المتابعون

الاثنين، 29 أبريل 2024

Dark economics _ اقتصاديات الظلام


 غسيل الأموال في الفقه الإسلامي 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

مفهوم غسيل الأموال

غسيل الأموال

  هى عملية تدوير الأموال المحرمة بذاتها أو وصفها في مشاريع استثمارية أو خيرية ؛ حقيقة أو وهمية ، داخل الدولة أو خارجها بغية إخفاء مصدرها الحقيقي لتبدو بمظهر مشروع ، ويبدو صاحبها بمظهر الرجل الصالح .

و هو أيضا : _

 إضفاء الشرعية على المال الحرام حتى يبدو في صورة شرعية.

فهو تزييف الحقائق و تحويل الأموال المحرمة إلى أموال مشروعة في الظاهر و إخفاء حقيقة كسبها هربًا من القانون وخشية من الناس .

ففي هذه الأيام زادت ظاهرة الكسب و الصرف غير المشروعين سواء من حيث عدم المشروعية الدينية أو عدم المشروعية القانونية ، و ظهر ما يعرف في مجال الاقتصادي بالاقتصاد الخفي أو الاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل و التي تنطوي في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة تضر بالاقتصاد القومي و بحقوق الآخرين ، ونظرًا لخوف هذه الفئة التي تكسب أموالًا غير مشروعة من المساءلة القانونية ، و خشيتهم من الناس _ ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية ( غسل الأموال ).

فـ مصطلح غسيل الأموال

يعتبر من _المصطلحات المعاصرة_ التى لم يعرفها _فقهاء الشرعية الإسلامية_ في مؤلفاتهم قديمًا ، إلا أن الأحكام الفقهية التي جاءوا بها تقطع بوجود تصور في أذهانهم لهذه الظاهرة ، وأن معناه و دلالاته معروفة ويدخل ضمن المحرمات و ضمن السحت فيقول الله : { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ }( الأعراف : ١٥٧ ).

فإذا كان _ سبحانه و تعالى _ قد أحل الطيبات من الرزق لعباده و حرم عليهم الخبائث ، فلا أحد يمكن أن يجادل أو يدعي طيب الأموال المستمدة من تجارة المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى ، و أيضا قال الله _سبحانه و تعالى _ : { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ } ( النساء : ٢٩ ) .

فلقد نهى الأسلام عن الانتفاع بالمال الحرام بطرق باطلة متعددة و لا شك أن التعبير عن الانتفاع بالأكل بلاغة قرآنية رائعة ، كما أن وصف كيفية الأكل بالباطل تعتبر تعبيرًا قرآنيًّا بليغًا يشمل كافة الصور المستمدة من هذا الشرع ، و تبين الآية الكريمة كذلك أن الانتفاع المشروع ليس له من طريق سوى التجارة القائمة على التراض دون خداعٍ أو غش أو تمويه أو إكراه أو غير ذلك من الممارسات التي يعتمد عليها نشاط غسيل الأموال الناتجة عن الأنشطة غير المشروعة ، فالشرع الحنيف قد أغلق بابًا و فتح أبوابًا شتى ، فالباب الذي أغلقه هو أكل أموال الغير بالباطل و الأبواب التي فتحها تتعدد بتعدد الأشياء المتاجر فيها و التي لا حصر لها .

و من هنا فـ إن الإسلام 

 إمتاز بحيوية و حركية تشمل الزمان و المكان لما اختص به من قواعد و ضوابط اجتهادية تجعل منها تلبية حاجة كل عصر و صلاحيتها لكل زمان و مكان .

و لقد أطلق على لفظ غسيل الأموال ، لفظ تبييض الأموال ، و المال القذر ، و الجريمة البيضاء ، و المفهوم القانوني لغسيل الأموال يختلف مع المفهوم الشرعي ، من حيث إن غسل الأموال في الشريعة الإسلامية لا يأتي إلا على المال الحلال الطيب بتطهيره و تزكيته بالزكاة و الصدقة و الكفارات و نحوها.

أما المفهوم القانون فهو يرد على إلحاق عمل غير شرعي إلى جريمة سابقة متمثلة في كسب مال خبيث.

