المتابعون

الاثنين، 19 يونيو 2023

fairness _ الإنصاف 1


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نستكمل ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن قيمة 

👈  الإنصاف👉.

فمِن غيرِ الإنصاف أن يعرِضَ متحدِّثٌ لهذا الموضوعِ في الإسلامِ دونَ أن يتوقَّف قليلاً أو كثيرًا عند أحدِ مشاهدِ القرآن الكريم في إدانةِ المسلم و إنصافِ غريمِه ، و انا واحدٌ من هؤلاء الذين تأخذُهم الدَّهشةُ من جميع أقطارها ، كُلَّما قرأتُ الآياتِ المتعلِّقةَ بهذه القِصَّةِ في (( سورة الـنـسـاء )) ، و تبلُغُ الدَّهشةُ ذروتَها حين نقرأُ في الآياتِ ما يُشبِهُ العِتابَ الإلهيَّ للنبي ﷺ في بعض مواقف هذا المشهد ، و كيف أن تِسعَ آياتٍ بيِّناتٍ متتالياتٍ نزلت لإنصافِ يهوديِّ مظلومٍ و إدانةِ مُسلم خائنٍ ، يقول علماءُ التَّفسيرِ في سببِ نزولِ هذه الآياتِ : إن صحابيًّا على عهد النبي ﷺ اسمه (( طُعمةُ بنُ أُبيرِق )) ، سَرَقَ دِرعًا مِن جارٍ له اسمُه (( قتادةُ )) ، و كانت الدِّرعُ في جرابِ دقيقٍ به ثُقبٌ ، فأخَذَ الدَّقيقُ يتناثَرُ على الطَّريقِ ، و خَشيَ طعُمةُ أن يَفتضِح أمرُه إن هو ذَهبَ به إلى منزِله ، و تفتَّقت حيلتُه عن التوجِّهِ به لصَديقٍ له يهوديًّ اسمه : (( زيدُ بنُ السَّمينِ )) ، و قال له : ضَع هذا أمانةً عندكَ ، و لما تنبَّه -قتادةُ- و قومُه للدِّرعِ المسروقةِ ، ذهبوا إلى _طُعمةَ _ و يبدو أنَّه كانَ معروفًا بالسَّرقةِ_ فحَلَف لهم أنَّه ما أَخَذَها ، و ما لَه بها عِلمٌ ، _ فتتبَّعوا أثرَ الدَّقيقِ حتى إذا ما انتَهى بهم إلى بيتِ _زيدٍ اليهوديِّ_ ، فدَخَلوا عليه و قالوا له : (( أنتَ سرَقتَ الدِّرعَ )) فأَقسَمَ باللّٰه ما سَرَقتُه _ و أنَّ طُعمةَ هو الذي جاءَ به ؛ و قالَ : ضَعْه أمانةً عندَك ، فرَجعوا إلى طُعمةَ مرة أخرى و سأَلوه فأَقسم لهم أنِّي ما سرقتُه ، و أنَّ مَن سَرَقَكم هو زيدٌ اليهوديٌّ ، و شاعَ الأمرُ في الناسِ ، و خشي طعمة و قبيلته من و صمهم بجريمة السرقة ، فذَهب طُعمةُ و قبيلتُه إلى النبي ﷺ ليَطلبوا منه تبرئتهم من السَّرقةِ ، و أن يجادِلَ عنهم ليدفَعَ هذه الوصمةَ ، و قالوا : إن لم تُدافِع عنا هَلَكنا و بَرِئَ اليهوديُّ _ فأرسل النبي ﷺ إلى زيدٍ اليهوديِّ ، و سأله فأجابَه : و اللَّه يا أبا _الـقـاسِـمِ ما سَرَقتُ الدِّرعَ ، و لكن رماهُ عندي طُعمةُ كأمانةٍ ، و أوشَكَ النبي ﷺ أن يُصدِّق طُعمةَ و قَبيلَتَه ، في دَعواهم أنَّ الذي سَرَقَ الدِّرعَ هو زيدٌ اليهوديُّ ، و هَمَّ بعقابِ زيدٍ لولا أن نزلَ القرآنُ و برَّأَ اليهوديَّ من تُهمةِ السَّرقةِ ، و دمغَ طُعمةَ و أهلَه بالخيانةِ ، و توعَّدَهم بالعقابِ الأليم إنْ لم يتوبوا إلى اللَّه و يَستغفروه________ (١) .

