الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.
نستكمل ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن
إنَّ هذه الآفةَ أصبحت اليومَ أشبهَ بسلوكٍ معتادٍ بين الأقاربِ ، أدَّى إلى تَقطيعِ أوصالِ العائِلاتِ ، وزَرْعِ الكُرْهِ و الأحقادِ بين الأخِ و أختِه ، و الأخِ و أخيهِ ، بل بين الولدِ و أمِّه و أبيه ، و هو أمرٌ غريبٌ على مجتمعاتِنا الشَّرقيَّةِ التي أشرقَ فيها نورُ الأديانِ الإليهَّةِ منذُ آلافِ السنينَ.
إنَّ مجتمعاتِنا لا تزالُ تُعوِّلُ كثيرًا على عنصر (( الدفءِ الأُسريِّ )) و على التآلفِ و التواصُل و التراحمِ بين أفراد الأسرة و الأقاربِ وذوِي الرحم ؛ و إن الأسرةَ الحديثةَ التي تقوم في بعض البلدان على التوحُّدِ و التفرُّدِ لها ظروفُها الاقتصاديةُ و الاجتماعيةُ الخاصة بها ، و التي صنعتْ منها هذا الأنموذجَ ، و هو إنْ كان أنموذجًا أمثَلَ للأسرةِ في هذه البلاد ، فإنَّه _ و بكلَّ تأكيدٍ _ ليس كذلكَ بالنِّسبةِ لأُسرِنا و عائلتِنا ، التي استقرَّ في وجدانِها هذا التحذيرُ الإلهيُّ من قطعِ صلةِ الأرحامِ ، و عرَفَت أوامرَ الشَّرعِ في وَصلِها في كلِّ الظُّروفِ و الأحوالِ.
و هناك بُشرياتٌ يزُفُّها النبي ﷺ لمن يتغلَّبُ على دواعي الشَّيطانِ و شَهَواتِ النَّفْسِ ، و يبدأُ في صِلةِ رحِمِه ، أو يكونُ هو البادئَ بالصلةِ بعد توقُّفِها ؛ و من هذه البُشرياتِ قولُة ﷺ : (( مَـنْ أََحَـبَّ أَنْ يُـبْـسَـطَ لَـهُ فِـي رِزْقِـهِ ، ويُـنْـسَـأَ لَـهُ فِـي أَثَـرِهِ ، فَـلْـيَـصِـلْ رَحِـمَـهُ )) …*(١).
و يُـروى عنه في حديث آخر _ صلواتُ اللَّه و سلامُه عليه -: (( إنَّ الـصَّـدَقَـةَ وَصِـلَـةَ الـرَّحِـمِ يَـزِيـدُ الـلَّـهُ بِـهَـا فِـي الْـعُـمُـرِ ، وَيَـدْفَـعُ بِـهَـا مِـيـتَـةَ الـسُّـوءِ ، وَيَـدْفَـعُ الـلَّـهُ بِـهَـا الْـمَـكْـرُوهَ وَالْـمَـحْـذُورَ )) …*(٢).
و اعلم _ أن صلةَ الرحمِ ليست هي أن تصلَ رَحمك إذا و صلَتْك و تقطعَها إذا قطعَتْك ، فمن يَفعلُ ذلك لا يستحِقُّ اسمَ (( واصل الرحمِ )) بل سمَّاه النبيُّ ﷺ بالمكافِئِ ، أي: الذي يكافِئُ بالوصلِ وَصلًا ، و بالقطيعةِ قطيعةً ، أما واصِلُ الرحمِ فهو مَن يَصِلُ رحمَه ، سواء وصلتْه هذه الرحمُ أو قطعَتْه ؛ أقول : وصَلَتْه رَحِمُه أو قَطَعَتْه.
فإذا كانت أختُك أو خالتُك أو عمَّتُك أو أحدٌ مِن ذوي قُرباكِ قرَّرَ قطيعتَك زيارةً أو كلامًا فالشَّرعُ يُلزِمُك أن تعلوَ على هذا الموقَفِ و على مَرارتِه و ثقَلِه على النَّفس ، و أن تُبادِرَ بالذهابِ إليه أو محادثتِه بوسائلِ الاتصالِ ، و السُّؤالِ عنه في المناسباتِ و الأعيادِ ، و إظهارِ مشاعرِ الوُدِّ و المعاملةِ الحسنةِ ؛ فهذه هي صلةُ الرَّحمِ التي أقسمَ اللَّهُ تعالى في حديثِه القدسيِّ : أن يَصِلَ مَن يَصِلُها ويقطعَ مَن يَقْطَعها …*(٣) ؛ و معلومٌ أن صلةَ الرحمِ بهذه الضوابطِ الشَّرعيةِ قد تشُقُّ على كثيرينَ ، ولكن مطلوبٌ في هذه الحالةِ إكراهُ النفسِ و تحمُّلُها مشقةَ بذلِ الوُدِّ لمن لا يريده ؛ و كيف لا ، و قد حُفَّتِ الجنةُ بالمكارِه وحُفَّت النارُ بالشَّهوات!
