من هو إدريس أفندي ؟
هو مستشرق فرنسي و فنان معماري أسمه ( بريس دافين ) ، و لد في إقليم الفلاندر بفرنسا ( ١٨٠٧ )م ، كان و الده مفتشًا لغابات الأمير تاليران و في عام ؛ ( ١٨١٤ ) م تطوع لتمريض جنود نابيلون المصابين بالتيفود فأصيت بالعدوي و توفي ، فصار دافين يتيمًا و هو ابن السابعة من عمره ، و التحق بمدرسة الفنون و الصنائع بشالون و تخرج منها ( ١٨٢٥ )م مهندسًا معماريَّا ، فكان الإصرار و حب المغامراة يتدفق في قلبه و عقله فانضم إلى صفوف الثوار اليونان و حارب معهم الأتراك في موقعة الميسترا ، ثم أبحر إلى الهند ؛ حيث أصبح سكرييرًا لحاكمها العام ، و بعدها رحل إلى فلسطين مستكشفًا و انتهى به المطاف في مصر مأوى الغرباء ( ١٨٢٩ )م.
هنا من مصر تبدا قصة بريس دافين أو إدريس أفندي ، عندما أعلن والي مصر محمد على باشا عن حاجته إلى إخصائيين أوروبيين لتنظيم أمور الجيش و المدارس و إدارة مشروعات الرى و الزراعة ، فتقدم بطلب للالتحاق بخدمة الباشا و تم تعيينه مهندسًا للري ثم استاذًا للطبوغرافية بمدرسة أركان الحرب بالخانكة ، و كان دافين مهندسًا معماريًّا متفوق و له طموح ، تقدم ل محمد علي باشا بمذكرة تحوي مشاريع عملاقة مثل حفر ترعة تربط بين مدينة القاهرة و الإسكندرية و إنشاء جسر معلق على النيل بين جزيرة الروضة و حدائق إبراهيم باشا و عدة مشاريع للري و لم يتجاوز عمره ٢٢ عام ، فبهر به محمد على باشا و بعبقريته المبكرة.
و مالبث دافين أن اصطدام مع عبدالله بك ناظر مدرسة الخانكة بعد أن كلفة بطبع موسيقى لكتائب الجيش فرفض التكليف ، لأن الموسيقى لا تدخل في دائرة اختصاصة ، و أمر عبدالله بك بتكبيله بالحديد و ضربه ب السياط حتى يمتثل للأمر ؛ و لم يؤثر ذلك فيه و ظل رابط الجأش و أصر على موقفه و تقدم باستقالته إلى نظارة الحربية ، فتم نقله بعد هذه الواقعة إلى مدينة دمياط كأستاذ للتحصينات في مدرسة المشاة .
و لم تفتر همة دافين بعد النقل و لم تُخب أحلامه وتأمل منطقة بحيرة المنزلة أثناء إقامته بها و تقدم بمذكرة للوالي ، يقترح فيها تجفيف بحيرات مصر السلفى و زراعتها ، و لكن أفكاره لم تلق القبول.
و كان ( ١٨٣١ )م هو نقطة تحول في حياة هذا الشاب المغامر فقد انتشر وباءا الطاعون و الكوليرا فى مصر فتطوع بريس دافين لتمريض المصابين و اختلط بالمصريين عن قرب فألف عاداتهم و عشق دفء طبائعهم و اندمج معهم في تفاصيل حياتهم اليومية ، أحاطت به القلوب الصادقه .
توغل دافين في جوهر الحضارة المصرية حتى أتقن اللغة العربية ، و مع عام ( ١٨٣٦ )م قرر ترك و ظيفته الحكومية و استقال منها ، و استغرق في دراسة اللغة الهيروغليفية و تاريخ مصر و صار مولعًا بكل ما هو مصري ، فخلع ملابسه الأوروبية و ارتدى الزي الشرقي و أطلق على ( نفسه إدريس أفندي ) ، وذاب الغريب مع القريب .
تنقل بزيه العربي بين قري مصر بدءًا من القاهرة مرورًا بالدلتا حتى الإسكندرية ، أخذ تاريخ هذا البلد العريق كل جوارحة ، فرسم أجمل الآثار الإسلامية و الفرعونية بخليط من الألوان المتنوعة الجذابة.
حول هذا الكنز اللامتناهي من المشاهدات إلى لوحات و صور تنبض بالحياة ، فرسم دافين أو إدريس أفندي بحس مرهف إيقاع الحياة اليومية و المشاهدات الحيوية التى يختلط فيها التاريخ مع الثراث الشعبى.
و تنقل إدريس أفندي بزيه العربي بين مدن و قري الصعيد و النوبه و سجل كل ما شاهد من أهم المعالم حتى استقر به الترحال فى مدينة الأقصر ، فعاش فيها خمس سنوات ( ١٨٣٨_ ١٨٤٣ )م .
عكف على دراسة تاريخ مدينة ( طيبة ) ، و أقام بمنزل مبني من الطوب اللبن على ضفاف النيل ، اشتهر ببيت فرنسا ، شيد هذا المنزل على أنقاض ( قصر أمونوبوليس ) .
لم تقتصر أعمال إدريس أفندي على مجرد الرسم و التصوير فقط الخارجي للأبنية ، بل شارك في كثير من أعمال البحث و التنقيب المهمة ، و من أهم إنجازاته الكشف عن اثنتي عشرة غرفة في معبد ( خونسو ) و كشف ( البردية الهيراطيقية ) التي تحمل اسم بردية بريس دافين.
و كان له فضل لا ينكر في الدفاع عن آثار مصر و حمايتها من النهب و التخريب ، في و قت انتشر فيه السطو على أحجار المعابد و أعمدتها ، و أصبحت بمثابة محاجر تنقل أحجارها الضخمة لتشييد الأبنية ، و إحيانًا يستخدمون الديناميت لتفكيك هذه الأحجار.
و قد فقدت مصر في حملة السطو على الآثار معبدين من أهم معابدها : معبد( تحتمس الثالث و معبد زيوس ) بأرمنت ، اللذين فككا تمامًا لبناء معمل للسكر.
وقد وصل حرص إدريس أفندي على الدفاع عن الآثار حيث كان فى اشتباكات عنيفة مع العمال الذين كانوا يحاولون تفكيك أعمدة حورس بمعبد الكرنك ؛ لإقامة معمل للبارود و تمكن من منعهم .
كانت السلطات تساهم في تخريب المعابد ، و قد فرضت على الفلاحين توريد قنطار من الأحجار على كل فدان لبناء مشروعات محمد علي باشا ، و كان رجال الحكومة يسوقون الفلاحين إلى المعابد للحصول على الأحجار .
يقول ( بريس دافين ) أو إدريس فى كتاباته عن القاهرة (( لا أعرف مدينة تتقابل فيها الأضواء تقابلًا أروع من القاهرة التي تنتشر فيها رائحة القرون الوسطي ، يروع السائر فى طرقات المدينة الضيقة مشاهد الترف المسرف و الفقر المدقع فتتقابل فيها البهجة و الآلام ، و كثيرًا ما رأيت موكب عروس تتقدمه جوقه من الموسيقيين فتلتقي بموكب جنائزي دون أن يقطع الموسيقيون عزفهم و لا الندابون ندبهم .. واكتفي بوصف بريس دافين للقاهره ..
و هذا و الله أعلم 🌼🌼
أن أعجبكم الموضوع سوف أكمل كتابة عن إدريس أفندي أو بريس دافين على مدونتى الشخصيه
بصمات من ياقوت و مرجان
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