البلاوُ
في الأصل هو الاختبارُ ، و يكونُ بالشرِّ كما يكونُ بالخيرِ ، قال تعالى { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }
{ الأنبياء : ٣٥ }.
و قال تعالى : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ }
{ الأعراف: ١٦٨}.
و قال تعالى { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ( ١٥ ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( ١٦ ) }{ الفجر : ١٥_١٦}.
و العبدُ يُختبرُ بالنعمةِ ليشكرَ فيثابُ على شُكْرِه ، و يُبتلى بتَضييقِ الرِّزقِ عليه فيصبِرُ فيثابُ على صبرِه ، و يجِبُ أن نعلَمَ أنَّ الشُّكرَ و الصَّبرَ يتحقَّقانِ بالحالِ لا بالمقالِ ، أي: يكونُ حالُه و تصرُّفُه دالًّا على الشُّكرِ و الصَّبرِ ؛ و شكرُ النعمةِ يكونُ ببذلِها للمحتاجِ ، و الصبرُ على الفقرِ يكونُ بالتَّسليمِ لله تعالى فيما قَضاه و قدَّره على العَبدِ من فَقرٍ أو مَرضٍ أو غيرهما من أنواع الابتلاء .
و قد اختلف العلماءُ في الشاكرِ على النعماءِ ، و الصابرِ على الضراءِ : أيُّهما أكثرُ ثوابًا ؟ فمنهم مَن قال : الشاكرُ على النعمةِ ؛ لأنَّه يقاوِمُ إغراءَها و دعوتها للبخلِ و الجشعِ ، و منهم مَن قالَ : الصابرُ على الضراء أكثرُ ثوابًا لمعاناتِه و حرمانِه ؛ و قد قالَ عبدُالرِّحمن بن عَوف _ رضي اللّٰه عنه _ : [ ابتُلِينا مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ بالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنا ، ثمَّ ابتُلِينا بالسَّرَّاءِ بعده فلم نَصبِر ] _ أخرجة ( التِّرمذيُّ ) في جامعه ( ٢٤٦٤ ) و قال :
(( حديثٌ حَسَنٌ )).
و ذلك أنَّ شكرَ النَّعماءِ لا يتحقَّقُ إلَّا بالإنفاقِ منها و هو أمرٌ صعبٌ على النُّفوسِ ، و لا يُطيقُه إلَّا هؤلاءِ الصَّفوةُ الذين يَضعونَ المالَ في أيدِيهم ، و يَنزِعونَ مِن قلوبِهم حُبَّه و شهوتَه و سطوتَه.
و إذن قد يكونُ الابتلاءُ بالمصائبِ من أجلِ أن يتعرَّضَ العبدُ لثوابِ الصبرِ ، و هو ثوابٌ عظيمٌ .
و إذن فلا تَلازُمَ أبدًا بين البلاءِ و بين حالِ العبدِ : طاعةً أو عِصيانًا ، استقامةً على منهجِ اللَّه تعالى أوِ انحرافًا عنه ، كيف و الأنبياء الذين هم صفوةُ الخلقِ أشدُّ الناسِ بلاءً !؟ وإذا طبَّقْنا ( البلاءَ ) بهذا المفهومِ على حالة الأمراض و الأَوْبِيَةٌمثل وباء الطاعون و الكوليرا و الحصبة و أخراهم كورونا فمِنَ الصَّعبِ القطعُ بالقَولِ بأنَّه في تعريضٌ للعبادِ للصبرِ ، فهذا المفهومُ يَظهرُ اوضحَ ما يَظهرُ في ابتلاءِ مَن يحبُّهم اللَّهُ من عبادِه ، و الأوفقُ أن نُفسِّر بِعُقولِنًا أن و باءَ مثل الطاعون و الكوليرا و آخرهم وليس بى الآخر كورونا بأنَّه عقوبةٌ أو رسالةُ تحذيرٍ من السماءِ أو لِنقُل : إنِّه نذيرٌ لعالمنا المعاصِرِ الذي ضلَّ الطريقَ ، وانحرفَ عن سواءِ السَّبيلِ ، و مصبيةٌ أصابَتْنا بما كسبَتْ أيدِينا.
و لَسنا بحاجةٍ إلى الكَشفِ عنِ انحرافاتِ العالَمِ المعاصِرِ (( عِلمًا و سياسةً و إعلامًا و فنٍّا و أخلاقًا و سلوكًا.
و مَن يَرْتَبْ في هذا الكلامِ عليه أن ينظُرَ إلى الأزماتِ الاقتصاديَّةِ و ما نتجَ عنها من فقرٍ و مجاعةٍ و بطالةٍ و استغلالٍ ، و فروقٍ فلكيَّةٍ بينَ الفُقراءِ و الأغنياءِ ، و تطويقٍ للدُّولِ الفَقيرةِ بالدُّيونِ ، و عَبثٍ بالبيئةِ ، و إذكاءٍ لنيرانِ الحروبِ مِن أجلِ تشغيلِ مصانع السلاحِ ، و اصطناع للفِتَنِ بين المتدينينَ و العلمانيِّينَ ، لا ستنزافِ طاقاتِ الشَّباب و إلهائِهم و شَغْلِهم عن كُل ما ينفعُ .
و أخطرُ هذه الانحرافاتِ : المجاهرةُ بالرَّذائلِ و المحرَّماتِ ، و إلباسُها ثوبَ المشروعيَّةِ القانونيَّةِ و الاجتماعيَّةِ ، و حَملُ النَّاسِ على نَزعِ بُرْقُعِ الحياءِ الفِطريِّ من على وجهِ الرجلِ و المرأةِ.
لقد أصبحَ مِنَ المعتادِ الآنَ في هذا العالَمِ المعاصِرِ أن يُقدِّمَ لك رَجلٌ من رِجالاتِ المجتمَعِ المرموقينَ صديقَه على أنه زوجتُه ، أو يُعلنَ زواجَه من عشيقتِه التي أنجبَ منها أطفالًا كبارًا في ظِلِّ علاقةٍ آثمة.
ألم تكن مجاهرةُ اليوم بهذه العِلَل و الأمراضِ الخُلُقيِّةِ سببًا كافيًا .
فيما سلف من سُلوكِ الأُممِ و الحضاراتِ لتدميرِ قريةٍ كاملةٍ جعلَ اللَّهُ عالِيَها سافِلَها في زمن من الأزمانِ الغابرةِ ؟! و ما الفرقُ بين أن يُهلِكَ الله الظالمين القدماءَ بحجارةٍ من سجيلٍ منضودٍ و بين أن يُهلِك الظالمين المعاصرين بفيروس غير منظور أو أي بلاءً.
و هذا و باللَّه التوفيق و اللَّه أعلم 🌼🌺
و كل عام و أنتُم بخير 🌼
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق
#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
هناك 5 تعليقات:
المصريين بحمد الله صابرين على البلاء
أحسنت وبارك الله فيك
جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم
*إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب*
جزاك الله عنا خير..تتطرق لمواضع أكثر رواجاً وتداولاً وحساسة..ما شاء الله عليك..زادكم الله علما وثقافةّ.
راضية بديني.
جزاك الله خيرا
إرسال تعليق