الأميرة الفاطمية ست الملك

 قصة شهدها شارع الخرنفش في القاهره ، هي الأميرة الفاطمية ( ست الملك ) ؛ و أخيها 

( الحاكم بأمر اللّٰه ) ، الذي تعد فترة حكمه من أغرب العهود التي شهدتها مصر.

تبدأ القصة عندما شيد الخلفية الفاطمي العزيز بالله القصر الغربي الصغير طمعًا في أن يقيم به الخلفية العباسي القائم بأمر اللّٰه فتنتقل الخلافة العباسية إلى مصر و لكن لم يتم هذا الأمر و سكنت به الأميرة ست الملك ابنة العزيز باللّٰه و أخت الخلفية الحاكم بأمر اللّٰه ، و كان لها أربعة آلاف جارية يقمن على خدمتها.

اتسمت ست الملك بالحكمة و الحزم الشديد فحازت على حب أبيها و صارت موضع ثقته يستشيرها في كثير من الأمور و كانت دومًا تدلى له برأي صائب فيزداد إعجابًا بذكائها ، و بعد و فاة أبيها العزيز باللّٰه تولى أخوها الحاكم بأمر اللّٰه أمور الخلافة.

و كان الحاكم بأمر اللّٰه رجلًا طويلَ القامة ذا صوت جهوري أجش ، له عينان زرقاوان واسعتان ، يهابه الناس من نظرته الحادة المخيفة و لا يستطيعون مواجهته. و كان له و جهان فهو الحاكم العادل الزاهد الذي أعتق سائر مماليكه و تخلى عن المواكب و العظمة المصاحبة للخلفاء الفاطميين ، يحلم بنشر العدالة و بإقامة مجتمع مثالي يخلو من المظالم ، عزفت نفسه عن الملابس الفاخرة الأنيقة على عادة آبائه و استبدلها بملابس صوفيه خشنة ، و كان يخرج إلى الأسواق يمشي و سط الناس بحمارة الأشهب بدون حراس يرافقه غلام يحمل سيفه و أوراقه ليكتب عليها الشكاوى و يحل المظالم بنفسه ، و كان يوزع الأموال على الفقراء و المساكين و ألغى الكثير من المكوس التي أرهقت الناس رأفة بهم . و هو في نفس الوقت الحاكم الظالم المستبد صاحب القرارات المتناقضة فقد عاب حكمه كثرة القتل ففتك بوزرائه و بأعداد لا تحصى من العلماء و الكتاب و العامة ، كما استصدر المراسيم العجيبة فكان يحرم الشيء ثم يبيحه ، فمنع الناس من صلاة التراويح عشر سنوات ثم أباحها ، و كان يبنى المدارس و يعين بها المشايخ و الفقهاء ثم يقتلهم و يهدم تلك المدارس ، كما جلس في أضواء الشموع ليلًا و نهارًا ثم تراءى له أن يجلس في الظلمة فجلس فيها مدة.

و قد منع الناس من بيع العسل الأسود و من أكل الملوخية و القرع و نهى عن بيع السمك الذي لا قشر له و البلح و الترمس ، و يروى أنه مر يومًا فرأى جماعة يأكلون ملوخيه فضربهم بالسياط و طاف بهم في القاهرة ثم أمر بأن تضرب أعناقهم لمخالفة أمره.

كما أمر الحاكم باقتلاع الكروم حتى لا تصنع الخمور و أمر بإعدام الكلاب فقتل نحو ثلاثين ألف كلب ، و أغلق الأسواق بالنهار و فتحها بالليل و جعل الليل محل النهار في جميع أحوال الناس فامتثلوا لأمره و استمروا على ذلك زمنًا طويلًا.

و قد منع خروج النساء من البيوت أو النظر من الشبابيك ، و يروى أنه مر يومًا بحمام يطلق عليه حمام الذهب فسمع ضجيج النساء بداخله فأمر بأن تسد عليهن أبواب الحمام بالحجر عقابًا لهن على أصواتهن حتى مات جميع من في الحمام.