فعملية غسيل الأموال تبقي باختصار تدل على عملية ماكرة لتغطية صفة المال المكتسب من طريق غير مشروع ، و الظهور بمظهر الصلاح و الاستقامة .

و إذا كان القانون الوضعي قد انتهي أخيرًا إلى تجريم ظاهرة غسيل الأموال بصفة مستقلة بعد جهد كبير ، فإن الشريعة الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا بما بنيت عليه من نظام محكم - قد حرَّمت ظاهرة غسيل الأموال من أوَّل وَهلة باعتبارها لا تعدو نوعًا من أنواع المكاسب الخبيثة المحرمة ، بل وسدَّت كافة منابع الحصول على المال الحرام ، وذلك بتحريم كل الطرق المؤدية إليه كتحريم المخدرات و السرقة و الدعارة .... و غيرها ، و حرمت أيضا مختلف صور التعامل في المال الحرام أخذًا و عطاء ، ووتصرفًا و انتفاعًا ، فأموال غسيل الأموال مجرمة ؛ لأنها تدخل في زمرة الحرام المنهي عنه شرعًا إما لوصف في عينها وذاتها كالخمر و المخدرات و نحوها ، أو لوصف في طريقة كسبها و وضع اليد عليها والاختلاس و الرشوة ونحوها .

ولو أردنا أن نُخرِّج هذه العملية و نعرضها على قواعد الفقه و أصوله للوقوف على حكم الشرع فيها من حيث الحلال و الحرام ، لوجدنا أن مثل هذه العملية تنافي الشرع و أحكامة ولا تتفق مع قواعده و أصوله ، ذلك أن الإسلام يحرِّم كل كسب بطريق محرم ، و الأموال التي تخضع لعمليات الغسل و التبييض أموال تنشأ عن الجرائم و عن التزوير ، و السرقة ، و الدعارة ، و السلب ، و الاعتداء على ممتلكات الآخرين بالسطو أو النهب ، إلى غير ذلك من الوسائل المنحرفة التى لا يجيزها الإسلام.

وإذا كان مصطلح _ غسل الأموال _ لم يرد في الشريعة الإسلامية ، فإن الإسلام قد استخدم مصطلحات أوسع دلالة من مصطلح غسل الأموال ( وهو مصطلح المال الحرام و الحيل المحرمة ).

وهنا فإن المصطلح المعبِّر حقيقة هو المصطلح الشرعي الذي أسبغته الشريعة الإسلامية على كل الأموال الخبيثة مهما اختلفت مسمياتها و تعددت أوصافها هو مصطلح _ المال الحرام _ الذي يعني (( كل ما حرّم الشرع على المسلم تملكه و الانتفاع به )) .

وغسيل الأموال تقع جميعًا كل أنشتطتها و مسمياتها في المفهوم الإسلامي تحت عبارة المال الحرام و هو معنى محدد في الإسلام بأنه المال الذي يكتسب عن طريق غير مشروع.

والشريعة الإسلامية جاءت بنظام محكم متوازن ، تراعى المصالح بالطلب و المفاسد بالدفع ، فلا مكان فيها للعبث أو الجور. { قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ } ( الانعام: ١٦١) ، فهي شريعة نافعة للعباد في العاجلة و الآجلة مبناها و أساسها على الحكم و مصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدٌل ، ورحمةٌ ، كلها و مصالح وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور و عن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة ، فتحريم تملك المال الحرام يكون إما من حيازة الأموال الخبيثة أو التصرف في المال الحرام والحرام وصف شرعي في اصطلاح الفقهاء و الأصوليين يلحق فعل المكلف الذي نهى عنه الشرع نهيًا جازمًا وتوعد فاعله بالعذاب الشديد في الآخرة و العقوبة في الدنيا قصاصًا أو حدًّا أو تعزيزًا ، ولقد حرّم الشرع الأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة وما تولد منها .

