مشتقاتِها تناوَلها القرآنُ الكريمُ في مئةٍ و تسعينَ آيةً من آياته الكريمةِ ، و ما ذاك إلَّا لتنبيهِ المؤمنِ على خطر هذه الآفةِ التي طالما كانَت وراءَ دمارِ الأممِ و الشعوبِ و الحضاراتِ في القديمِ و الحديث ؛ و هذه حقيقةٌ قرآنيةٌ قبل أن تكون حقيقةً تاريخية اجتماعيةً ذكرها اللَّهُ تعالى في سورةِ النملِ في معرِض العذابِ الذي أصابَ (( ثمود )) نتيجةَ الظلم : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠ ) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ( ٥١ ) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةًۢ بِمَا ظَلَمُوٓا۟ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَأَيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( ٥٢ ) وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ } { النمل ٥٠_٥٣ } ، و الآيةُ كلُّها تدورُ حول عاقبةِ الظلمِ و الظَّلَمةِ ، و النَّصُّ على أن الظلمَ يُعقِبُ خرابَ البيوت و البلادَّ ، حتي قال ترجمانُ القرآن : ابنُ عباس_رضى الله عنه_(( أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الظُّلْمَ يُخَرَّبُ الْبُيُوتَ )) .

و ممَّا يجبُ التذكيرُ به من آياتِ الذِّكرِ الحكيمِ و الاتِّعاظِ بالوعيدِ المُرعِبِ و العاقبةِ الأليمةِ لمَن استمرأَ هذه الآفةَ البَشِعةَ ، و ما ينتظِرُه مِن هلاكٍ في الدنيا و عذابٍ في الآخرةِ و ممَّا يجِبُ التَّذكيرُ به هنا قولُه تعالى : 

{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ }{ إبراهيم : ٤٢ }.

__{ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }{ الكهف : ٢٩ }.

__ { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا }{ طه : ١١١ }.

__ { وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }{ الأنبياء : ٤٦ }.

_ { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } { الفرقان : ٣٧}.


و كذلك الترهيبُ من الدَّمار كنتيجة حتميَّةٍ تَعقُبُ الظُّلمَ و الظالمَ

{ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }{ العنكبوت : ١٤ }.

{ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى ٱلْقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَٰلِمُونَ }{ القصص : ٥٩ }.

و كذلك التَّحذيرُ منَ الاقترابِ من الظالمِ و مصاحبتِه و الرُّكونِ إليه: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ }{ هود : ١١٣}.

و التَّنبيهُ على أنَّ الظَّالمَ خاسرٌ دائمًا و لا يُفلحُ أبدًا ؛ لأنَّ هدايةَ اللَّهِ بعيدةٌ عنه { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ، { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، و هذه الآيةُ تكرَّرت ثلاثَ مراتٍ باختلافٍ طفيفٍ في ألفاظِها.

أن جرمية الظلمِ كما تكونُ بين الأفرادِ تكونُ بينَ الأممِ و الدولِ التي يَظلِمُ بعضُها بعضًا ، و ينطبِقُ عليها ما يَنطبِقُ على الدولِ التي بادَت و تلاشت بسببِ الظلمِ ، و الأخطرُ من ذلك أن عقوبةَ الظلمِ إذا نزلت على بلَدٍ أو قُطرٍ مِن الأقطارِ عمَّت و أخذتِ الصَّالحَ و الطَّالحَ : 

{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }{ الأنفال : ٢٥ } ، 

و ذنبُ الصالحينَ هنا أنهم لم يقوموا بواجبِ النُّصح كما ينبغي لكفِّ الظَّلَمةِ عن ظُلمِهم.

 ‏و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼🌼🌼

 ‏و كل عام و أنتُم بخير 🌼 

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 









السبت، 25 مارس 2023

مكانةُ الأخلاقِ في الإسلام


 

بسم اللّٰه و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه.

نود أن نتذكر بعض القيم الخلُقيَّة و الفضائلِ الإنسانيَّةِ التي غابت عن مجمعاتِنا في السنواتِ و العقودِ الماضية ، و كان غيابُها مِن أهمِّ بواعِثِ الشَّكوَى مِن تغيُّراتً متسارعةً فَقَدنا فيها الكثيرَ من خصائصِنا كأمَّةٍ إسلاميَّةٍ و عربيةٍ ، عُرِفَت بالكَرم و المروءة و السماحة.

