المتابعون

الاثنين، 31 يوليو 2023

Patience over affliction الصَّبرُ على البلاءِ


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

بيَّنَّا في مقالات سابقةِ أن الابتلاءَ بالنسبةِ للمؤمنِ باللَّه تعالى خيرٌ كلُّه ؛ لأنه يُعرِّضُه لثوابٍ عظيمٍ ينالُه جزاءَ ما قدَّمَ من شكرٍ أو صبرٍ ، وبيَّنَّا أن الابتلاءَ بالمصائبِ كالفقرِ و المجاعةِ و الأمراضِ و فَقْدِ الأحبَّةِ ليس أمارةً على سَوءِ حالِ المبتلَى ، فصفوةُ البشريةِ هي التي يُصيبُها البلاءُ ، كما بيَّنا أنَّ البلاءَ كثيرًا ما يكون طريقًا معبَّدًا الى جنةِ الرضوانِ و النعيمِ المقيمِ .... بل إن العبدَ قد تكونُ له منزلةٌ في الجنهِ لا يَصِلُ إليها بعملِه الذي اعتادَ عليه لعلوِّ هذه المنزلةِ و سُموِّها عن درجةِ عمله ، فيُبتلَى من اللَّهِ ، فيبلغ هذه الدرجة بثواب الصبرِ على قضاء اللَّه ، و قد مرَّ بنا قول النبي ﷺ : (( عَجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمْرَه كلَّه له خيرٌ ، و ليسَ ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ؛ إن أصابَتْه سراءُ شَكرَ فكان خيرًا له ، و إن أصابَتْه ضراءُ صبرَ فكان خيرًا له )) …*(١).

و سببُ الخير في عموم البلاءِ هو : 

التَّحقُّقُ بمقامِ الصبرِ أو مقامِ الشكرِ ، و هما مَنزلانِ لا يَنزلُهما إلا مؤمنٌ باللَّه و باليومِ الآخرِ ، و بالجزاءِ ثوابًا و عقابًا .

و قد وردَ ذِكرُ الصبرِ و مُشتقاته في القرآنِ الكريمِ أكثر من مئة مرةٍ ، و هو يدورُ على(( حبس النَّفسِ على ما تَكرَه ابتغاءَ مرضاةِ اللَّه )) ، و قد أشارَ النبي ﷺ الى مناطِ الثوابِ في الصبرِ ، و هو : 

الصبرُ على المكارِه ، و ذلك في الحديثِ الشريفِ : (( و اعْلَمَ أنَّ في الصبرِ على ما تَكرَه خيرًا كثيرًا )) …*(٢).

و قد ربطَ القرآنُ الكريمُ ، و كذلك السنةُ المشرفةُ ، بين الصبرِ و بين أعظمِ الدرجاتِ في الدنيا و أجلِّها ثوابًا في الآخرةِ ، فالصابرونَ هم أئمةُ المتقينَ ، و ينالون أجرهم مرتينِ بما صبروا ، و اللَّهُ مع الصابرينَ ، كما ربطَ القرآن بين الصَّبر و النَّصر ، و جعَل الصَّبر الأنفعَ في النوازلِ و الملماتِ : { وَأَن تَصْبِرُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ }{ النساء : ٢٥ } ،

{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } { النحل : ١٢٦}.

و قد رُوي عن النبي ﷺ أنَّه وصفَ الصَّبرَ بأنَّه نصفُ الإيمانِ …*(٣).

و علينا أن نعلمَ أن الصبرَ المقبولَ هو ما كانَ في و قتِه الصحيحِ : (( إنَّما الصَّبرُ عند الصَّدمةِ الأُولَى ))…*(٤).

فإذا فَترَ المبتلَى بتأثيرِ مرورِ الزَّمنِ أو مواساةِ الآخرينَ فإنه لا يُسمَّى صابرًا محتسبًا .

و قد بلغت فضيلةُ الصبرِ هذه المنزلةَ لضرورتِها القُصوَى في تحقيقِ الآمالِ في الدنيا و الآخرةِ ، فهو ضرورةٌ دينيَّةٌ و ضرورةٌ دنيويةٌ سواءً بسواءٍ ، و إذا كان اللَّهُ تعالى قد أجرَى العادةَ في الدنيا على نظامِ التَّدرُّجِ ، درجةً بعدَ درجةٍ و خطوةً إثرَ أُخرَى ، فلا جرمَ أن كان الصبرُ هو الوسيلةَ الوحيدةَ التي يتمكن بها العبد من تحقيق آماله و بلوغ غاياته ، فالزارعُ و الصانعُ و التَّاجِرُ و العالمُ و المتعلِّمُ و المفكِّرُ و غيرهم لا يُمكنُ لهم أن يُنجِزُوا عملًا أو يحقِّقوا غايةً أو هدفًا إلا باصطحابِ الصبرِ و الانتظارِ لقَطعِ كل مرحلةٍ من المراحلِ التي تَسبِقُ مرحلةَ الإنجازِ.

و يطولُ الكلام كثيرًا في ذِكرِ الحِكَمِ في الشعرِ و النثرِ التي تدعو لفضيلةِ الصبرِ ، و أن الإنسانَ لا يبلُغُ مجدًا و لا نجاحًا و إلَّا إذا اتخذَ الصبرَ مطيةً في السعي لبلوغ المقاصِدِ و تحقيقِ الآمالِ .

و من أبلغِ ما قيلَ في ذلك ؛ قولُه ﷺ (( حُفَّتِ الجَنَّةّ بالمَكارِه ، و حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ ))…*(٥).

و قولُ المسيحِ عليه السلامُ : (( إنَّكم لا تُدركُون ما تحبُّونَ إلا بصبرِكم على ما تَكرهُون ))...*(٦).

و ما من زمنٍ نحن فيه أحوجُ إلى الصبرِ على نزلَ بنا مثلُ زمنِ هذا الوباء الذي يَجثُمُ على الصدورِ ، و يخنُقُ الأنفاسَ ، و يَقُضُّ المضاجعَ ، و يَحدُّ من الحرياتِ العامةِ و الخاصةِ .

و إنه لَبَلاءٌ عظيمٌ لا يعالجُه إلا الصبرُ و الدعاءُ الدائم عَقِبَ الصلواتِ أن يَكشِفَ اللَّهُ عن عبادِه ما نَزَلَ بهم .

و هذا باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

                     ‏

_________________________________________

(١)*أخرجه مسلم في صحيحه (٢٩٩٩) من حديث صُهيب الرُّوميِّ رضي اللّٰه عنه.

_________________________________________

(٢)*جزء من حديث أخرجه أحمد في مسنده (٢٨٠٣) من حديث عبداللَّه بن عبَّاس رضي اللّٰه عنهما.

________________________________________

(٣)*أخرجه ابن الأعرابيِّ في معجمه (٥٩٢) و ابن شاهين في التَّرغيب في فضائل الأعمال (٢٧٠) من حديث عبداللَّه بن مسعود رضي اللّٰه عنه.

_________________________________

(٤)*جزء من حديث أخرجه البخاريُّ في صحيحه (١٢٨٣) و مسلم في صحيحه (٩٢٦) من حديث أَنَس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

(٥)* أخرجه مسلم في صحيحه (٢٨٢٢) من حديث أَنَس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

_______________________________________

(٦)* رواه ابن أبي الدُّنيا في(( ذمِّ الدُّنيا )) (٢٨٦) عن فُضيل بن عِياض ، قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ((إنَّكم لن تُدرِكُوا ما تُرِيدُون إلَّا بتَركِكُم ما تَشتَهُون ، و لا تَنالُونَ ما تَأمَلُونَ إلَّا بصَبرِكُم على ما تَكرَهُونَ ...)).____________



الجمعة، 28 يوليو 2023

Scourge and affliction البلاءُ و الابتلاءُِ٢


 الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

 نكلم اليوم موضعاتنا عن السابقةِ إلى توضيحِ معنى  البلاءُ و الابتلاءُِ، و كيف أنَّه يصيبُ العبدَ سواءٌ كانَ هذا العبدُ صالحًا أو غيرَ صالحٍ ، و أن البلاءَ كما يكونُ بالشَّرِّ يكونُ بالخيرِ ، و كما يكونُ بالضَّراءِ يكون بالسَّراءِ.

ثم نأتي للسؤالِ الذي كان دائما يطرأ في مخيلة كل إنسان ، وهو ؛ ما علاقةُ البلاءِ بما يمرُّ به العالَمُ الآنَ مِن وباءِ و أمراض و مجاعات !؟ 

هل هو : عقابٌ ؟ أو هو : ابتلاءٌ ، وبناءً على ما فهمنا نستطيعُ القولَ بأن اللَّهَ سبحانه و تعالى له أن يفعلَ مع عبادِه ما يَشاءُ .

لكِن هناكَ شواهد تبعث على الاعتقاد بأنَّ ما يحدُثُ الآن هو رسالةُ تحذير أو إنذار من اللَّهِ_تعالى!_ ... ولله _ سبحانه _ و كما هو معلوم ، نُذُرٌ في عباده ، يخوِّفهم بها ليرجعوا عمَّا هم فيه مِن ضلال و انحراف.