عقوبة غسيل الأموال في الفقة الإسلامي 

و العقوبة على المال الحرام في الإسلام قد تكون حدًّ كما في السرقة و قطع الطريق وقد تكون تعزيزًا كالجلد و السجن والتجميد للمال و التغريم ..... ؛ و غسيل الأموال ليست سرقةً و لا حرابة ، و العقوبات المنصوص عليها في تشريعات مكافحة غسيل الأموال من سجنٍ و تجميد و غرامة ، هي عقوبات تعزيزية معتبرة شرعًا مع الأخذ في الاعتبار شموليتها لكافة صور غسل الأموال ولكافة الجرائم ، و العقوبة المقررة في نظام مكافحة غسل الأموال هي جزء من أجزاء السياسة الشرعية العادلة وفرع من فروعها ، حيث أن فقه السياسة الشرعية قائٌم ، على تحصيل المصالح و تكميلها ودرء المفاسد أو تقليلها وإجراء أي تعديل فى النصوص القانونية المتعلقة بهذه الجريمة لا بد أن يحقق هذه الغايات العظيمة ، حيث إن أحكام السياسية الشرعيه هي التي من شأنها ألا تبقى على وجهٍ واحد ، بل تختلف باختلاف الزمان و المكان و أحوال الناس ، و عقوبة جريمة غسل الأموال هذا شأنها ، فهي تختلف باختلاف الزمان و المكان و الأحوال من حيث مقدارها الملائم لحجمها ، و من حيث جسامة الجريمة و حال المجرم ، و من حيث العفو.

و التعزيز أمرٌ ، مصلحي ، يرجع إلى اجتهاد _الإمام_( الحاكم ) ، من حبس و تجميد اللأموال و منع من التصرف في الأموال و المنع من إدارتها أو غير ذلك من الإجراءات التحفظية الرادعة ، بجانب العقوبة الأصلية و التبعية كـ السجن ، في حين أنها تؤدي المقصود من فرضها و هو الإصلاح و التأديب و الزجر من ارتكابها مرة أخري ، وبما أن العقوبة المقررة من قبيل السياسية الشرعية_ فللإمام_ أن يزيد في هذه العقوبة بما تقتضي المصلحة العامة ، وذلك إذا رأى جرائم غسل الأموال ازدادت ولم ترتدع هذه العصابات الإجرامية و تفشى خطرها و ضررها في المجتمع ★(1) .

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*المراجع.___________________________

★(1) ينظر : فتح الباري لابن حجر : ١٧٨/١٢ ، موسوعة ال

فقه الإسلامي : ٣٥٩/٥_________


الخميس، 25 أبريل 2024

مشروعية الزواج وحكمته في الإسلام _ Marriage in Islam


 منهج الإسلام في رعاية العلاقة بين الزوجين 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.
حافظ الإسلام بتعالميه السمحة على جمع روابط الأسرة و تماسكها من الانحلال و الضياع ، ورسم لها الطريق القويم ، الذي لو انتهجته الأسره المسلمة لتمتعت بالرخاء و الاستقرار و الرحمة و المودة ، كما أراد لها الله _ سبحانه و تعالى _.
و إذا تأملنا العَلاقة التي تربط بين الزوجين ، فإنه سوف يتضح لنا أن هناك حقوقًا خاصة بالزوج ، و كذلك حقوق خاصة بالزوجة ، و ( حقوق مشتركة بينهما ) ، و يجب ملاحظة أن الحقوق الخاصة بأحدهما تمثّل _ في نفس الوقت _ الواجبات التي على الطرف الآخر ، فينبغي عليه احترام هذه الحقوق لأنها بالنسبة له واجبات.

الحقوق الخاصة بالزوج

1_حق الطاعة 

من حق الزوج على زوجته أن تطيعه فيما يأمر ، ما دامت هذه الأوامر في مصلحة الأسرة ، و ليس فيها ما يغضب الله _ سبحانه وتعالى _ ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فلو أمرها بمعصية الله ، أو أمرها بترك أوامر الله ، فلا تطيعه في ذلك ، و لا يعد ذلك نشوزًا منها ؛ فليس له حق الطاعة إلا إذا كانت في حدود ما أحل الله فقط.
أيضا يجب على الزوجات أن يتنبهن إلى أن غضب الله يحل بالواحدة منهن إذا دعاها زوجها للفراش ولم تطعه في ذلك بغير عذر شرعي : مثل الحيض و النفاس ؛ فلا تطعيه إذا كانت تمر بهذه الفترة _ أعني فترة الحيض أو النفاس _ أما إذا لم يكن عندها عذر شرعي فهي عاصية و رسولنا الكريم ﷺ يبين عاقبة ذلك في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه _ (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشة ، فأبت ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتي تصبح ))*(1) 

2_ عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج

من حق الزوج على زوجته عدم الخروج من البيت إلا بإذنه ، فإن فعلت فهي آثمة ، لأن هذا الحق من الواجبات الملقاة على عاتق الزوجة فيجب عليها الالتزام بها .

