المتابعون

الأحد، 9 أكتوبر 2022

مقدمة عن هجْرَةُ الرسَّوُل ﷺ

 الحمدُلله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، وأُصلِّي و أُسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين سيَّدنا و مولانا رسول الله ﷺ و على آله وصحبه و من والاه وبعد .


ففي تاريخ كُلَّ أُمٌَة غمرت الأرضَ أحداث تعتز بها، و وقائعُ تفتخر بنتائجها ، وتجعل منها سبيلًا للتباهي بالماضي والإعداد في الحاضر ، والتخطيط للمستقبل.

والأُمة الإسلامية من بين هذه الأُمم التي تتعدد أحداث فخرها و مجدها ، لكن حدثًا من بين أحداثها يختلف في أهدافه و أغراضه و مقاصده و نتائجة عن الأحداث التي وقعت للأمة.

إن الهجرة النبوية المباركه على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم هي حدث مُهم في التاريخ الإنساني بشكل عام ، و في تاريخ الإسلام بشكل خاص ، و لِمَ لا ؟! وهو فيصل بين عهدين ؛ ظلم و عدل ، حرب وسِلْم، باطل و حق ، كفر و إيمان.



هي ذكري طيبة خالدة متجددة سنويَّة تجمع في ثناياها مزيجًا عظيمًا من القيم النبوية الرفيعة،و الخلال المحمدية النبيلة ،من صدق العزم، و الإخلاص في القول والعمل، والتضحية في سبيل الحق و للحق ، والصبر و تحمل المكاره، والرضا بقضاء الله و حسن الاعتماد عليه، و جميل اللجو إليه،و ضرورة التوكل عليه، و حتمية الثقة فيه.

كما تنبئ عن رعاية ربانية، و عناية إلهية انتقلت بها الرسالة المحمدية من طور الدعوة في مكة إلى طور الدعوة و الدولة في المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة و أتم السلام.

فقد أراد الله تعالي حينما أمر رسولَه ﷺ بالهجرة إلى المدينة أن يبث القوة النفسية في قلوب المسلمين ؛ ليجابهوا بها رعاة الظلم وينشروا من خلالها تعاليم الإسلام وقيمة، كما كان الأمر بالهجرة فتحًا لأبواب الخير التي عادت بالنفع الوفير على الإسلام و أهله، وصدق الله_تعالى_ حينما قال ۞ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً۞ (النساء:١٠٠).

إن الهجرة في عهد جديد لتأسيس دولة الإسلام التي امتدت من مشارق الأرض إلى مغاربها.

إنه عهد جديد لبناء قيم الإخاء والعدالة و المودة و المحبة و تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، و جعل رابطة الدين أقوى من رابطة النسب، وغرس قيم و مبادئ الحفاظ على كليات و مقاصد، و التنبيه على أوامر و نواهٍ تحيا الأمة بحياتها و تموت بموتها؛ إذ هي صوت و جودها،

و في الوقت ذاته إذا ضاعت تكون معقل هدمها.

ليس هذا فحسب، بل هي أتت حربًا على الأعراف الظالمة،و العادات الباطلة، التي لا نصيب لها من حق، فجاءت رافضة للعصبية القبلية الممقوتة، والقضاء على المبادئ المرفوضة التي لا يقرها الإسلام كتحميل القبيلة جريرة الأفراد ، إنه عهد جديد ساده مبدأ:{{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ «٣٨» وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}}«٣٩»(النجم: ٣٨؛٣٩) إنه عهد جديد حرص فيه النبيُّ ﷺ على ردَّ البشرية إلى صوابها و الأخذ بيد الإنسانية إلي مسالك نجاتها، فأرسي فيه ﷺ مبادئ التكافل و التراحم و الاعتصام و التواضع و الرفق و الإيثار و التضحية ونبذ العنف وهجر الفحش، والترفع عن الدنايا و التخلص من العجب و الكبر و الأثرة و حب الذات .