إن مَن يتتبَّعُ تاريخيَّا و ضعَ الحضارةِ الغربيةِ سواء فى الغرب أو في الدول التي تسير على سيرها _ يُطالعه كمٌّ هائل من الانحرافات الخُلقية و الإنسانية و الأُسرية و الاجتماعية ، لا يمكن استقصاؤها في مقالات وموضوعات.

و لكن تكفينا في هذا السياق مؤلَّفات كثيرة جدًّا غربيةٌ ، تُرجمتْ إلى اللغةِ العربيةِ ، و كُتِبَتْ بأقلامٍ حكيمةٍ ، نبَّهت إلى الخَطر الشَّديدِ الذي يتربَّص بالعالمِ كلِّه من جراءِ انحرافِ هذه الحضارةِ العِلميَّةِ عن أصول الأخلاقِ الإنسانية ، و أثبَت مؤلفوها أنَّ هذه الحضارةَ تنكَّرت لله سبحانه و تعالى ، و للأديانِ ، كما تنكَّرت للأخلاقِ ، و لقيم الأسرة وبخاصة في أيامنا هذه ، بل تنكَّرت لكلَّ قيمةٍ بُنيَت على الفِطرةِ الإلهيَّةِ التي فَطرَ اللَّهُ النَّاسَ عليها ، و قد أصبح من المألوف _ اليوم _ أن نجد بعضَ الشَّخصيَّاتِ الغَربيَّةِ المرموقةِ سياسيَّا ، و التي تمثِّل أنموذجًا يتطلَّع الجميعُ إلى محاكاته _ يُقدِّم في احتفال عام صاحبتَه التى أنجَبَ منها أولادًا كبارًا ، على أنها مخطوبته التي سيتزوج بها بعد أن عاشَ معها فترةً في علاقةٍ بالنسبة لنا _ نحن أبناء الأديان أو المؤمنين _ آثمة.

و قد يعيب علىَّ بعض الاخوة ، و يقول (( خلِّيك في حالك وسيب الناس )) ، أو دع الحضارات الأخرى و شأنها ، فهي حضارات رضي بها أهلها ، و أن القرآن الكريم يُقرِّر : { لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }{ المائدة : ١٠٥} ، و هذا صحيح و لكن يجب أن نتنبَّه إلى أن هذه الانحرافات لو كانت قاصرة على بلاد المنشأ ، و لا تسعى ليل نهار في فرضها على الأمم الأخرى ، و بخاصة : الأمم الأسلامية ، فإن مثل هذا الاعتراض تكون له و جاهته و منطقيته.

و لو أنَّ الغربَ اكتفى بانحرافاتِه و أغلق بابهَ عليه و لم يُطالِبنا بالاقتداء به ، لكان الحال أن نحمدَ اللّه على أن عافانا و ينتهي الأمر ، و لكن نحن اليوم أمامَ غزوٍ متدفِّقٍ لنَشرِ هذه الثقافة ، التي تهدف إلى إزالةِ كل الفروق بين الرجلِ و المرأةِ ، و التي تُطالبُ بأنَّ المرأةَ تتزوج امرأة ، و الرجل يتزوج رجلًا ، و أن تستبدل كلمة (( مشاركة )) أو (( مؤاخاة)) بكلمة (( زواج )) و (( زوج و زوجة )) .

مشكلة الغرب معنا الآن أنه يريد أن يفرِضَ علينا ثقافةً تُدَمِّرُ ثقافَتنا ، بحيث تغرقنا فيما غرق فيه ، أو نقاومه لننجو و نَسْلم ، و أنا هنا أتذكَّرُ الحديث الشَّريفَ في تصويره لما يحيط بنا من مخاطر الحضارات الإلحادية ، و هو قولُه ﷺ : (( مَـثَـلُ القائمِ في حُدُودِ اللَّهِ و الواقعِ فيها ، كمَثَل قَومٍ استَهَمُوا على سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاها و بعضُهم أسفَلَهَا ، فكان الَّذين في أسفَلِها إذا استَقَوا من الماء (١) مَرُّوا على مَن فَوقَهُم ، فقالوا : لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا و لم نؤْذِ مَن فَوقَنا ))...*(٢).

و الحديث يصور مغالطات هؤلاء الخارجين على قواعد الأخلاق الإنسانية ، و مبرراتهم التي يقدمونها بين يدي إفسادهم و تخريبهم ، و أنهم إنما يفعلون ذلك حتى يُجنِّبوا مَن فوقهم الأذى ، و يوفروا على أنفسهم تعب الصعود و الهبوط .

ثم يقول النبي ﷺ : (( فـإنْ تَرَكُوهُم و ما أَرادُوا )) ، أي : إن ترك أصحاب السفينة هؤلاء القوم ينفذون خطتهم التي هي في ظاهرها خطة لتحقيق المنفعة العامة ، فإن السفينة ستغرق بهم و بمن فوقهم ، و لكن إذا تحرك العقلاء في هذه السفينة ، و أخذوا على أيدي هؤلاء العابثين ، و منعوهم من أن يحدثوا هذا الحدث ، فالنتيجة هي نجاة السفينة : مَن كان بأسفلها ، و مَن كان بأعلاها .

و علينا أن نقارن بين هذه الصورة ، و بين سفينة العالم اليوم ، لنستخلص الدروس و العِبَر من هذا الحديث النبوي الشريف ، و بخاصةٍ تحذيره ﷺ لعقلاء العالم في قوله في آخر الحديث : (( فإنْ تَرَكُوهُم وما أَرادُوا هَلَكُوا جميعًا ، و إن أَخَذُوا على أَيدِيهِم نَجَوْا و نَجَوْا جميعًا )…**(٢).

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_____________________________________

(١) _بمعني أن _كلما أرادوا أن يشربوا ذهبوا إلى الدَّور الأعلى ليُحضِروا الماء.

_______________________________________

(٢)** أخرجه البخاريُّ في ( صحيحه) ( ٢٤٩٣ ) من حديث النُّعمان بن بشير _رضي اللّٰه عنهما _

_____________________________

الاثنين، 24 يوليو 2023

Scourge and affliction البلاءُ و الابتلاءُِ ١


 

نتابعُ ما بدأَناه من موضوع سابق منذ شهر رمضان المبارك عن البَلاءِ وقد عرفنا فيه إنَّ الثَّرِيَّ أو الغنيَّ مُطالَبٌ بالشُّكرِ. 

 لمتابعة المقال السابق 👈 البلاءُ و الابتلاءُِ 👉

إنَّ شكرَ كلِّ نعمةٍ إنما يكون من جنسِها ، و عليه فلا يَصِحُّ أن يكونَ الشُّكرُ على النِّعمةِ بالكَلامِ ، كأن نكرِّرُ عبارة :( الحمدللَّه ) أو ( نشكرك يارب ) أو ( الشكر للَّه ) ، و ذلك أن الكلام ليس من جنس النعمة ، فلا يكون شكرًا عليها حتى لو تكرَّر الشكر ( الكلامي ) مئات المرات.

أمَّا الشُّكرُ الحقيقيُّ الذي هو واجِبٌ في مجال النعمة ، فهو أن يُخرِجَ الشاكر بعضًا مما يمتلك ، سواء كان المملوك مالًا أو منفعة من المنافع، فمثلًا الأطباء الذين وفقهم اللَّه في مهنتهم ، و جنوا منها أرباحًا طائلة لا يكون الشُّكرُ في حقِّهم باللِّسان أو ببذل المالِ فحَسب ، بل بتقديم الخدمة الطبية ، و العلاج مجانًا للمرضي من الفقراء و المحتاجين.

و لو أنَّ كل إنسانٍ أعطاهُ اللَّهُ نعمةً عاد على غيره بشئ ، ولو يسيرًا ، من هذه النعمة إذن لتحقق التكافل الاجتماعي ، و لتحققت معه كل مقومات الأمن  الاجتماعي و الاقتصادي .

و ها هنا نقطة قد تخفى على كثيرين ، و هي الاعتقاد بأن (( البلاء )) إنما يكون بالمصائب و.الشدائد كالفقر و ضيق الرزق أو المرض أو فَقْدِ عزيز و غير ذلك ، و أن النعمة و التنعم و سعة الرزق و بحبوحة العيش ليست ابتلاءً من اللَّه للعبد ، و الحقيقة غير ذلك .

فالنعمة و البؤس ، و الصحة و المرض ، و كل من هذه الثنائيات هو ابتلاء من اللَّه للعباد ؛ استمع لقوله تعالى :{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥)}{ الفجر : ١٥} ؛ ثم استمع للآية التي تليها { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }{ الفجر : ١٦} ، لنعلم أن اللَّه تعالى كما يَبْتلي بالفقر كذلك يَبْتلي بالغِنَى سواء بسواء ، و أن الإنسان معرَّض الابتلاء بأي منها ؛ و يؤيد ذلك قوله ﷺ : (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمؤمنِ إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكانَ خَيْرًا لَهُ ))…(١).