3_ عدم الإذن لأحد بالدخول إلى بيت زوجها إلا بإذنه 

من حق الزوج على زوجته ألّا تأذن لأحد أن يدخل عليها في بيته ، ما دام غائبًا عن البيت ، و خصوصًا من يكره الزوج دخوله بيته ، فهذا حقه عليها ، فيجب عليها مراعاة ذلك ، صيانة لشرفها وعِرضها وسُمعتها من القيل و القال ، بين جيرانها و هو ما جاءت به السنه النبويه الشريفة ، حيث يقول رسول اللّٰه ﷺ (( لا يَحِلُّ لِلْمَرأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِه إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ ))*(2).
أي : لا تسمح بالدخول إلى مَسْكَنه لأحد يكرهه ، و تعلم عدم رضاه بدخوله ، امرأة كانت أم رجلًا يجوز له الدخول عليها .

4_ عدم صيام النفل أو التطوع إلا بإذنه 

من حق الزوج على زوجته ألّا تصوم تطوعًا إلا أن يأذن لها ، أو تستأذنه في ذلك ، ما دام حاضرًا بالبيت ، لكن لا يحق للزوج أن يمنعها من صيام شهر رمضان ، لأنه فرض عليها و عليه ، فإن فعل فقد أثم بذلك وارتكب معصية ، فلا يحق للزوجة أن تطيعة في ذلك لأنه و( كما سبق القول ) لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن هي أطاعته في ذلك فهي آثمة أيضًا.
يدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : (( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ))*(3).

5_ رعاية شئون بيتها 

لما كان هذا الموضوع ذا حساسية ، جرى فيه الخلاف بين الفقهاء قديمًا ، و يجري فيه الخلاف اليوم ، و نظرًا لأن المقام لا يتسع لذكر أقوال الفقهاء و أدلتهم بالتفصيل ، و أقول ما ترجح من وجهة نظري ، و الله _سبحانه و تعالى_ أعلم بالصواب ، فأقول و بالله التوفيق : يجب على الزوجة خدمة زوجها ورعاية شئون بيتها و القيام عليه ، و ذلك لما يأتي 
المعاشرة بالمعروف بين الزوجين تقتضي قيامها بشئون بيتها ، لأن هذا أدعى إلى وجود الألفة بين الزوجين ، و إلى زيادة الوُدّ بينهما ، و هذا ما ينشده الإسلام فى الأسرة المسلمة*(4).
يقول الإمام أبو زهرة _ رحمه الله _ : (( ليس من الشرع الإسلامي في شيء قول من يقول : إن المرأة ليست عليها خدمة بيتها أو القيام على شئونه و طهي طعامها ، وهو بعيد عن الإسلام بُعدَه عن المألوف المعروف )) *(5).
وفي كل الأحوال ، فالعَلاقة بين الزوجين ينبغي أن تُبني على الفضل ، لا العدل المجرد ، و على التعاون ، لا التقاسم الحَدّي ، لأنه سيؤدي إلى الخصام و الشقاق بين الزوجين *(6).
وأخيرًا فإنه لا ينبغي للرجال أن ينظروا إلى مساعدة الزوجات على أنها إهانة لهم ، بل هي من قبيل المعاشرة بالمعروف ، هذا سيد الخلق أجمعين رسول اللّٰه ﷺ كان يساعد أهله ، فهذه السيدة عائشة _رضي الله عنها _ تقول : (( كان رسول اللّٰه ﷺ يكون في مهنة أهله ، _ تعني : خدمتهم _ فإذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة ))*(7)٠

الحقوق الخاصة بالزوجة

1_ حـق المهر 

من الحقوق الخاصة بالزوجة حق المهر ، و يسمي الصَّداق ، و هو ما تستحقه المرأة _ بدلًا _ في النكاح ، و يسمى النِّحْلَة ، و الأجرة ، و الفريضة ، لقولة تعالى : { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ }( النساء : 4).
وأوجبت السنة النبوية المهر على الزوج مهما كان حاله من يسر أو عسر كي تحل له الزوجة ، وذلك يظهر في قول رسول اللّٰه ﷺ لمن أراد الزواج و ليس له مال : (( التمس ولو خاتمًا من حديد ))*(8).