نظرًا لأهمية هذا العهد و ما يمكن أن يحققه في دنيا الناس، فقد حرص فيه ﷺ أن يكون جامعًا لكل ألوان الخير مانعًا لكل ألوان الشر، و من ثم تعهده من اللحظة الأولى له، بالعناية و الرعاية و الاهتمام ؛ إذ إنه ﷺ يُدرك أن عهدًا كهذا لا يتحقق بالأمنيات ؛ بل لا بد من سعي دائم في تحصيله، و إعداد متميز لتنفيذه، و تخطيط و اقعي للظفر بنتائجة و آثاره، و من ثم لا بد من الإعداد له على أُسس علمية واضحة المعالم ، محددة الأهداف ، معلومة المقاصد ، معروفة النتائج؛ خصوصًا و أن الناظر في السيرة النبوية المباركة يُدرك أنه ﷺ ومنذ اللحظة الأولي لمبعثه كان على دراية بوقع حادث الهجرة لا محالة، مما يعني أن إرهاصاتها بدأت مع بداية دعوته ﷺ منذ اللحظة الأولى، عندما جاءه الملك جبريل -عليه السلام -فقال : اقرأ ،قال: ((ما أنا بقارئ))،قال:(( فأخذني فغَطَّني حتى بلغ منَّى الجهدُ ثم أرسلني ، فقال: اقرأ ، قلتُ: ما أنا بقارئ ،فأخذني فغَطَّني الثانيةَ حتى بلغ مني الجهدُ ثم أرسلني ،فقال: اقرأ ،فقلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فغَطَّني الثالثةَ ثم أرسلني ،فقال :{{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ«١» خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ «٢» اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ«٣»}} ((العلق:١_٣))..))فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤادُه، فدخل على زوجه خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال:(( زَمَّلُوني زَمَّلُوني)) فَزمَّلُوه حتى ذهب عنه الرَّوْعُ، فقال لخديجة و أخبرها الخبر : "لقد خشيتُ على نفسي" فقالت خديجة: كلَّا و الله ما يُخْزيكَ الله أبدًا، إنكَ لَتَصلُ الرَّحمَ، و تَحْمِلُ الكَلَّ،و تُكْسِبُ المعدومَ، و تَقْرِي الضعيفَ، و تُعِينُ على نوائبِ الحقَّ، فانطلقتْ به خديجةُ حتى أتتْ به [ورقةَ بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى] ابن عمَّ خديجة، و كان امرَأً تنصَّر في الجاهلية،و كان يكتبُ الكتابَ العبراني، فيكتبُ من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عميَ فقالت له خديجة: يا ابن العم، أسمعْ من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا تري!؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى؛؛ فقال له ورقة: هذا الناموسُ الذي نَزل الله على موسى، ياليتني فيها {{جَذَعٌ}} أي صغير السن...ليتني أكون حيًّا إذ يُخرِجُكَ قومُك، فقال رسول الله ﷺ "أوَ مخْرِجِيَّ هُمْ؟" قال: نعم لم يأتِ رجل قطُّ بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ و إن يُدركني يومُكَ أنصُركَ نَصْرّا مُؤزَّرًا.. ثم لم ينشب ورقة أنْ توفي؛ وهذا القولُ من ورقة يُمكِن عدُّه إرهاصًا لهذا الحدث العظيم، وإشارةً منه في الوقت ذاته إلى بداية عهدٍ جديدٍ للدعوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة و السلام.

ثم تبع ذلك أمرُ النبي ﷺ لأ صحابه بالهجرة إلى الحبشة مرتين، ثم رحلة الطائف ، ثم لقاؤه ﷺ بالوفود بشكل عام ، و أهل يثرب بشكل خاص، ومن ثم كانت بيعة العقبة الأولى و الثانية و على إثرهما كانت الهجرة المباركة، على صاحبها أفضل الصلاة و أتم التسليم.

ولهذا ما إن أمر اللهُ تعالى بالخروج حتي بدأ ﷺ البحث عن عوامل وأدوات نجاحها وخطط لذلك بمهارة فائقة و أرجحية عقل لا مثيل له و لا نظير..

فقد كان التخطيط لهذه الرحلة المباركة واضح المعالم في فكر الرسول ﷺ وهو يرسم الخطى في مكة المكرمة مؤيَّدّا بالوحي الإلهي، وكم كان ﷺ مُدركًا لعِظَم الحدث وخطورته؛ لذا لم يشأ أن يترك شيئًا للظروف و الأحداث؛ بل لعلمه أنها ستكون معلمًا من معالم الدين الحنيف الذي تتأسس على خطاه دولة العلم و المعرفة و الحق و العدل ؛ لتصبح منارة الدنيا التي تهدي البشرية إلى طريق الله المستقيم، و تخلصها من ترهات الشك و شبهات الحيرة و القلق، و تأخذ بيدي البشرية إلى قمم الفضيلة والمثل العليا التي يشع نورها فيشرق الكون بأسره.