و هنا ينشأ سؤال عن استحقاق الغنيِّ الشاكر للثواب مثل الفقير الصابر ، فقد نعلم أن الثواب مرتبط بالمشقة ، أو هو على قدر المشقة ، كما يُقال ، و أن من المنطقي و من المعقول أن يعوِّض اللَّه هذا الفقير الصابر بنعيم يوم القيامة يُنسيه ما مرَّ من بؤس و فقر في حياته الدنيا ، فكيف يمكن فَهْمُ ذلك في مثال الغنيِّ الشاكر !؟ ؛ و أين هذه المشقة التي يعانيها هذا الغنيَّ ، و هو يتقلب في كثرة المال وسعة الرزق و بحبوحة العيش ؟! حتى يعوَّض بالثواب يوم القيامة !!

و قبل أن نجيب على هذا التساؤل نودُّ أن نلفت الأنظار إلى خطأ (( شائع)) في تفسير معنى (( الشكر)) و حصره في مفهوم واحد ، هو : ترديد ألفاظ الحمد و الشكر و الثناء على اللَّه باللسان ، و ليس أمرًا آخر وراء ذلك ، و هذا التفسير وأن كام صحيحًا في حالة : الفقير الصابر ، إذ ليس في مقدوره إلا الشكر باللسان ، و غير أن الأمر ليس كذلك في حالة الغنيِّ الشاكر ؛ لأن شكر هذا الغنيِّ لا تغني فيه ألفاظ الحمد و الثناء على اللَّه تعالى ، و إنما يغني فيه الشكر الذي هو من جنس ما أنعم اللَّه به عليه ، و معنى ذلك أن شكر الغني هو : بذل المال و إنفاقه على المحتاجين و الفقراء من ذوي القُربى و اليتامى و المساكين وابن السبيل وغيرهم ممن ذكرهم القرآن الكريم ، وذكِّر بهم مواضع كثيرة ، فضلًا عن أحاديث نبوية يصعب حصرها في هذا المقام .

و إذا أخذنا في الاعتبار أن الإنسان _ غنيًّا أو فقيرًا _ فطره اللَّه تعالى على محبَّة المال ، و إمساكه و الضَّنَّ به على الغير و على النفس أيضًا ، أدركنا أن شكر الغَنِيِّ فيه (( معاناة )) من نوع آخر غير معاناة الفقير ، إنها معاناة التغلب على النوازع النفسية ، والسِّبْح ضد رغبات النفس و شهواتها ، و ما جُبلت عليه من إمساك و تقتير و شح ؛ و قد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر في أكثر من موضع فقال : { وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ }{ النساء : ١٢٨ } ، أي : خُلِقَت النفوس على الشح ، و الشحُّ هو : شدَّة البخل ، و معني (( أُحْضِرَتِ )) : خُلِق فيها هذا الطبع : خلقه اللَّه تعالى ورَكَزَه في فطرتها ؛ و هنا يتبيَّن بوضوح أن بَدْل الغَنِي ماله لغيره و إنفاقه فيما لا يعود عليه بمنفعة ناجزة و حاضرة فيه معاناة و صبرٌ و مشقَّةٌ قد تفوق مشقَّة الفقير و صَبْرَه على فقره ؛ يدلُّنا على ذلك قوله تعالى : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }{ الحشر : ٩} ، و قوله تعالى : { وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }{ التغابن : ١٦ } ، و واضح أن مدار (( الفلاح )) في الآيتين الكريمتين إنما هو على فعالية النفس و الانتصار عليها ، وفي ذلك من المشقة ما فيه ، بل نقول : إن معاناة الشكر العملي لدى الغنيِّ الشاكر هي نفسها معاناة الصبر عند الفقير الصابر ، بل نذهب إلى أبعد من ذلك ونقول : إن معاناة الفقير الصابر قد تكون أهون من معاناة الغنيِّ الشاكر ، وليست هذه مبالغة متخيَّلة لتصوير مشقة الشكر عند الغنيِّ و إنما هو واقع عبَّر عنه الصحابيُّ الجليل عبدالرحمن بن عوف _ رضي اللّٰه عنه _ في قوله ((ابتُلِينا مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ بالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنا ، ثمَّ ابتُلِينا بالسَّرَّاءِ بعده فلم نَصبِر ))…*(٢) ، و معنى الحديث فيما يقول الشُّرَّاح : (( اخْتُبرنا بالفقر و الشدَّة و العذاب فصبرنا عليه ، فلما جاءتنا الدنيا و السعة و الراحةُ بَطَرْنا )) أي كَفَرْنا النعمة و لم نشكرها.

فلا بد من الألم و التَّألم ؛ لأنَّ التَّكاليفِ هي مناطُ الثَّواب ، فلا ثوابَ بدونِ تكليفٍ إلا الذي يُفيضُه اللَّه سبحانه و تعالى كرمًا على الآخرين ، لكن عادةً ارتبطَ الثَّوابُ بالتَّكاليفِ و أيضًا ارتبطَ العِقابُ بالخروج على التَّكاليف و هي المنهيات.

و لكن هناك تساؤل مهم ؛ و هو : هل هناك علاقة بين الابتلاء و حال العبد من طاعة أو معصية

بمعني أن الابتلاء بنوازل المصائب مؤشر أو دليل على أن هذا المُبتلى رجلٌ سيِّءٌ و رجلٌ غيرُ صالحٍ ، و حقيقة الأمر أن هذا التساؤل غير صحيح ، وأنه لا علاقة بين الابتلاء و بين حال العبد ، و إلَّا فنحن نعلمُ أنَّ (( أشدُّ النَّاسِ بلاءً الأنبياءُ )) …*(٣) ؛ و هذا واضحٌ في سيرتِهم و في تواريخِهم ، و أن عباد اللَّه مُبْتلَوْن ، بل يكون (( البلاء )) على قدر القرب من اللَّه تعالى ، فلو أنَّ البلاءَ بالمصائِبِ دليلٌ على أنُّ المبتلَى رجلٌ شريرٌ ، أو رجلٌ فاسدٌ ، أو فاسقٌ ، أو مغضوبٌ عليه من اللَّه _ سبحانه و تعالى _ لكُنَّا نقول _ والعياذ باللَّه_ إن الأنبياء أحق بهذا الوصف ، لأنهم أهل بلاء ؛ مِمَّا يدلنا دلالة واضحة بأنه لا علاقة بين نزول البلاء و بين الشخص المبتلَى ، و أنه كما يبتلى الطالح يبتلى الصالح أيضًا .

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*(١) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) (٢٩٩٩) من حديث صهيب رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

*(٢) أخرجه الترمذي في جامعه (٢٤٦٤) ، وانظر في شرح الحديث تحفة الأحوذي ١٦٥/٧.

_________________________________________

*(٣) جزء من حديث أخرجه التِّرمذيُّ في جامعه (٢٣٩٨) وابن ماجه في سننه (٤٠٢٣) من حديث سعد بن أبي وقَّاص رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : ( حديث حسن صحيح ).

_______________________________



الجمعة، 21 يوليو 2023

كيفة الربح من تويتر Twitter


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

تويتر يطلق برنامج مشاركة عائدات الإعلانات مع صناع المحتوى

أعلنت منصة تويتر رسميًا عن إطلاق “ برنامج مشاركة عائدات الإعلانات الذي يسمح لصانعي المحتوى على المنصة بالحصول على جزء من عائدات الإعلانات التي تظهر في الردود على التغريدات التي ينشرونها.


وحظي الإعلان باهتمام واسع من مستخدميها ، حيث شارك بعضهم الأرباح التي حصلوا عليها ، واعتبرها آخرون خطوة مهمة ستُعيِد الزخم للمنصة ، معبرين عن ترقبهم لتعميمها عالميا.




فيما كان هناك تيار آخر وجد بالخطوة محاولة من مالك تويتر الملياردر الامريكي إيلون ماسك لمنافسة تطبيق “ثريدز” الجديد الذي أطلقته مؤخراً شركة ؛ ميتا خطوة متأخرة.


و حول أهمية الخطوة و توزيع عائدات الإعلان أعتبرها آخرون خطوة متأخرة نوعاً ما ، وكان لابد أن تحدث من قبل حتى استحواذ إيلون ماسك على تويتر ، وهذا التأخير تسبب بتراجع ونمو تويتر على مدار السنوات الماضية.


إذا ما قارنا بين يوتيوب الذي بدأ بتوزيع إيرادات الإعلانات مع صناع المحتوى و فيسبوك الذي اتبع خطوات يوتيوب بعد سنوات ، فإن تويتر كان من الممكن أن يكون في مكان آخر ومساحة مختلفة اليوم.


وحول توقيت توزيع الأرباح وما يدور عن حديث حول رشوة صناع المحتوى قال أحد المتخصصين في مجال صناعة المحتوي ، لا أعتقد بأي شكل من الأشكال أن توزيع الأرباح في الوقت الحالي هو رشوة لأن ماسك ومنذ بداية استحواذه على تويتر ذكر الموضوع أكثر من مرة وأن المنصة تعمل على تفعيل الخاصية ، وخطط توزيع أرباح الإعلانات.


وتابع توقيت الإعلان عن توزيع الأرباح قد يكون قد أعطى انطباعاً خاطئاً حول رغبة تويتر في منافسة تطبيق _ثريدز_ ، لكن أعتقد أن إيلون ماسك وفى بوعده ولا وجود لأي رشوة في الموضوع.