كانت فترة خلافة الحاكم بأمر اللّٰه عجيبة متناقضة ؛ حار الناس في أمره و تساءلوا هل كان مختلًّا أم سابقًا لعصره ؟

هل كان ورعًا أم فاسقًا ؟ هل كان ظالمًا أم مظلومًا ؟ هل كان دمويًّا أم لعبت به الأهواء ؟ الحاكم بأمر اللّٰه رجلٌ مثل الباطل في صورة الحق و مثل الحق في صورة الباطل و قبح الحسن وحسن القبيح و يصف لنا المؤرخ إبن إياس تناقضاته قائلا (( كان عنده شجاعة و إقدام مع جبن و إدبار ، و كان يحب الكرم و يكثر من البخل ، و كان يحب فعل الخير و يتبعه بشيءٌ من الشر ، و يحب العدل في الرعية و يتبعه بشيءٌ من الظلم و الجور )).

كان الناس يهابون من شدة الحاكم بأمر اللّٰه و سطوته و يروي لنا ابن إياس أنه و قع غلاء بمصر و شحت الغلال في الأسواق فاشتكى الناس إلى الحاكم فقال لهم إنه سيخرج إلى جامع راشدة و سيعود مارٍّا بالأسواق و توعد أهل القاهرة قائلًا : ( إن وجدت أمامي مكانًا خاليًا من الغلة ضربت عنق صاحب ذلك المكان ) ثم توجه إلى جامع راشدة و عاد بعد صلاة العصر فما بقي أحد من أهل مصر و القاهرة إلا و حمل ما عنده من غلال و وضعها في الطريق الذي يمر عليه الحاكم حتى غمرت الغلال الطرقات و امتلأت بها أعين الناس ، فجلس الحاكم و حدد سعرًا معينًا لكل نوع من الغلال و عم الرخاء و زالت الشدة.

ولع الحاكم بأمر اللّٰه برصد النجوم و كان يخرج ليلًا لاستطلاعها من فوق جبل المقطم ، و أسدت له أخته الأميرة  الخرقاء فأظهر لها العداء و ساءت العلاقة بينهما . 

و في ليلة من الليالي خرج الحاكم كعادتة إلى جبل المقطم للتأمل و لرصد النجوم فركب حماره و صرف خدمه و اختفى منذ هذه الليلة و لم يعثر له مخلوق على أثر و انقطعت صلته بالحياة ، و لم يجدوا سوى حماره الأشهب مقتولاً و ثيابه و كان عليه سبع حبب صوف بيض و بها آثار ضرب بالخناجر و السكاكين و قد قيل في سيرة اختفائه الكثير من الروايات و نسب البعض أنها من تدبير أخته ست الملك و أشيع أنها بعثت خادمها فقتله . و حيك حول اختفائه الأساطير التي أضفت عليه صفات خارقة للطبيعة و زعمت أنه غائب إلى حين و سيعود ليملأ الدنيا عدلاً و يطهرها من الظلم و الجور . و تولى بعده الحكم ابنه الظاهر لإعزاز دين اللّٰه و عمره سبعة عشر عامًا و صارت ست الملك تدبر معه شئون الدولة فألغى كل المراسيم المتناقضة التي أصدرها أبوه.

معنى الخرنفش _ أو الخرشتف ، روث البهائم المتحجر الذي كان يتم به إشعال النار لتسخين مياة الحمامات العامة ؛ فكان هذا الشارع به حظائر بهائم كثير و مكان كبير لتجفيف الخرنفش أو الخرشتف.

لو أعجبك هذا الموضوع فترك تعليقا لدعم و التشجيع لى الإستمرار.

و هذا و اللّٰه اعلم 🌺🌺.

إلى أن ألقاكم مع موضوع قادم و معلومة جديدة أن شالله على مدونتى الشخصيه

 بصمات من ياقوت و مرجان 🌼🌺.

 ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