و هذه هي قصة الآياتِ التي نقرأها في سورة الـنـسـاء في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٦)}{ الـنـسـاء : ١٠٥_١٠٦ } ، أي : استغفرِ اللَّهَ لما همَمتَ به من عقابِ اليهوديِّ ؛ { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩) } { الـنـسـاء : ١٠٧_١٠٩ } ؛ و الآيات خطابٌ لجماعةِ من الأنصارِ ، اشترَكوا في الدِّفاعِ عن طُعمةَ و عن المسلمينَ.

و معنى الآياتِ : هَبوا أنَّكم خاصَمتُم عن طُعمةَ و قومِه في الدَّنيا فمَن يخاصِمُ عنهم في الآخِرَةِ إذا أخذَهم اللَّهُ بعذابِه .

ثم يقولُ اللَّهُ تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)}{ الـنـسـاء : ١١٠_١١٣ } ؛ انظر أيها القارئ الكريم ! تسعُ آياتٍ بيِّناتٍ تنزلُ على نبيِّ الإسلام في تبرئةِ يهوديٍّ مظلومٍ و إدانةِ مسلمٍ ظالمٍ ، و تَعتِبُ عليه ﷺ مَيلَه لتَصديقِ المسلمِ و تكذيبِ اليَهوديِّ ، كُلُّ ذلكَ في جوٍّ كانت فيه أغلبيَّةُ اليهودِ تُناصِبُ الإسلامَ و المسلمينَ العَداءَ ، و تتربَّصُ بهم وتُعينُ عليهم أهلَ الشِّركِ و الوثنيَّةِ من قريشٍ .

و لقَد صدَّقَ القرآن على ( طُعمةَ ) بما يُشعِرُ بسوءِ الخاتمةِ و العَذابِ الأليمِ يوم القيامةِ ؛ فقيلَ : إنَّه هرَبَ إلى مكةَ ، و سَرَقَ و ارتَدَّ ، ثُمَّ سرقَ و قُتِلَ في سَرِقَتِه الأخيرةِ !.

هل أَدركتُم عظمةَ الإسلامِ في تطبيقِ مبدأِ العدلِ و الإنصافِ حتى مع الكارهينَ للإسلامِ ، و كيف أن هذا المبدأَ لا مَفَرَّ منه لاستقرارِ المجتمعاتِ ، و أساسٌ لشعورِ النَّاسِ بالهدوءِ و الطُّمأنينةِ ؟! و كيفَ أن المسلِمَ و غيرَ المسلمِ سواءٌ في دينِ الإسلام ، دينِ العدلِ و الإنصافِ و المساواةِ بينَ بني آدمَ ؟!.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

__________________________________________(١) ؛ أخرج قصَّة طُـعـمـة بن أُبَـيْـرِق _رضي الله عنه_ الطَّبريُّ في (( جامع البيان )) : ٤٦٢/٧ ؛ عن قتادة مرسلًا ؛ و أخرجها كذلك : ٤٦٦/٢ ، عن إسماعيل السُّدِّيِّ ، مرسلًا_






هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

ما شاء الله تبارك الله جميل جدا و ممتع بجد ربنا يجعله في ميزان حسناتك 🌹🌹

غير معرف يقول...

الحمدلله دائما وابدا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه علي نعمه الاسلام
وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

غير معرف يقول...

لا ..لا اندهش من هذا..!
دين الإسلام دين عدل وإنصاف فكيف نتفاجأ بما فعله النبي مع هذا اليهودي..قد يكون المرء مسلماً..لكن: فيه من الشر ما ليس في غير المسلم..ونحن نفتخر بديننا وبعدله وإنصافه ونحمد الله أن جعلنا من المسلمين.
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
راضية بديني.

غير معرف يقول...

سلمت يداك

zizo يقول...

احسنت

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...