التأثير على صناع المحتوى!

الخطوة سيكون لها تأثير كبير على نشاط صناع المحتوى في تويتر ، وجذب آخرين منهم إلى المنصة. جميعنا يعرف أن تويتر يركز بشكل كبير على المحتوى الصحفي والسياسي ومن مجالات مختلفة ، لكن الخطوة الأخيرة يمكن أن تجذب صناع محتوى من قطاعات أخرى مختلفة كالترفيه و الفاشون والطبخ وغيرها ، وهذا بدوره سيعود بأرباح على تويتر وكذلك يحقق له انتشارا أكبر.

في اعتقادي النقطة الأهم التي يمكن أن تُحدث فرقاً في مستقبل تويتر هي توزيع الأرباح على الحسابات النشطة وليس فقط على صناع المحتوى ، وبالتالي لو تم تقدير الوجود والاستخدام والتفاعل فإن أي منصة ستقوم بهذه الخطوة ستتمكن من جذب جمهور أكبر بكثير وتحقق تفاعلاً أكبر وبالتالي تحقيق المزيد من الأرباح والإيرادات.


شروط وأحكام

وحددت تويتر 3 شروط ليكون الحساب جاهزا للحصول على الأرباح 


أولها الاشتراك في خدمة تويتر بلو

 وثانيها حصول تغريداتك على 5 ملايين ظهور شهري خلال آخر 3 أشهر

 ‏الثالث أن يجتاز عملية التحقق التي يجريها موظفو المنصة على الحسابات المتقدمة للخدمة.


وأكد مالك المنصة إيلون ماسك في تغريدة له أن العائدات ستحسب منذ إعلانه عن نيته إطلاق الخدمة في فبرابر الماضي ، مؤكدا أن الأمر سيخضع للتدقيق بحيث يدفع مقابل عدد الإعلانات المعروضة لمستخدمين حقيقيين تحققت منهم المنصة ، حتى لا يتم التلاعب باستخدام الحسابات الوهمية المنتشرة عليها.

و هذا  اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

الاثنين، 17 يوليو 2023

Love of prestige and control


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

حبُّ الجاهِ و السَّيطرةٍِ

من الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التي لا يتوقَّفُ العلماءُ و الحُكماءُ منذُ أقدَمِ العصورِ عن التَّحذيرِ منها _مرضُ (( حبِّ الجاهِ و السَّيطرةِ و استغلالهما في تحقيقِ المنافعِ الخاصَّةِ )).

و للإسلام موقفٌ دقيقٌ في بيانِ هذا المرضِ الوخيمِ ؛ الذي لا تتوقَّفُ آثارُه الضارَّةُ على صاحبِها ، و إنَّما تتعدَّاه إلى طبقاتٍ مختلفةٍ من الناسِ ، و موقفُ الإسلامِ في هذه القضيَّةِ هو التشدُّدُ في مراقبةِ صاحبِ الجاهِ و محاسبتِه و كفِّ أذاه عن الناسِ.

و المقصودُ بالجاهِ هنا : هو القوَّةُ المستنِدةُ إلى قُوَّةِ المالِ و السُّلطانِ و تملِكُ التأثيرَ _ إيجابًا و سلبًا _ على سَيرِ المجتمعِ .

و لا يَحتاجُ الإنسانُ إلى عناءٍ في البحثِ عن هَدْي الإسلام في هذا الأمرِ ليعلَمَ أنَّ الإسلامَ لا يُشَجِّعُ على السعي لطلبِ الجاهِ و البحثِ عن سلطانِه ، و لكن يقرِّرُ مع ذلك أنَّ الجاهَ إن سعى إليك فسوفَ يُعينك اللَّهُ عليه ، و إن سعَيت له فسوفَ يَكِلُك اللُّهُ إليه ؛ كما في قوله ﷺ : لعبد الرحمن بن سَمُرة : (( يـا عـبـدَالـرَّحـمـن ، لَا تَـسْـأَلِ الإِمـَارَةَ ؛ فَـإنَّـكَ إِن أُعْـطِـيـتَـهـا عَـنْ مَـسْـألَـةٍ وُكِـلْـتَ إِلَـيْـهَـا ، وإنْ أُعْـطِـيـتَـهَـا عَـنْ غَـيْـرِ مَـسْـألَـةٍ أُعِـنْـتَ عَـلَـيْـهَـا ))…*(١).

و القُرآنُ ينْحو مَحنى تزهيدِ عامَّةِ المؤمنينَ من الجَري وراءَ الجاهِ أو امتلاكِ الإمارةِ ؛ لما يُلازِمُها عادةً من علوٍّ في الأرضِ و فسادٍ في النَّاسِ إلَّا مَن عَصَمه اللَّهُ و حَفِظَه من هذا الوبالِ.

و قد جعلَ اللَّهُ الدارَ الآخرةَ للذين { لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } { القصص :٨٣ } ؛ و انظر كيفَ اقترنَ العُلوُّ في الأرضِ بالفسادِ فيها ؛ و هو ما تتكشَّفُ عنه خلائِقُ الأممِ و الدُّولِ الحديثةِ يومًا بعد يوم ، و تُعاني منه اممٌ و شعوبٌ أخرى أيَّما مُعاناة.

و أروعُ ما تتكشَّفُ عنه الآيةُ الكريمةُ من دروسٍ أخلاقيَّةٍ و اجتماعيَّةٍ هو تحديدُ (( مقياسٍ)) دقيقٍ تُوزَنُ به أقدارُ الناسِ ، و تُقيَّمُ به استقامةُ حياتِهم أو اعوجاجُها ، ذلكم هو ميزانُ : (( التَّقوى )) الذي ذُيِّلَت به الآية و هو قوله تعالى : {وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }.

و من الأخطاءِ التي يقَعُ فيها كثيرونَ ، قَصْرُ معنى (( التَّقوى )) على بابِ العباداتِ فقط دونَ بقيَّةِ الحوانبِ الأخرى : السلوكيةِ و الأخلاقيةِ ، و كأنَّ التَّقِيَّ ، عند كثيرٍ من الناسِ ، هو ذلك الرجلُ - أو المرأةُ - المنكفئُ على عبادتِه ، و المتردِّدُ على المساجدِ ، و المنسحِبُ من المجتمعِ و المستقيلُ من الحياةِ العامَّةِ ؛ و هذا فَهْمٌ خاطئٌ أُصيبَت به الأُمَّةُ مؤخَّرًا و ترسَّخ في عقلِها و وجدانِها حتى باتَت ظِلالُ هذه الكلمةِ تشعُرُ بالاغتراب عن المجتمعِ و العُزْلَةِ بعيدًا عن حركتِه وسَيرِه و ضوضائه.

مع أنَّ كلمةَ (( التقوى )) في تراثِنا مرتبطةٌ أشدَّ الارتباطِ و أوثَقَه بالجانبِ العمليِّ في الحياةِ ، مِن فعلِ الخيرِ و تجنُّبِ الشُّرورِ و الآثامِ و اتِّقائِها ؛ و التَّقِيُّ بهذا المعنى _ لا ريب _ هو رَجُلُ مجتمعٍ صالحٍ قادرٍ على الدَّفعِ بالتَّنمية بكلِّ توجُّهاتِها الاقتصاديَّةِ و الإنسانيةِ ، و يبدو أنَّ الذي حملَ بعضَ المعاصرينَ على استبعادِ كلمةِ (( التقوى )) من قاموسِ المصطلحاتِ الاجتماعيةِ هو مضمونُها الدِّينيُّ الذي تعرَّض منذُ بدايةِ القرنِ الماضي إلى شيءٍ من التشكيكِ في قيمتِه العمليةِ و التداوليةِ ؛ أدَّى إلى زَحزحتِه و إحلالِ مصطلحاتٍ أخرى محلَّه ، مثل اشتراكي و قومي ورأسمالى و شُيوعي و نَهضوي و محافظ و اصلاحي وما إليها من مصطلحاتٍ أخرى وافدةٍ لا تُعيرُ التفاتًا لخطَرِ العُلوِّ في الأرضِ و لا للفسادِ فيها من قريبٍ أو بعيدٍ .

و كيف (( و العُلوُّ في الأرض )) هو الذي جاءَ بهؤلاءِ المتزعِّمينَ للثَّقافة المغشوشة التي تعادي كلَّ أصيلٍ في هذه الأمَّة ، و أيضا الدُّعاةِ الجدُدِ بدعواتِهم التي انتهَت بنا إلى ما نحنُ فيه الآن.