وحقًّا كانت الهجرة سببًا لإشراق دولة الخير والنور، و من ثم كان من توفيق الله تعالى للخليفة الثاني الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب أن وفقة الله تعالى بالتأريخ بها*رضي الله تعالى عنه وأرضاه*وكان في ذلك ملهمًا فقد أفاد السهيلي رحمه الله في ( الروض الأنف) [[أن الصحابة رضي الله عنهم أخذوا التأريخ بالهجرة من قوله تعالى «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ»، وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها، ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر، فتعينَ أنه أُضيف إلى شيء مضمر فيه من الفقة صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيُهم أنْ يكون التاريخُ من عام الهجرة؛ لأنه الوقتُ الذي عزَّ فيه الإسلام، و الذي أمر فيه النبي ﷺ وأسس المساجد. وعبدَ اللهَ آمنًا كما يحبُّ، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل،

و فَهِمْنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه: «مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ » أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يُؤرَّخ به الآن..

وقد ذكر بعضُهم للبدء بالتأريخ بالهجرة مناسبة فقال،

كانت القضايا التي اتفقتْ له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة:

مولده و مبعثه و هجرته و وفاته، فرجح عندهم جَعْلُها من الهجرة؛ لأن المولد و المبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السَّنة، و أما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة، وإنما أخَّرُوه من ربيع الأول إلى المحرم ؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في شهر المحرم؛ إذ البيعة وقعتْ في أثناء شهر 

ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أولُ هلالٍ اسْتُهلَّ بعد البيعة و العَزْم على الهجرة هلالَ المحرم، فناسبَ أنْ يُجعَلَ مُبتَدَأً، و هذا أقوي ما و قفتُ عليه من مناسبة الابتداء بشهر المحرم .

و الله أعلم 🌺🌺



هناك 34 تعليقًا:

غير معرف يقول...

‏‎آلُلُہم صٍلُِّ ۆسلُم ۆبْآرگ علُﮯ رسۆلُنْآ آلُگريَم
احسنت ثما احسنت
تحياتي لك

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه
بداية موفقة ف إنتظار المزيد
بارك الله فيك وجعله ف ميزان حسناتك

جزاك الله خيراً وبارك فيك صديقي العزيز يقول...

ماشاء الله تبارك الله ربي يحفظك ويحميك
صل الله عليه وسلم حبيبي يا رسول الله
ثريد جميل ربي يجعله في ميزان حسناتك اخي الكريم

Unknown يقول...

صلوات ربى وسلامه ع المبعوث رحمة للعالمين
بالتوفيق أخى المبارك اللهم اجعله ف ميران حسناتك يارب

Unknown يقول...

بارك الله فيك و وفقك ان شاء الله 🌹
تقبل تحياتي
دكتور نور

Unknown يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
احسنت تحياتي لحضرتك

Unknown يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبة أجمعين

Unknown يقول...

احسنت حضرتك تقبل الله

Unknown يقول...

أحسنت ربنا يجزيك خير الجزاء
سرد رائع

يمن قاهر يقول...

يا بارك الله فيك و احسنت خير ما كتبت يمناكِ جزاك الله خير الجزاء ❤��

غير معرف يقول...

مقال ممتاز

Unknown يقول...

جزاك الله خيرا و نفع بك
اللهم صل وسلم وبارك
على نبينا وحبيبنا محمد

غير معرف يقول...

مقال ممتاز جزاك الله خيرا 🌹 🌹

غير معرف يقول...

جزاك الله خيراً وبارك الله فيك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

غير معرف يقول...

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك ياحبيبي يارسول الله ♥
جزاك الله خيراً وجعله الله في ميزان حسناتك يارب العالمين

Unknown يقول...

‏اللَّهُم صَلِّ وسَـلِّم علَى نَبِينَا محمد ﷺ💝🌻.‎#الا_حبيب_الله ‎#الا_رسول_الله

Unknown يقول...

جزاك الله خيراً وبارك الله فيك

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين 💚
ماشاء الله عليك

El-Mashreq construction يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
جزاك الله خيرا.

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
جزاك الله خيرا.

Unknown يقول...

اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد.

جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك.

#أبولمعه.

Unknown يقول...

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين💚







Unknown يقول...

ممتاز بارك الله فيك جعله الله في ميزان حسناتكم

Unknown يقول...

ممتاز بارك الله فيك جعله الله في ميزان حسناتكم

zizo يقول...

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك ❤️

غير معرف يقول...

جميل جدا مجهود رائع 🌼🌺☘️

Unknown يقول...

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
ما شاء الله تبارك الرحمن عليكي 🫶♥️♥️

Unknown يقول...

بسم الله ما شاء الله ربنا يجعله في ميزان حسناتك♥️

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وبارك عليك يا رسول الله
بوركت جهودكم 🌸🌸

Unknown يقول...

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
جميل ما شاء الله

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

Unknown يقول...

جميل وموفق

غير معرف يقول...

جميل جدا ومقدمة جميلة

د.رضا هلال يقول...

مقال اكثر من رائع و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد و علي آله و صحبه أجمعين.

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...