2_ حـق النفقة 

يُقصد بالنفقة : ما تحتاج الزوجة من زوجها ، من طعام و ملبس و كسوة و علاج لا غني لها عنها ، فيجب أن يعاملها بالمعروف ، و ينفق عليها على حسب حاله ، مما آتاه الله ، وفي ذلك يقول الله تعالى _: { لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ }( الطلاق :7).
أيضا قول رسول اللّٰه ﷺ في حجة الوداع (( فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ..... إلخ ))*(9).

3_ الـعـدل 

العدل المطلوب : هو الذي تطيب به النفس ، و يرتاح إليه القلب ، و تصان معه الحقوق ، و يكون العدل من المتزوج بواحدة أن يعاملها بما يجب أن تعامله به ، بحيث لو فعلت به مثل الذي يفعله بها لقبله منها ، و ليتذكر قول الله تعالى:_ { وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ }( البقرة : 228).
أما إذا كان متزوجًا بأكثر من واحدة ، فالعدل تتشعب نواحيه ، فيصبح مطالبًا بالعدل معهن جميعًا ، فلا يظلمهن ، بل يعاملهن بما يجب أن يعاملنه به ، ويكون مطالبًا بالعدل بينهن ، فلا تَنْقُص واحدةٌ في المعاملة الظاهرة بينهن ، و ذلك شرط الحل دينًا ، فقد قال تعالى _: { فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً }( النساء : 3) .
و العدل الظاهر هو المطلوب *(10) ، و ذلك لما روى عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول اللّٰه ﷺ (( من كان له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة و أحد شقيه ساقط ))*(11).
أما المساواة في المحبة القلبية ، فهذه لا يستطيع أن يوفي بها الإنسان ، لأنها خارجة عن إرادته و طاقته ، و لا يستطيع التحكم بها ، و كان رسول اللّٰه ﷺ يقسم بين زوجاته ثم يقول : (( اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك و لا أملك )) *(12).

الحقوق المشتركة بين الزوجين 

1_حق استمتاع كل من الزوجين بالآخر 

هذا الحق مشترك بين الزوجين ، فلكل منهما الحق في أن يستمتع بصاحبه ، فمن حق الزوج على الزوجة _ بعد الزواج _ أن تمكنه من نفسها ، و لا يجوز لها أن تمتنع عنه إلا بالعذر الشرعي كالحيض و النفاس _ مثلا_ ، أما إذا لم يكن بها عذر شرعي _ و مع ذلك تمتنع منه _ فهي بذلك تقع فى المحظور و تغضب ربها ، ومما يدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول اللّٰه ﷺ (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشة فأبت ، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح )) *(13).
و من الجدير بالذكر أن هذا الحق ليس للزوج فقط أن يطلبه ، بل من حق الزوجة على زوجها أن يعفها ، فإذا تركها ولم يوفِّ بهذا الحق ، فقد ارتكب محظورًا شرعيًّا ، و الحجة في ذلك ، ما روي عن عمرو بن العاص قال : قال رسول اللّٰه ﷺ :_ (( يا عبد الله ألم أُخبر أنك تصوم النهار و تقوم الليل ، قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فلا تفعل ، صم و أفطر و قم ونم ، فإن لجسدك عليك حقًّا ، وإن لعينك عليك حقًّا ، وإن لزوجك عليك حقًّا ))*(14).
ومن الآداب المتعلقة بهذا الحق أنه يجب على الزوج أن يحافظ على أسرارهما في الجماع ، فلا يجوز له بعد المعاشرة الجنسية أن يفشي هذا السر بين أصحابه أو أصدقائه ، و مما يؤسف له أن الكثير من الناس يفعل ذلك من باب المفاخرة بنفسه أمام أصحابه ؛ و كذلك تفعل بعض النساء مع صديقاتها و جيرانها.