إنَّ الإسلامَ - و الأديانَ الإلهيةَ كلّها - لا يُقيم وَزْنًا ، في تقييمِ الإنسانِ لوجاهةِ الشكل و لا وسامةِ الصورةِ ، و لا طول الأجسامِ أو عرضِها ، و ما كان لهذا الدِّينِ ، و لا للأديانِ السابقةِ عليه ، أن يُفاضِلَ بين الناسِ بأعراضٍ لا يملكونها ، و أوصافٍ لا يستطيعونَ صنعَها و لا تغييرَها ، أو يعلِّقَ نُظمَ الحياةِ الاجتماعيةِ و المعيشيةِ على الوجاهةِ أو الثراءِ أو القوةِ الغاشمةِ ، فكلُّ هذه العناصرِ لا وزنَ لها في تقييمِ قدراتِ الإنسانِ العلميةِ و العمليةِ ، و لا هي بشيءٍ في التعرفِ على هذه القدراتِ ، و العمل النافعِ وحدَه هو فَرقُ ما بين الإنسانِ العظيمِ و الإنسانِ الآخرِ ؛ (( إِنَّ الـلَّـهَ لَا يـنـظـرُ إلـى صُـوَرِكُـمْ وَأمْـوالِـكُـمْ ، ولـكـنْ يـنـظـرُ إلـى قـلـوبِـكـم وأعـمـالِـكـم )) …*(٢).

و من بداهةِ القولِ أنَّ الأديانَ السماويةَ وقفت إلى جوارِ الشرفاءِ ، سواءٌ كانوا من طبقة الأغنياءِ ، أو من طبقةِ الفقراءِ ، و أنَّ هذا الموقفَ أثمرَ ثمرتَه الكريمةَ في إنصافِ الفقيرِ الملتزمِ بمنظومةِ القِيَم الإنسانيةِ و مكارمِ أخلاقِها. 

و لعلك أخي العزيز القارئ/ ة ؛ تتفقونَ معي في أن موازينَ تقييمِ الإنسان و الإنسانيةِ في مجتمعاتِنا اليومَ قدِ اختلَّت واضطربت اضطرابًا شديدًا ، إن لم تكن قد تراجَعَت أمامَ سطوةِ قيمٍ أخرى ماديَّةٍ ، قوامُها الشهرةُ و المالُ و الأضواءُ ، حتي أصبحَ من المشروعِ و المعتادِ أن تتعامِلَ مجتمعاتنا بالدرهمِ و الدينارِ في مجالِ التعاملِ بالقيم والأخلاقِ ، و لا علاجَ لهذه الظاهرةِ الغريبةِ علينا إلَّا بتكاتفِ العلماءِ و المفكرينَ و السياسيينَ من أجل وضعِ تصوُّرٍ لصياغةِ مجتمعاتِنا الحديثةِ صياغةً جديدةً تجمعُ بين ضرورةِ التقيُّدِ بقيم التراثِ الأصيلةِ ، و الجديةِ في اقتباسِ العلومِ الحديثةِ و امتلاكِ مناهجِها و تطبيقِها.

و إذا كنَّا نؤمن إيمانًا عميقًا بالقول الشريفِ : (( اسْـتَـعِـنْ بـالـلَّـهِ وَلَا تَـعْـجِـزْ )) …*(٣) ؛ و بالحكمةِ القائلة : (( لا يـأسَ مـع الـحـيـاة و لا حـيـاةَ مـع الـيـأس )) فإنَّا نقول : آن الأوانُ أن تبدأ أمتنا العربيَّةُ و الإسلاميةُ في البحث عن خطةٍ تجتمعُ عليها القلوبُ قبل الأبدان ، تلتقي و تتصارَح و تتكاشفُ ، و تبحثُ عن العلاجِ الحاسم لعِلَلِنا و أمراضنا اللامعقولة و اللامقبولة أيضًا.

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_______________________________________

*(١) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه ))(٦٦٢٢) ومسلم في (( صحيحه ))(١٦٥٢) من حديث عبدالرَّحمن بن سَمُرة -رضي اللّٰه عنه-.

______________________________________

*(٢) أخرجه مسلم في (( صحيحه ))(٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة -رضي اللّٰه عنه-

______________________________________

*(٣) جزء من حديث أخرجه مسلم في (( صحيحه ))(٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة -رضي اللّٰه عنه-.

________________________________

الجمعة، 14 يوليو 2023

الـجِـدالُ arguing


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

مِمَّا أُصيبَت به مجتمعاتُنا في العَقْدِ الأخير صناعةُ الجدال ، وادِّعاء المعرفة بلا سقف ، و القُدرةُ على التحدُّث في موضوعاتٍ بالغة التعقيد متنوعةِ المجالِ ؛ حديثَ الخبيرِ الذي يعرف الأكَمَةَ و ما وراءَها ، ويُدلي بأعاجيبَ من القولِ و أفانينَ من التَّحليلات لا يستندُ معظمُها إلى أيِّ أساسٍ ممنهجٍ من عِلمٍ أو دراسةٍ مُتخصِّصَةٍ ، و قد تولَّدتِ عن هذه الجائحةِ جائحةٌ أكبر تمثَّلت في الجرأة على حُرْمَةِ التخصُّص العلمي ، ومكانةِ العلماء المتخصِّصين مِمَّن أفنوا زَهرات أعمارِهم و سَكبوا ماء عيونهم في الدِّراسَةِ و التعلُّم و البَحْث.

و أصبحَ الجميعُ يعرِفُ كلَّ شئ عن أي شيءٍ ، و قد أصابَ التخصُّصَ في العلم الإسلامي : عقيدةً و شريعةً و أدبًا و لغةً و ثقافةً ، شيءٌ غير قليل مِمَّا تموج به السَّاحةُ من هذا الجدَل المنفَلِت من ضوابطِ المعرفةِ و الحوارِ العلميِّ و الثَّقافي.

و يُسَوِّغُ هؤلاء المجادلون هجومَهم هذا ، بأباطيلَ زعمُوا فيها أنَّ الإسلام ليسَت عِلْمًا بالمعني الذي تتمتِّعُ به العُلومُ المعاصِرةُ من تخصُّصٍ دقيقٍ و دراسةٍ ممنهجةٍ ، و من ثمَّ يجب أن تُفتحَ الأبوابُ على مصاريعِها لكلِّ مَن هبِّ ودبَّ مِمَّن زعموا لنا أن مهمةَ إصلاحِ الإسلام و المسلمين تقعُ على عواتقِهم وحدَهم دونَ غيرِهم ، من المتخصِّصينَ في العِلم الإسلامىِّ.

و لقَد أشارَ القُرآنُ الكريمُ _ أعزائي_ إلى أشباهٍ لهؤلاءِ المجادلينَ في أوئِلِ سورةِ الحَجِّ ، و ذكَّرهم أوَّلًا في الآيتَينِ الثالثةِ و الرابعةِ ، ثم أعادَ ذكرَهم في الآيتين السَّابعة والثَّامنة .

وفي الآيتينِ الأولَيينِ ترتسِمُ معالمُ هؤلاءِ المجادِلين في صورة طائفة من جُهلاءِ النَّاس يُجادلون في (( اللَّه )) دون سابقِ علمٍ ، تَدمَغُهمُ الآيةُ الكريمةُ بالجهلِ و اتِّباعِ أخبثِ فصائلِ الشَّياطينِ و هم المردَةُ ، و أنَّ اللَّهَ كتبَ على مَن يتَّبِعهم من الناس سوءَ المصير : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)}{ الحج : ٣_٤} ، ثم تكتمِلُ الصورةُ في الآيتَين : الثَّامنة و التَّاسعة فيظَهرُ هؤلاءِ في صورةِ جُهلاء يجادلونَ في اللَّهِ دونَ رجوعٍ إلى علمٍ ولا استدلالٍ و لا كتابٍ يضيءُ لهم بدلالاتِ العَقلِ و النقَّلِ طريقَ ما يجادلونَ فيه ، وذكرَ في وصفِهم أنَّهم أهلُ كِبرٍ ، يُميلون أعطافَهم إعْرَاضًا و تكَبُّرًا ، و أهلُ ضلالٍ و إضلالٍ للنَّاس عن طريقِ الحَقِّ ، و نصيبُهم في الدنيا خِزْيٌ و هَوَانٌ من كثرة ما يذمهم النَّاس و يتأفَّفُون من ضلالهم ، إمَّا في الآخِرة فنصيبهم عذاب الحريق قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٩) }{ الحج : ٨_٩}.

و الجَدلُ 

هو : حوارٌ بين اثنين حولَ مسألةٍ واحدةٍ قابلةٍ للبَحثِ ، يُحاولُ كلٌّ منهما أن يصِلَ إلى حقيقةِ الأمرِ فيها عبر استخدامِ الحُجَجِ و البراهين ، و هو منهجٌ من مناهج البَحثِ العِلميّ التي تُفيد اليقينَ المسلمين ، وهو عِلمٌ إسلاميٌّ ، ابتكره المسلمون ولم يُعرف لغيرهم ، و له قواعِدُ و مسائلُ و قضايا وشروط و آداب إذا التُزمت كان جدلًا حسنًا مطلوبًا ، و إن أُهمِلت كان جدلًا مذمومًا.

ومن هنا انقسم الجدل في القرآن الكريم إلى جدل حسن ، كما في قوله تعالى : { ۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ }{ الـعـنـكـبـوت : ٤٦ } ،و قولـه : { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ }{ الـنحـل : ١٢٥ } ، و جدل مذموم كما في الآيات السابقة من سورة الحج و غيرها كثير.