إن الإسلامَ بكلِّ ما اشتملَ عليه من عقيدةٍ و عبادةٍ و أحكامٍ فقهيِّةٍ مرتبطٌ بالأخلاقِ ارتباطًا و ثيقًا ، لا نحتاجُ في بيانِه إلا أن نتأمَّلَ قيلًا بعضَ آيات القرآنِ الكريمِ و بعضَ أحاديث النبي ﷺ مثل قوله تعالى : { إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ }{ العنكبوت : ٤٥ } ، و قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }{ البقرة : ١٨٣ } و التَّقوى هي معنى جامع لمكارم الأخلاق ، و كذلك قوله تعالى في الزكاة : { خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا }{ التوبة : ١٠٣ } و التَّطهيرُ هو التَّخلي عن الرذائل ، و التَّزكية هي التَّحلي بالفضائل.

و كذلك الحديثُ الشَّريفُ (( مَـن حَـجَّ لـلَّـهِ فـلـم يَـرفُـث ولـم يَـفـسُـق رَجَـعَ كـيـوم وَلَـدَتـهُ أُمُّـهُ )) __ أخرجة البخاريُّ في _ صحيحه_ ( ١٥٢١ ) _ و مسلم في _صحيحه _ ( ١٣٥٠ )_ من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

و كل هذه إشاراتٌ سريعةٌ يتَّضِحُ منها أنَّ السُّموَّ الخُلُقيَّ مقصِدٌ واضِحٌ بل شديد الوضوح ، وغرضٌ أساسٌ من إقامةِ أركانِ الإسلامِ و التي هي الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج ، و أنَّ العباداتِ في الإسلامِ و مكارمَ الأخلاقِ الإنسانيَّةِ و جهانِ لعملةٍ و إحدةٍ لا يمكن فَصلُ أحدِهما عن الآخر ، بل إن الحديث الشريف ليذهب بنا خطوة أبعد في الكشف عن أهمية البُعدِ الأخلاقي و تـغلغله في بناء الإسلام : عبادة و شريعة و سلوكًا ، و ذلك في قول النبي ﷺ : (( إنَّـمـا بُـعِـثـتُ لِأُتَـمِّـمَ مـكـارمَ الأخـلاقِ )) ، أخرجه أحمد في _ مسنده _ (٨٩٥٢) _ و البخاريُّ في (( الأدب المفرد )) (٢٧٣)_ من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه بلفظ (( إنَّـمـا بُـعِـثـتُ لِأُتَـمِّـمَ صـالـح الأَخـلاقِ )) أمَّا اللَّفظ المذكور فقد أخرجه ( البيهقيُّ ) في _ السُّنن الكبرى : ١٩١/١٠ .

لو نظرنا إلى هذا النَّصَّ النبويِّ الصَّريحِ الذي جعَل من مكارمِ الأخلاقِ هدفًا و غايةً قصوَى من بَعثته ﷺ للدُّنيا بأسرِها ، و كيف أن رسالتَه تتعانَق مع الأخلاق وجودًا و عدمًا ، فإذا أَثمَرت العبادةُ في صاحبِها مكارمَ الأخلاقِ ؛ كان ذلك دليلًا على أنَّه أدَّى عبادتَه على الوجه الأكمل ، و مؤشرًا على قبولِها مِنَ اللَّهِ تعالى ، أما إذا بقي المتعبِّدُ على حالٍ سيئةٍ مع النَّاسِ و مع المجتَمع فهذا أكبر دليلٍ على أنَّ عبادتَه ضُربَ بها عُرْضُ الحائِطِ ؛ لذا رُوي عن النبي ﷺ أنه قال : (( مَـن لـم تَـنـهَـهُ صَـلاتُـهُ عـن الـفـحـشـاءِ و الـمـنـكَـر لـم يَـزدَد مـن الـلَّـهِ إلَّا بُـعـدًا )) , أخرجة الطَّبرانيُّ في _ المعجم الكبير ( ١١٠٢٥ ) من حديث عبداللّٰه ابن عبَّاس _ رضي اللّٰه عنهما.

