الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.
نستكمِل ما شَرْعنا فيه من موضوع سابق عن آفة الكبر :
إن خَليقةَ الكبرِ كانت تمثِّلُ عقبةً كأْداءَ و صعوبةً بالغةً أمام الأنبياءِ و المرسلينَ في دعوتِهم إلى اللَّه تعالَى ، و قد سجَّلَ القرآنُ الكريمُ عِنادَ أقوامِهم و ضلالَهم بسببِ كبريائهم.
حدث ذلكَ مع قوم نوحٍ ، و ثمودَ و عاد ، و قوم شعيبٍ و موسى و عيسى و محمِّدٍ عليهمُ الصلاةُ و السلامُ : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوٓا۟ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوٓا۟ إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونِ }{ يونس : ٧١ }.
{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ }{ يونس : ٧٥ }.
{ قَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ لَنُخْرِجَنَّكَ يَٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَٰرِهِينَ } { الأعراف : ٨٨ }
{ وَعَادًا وَثَمُودَا۟ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُوا۟ مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (٣٩)}{ العنكبوت : ٣٨_٣٩ }.
و نقول أيضًا : إنَّ الكِبرَ و ما اشتق منه ؛ مثل : (( استكبروا ، و استكبرتم ، يستكبر ، و يستكبرون ، و المتكبرين )) قد ورد في معرضِ الذِّمِّ و الوعيدِ في خمسينَ موضِعًا من القرآنِ الكريمِ على الأقلِّ ، و هذا دليلٌ على خطورةِ هذا المرضِ الخلقيِّ اللِّعينِ ، الذي يُصيبُ المجتمعاتِ و يهدِمُها.
و الكِبرُ من أسرعِ الرَّذائِلِ إفسادًا في الأرضِ ، و من أشدِّها فَتكاً بالمجتمعات.
هذا و يجبُ التنُّبهُ إلى أن أسوأَ أنواعِ الكِبر ؛ كِبرُ بعضِ العُلَمَاء ممِّن يَتيهونَ بعلمِهم ، و يزيَّنُ لهم أنهم حراسُ المعرفةِ و سَدَنةُ الموضوعيَّةِ و حريَّٕةِ الرأي ، و لا يجدون حرجًا في أن يخلِطوا الحقائِقَ بالسَّفسطةِ و الأغاليطِ إمَّا عن جهلٍ و إما عن رغبةٍ في إضلالِ الناس.
و مما يزيد الطين بلةً أن كثيرًا من النَّاسِ يَحسبونهم من العُلماءِ الذين يُبلِّغونَ رِسالاتِ اللَّهِ و يَخشونَه و لا يَخشونَ أحدًا إلَّا اللَّهَ .
و هذا النَّوعُ من العُلماءِ يَجهَلُ أو يَتجاهَلُ تحذيرَ النبي ﷺ من عاقبةِ السُوءِ التي تنتظرهم و تنتظُر أمثالَهم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي اللّٰه عنه_ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (( إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمُهُ )) _ أخرجه أبو بكر الآجرِّيُّ في - أخلاق العلماء - : (٨٦) ، و الطَّبرانيُّ في - المعجم الصَّغير- (٥٠٧ ) و البيهقيُّ في - شعب الإيمان - (١٦٤٢) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.
و عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ : (( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقى فِي النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَفْزَعُ لَهُ أَهْلُ النَّارِ فَيَجْتَمِعُونَ لَهُ فَيَقُولُونَ لَهُ : يَا فُلَانُ ، مَا لَقِيتَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفٍ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : بَلَى ، كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لَا أَنْتَهِي )) أخرجة -البخاريُّ في (( صحيحه )) ( ٣٢٦٧ ) و- مسلم في صحيحه ( ٢٩٨٩) من حديت أسامة بن زيد رضي اللّٰه عنه.
و من أنواع الكبر :
الكبرُ بالحسَبِ و النَّسَبِ ، و هو مرفوضٌ في ميزانِ الإسلامِ ، لأنَّه يكرِّس طبقيَّةً بغيضةً يمقُتها الإسلامُ و يرفُضُها رفضًا قاطعًا ، فالفخر بالأنساب جهلٌ و تقهقر إلى العصورِ الغابرة ؛ ثم إنه اعتزازٌ بما ليسَ من عملِه و كسبِ يدِه ، و لله درُّ الشَّاعر في قوله و هو يخاطِبُ هؤلاءِ الذين يُحبُّونَ أن يُحمدوا بما لم يفعلوا :
لَئِن فَخَرتَ بآباءٍ ذَوِي نَسَبٍ
لقد صَدَقتَ و لكن بِئْسَ ما وَلَدُوا.
و يطول بنا الحديث عن أنواع الكبرِ ، الجلِيّ منها و الخفِيّ ، فمنها : الكبرُ بكثرةِ العبادةِ أو بالجمالِ ، أو بالمالِ ، أو بالصِّحَّةِ ، و القائمةُ تطولُ.
و لكن أختم موضوعي هذا أن أهل الكِبرِ هم رموزُ الشَّرفي هذا الكون ، و أنهم تلامِذةُ إبليس رائدِ المتكبِّرين و قائدِهم إلى جهنم .
هذا و من المستكبِرينَ على اللَّهِ ؛ الملحدونَ الذي يأنفونَ من عبادتِه سبحانه ، و يعتقِدون أن الاعترافَ بألوهيَّتِه تعالى تأخُّرٌ و ظلامٌ و رجعيَّةٌ ، و أن مثل هذه الاعتقاداتِ لا تليقُ بعقولِهم الحداثيِّةِ المتطوِّرةِ و المتحضِّرةِ ، فإلحادُهم نابعٌ من (( كبرٍ )) في نفوسِهم و في عقولِهم.
و في الختام نسألُ اللَّه أن يعيذَنا من الكِبرِ و التَّعاظُمِ و الخُيلاءِ ، و سيِّئاتِ أعمالِنا.
و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼
إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية
#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
هناك 4 تعليقات:
جميل جدا احسنت
ربنا يكفينا شر الكبر
لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من كبر..اللهم نعوذ بك من الكبر ما ظهر منه وما بطن..جزاكم الله عنا ألف خير أستاذي الكريم.
راضية بديني.
احسنت
إرسال تعليق