و يُستعمَل الجِدالُ كثيرًا بمعنى الجدلِ المَذموم ، و يرادِفُه المراءُ ، و قد وردَت في ذمِّه أحاديثُ كثيرةٌ منها قوله ﷺ : (( مـا ضَـلَّ قـومٌ بـعـدَ هُـدًى كـانـوا عليهِ إلَّا أُوتُـوا الــجَـدَلَ ))…*(١) ؛ ثم تلا قوله تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًۢا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }{ الـزخـرف }.

و منها : ما ورد في الحثِّ عن الابتعادِ عن الجَدل بغيرِ عِلمٍ ، مثل ما روي عنه ﷺ من قوله : (( أنـا زعـيـمٌ بـبــيـتٍ ربَـضِ الـجـنَّـةِ لِـمَـن تَـرَكَ الـمِـراءَ و إن كـان مُـحِـقًّـا ))…*(٢) ؛ و ذلك العواقبِ الوخيمةِ التي تترتبُ على هذا النوع من الحِوارِ ، و التي تتمثَّل في صورة الغَضبِ أو اللُّجوءِ إلى الكذبِ حتي يغلِبَ صاحبَه ، أو ادعاءِ العِلم وذمِّ الخَصمِ ، و كلُّها عاهاتٌ خُلقُيَّةٌ مُهْلِكَة لكل من المتجادَليْن أو المتجادِليْن حول موضوع واحد.

عزيزي /تى القارئ !

مِما يتصل بموضوع انتشارِ الجدَل بغير علمٍ و لا ضوابطَ ، هذه الثِّقةُ في المعلوماتِ التي تُنْشر على الشَّبكاتِ العنكبوتيةِ ، و التعامُلُ معها كأخبارٍ و معلوماتٍ تتمتَّعُ بالصِّدقِ و يُعتمد عليها في الحوارِ الجادِّ ، بل وفي بناء مواقفَ علميَّة و خصومات شخصية.

و قد أصبحَ من السَّهل المعتادِ أن يُخبِرَك شخصٌ بنقدٍ لاذِعٍ لبعض الناس ، وحين تُنكر عليه يبادرُك بحجَّتِه التي لا يرتابُ في صدقها و يقول لك : _ مكتوبٌ على النَّت أو الفيس أو غيرهما.

و ذكر نبيَّ الإسلامِ صلواتُ اللَّه و سلامه عليه نبَّه قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان إلى كذب مَن يتحدَّث اعتمادًا على ما يسمعه دونَ تدقيقٍ أو تمحيصٍ ، و أن ذلكَ يكفي في أن يُوصم برذيلةِ الكَذبِ ، و يُسمَّى كذابًا ، ويكون عندَ اللَّهِ آثمًا .

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_____________________________________

يقول ﷺ : (( كَـفَـى بـالـمَـرْءِ كَـذِبًـا _ و في رواية : كـفـى بـالـمَـرْءِ إِثْـمًـا _ أنْ يُـحَـدِّثَ بـكُـلِّ مـا سَـمِـعَ ))…*(٣) و احذر أن تتحدث بكل ما تسمع حتي لا تُكتب عنداللَّه كذابًا آثمًا .

*(١) أخرجه التِّرمذيُّ في (جامعه)(٣٢٥٣) و ابن ماجه في (سننه)(٤٨) من حديث أبي أمامة الباهِليِّ رضي اللّٰه عنه ؛ و قال التَّرمذيُّ ( حديث حسن صحيح).

_________________________________________*(٢) جزء من حديث أخرجه أبو داود في (سننه)(٤٨٠٠) من حديث أبي أُمامة الباهِليِّ رضي اللّٰه عنه ؛ و معني رَبَضِ الجَنَّةِ : ما حَولَها خارِجًا عنها ، تَشْبيهًا بالأبْنِيَة التِي تَكُونُ حولَ المُدُنِ و تحت القِلاع ؛ انظر : (النهاية في غريب الحديث والأثر ) ١٨٥/٢.

________________________________

*(٣) أخرجه مسلم في(صحيحه)(المقدمة) : ٨/١ ، من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

_________





الاثنين، 10 يوليو 2023

Threads تطبيق ثريدز


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

من أجلكم نفعل هذا، أهلاً بكم في _ثريدز_ بهذه العبارة أعلن مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا انطلاق تطبيق ثريدز Threads الذي يعتمد على قاعدة مستخدمي إنستجرام التي تضمّ أكثر من 2.35 مليار مستخدم نشط شهرياً حول العالم.


هذه المنصة تشبه لحد كبير منصة تويتر وتتيح للمستخدمين نشر نصوص مكتوبة قصيرة مع صور وفيديو. وقد أشار آدم موسيري، رئيس انستجرام في مقابلة إلى أنّ التغييرات التي طرأت على تويتر تحت إدارة إيلون ماسك  هي فرصة للتحدي ولم تأتِ "فقط بسبب التملك، بل بسبب التغييرات والقرارات التي اتخذها السيد ماسك وآخرون بشأن كيفية عمل المنصة"، مضيفاً أنه "بالنظر إلى كل ما يحدث، اعتقدنا أنّ هناك فرصة لبناء شيء مفتوح ومفيد للمجتمع الذي يستخدم انستجرام بالفعل.


يتيح تطبيق "ثريدز" للمستخدمين نشر مشاركات مكتوبة ويصل عدد الحروف في المشاركة الواحدة لـ500 حرف وتضمين روابط وصور ومقاطع فيديو تصل مدتها إلى 5 دقائق. ويمكن مشاركة ما يصل إلى عشر صور مع المنشور الواحد، مع العلم أنه في تويتر يمكنك نشر 4 صور فقط مع كل منشور.




ويتيح "ثريدز" لمستخدميه متابعة الحسابات التي تلائم اهتماماتهم والإعجاب بالمنشورات المختلفة المنشورة فيها وإعادة نشرها في حساباتهم والاقتباس أيضاً. وعلى عكس انستجرام، فإنّ خاصية النسخ متاحة في ثريدز، حيث يمكنك تحديد النص ونسخه بسهولة، ويمكن نشر الصور وحفظها ومن خلال الخيارات بإمكانك اختيار من بإمكانه التعليق على البوست المنشور.

وما أن أعلن زوكربيرج عن انطلاق هذه المنصة حتى

تطبيق ثريدز Threads متاح للتنزيل على كل من متجر Apple ومتجر Android Play، مع العلم أنك بداية بحاجة لأن يكون لديك حساب انستجرام لتفعيل حساب ثريدز.

- يمكن للمستخدمين استخدام بيانات انستجرام الخاصة بهم، بما في ذلك النص الشخصي وصورة الملف الشخصي، لتسجيل الدخول. 


- بمجرد تسجيل المستخدم الدخول، سيكون أمامه خيار متابعة نفس الحسابات التي يتابعونها على انستجرام.


النشر على هذه المنصة سهل للغاية، ولكنه يضعنا أمام سؤال عن نوع المحتوى الذي سوف يتم نشره عبر هذا التطبيق ، هل هو مختلف عن المحتوى الذي ننشره عبر انستجرام؟ وكيف سوف نستفيد من خاصية نشر عدد حروف أكبر من تويتر وعدد أكبر من الصور.


الإجابة المؤكدة في الوقت الحالي أنّ هذه المنصة تتيح بديلاً للمستخدمين الذين يشعرون بقيود يفرضها تويتر على محتواهم ، وخاصة مع إعلان إيلون ماسك عن توجهه إلى وضع قيود على عدد التغريدات التي يمكن قراءتها عبر تويتر.


وكان ماسك قد غرد قائلاً إنّ _أصحاب الحسابات الموثقة سيكونون قادرين على قراءة 6 آلاف تغريدة في اليوم ، في حين يقتصر العدد لأصحاب الحسابات غير الموثقة بـ 600 تغريدة يومياً_. مع العلم أنّ أصحاب الحسابات الموثقة يدفعون مقابلًا ماديًا (11 دولار شهرياً) مقابل علامة التوثيق التي تتيح لهم نشر بوستات وفيديوهات أطول.


ويتجاوز عدد مستخدمي تويتر 353 مليون مستخدم ، ويصل عدد المستخدمين النشطين شهرياً إلى 330 مليون مستخدم.


كيف تعاملت المواقع الإعلامية العالمية مع التطبيق الجديد؟


أنشأت كل من نيويورك تايمز، ونيويوركر حسابين على _ثريدز_ ووصل عدد المتابعين عليهما إلى أكثر من نصف مليون متابع. وبدأت واشنطن بوست والجارديان وبلومبرج بنشر بوستات ركزت معظمهما على هذا التطبيق الجديد، ونشر روابط لتقارير أعدتها حول هذا التطبيق.


على سبيل المثال نشرت واشنطن بوست التي وصل عدد المتابعين على حسابها في "


ثريدز" لقرابة 300 ألف مشترك تقريراً شارحاً عن هذا التطبيق الجديد  "الذي تم استنساخه عن تويتر" بحسب وصفها.


بينما توجهت بلومبرج لمتابعي صفحتها على ثريدز والذي وصل لقرابة 250 ألف مشترك،  بسؤالهم عن نوعية المواضيع والقصص التي يرغبون بمتابعتها على هذه المنصة.

