دروس من رحلة الإسراء

 

إيضاح و بيان

افتتح اللّٰه _عز وجل_ الحديث عن الإسراء بقولة :

{ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ } 

تعظيما لشأن هذه الرحلة المباركة و تنزيها للّٰه _ عز وجل_ عن العجز ، و تنزيهًا له عن أن يحيط به المكان.

ثم ذكر كلمة { لَيْلًا } بعد قوله : { أَسْرَىٰ } مع ما هو المعروف في لغة العرب أن الإسراء هو السير بالليل ؛ ليدلنا بذلك على أن تلك الرحلة لم تستغرق الليل ، و إنما كانت في جزءٍ بسيط منه.

و قال : { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ } ليدل على أن محمدًا ﷺ أعرف بحقوق ربه و ألزم لطاعته ، و بالتالى فهو أحق برعاية اللّٰه و عنايتة ، و لئلا يظن أن تلك الرحلة تجعل له شأنًا آخر فوق مرتبة العبودية للّٰه و الاصطفاء للرسالة.

و كانت الرحلة من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس من أرض فلسطين ، و قد بين اللّٰه _ عز وجل _ غاية تلك الرحلة بأنها ليرى محمد رسول اللّٰه ﷺ و يعاين من آيات ربه ما شاء اللّٰه له.

و لقد شاع بين الناس الحديث عن الإسراء و المعراج ، و ربما اعتبروهما شيئًا و احدًا ، و حقيقة الأمر أن الإسراء هو تلك الرحلة الأرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، و أن المعراج هو تلك الرحلة العلوية من المسجد الأقصى إلى السماوات على ما يذكره رواة الحديث النبوي الشريف.

ورحلة الإسراء ثابتة بنص القرآن الصريح لا تحتمل الرد و الإنكار • أما رحلة المعراج فهي ثابتة بالأحاديث النبوية ، رواها الإمامان البخاري و مسلم و غيرهما.

و بعض العلماء يرى فى صدر سورة النجم ذكرًا لرحلة المعراج ، و قد تكلَّم في الإسراء و المعروج كثيرون ، قدامى و محدثون ، و كُتب عن ذلك كتب و رسائل تناولت القصة بالشرح و التحليل .

و اختلف الناس تبعًا لقدرتهم على التصور فى بعض التفاصيل مثل : هل كان الإسراء بالروح و الجسد أو بالروح فقط ؟

و هذا الاختلاف شيء غريب ؛ فإن من يقرأ القرآن يجد واقعة من سيرة سليمان _ علية السلام _ تدل على أن انتقال الأجسام فى لمحة من الزمن مع بعد المسافة أمرٌ و اقع مقرر ، و ذلك في قصتة مع بلقيس ملكة سبأ ، و فيها يقول القرآن الكريم : 

{ قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ (38) قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ (39) قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ (40) قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ }{ النمل : ٣٨_٢٤ }.

فهذه الآيات تدل على أن مخلوقا 

{ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ } استطاع أن ينقل عرش بلقيس و هو جسم جامد من سبأ إلى فلسطين ؛ حيث يقيم سليمان قبل ارتداد الطرف ( غمضة عين ) ، و المسافة بين أرض سبأ و فلسطين أبعد مما بين المسجد الحرام و المسجد الأقصى.

فإذا سلمنا هذا لمخلوق ، أيعقل اختلافٌ حول الإسراء بمحمدٍ جسدًا و روحًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

و لئن كانت هناك شبهة في التصور قديمًا ، فمن المستبعد أن تظل تلك الشبهة في عصرنا مع ما يأتي به العلم المادي كل يوم من العجائب فى حركات الأجرام و سرعة الأفلاك ، بل في سرعة الطائرات و سفن الفضاء و هي أجسام و تحمل بداخلها أفرادًا من بني الإنسان أو الحيوان ، لقد آن الأوان أن نترك فضول الفكر و سبحات الخيال ؛ لنجتني المعاني العملية التي توضح حقًّا أو تزهق باطلًا ، و لنجتلى المعاني الروحية التي تجعل من القلوب أوعية طهر و نقاء ، و نبع خير و وفاء ، و التى تشحن النفس بطاقات من حب البطولة و الفداء. 

و هذا و اللّٰه أعلم 

إلى أن ألقاكم مع موضوع جديد على مدونتي الشخصية

بصمات من ياقوت ومرجان 🌼 🌼

زيارتكم تسعدوني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