و يقول النبي ﷺ : (( لـيـس الـواصِـلُ بـالـمُـكـافِـئِ ، و لـكـنِ الـواصِـلُ الَّـذي إذا قُـطِـعَـت رَحِـمُـهُ وَصَلَها )) …*(٤).
هـل الأخُ الذي أغناه اللَّه يتَذكَّر أخاه أو أختَه و هو يجتمعُ بأولادِه على مائِدةِ طعامٍ تَكفي العَشراتِ ، و أخوه أو أخته و أبوه و أمُّه يعيشون عيشةَ الكفاف ؟
أخي الكريم أختي الكريمة !
يجبُ أن تُعوِّدَ نفسَك الصبرِ على جفاءِ رحمِك ، و أن تُوصِلَ لهم حقوقَهم إن كانت لهم في ذمتِك حقوقٌ ؛ فقد روى أبو هريرة _رضي اللّٰه عنه_: أَنَّ رَجُلًا قَـالَ : يـَا رَسُـولَ الـلَّـهِ ، إِنَّ لِـي قَـرَابَـةً أَصِـلُـهُـمْ وَيَـقْـطَـعُـونِـي ، وَأُحْـسِـنُ إِلَـيْـهِـمْ وَيُـسِـيـئُـونَ إِلَـيَّ ، وَأَحْـلُـمُ عَـنْـهُـمْ وَيَـجْـهَـلُـونَ عَـلـيَّ ، فَـقَـالَ : (( لَـئِـنْ كُـنْـتَ كَـمَـا قُـلْـتَ فَـكَـأَنَّـمَـا تُـسِـفُّـهُـمُ الْـمَـلَّ )) …*(٥) ؛ وَ لَـا يَـزَالُ مَـعَـكَ مِـنَ الـلَّـهِ ظَـهِـيـرٌ عَـلَـيْـهِـمْ مَـا دُمْـتَ عَـلَـى ذَلِـكَ ))…*(٦).
صدق رسول اللَّه ﷺ ؟ … هذا ، و باللَّه التوفيق.
و اللّٰه أعلم 🌼🌼
إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
*(١) أخرجه البخاريُّ في (صحيحه)(٢٠٦٧) و مسلم في (صحيحه)(٢٥٥٧) من حديث أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه. _________________________________________
*(٢) أخرجة أبويَعلى في(مسنده)(٤١٠٤) من حديث أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه.
______________________________________
*(٣) فقد أخرج الحكيم التَّرمذيُّ في (( نوادر الأصول )) (٨٤٨) عن عبداللَّه ابن عباس رضي اللّٰه عنهما ، عن رسول اللَّه ﷺ : (( قال اللَّهُ_تَبارَكَ و تَعالَى _ للرَّحم : خَلَقتُكِ بِيَدَيَّ ، و شَقَقتُ لكِ من اسمِي ، و قرَّبتُ مكانَكِ مِنِّي ، وعِزَّتي و جَلالِي! لأَصِلَنَّ مَن وَصَلَكِ ، و لَأقطَعَنَّ مَن قَطَعَكِ ، و لا أَرضَى حتَّى تَرضَينَ )).
_________________________________________
*(٤) أخرجه البخارويُّ في (صحيحه)( ٥٩٩١) من عبداللَّه بن عمرو رضي اللّٰه عنهما.
______________________________________
*(٥) هو الرَّماد الحارُّ الَّذي يُحمى ليُدفَن فيه الخبزُ ليَنضَج ، ينظر : ( النِّهاية في غريب الحديث و الأثر ) لابن الأثير
( ٣٦١/٤).
_______________________________________
*(٦) أخرجه مسلم في (صحيحة )( ٢٥٥٨) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.
_________________
هناك 4 تعليقات:
فعلا تقطعت صله الارحام ربنا يرحمنا
أحسنت يا استاذ فارس
جزاكم الله خيرا
احسنت
إرسال تعليق