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  #بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

الجمعة، 7 يوليو 2023

Love your mom and dad


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

بِـرُّ الـوالِـدَيـن

مـن أَخطرِ الموضوعاتِ و أهمِّها التي يجبُ التذكيرُ بها في كل وقتٌ (( بِـرِّ الـوالـديـنِ )) و التزامِ الأدابِ في معاملةِ الأباءِ و الأمهاتِ ، وما وردَ في التَّرغيبِ _بـبـرِّ الـوالـديـنِ_ و التَّحذيرِ من عـقـوقِـهـمـا من أحكامٍ شرعيَّةٍ واضحةٍ و صريحةٍ في القرآنِ الكريم و السنةِ النبويَّة المطهرةِ .

وأولُ ما يَلفِتُ نظرَ المسلمِ في شأنِ هذا الموضوعِ هو تكرارُ ورودِه في القرآنِ الكريمِ سبعَ مراتٍ في صورةِ توجيهاتٍ صريحةٍ ؛ يقول اللَّهُ تعالى : 

_{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا }{ البقرة : ٨٣}.

_ { ۞ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }{ النساء : ٣٦ }.

_{ ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ }{ الأنعام : ١٥١}.

_{ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }{ الإسراء : ٢٣}.

_{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }{ لقمان : ١٤ }.

_ { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ }{ العنكبوت : ٨}.

_{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } { الأحقاف : ١٥ }.

كما ورَدَ _ أكثَرَ من مرَّةٍ _ في صورةِ ثناءٍ على الأنبياءِ و المرسلين بما هم أهلُه من نُبْلِ الأخلاقِ الإنسانيةِ ، وفي الذُّؤابةِ منها برُّ الوالدينِ ؛ مثل قولِه تعالى في شأنِ سيدِنا يحيـي _ عليه السلام_ : { يَٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَٰبَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)}{ مريم : ١٢_١٥ }.

و في قولهِ تعالى حكايةً عن سيدِنا عيسى _ عليه السلامُ _ في معجزتِه التي تفرَّدَ القرآنُ الكريمُ بتسجيلِها و ذِكرِها ، و هي : كلامُه في المهدِ ، وفي عُمْرٍ لا يَقدِرُ الأطفالُ فيه على النطقِ بالحروف ، و ذلك حين واجهَت السيدةُ مريمُ _ عليها السلامُ_ ما واجهت بعد ما اتَّهمُوها و سألُوها ، و كانت قد أُمِرَت بالصيامِ عن الكلامِ ، فأشارَت إليه _ عليه السلامُ_ و هي تنظرُ إليهم نظرةَ مَن يُحيلُ السؤالَ إليه _عليه السلامُ_ وقدِةاستنكروا ذلك منها ، و لكن سرعانَ ما فاجأتهمُ المعجزةُ حين خاطَبهم _عليه السلامُ_ بلسانٍ فصيح : { قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)}{مريم : ٢٩_٣٢ }.

و تدلُّ هذه الآياتُ مجتمعةٍ أنه سبحانَه فرضَ حقوقًا لأعضاءِ الأسرةِ ، وجعلَ من أوجبِها وأعظمِها خطرًا حقوق الآباءِ و الأمهاتِ على الأبناءِ كما تدلُّ على أن مطالبةَ الأبناءِ بأداءِ هذه الحقوقِ لوالدَيهم ليست مجرَّدَ وصايا خُلقيةٍ خاليةٍ مِن أحكامٍ تكليفيةٍ يترتَّبُ عليه الثوابُ و العقابُ ، أو لنَقُلْ : من وجوبٍ أو حرمةٍ ، فالحقوقُ في هذه الآياتِ و إنْ وردَ بعضُها بصيغةِ (( الـوصـايـا )) ، إلا أنَّها في حقيقتِها أوامرُ ونَواهٍ تكليفيةٌ ، يدلُّ على ذلك أنها وردتْ في القُرآنِ الكريمِ إمَّا تاليةً للأمرِ بعبادةِ اللَّه و توحيدِه ، و إما مقرونةً بما يجبُ لله تعالى على العبدِ من شكرٍ : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }{ لقمان : ١٤}.

و في هذا الاقترانِ و التجاوُرِ بين التكاليفِ المتعلِّقةِ باللَّه تعالى : إيمانًا وعبادةً وشكرًا ، و بين شُكرِ الوالدَيْنِ و الإحسانِ إليهما _ ما يدلُّ على عِظَمِ المسؤوليةِ و خطرِها في حياةِ المسلم ، و أنَّها قضيةٌ لا يُقبلُ في الإبطاءِ بالوفاءِ بها تبريرٌ و لا اصطناعُ عللٍ أو معاذيرُ .

عزيزي /ت القارئ /ة…!

إن التَّذلُّلَ أو خفضَ جناح الذلِّ للوالدَيْنِ هو أوَّلًا من باب سدادِ الدُّيونِ كما قُلنا ، ثم هو خُلُقٌ من أخلاقِ الواجبِ و الوفاءِ و المروءةِ ، و مصدرُه الرحمةُ ورقةُ القلبِ و استقامةُ الضميرِ ، وإذا بذلَه الأبناءُ فإنما يبذلونَه طواعيةً و اختيارًا ؛ امتثالًا لأمرِه تعالى و تقرُّبًا إليه ، لا تضطرُّهم إليه زُلفى و لا مصلحةٌ ، ولا يشعرونَ معه بشيءٍ منَ الهوانِ أو النِّفاقِ أو المداهنةِ التي تَلحَقُ المُتذلِّلَ الناسِ من أجلِ الحاجةِ و المصلحةِ ، سواءً أكان التذلُّلُ سجيَّةً في طبعِه ، أم ممَّا ألجأتْه إليه خلائقُ الحِرصِ ، و قديمًا قال العرب : ( أذلَّ الـحـرصُ أعـنـاقَ الـرجـالِ ) .


سَمِعنا مرارًا و تكرارًا الترغيبَ و الترهيبَ في شأنِ ((بـرِّ الـوالـديـن )) سواءً من آياتِ الكتابِ الكريمِ أم أحاديثِ النبي ﷺ ، و عرفنا أن (( بـرَّ الـوالـديـنِ )) من أفضل الأعمال قاطبةً بعد التوحيدِ و عبادةِ اللَّه ، و أنه على قَدَمِ المساواةِ مع الصلاةِ و الزكاةِ : { وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي }{ مريم : ٣١_٣٢}.

و أنَّ عقوق الوالدينِ من أكبرِ الكبائرِ حتي لو كان العقوقُ بكلمةٍ غيرِ مهذَّبةٍ ، أو كلمةٍ تعبِّرُ عن الضِّيقِ ، مثل ، ( أُفــ ) : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }{ الإسراء : ٢٣ }.

و الأبُ والأمُّ سواءٌ في وجوبِ برِّهما ، و بعضُ الأئمَّةِ يرى استحقاقَ الأمِّ مزيدًا من البرِّ ، للحديثِ الذي نحفظُه جميعًا : (( أمِّـكَ ، ثـمَّ أمُّـكَ ، ثـمَّ أبـوكَ ))…*(١).

و مما يدل على خطر هذا الموضوع: أن بِـرَّ الـوالـديـن واجبٌ على الأبناءِ حتى لو كان الوالدانِ كافِرَيْنِ ، و يَتأكَّدُ البرُّ في حالِ كِبَرِ الوالدينِ و ضعفِهما أو مرضِهما ، و هنا يجِبُ _ و جوبًا حتميَّا _ على الأبناءِ ألَّا يَضيقُوا ذَرْعًا بإقامةِ الأبِ و الأمِّ مع أسرِهم ، و ألَّايلجؤوا إلى وَضْعِ الأبوينِ في دُور المسنِّين ، اللَّهم إلَّا للضروراتِ القُصوى ؛ كعجزِ الأبناءِ عن رعايةِ الوالدَينِ أو تمريضِهم ، فحُكمُ الأبناء في هذه الحالِ حُكمُ المضطرٌّ ، و لكن يَلزمُهم (( الـبـرُّ و الإحـسـانُ )) بهم ، و الحرصُ على زيارتِهم واستمرارِ التواصلِ معهم ما استطاعُوا إلى ذلك سبيلًا.

و على الـزوجـةِ ألا تَـضِـيـقَ صـدرًا بهذا الواجبِ الخُلقيِّ ، و أن تُشَجِّعَ زوجَها على الوفاءِ به تجاه والدَيْة ، و ليَعْلَمَ الزوجانِ أنَّ ما يُقدمانِه في هذا الشَّأن يُدَّخَرُ لهما ويُجازيانِ به في الدنيا قبلَ الآخرةِ ؛ إنْ خيرًا فخيرٌ ، و إن شَرًّا فشرٌّ ، قال رسول اللَّه ﷺ : (( بِـرُّوا آبـاءَكُـم تَـبَـرَّكُــم أبـنـاؤُكُـم ، و عِـفُّـوا تَـعِـفَّ نِـسـاؤُكُـم ))…*(٢).

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏ ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

______________________________________

*(١) أخرجه البخاريُّ في (صحيحه)(٥٩٧١) و مـسـلم في (صحيحه) (٢٥٤٨) من حديث أبي هـريـرة رضي اللّٰه عنه.