و نستطيع أن نذهبَ إلى أبعدَ من ذلك في تعليلِ العلاقة العضوية التي تستعصي على الانفصامِ بين الإسلام و الأخلاق ، حين نكتشف أن العبادات من صلاة و قيام و صوم و حج إذا لم تستند إلى ظهير خُلقيٍّ لا تُفيد صاحبَها يومَ القيامةِ بل تتركُه على أبوابِ جهنَّم ...

انظر إلى المرأة التى كانت تصوم النهار و تقوم الليل و كانت تؤذي جيرانها بلسانها ، كيف أن كثرةَ صيامِها و قيامِها لم تنفعها بشيٍء في الآخرةِ ، بل ذهبَتْ بكلِّ ذلكَ إلى النَّارِ ، و ذلك في مقابل المرأةِ التي كانت تقتصِر في عبادتِها على صيام رمضان فقط ، و على الصلوات الخمس المكتوبة لكنها كانت تحفظ لسانها و تتصدق ببقايا طعامها ، كيف نفعها حسن الخلق و أدخلها الجنة.

عن أبي هريرة _ رضي اللّٰه عنه _ قال رجل : يارسولَ اللَّه ، إنَّ فلانةَ يُذكَرُ من كثرةِ صَلاتِها و صِيامِها و صَدَقاتِها ، غيرَ أنَّها تُؤذِي جِيرانَها بِلِسانِها ، قال ﷺ : ( هـي فـي الـنَّـار ) ، قال يارسولَ اللَّهِ ، إنَّ فلانةَ يُذكَرُ من قِلَّة صِيامِها و صَلاتِها و صَدَقاتِها ، و أنَّها تتصدَّقُ من بَقايا الطعام، و هي لا تُؤذِي جِِيرانَها بِلِسانِها ، قال ﷺ : ( هـي فـي الـجـنَّـةِ ) ، _ أخرجة أحمد في _مسنده (٩٦٧٥ )و البخاريُّ في الأدب المفرد ( ١١٩ )من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد صحَّحه ابن حبَّان ( ٥٧٦٤ ) و الحاكم : ( ٤_١٦٦ ) .

 و الخُلق الحسن يسبق العبادة في صحبة النبي ﷺ في الجنة و الاقتراب من مجلسه و مقامه الشريف ، و يقول ﷺ : (( إنَّ أحَـبَّـكُـم إلـيَّ و أقـرَبَـكُـم مـنِّـي مَـجـلِـسًـا يـومَ الـقـيـامـةِ أَحـاسِـنُـكُـم أخـلاقًـا ، المُـوَطَّـئُـونَ أَكنافًـا ، الَّذين يَـألَـفُـونَ ويُـؤلَفُـونَ )),, أخرجة التِّرمذيُّ في _ جامعه ( ٢٠١٨ ) _ دون قوله ؛؛ [[ المُوَطَّئُونَ أَكنافًا ]] ؛؛ و الطَّبرانيُّ في _ مكارم الأخلاق _ ( ٦) من حديث جابر رضي الله عنه.

 ‏و هذا الحديث نص قاطع في أن صاحب الخلق الحسن ، الذي يحب الناس و يحبه الناس لتواضعه و أدبه يسبق غيره.

 ‏و عن هذا التَّلازم العَجيب بين الإسلام و بين الخُلقِ الحسَنِ حتى في بابِ العباداتِ التي يُقصَدُ منها و جهُ اللَّهِ و حده مما يستلزمُ اليقظَةَ و التَّنبُّهَ لهذا المعنى الذي يغفُل عنه الكثيرونَ ، و يكتفون بمجرد أداء الصلاة و القيام و صوم رجب و شعبان و تكرار العمرة و الحج و لا يبالون بعد ذلك بمظالم العباد و أكل حقوقهم أو إيذائهم و إساءة معاملتهم.

 ‏و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼🌼🌼

 ‏و كل عام و أنتُم بخير 🌼 

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 

 ‏ 


كل ما تريد معرفته عن جروك Grok منافس ChatGPT

  جروك Grok سيحدث ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث يتمتع بكثير من المميزات التي يفتقدها المنافسين له في نفس المجال وخاصة ChatGPT الذي يعت...