2_ ثبوت نسب الأولاد 

إذا كان الزوج يرى أن هؤلاء هم أولاده و ينتسبون إليه ، فكذلك هم أولاد الزوجة ولها فيهم ماللزوج ، فإذا ثبت نسب الأولاد اإليهما ، فإنه يثبت بعد ذلك كل ما يترتب على الأبوة و الأمومة من نفقة و ميراث وغير ذلك .

3_ حـق التوارث بينهما 

هذا الحق يثبت بالنسبة للزوجين ، بسبب حل العشرة أو الصلة بين الزوجين ، بما هو مثل القرابة ، وإذا كانت القرابة تثبت الميراث ، فالزوجية _ أيضًا _ تثبت الميراث بين الزوجين ، تلك هي شريعة اللطيف الخبير .
وبِنَاءً على ذلك ، فإن هذا الحق يظهر عند موت أحد الزوجين ، فإن الآخر يرثه ، ما دام أن الزوجية ما زالت قائمة ، ولقد حدد القرآن الكريم في سورة النساء نصيب كل منهما عند موت الآخر ، تحديدًا دقيقًا ، بحيث لا يترك مجالًا للشك أو الاجتهاد في ذلك ، مثلما يفعل اليوم دعاة تحرير المرأة والذين ينجرفون وراء التيارات الغربية المعادية _ للشريعة الإسلامية _ و يطالبون دائمًا بالتسوية بين الرجل و المرأة في الميراث ، وكأنهم أشفق وأرحم بالمرأة من ربها الذي خلقها و سواها ، فيقول الله _ عز وجل _ في كتابة العزيز : { وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ }( النساء : 12).
و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺
إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 
  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼
  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*المراجع.___________________________

*(1)أخرجه البخاري : ٢٨٨/٨ ، رقم ٣٢٣٧ باب ذكر الملائكة ، من كتاب بدء الخلق__________.
*(2)صحيح البخاري : ١٩٩٤/٥ ، رقم ٤٨٩٩ ، باب لا تأذن المرأة في بيتها لأحد إلا بإذنه ، من كتاب النكاح_______.
*(3)صحيح البخاري : ١٤٤/١٣ ، رقم ٥١٩٢ ، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا ، من كتاب النكاح_____________.
*(4)ترجيحات ابن تيمية في النكاح ، دراسة مقارنة ، ابتسام عويد عياد المطرفي ، صـ ٢٨٠ __________.
*(5) محاضرات في عقد الزواج وآثاره : الإمام محمد أبوزهرة ، صـ ٢٥٥_____________.
*(6) أحكام نشوز الزوجة : صـ ٣٧___.
*(7) صحيح البخاري : ٨٧/٢ ، رقم ٦٧٦ ، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج ، من كتاب الصلاة ___.
*(8) صحيح البخاري : ٢٤/١٣ ، رقم ٥١٣٥ ، باب السلطان ولي ، من كتاب النكاح __________.
*(9) صحيح مسلم : ٣٩/٤ ، رقم ٣٠٠٩ ، باب حجة النبي ﷺ ، من كتاب الحج________.
*(10) محاضرات في عقد الزواج وآثاره : الإمام أبو زهرة ، صـ ٢٢٥ ، ٢٢٦ ________.
*(11) سنن ابن ماجه: ٦٣٣/١ ، رقم ١٩٦٩ ، باب القسمة بين النساء ، من كتاب النكاح_____.
*(12) المستدرك على الصحيحين : ٢٠٤/٢ ، رقم ٢٧٦١ ، من كتاب النكاح ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، و لم يخرجاه __________.
*(13) سبق تخريجه _______.
*(14) صحيح البخاري : ١٥٦/١٣ ، رقم ٥١٩٩ ، باب لزوجك عليك حق ، من باب النكاح ___.


كل ما تريد معرفته عن جروك Grok منافس ChatGPT

  جروك Grok سيحدث ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث يتمتع بكثير من المميزات التي يفتقدها المنافسين له في نفس المجال وخاصة ChatGPT الذي يعت...