الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.
عرضنا في المقالة السَّابقةِ أهميَّةَ👈 خُــلُـق الـرحـمـةِ 👉 و مركزيتَه في استقرارِ المجتمعاتِ و كيفِ كانت مطلبًا من المطالبِ الشرعيَّةِ التي أُمِرَ بها المسلمونَ.
صِلَةُ الرَّحِم
إذا كانت الرحمةُ مطلوبةً من المسلمِ مع جميعِ الناسِ ، فمن حقِّ الوالدَين و الأهلِينَ أن ينالَهم النصيبُ الأوفى من هذه الرحمةِ ؛ ومن حقِّهم انْ يُفرَد لموضوعِ (( صلةِ الأرحامِ )) مساحةٌ لافتةٌ للنَّظرِ في بابِ فسلفةِ الأخلاقِ في الإسلام ؛ و هذا ما نطالِعُه في نصوصٍ كثيرةٍ وردَت في التَّرغيبِ في صلةِ الأرحامِ و وجوبِها على الأبناءِ و البناتِ ، و التَّحذيرِ من تجاهُلِها أو تَناسِيها.
و أوَّلُ ما ينبغي أن نَعلَمَه في هذا الموضوعِ هو ما ثَبَتَ في الحديثِ الشَّريفِ من أنَّ الرحم وقفَتْ بين يدَيِ اللَّهِ تعالى بعد أن خَلقَ الخلقَ و فَرَغَ منهم ، و تعلَّقت بالعرشِ ، استجارَت به ، و سألتْه أن يُعيذَها من القَطيعةِ _ أي ممَّن يقطَعُها و لا يَصِلُها _ و كأنَّها كانت تَتَحسٌُبُ لما سيُصِيبُها في قابِلِ الأزمانِ و الآمادِ ، و قد استجابَ اللَّهُ لها وأجارَها ووعدَها بأنْ يَصِلَ مَن يصِلُها و يقطعَ مَن يقطعُها ، و قال لها فيما تَروِيه أحاديث الصِّحاح : (( أَمَاَ تَرضَينَ أن أَصِلَ مَن وَصَلكَ ، و أقطعَ مَن قطعَك؟! قالت : بلى ، قال : فذلكَ لكِ )) ثم قالَ رسولُ اللَّه ﷺ اقرؤوا إن شئتُم : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ
(٢٢) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ (٢٤) } { محمد : ٢٢_٢٤ }...*(١).
وخطابُ القرآنِ في هذه الآيات مُتَوجِّةٌ إلى مَن أعرضَ عن أوامرِ اللَّه تعالَى و تولَّى عنها ، و أفسدَ في الأرضِ و أشعلَ فيها الفتنَ ، وشنَّ الحروبَ و شجَّع على القتالِ و النهبِ ، غير مبالٍ بالكوارثِ التي تَكرث الناس من تَمزُّق الأُسَر ، و تَفرُّق العائلاتِ ، و تَشْريد ذوي الأرحامِ .
و هؤلاءِ هم الذين لعنَهم اللَّه _ في الآية _ بسببِ صَمَمِهم عنِ استماعِ الهدي الإلهيِّ وعَمَى أبصارِهم عن سلوكِ الطريقِ القويمِ ؛ وواقعُ الحال اليومَ يُؤكِّدُ أنَّه ما جاء في القرآنِ الكريمِ من ضوابطِ الأخلاقِ و القيمِ التي تَحمِي الحقوقَ العامةَ و المساواةِ بين الناسِ ، و مُراعاة المصلحةِ العامةِ التي لا يَتميَّزُ فيها إنسانٌ عن إنسانٍ ، و لا بلدٌ عن بلدٍ ، و لا شعبٌ عن شعبٍ ؛ و لكن كيف يَتأتَّى ذلك لمن أغلقُوا قلوبهم بأقفالِ 👈 الـكِـبـرِ 👉و الغطرسةِ و الضلالِ!
أن الدرسَ الذي نَستخلصُه من هذه الآياتِ الكريمةِ هو أنَّ جريمةَ (( قطع الرحم )) تكادُ تُعادِلُ جريمةَ الفسادِ في الأرضِ بكلِّ بَشاعتِها ، و بكلِّ ما يَنتجُ عنها من حروبٍ و هلاكٍ و تدميرٍ.
علينا أن نَعلَم أنَّ صلةَ الرحمِ ليست مجرَّدَ فضيلةٍ من الفضائلِ ؛ للمُسلمِ أن يفعلَها فيُثاب عليها ، أو يتركها فلا يُعاقب عليها ، وشيءٌ من هذا الفهمِ الخاطئِ لا يزالُ ينتشر بين كثيرينَ و كثيراتٍ ممَّنْ يستهينونَ بصِلةِ الأرحامِ ، وتهون عليهم قطيعتُها ، و الحقيقةٌ التي يجبُ علينا أن نَتَنبَّةِ لها هي أن صلةَ الرَّحم أمرٌ شرعيٌّ أمر اللَّه به ، يَستَوجِبُ الطاعةَ ، و أن قطيعتَها نهيٌ إلهيٌّ يستوجِبُ الكَفَّ و الامتناعَ ، فهي مَناطُ الثوابِ أو العقابِ يومَ القيامةِ .