______________________________________

*(٢) أخرجه الحاكم بنحوه في ( مستدركه) : ١٥٤/٤ ، من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه ؛ و قال : (( حديث صحيح الإسناد )).

_________________________



 











الاثنين، 3 يوليو 2023

صِلَةُ الرَّحِم…٢ family kinship


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نستكمل ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن 

👈صِـلَـةُ الـرَّحِـم👉.

إنَّ هذه الآفةَ أصبحت اليومَ أشبهَ بسلوكٍ معتادٍ بين الأقاربِ ، أدَّى إلى تَقطيعِ أوصالِ العائِلاتِ ، وزَرْعِ الكُرْهِ و الأحقادِ بين الأخِ و أختِه ، و الأخِ و أخيهِ ، بل بين الولدِ و أمِّه و أبيه ، و هو أمرٌ غريبٌ على مجتمعاتِنا الشَّرقيَّةِ التي أشرقَ فيها نورُ الأديانِ الإليهَّةِ منذُ آلافِ السنينَ.

إنَّ مجتمعاتِنا لا تزالُ تُعوِّلُ كثيرًا على عنصر  (( الدفءِ الأُسريِّ )) و على التآلفِ و التواصُل و التراحمِ بين أفراد الأسرة و الأقاربِ وذوِي الرحم ؛ و إن الأسرةَ الحديثةَ التي تقوم في بعض البلدان على التوحُّدِ و التفرُّدِ لها ظروفُها الاقتصاديةُ و الاجتماعيةُ الخاصة بها ، و التي صنعتْ منها هذا الأنموذجَ ، و هو إنْ كان أنموذجًا أمثَلَ للأسرةِ في هذه البلاد ، فإنَّه _ و بكلَّ تأكيدٍ _ ليس كذلكَ بالنِّسبةِ لأُسرِنا و عائلتِنا ، التي استقرَّ في وجدانِها هذا التحذيرُ الإلهيُّ من قطعِ صلةِ الأرحامِ ، و عرَفَت أوامرَ الشَّرعِ في وَصلِها في كلِّ الظُّروفِ و الأحوالِ.

و هناك بُشرياتٌ يزُفُّها النبي ﷺ لمن يتغلَّبُ على دواعي الشَّيطانِ و شَهَواتِ النَّفْسِ ، و يبدأُ في صِلةِ رحِمِه ، أو يكونُ هو البادئَ بالصلةِ بعد توقُّفِها ؛ و من هذه البُشرياتِ قولُة ﷺ : (( مَـنْ أََحَـبَّ أَنْ يُـبْـسَـطَ لَـهُ فِـي رِزْقِـهِ ، ويُـنْـسَـأَ لَـهُ فِـي أَثَـرِهِ ، فَـلْـيَـصِـلْ رَحِـمَـهُ )) …*(١).

و يُـروى عنه في حديث آخر _ صلواتُ اللَّه و سلامُه عليه -: (( إنَّ الـصَّـدَقَـةَ وَصِـلَـةَ الـرَّحِـمِ يَـزِيـدُ الـلَّـهُ بِـهَـا فِـي الْـعُـمُـرِ ، وَيَـدْفَـعُ بِـهَـا مِـيـتَـةَ الـسُّـوءِ ، وَيَـدْفَـعُ الـلَّـهُ بِـهَـا الْـمَـكْـرُوهَ وَالْـمَـحْـذُورَ )) …*(٢).

و اعلم _ أن صلةَ الرحمِ ليست هي أن تصلَ رَحمك إذا و صلَتْك و تقطعَها إذا قطعَتْك ، فمن يَفعلُ ذلك لا يستحِقُّ اسمَ (( واصل الرحمِ )) بل سمَّاه النبيُّ ﷺ بالمكافِئِ ، أي: الذي يكافِئُ بالوصلِ وَصلًا ، و بالقطيعةِ قطيعةً ، أما واصِلُ الرحمِ فهو مَن يَصِلُ رحمَه ، سواء وصلتْه هذه الرحمُ أو قطعَتْه ؛ أقول : وصَلَتْه رَحِمُه أو قَطَعَتْه.

فإذا كانت أختُك أو خالتُك أو عمَّتُك أو أحدٌ مِن ذوي قُرباكِ قرَّرَ قطيعتَك زيارةً أو كلامًا فالشَّرعُ يُلزِمُك أن تعلوَ على هذا الموقَفِ و على مَرارتِه و ثقَلِه على النَّفس ، و أن تُبادِرَ بالذهابِ إليه أو محادثتِه بوسائلِ الاتصالِ ، و السُّؤالِ عنه في المناسباتِ و الأعيادِ ، و إظهارِ مشاعرِ الوُدِّ و المعاملةِ الحسنةِ ؛ فهذه هي صلةُ الرَّحمِ التي أقسمَ اللَّهُ تعالى في حديثِه القدسيِّ : أن يَصِلَ مَن يَصِلُها ويقطعَ مَن يَقْطَعها …*(٣) ؛ و معلومٌ أن صلةَ الرحمِ بهذه الضوابطِ الشَّرعيةِ قد تشُقُّ على كثيرينَ ، ولكن مطلوبٌ في هذه الحالةِ إكراهُ النفسِ و تحمُّلُها مشقةَ بذلِ الوُدِّ لمن لا يريده ؛ و كيف لا ، و قد حُفَّتِ الجنةُ بالمكارِه وحُفَّت النارُ بالشَّهوات!

و يقول النبي ﷺ : (( لـيـس الـواصِـلُ بـالـمُـكـافِـئِ ، و لـكـنِ الـواصِـلُ الَّـذي إذا قُـطِـعَـت رَحِـمُـهُ وَصَلَها )) …*(٤).

هـل الأخُ الذي أغناه اللَّه يتَذكَّر أخاه أو أختَه و هو يجتمعُ بأولادِه على مائِدةِ طعامٍ تَكفي العَشراتِ ، و أخوه أو أخته و أبوه و أمُّه يعيشون عيشةَ الكفاف ؟

أخي الكريم أختي الكريمة !

يجبُ أن تُعوِّدَ نفسَك الصبرِ على جفاءِ رحمِك ، و أن تُوصِلَ لهم حقوقَهم إن كانت لهم في ذمتِك حقوقٌ ؛ فقد روى أبو هريرة _رضي اللّٰه عنه_: أَنَّ رَجُلًا قَـالَ : يـَا رَسُـولَ الـلَّـهِ ، إِنَّ لِـي قَـرَابَـةً أَصِـلُـهُـمْ وَيَـقْـطَـعُـونِـي ، وَأُحْـسِـنُ إِلَـيْـهِـمْ وَيُـسِـيـئُـونَ إِلَـيَّ ، وَأَحْـلُـمُ عَـنْـهُـمْ وَيَـجْـهَـلُـونَ عَـلـيَّ ، فَـقَـالَ : (( لَـئِـنْ كُـنْـتَ كَـمَـا قُـلْـتَ فَـكَـأَنَّـمَـا تُـسِـفُّـهُـمُ الْـمَـلَّ )) …*(٥) ؛ وَ لَـا يَـزَالُ مَـعَـكَ مِـنَ الـلَّـهِ ظَـهِـيـرٌ عَـلَـيْـهِـمْ مَـا دُمْـتَ عَـلَـى ذَلِـكَ ))…*(٦).

صدق رسول اللَّه ﷺ ؟ … هذا ، و باللَّه التوفيق.

و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  #بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


*(١) أخرجه البخاريُّ في (صحيحه)(٢٠٦٧) و مسلم في (صحيحه)(٢٥٥٧) من حديث أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه. _________________________________________

*‏(٢) أخرجة أبويَعلى في(مسنده)(٤١٠٤) من حديث أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

______________________________________

*(٣) فقد أخرج الحكيم التَّرمذيُّ في (( نوادر الأصول )) (٨٤٨) عن عبداللَّه ابن عباس رضي اللّٰه عنهما ، عن رسول اللَّه ﷺ : (( قال اللَّهُ_تَبارَكَ و تَعالَى _ للرَّحم : خَلَقتُكِ بِيَدَيَّ ، و شَقَقتُ لكِ من اسمِي ، و قرَّبتُ مكانَكِ مِنِّي ، وعِزَّتي و جَلالِي! لأَصِلَنَّ مَن وَصَلَكِ ، و لَأقطَعَنَّ مَن قَطَعَكِ ، و لا أَرضَى حتَّى تَرضَينَ )).

_________________________________________

*(٤) أخرجه البخارويُّ في (صحيحه)( ٥٩٩١) من عبداللَّه بن عمرو رضي اللّٰه عنهما.

______________________________________

*(٥) هو الرَّماد الحارُّ الَّذي يُحمى ليُدفَن فيه الخبزُ ليَنضَج ، ينظر : ( النِّهاية في غريب الحديث و الأثر ) لابن الأثير 

( ٣٦١/٤).

_______________________________________

*(٦) أخرجه مسلم في (صحيحة )( ٢٥٥٨) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

_________________

كل ما تريد معرفته عن جروك Grok منافس ChatGPT

  جروك Grok سيحدث ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث يتمتع بكثير من المميزات التي يفتقدها المنافسين له في نفس المجال وخاصة ChatGPT الذي يعت...