جاء رجلٌ إلى النبيِّ _ﷺ_ فقال يارسولَ اللَّه ، أخبِرْني بعملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ، فقال النَّبيُّ _ﷺ_ : (( تَـعـبُـدُ الـلَّـهَ و لَا تُـشـرِكُ بـه شـيـئًـا ، و تُـقِـيـمُ الـصَّـلاةَ ، و تـؤتـي الـزَّكـاةَ ، و تَـصِـلُ الـرَّحِـمَ ))...*(٢).
و تُلاحظون _ حضراتُكم _ أنَّ الأمرَ بصلةِ الرحمِ يقفُ في هذا الحديث على قَدَمِ المساواةِ مع الأمرِ بالتوحيدِ و إقامةِ الصلاةِ و إيتاءِ الزكاةِ ، و نحن لا نقولُ بأنها ركنٌ من أركان الإسلام ، و لكنَّ سَوْقَها هذا المساقَ في الحديثِ الشَّريفِ مع أركانِ الإسلامِ يُفِيدُ عِظَمَ شأنِها ، و شِدَّةَ خطَرها ، و هو تحذيرٌ لمن يقعُ في هذا المحظورِ الشَّرعيِّ.
و قد حذَّرَ النبيُّ ﷺ من الوقوعِ في هذا الذَّنبِ العظيمِ صَراحةً فقالَ : (( لَا يَـدْخُـلُ الْـجَـنَّـةَ قَـاطِـعُ رَحِـمٍ ))…*(٣).
و قال في حديثٍ آخَرَ : (( لا يَـدخُـلُ الـجـنَّـةَ مُـدْمِـنُ خـمـرٍ ، و لا مُـصَـدِّقٌ بِـسِـحـرٍ ، و لا قـاطِـعُ رَحِـمٍ ))…*(٤).
و قد جاء عن النَّبيِّ ﷺ أن قاطع الرحمِ يُعجِّل اللَّهُ عقوبتهَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُه له في الآخرةِ من عذابٍ أليمٍ ، يقول النبيُّ ﷺ : (( مـا مِـن ذنـب أجـدَرُ أن يُـعَـجِِّـلَ اللَّـهُ تـعـالـى لـصـاحـبِـهِ الـعـقـوبـةَ فـي الـدُّنـيـا ، مـع مـا يُـدَّخَـرُ لـه فـي الآخِـرةِ ، مِـثـلُ الـبـغـيِ و قـطـيـعـةِ الـرَّحِـمِ ))…*(٥)
و في الأثر أنَّ أبوابَ السماءِ مُغلَقةٌ في وجهِ قاطعِ الرحمِ …*(٦) .
صدق رسول اللَّه ﷺ و هذا و اللّٰه أعلم و باللَّه التوفيق ؛
عزيزي/تي ...القارئ /ه... سَوْفِ أكمل لكم موضوع صِـلَـةُ الـرَّحِـم حتى لا تمل بإذن الله على مدونتي الشخصية
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
_________________________________
*(١) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه)) (٤٨٣٠) ؛ و مسلم في (( صحيحه ))(٢٥٥٤) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.
______________________________________
*(٢) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه )) (١٣٩٦) و مسلم في (( صحيحه )) (١٣) من حديث أبي أيِّوب الأنصاريِّ رضي اللّٰه عنه.
_______________________________________
*(٣) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه )) (٥٩٨٤) و مسلم في (( صحيحه ))(٢٥٥٦) من حديث جُبير بن مطِعم رضي اللّٰه عنه.
_____________________________________
*(٤) أخرجة أحمد في (( مسنده )) ( ١٩٥٦٩) و ابن حبَّان في (( صحيحه)) ( الإحسان/ ٦١٣٧ ) ، و الحاكم في (( مستدركه )) : ١٤٦/٤ ، من حديث أبي موسى الأشعريِّ ، و قال الحاكم : (( حديث صحيح الإسناد )).
________________________________________
*(٥) أخرجه أبو داود في ((سننه)) ( ٤٩٠٢ ) ، و التِّرمذيُّ في ((جامعه))(٢٥١١) ، و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤٢١١ ) من حديث أبي بكر ، و قال التِّرمذيُّ : ( حديث صحيح).
______________________________________
*(٦) روى مَعمَر في (( جامعه )) ( ٢٠٢٤٢) و من طريقه الطَّبرانيُّ في (( المعجم الكبير)) ( ٨٧٣٩ ) و البيهقيُّ في (( شعب الإيمان )) ( ٧٥٩٢ ) : أنَّ عبداللَّه ابن مسعود رضي اللّٰه عنه _ كان جالسًا بعد الصُّبح في حَلْقة ، فقال (( أَنْـشُـدُ الـلَّـه قَـاطِـعَ رَحـِـم إلَّا مـا قَـامَ عَـنَّـا ، فَـإِنَّـا نُـرِيـدُ أَنْ نَـدْعُـوَ رَبَّـنَـا ، وَإنَّ أَبْـوَابَ الـسَّمَـاءِ مُـرْتَـجَـةٌ دُونَ قَـاطِـعِ الـرَّحِـمِ ))___________🌼🌼🌼🌼🌼🌼