المتابعون

الجمعة، 30 يونيو 2023

صِلَةُ الرَّحِم .family kinship


 



الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

عرضنا في المقالة السَّابقةِ أهميَّةَ👈 خُــلُـق الـرحـمـةِ  👉 و مركزيتَه في استقرارِ المجتمعاتِ و كيفِ كانت مطلبًا من المطالبِ الشرعيَّةِ التي أُمِرَ بها المسلمونَ.

صِلَةُ الرَّحِم

إذا كانت الرحمةُ مطلوبةً من المسلمِ مع جميعِ الناسِ ، فمن حقِّ الوالدَين و الأهلِينَ أن ينالَهم النصيبُ الأوفى من هذه الرحمةِ ؛ ومن حقِّهم انْ يُفرَد لموضوعِ (( صلةِ الأرحامِ )) مساحةٌ لافتةٌ للنَّظرِ في بابِ فسلفةِ الأخلاقِ في الإسلام ؛ و هذا ما نطالِعُه في نصوصٍ كثيرةٍ وردَت في التَّرغيبِ في صلةِ الأرحامِ و وجوبِها على الأبناءِ و البناتِ ، و التَّحذيرِ من تجاهُلِها أو تَناسِيها.

و أوَّلُ ما ينبغي أن نَعلَمَه في هذا الموضوعِ هو ما ثَبَتَ في الحديثِ الشَّريفِ من أنَّ الرحم وقفَتْ بين يدَيِ اللَّهِ تعالى بعد أن خَلقَ الخلقَ و فَرَغَ منهم ، و تعلَّقت بالعرشِ ، استجارَت به ، و سألتْه أن يُعيذَها من القَطيعةِ _ أي ممَّن يقطَعُها و لا يَصِلُها _ و كأنَّها كانت تَتَحسٌُبُ لما سيُصِيبُها في قابِلِ الأزمانِ و الآمادِ ، و قد استجابَ اللَّهُ لها وأجارَها ووعدَها بأنْ يَصِلَ مَن يصِلُها و يقطعَ مَن يقطعُها ، و قال لها فيما تَروِيه أحاديث الصِّحاح : (( أَمَاَ تَرضَينَ أن أَصِلَ مَن وَصَلكَ ، و أقطعَ مَن قطعَك؟! قالت : بلى ، قال : فذلكَ لكِ )) ثم قالَ رسولُ اللَّه ﷺ اقرؤوا إن شئتُم : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ

(٢٢) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ (٢٤) } { محمد : ٢٢_٢٤ }...*(١).

وخطابُ القرآنِ في هذه الآيات مُتَوجِّةٌ إلى مَن أعرضَ عن أوامرِ اللَّه تعالَى و تولَّى عنها ، و أفسدَ في الأرضِ و أشعلَ فيها الفتنَ ، وشنَّ الحروبَ و شجَّع على القتالِ و النهبِ ، غير مبالٍ بالكوارثِ التي تَكرث الناس من تَمزُّق الأُسَر ، و تَفرُّق العائلاتِ ، و تَشْريد ذوي الأرحامِ .

و هؤلاءِ هم الذين لعنَهم اللَّه _ في الآية _ بسببِ صَمَمِهم عنِ استماعِ الهدي الإلهيِّ وعَمَى أبصارِهم عن سلوكِ الطريقِ القويمِ ؛ وواقعُ الحال اليومَ يُؤكِّدُ أنَّه ما جاء في القرآنِ الكريمِ من ضوابطِ الأخلاقِ و القيمِ التي تَحمِي الحقوقَ العامةَ و المساواةِ بين الناسِ ، و مُراعاة المصلحةِ العامةِ التي لا يَتميَّزُ فيها إنسانٌ عن إنسانٍ ، و لا بلدٌ عن بلدٍ ، و لا شعبٌ عن شعبٍ ؛ و لكن كيف يَتأتَّى ذلك لمن أغلقُوا قلوبهم بأقفالِ     👈 الـكِـبـرِ 👉و الغطرسةِ و الضلالِ!

أن الدرسَ الذي نَستخلصُه من هذه الآياتِ الكريمةِ هو أنَّ جريمةَ (( قطع الرحم )) تكادُ تُعادِلُ جريمةَ الفسادِ في الأرضِ بكلِّ بَشاعتِها ، و بكلِّ ما يَنتجُ عنها من حروبٍ و هلاكٍ و تدميرٍ.

علينا أن نَعلَم أنَّ صلةَ الرحمِ ليست مجرَّدَ فضيلةٍ من الفضائلِ ؛ للمُسلمِ أن يفعلَها فيُثاب عليها ، أو يتركها فلا يُعاقب عليها ، وشيءٌ من هذا الفهمِ الخاطئِ لا يزالُ ينتشر بين كثيرينَ و كثيراتٍ ممَّنْ يستهينونَ بصِلةِ الأرحامِ ، وتهون عليهم قطيعتُها ، و الحقيقةٌ التي يجبُ علينا أن نَتَنبَّةِ لها هي أن صلةَ الرَّحم أمرٌ شرعيٌّ أمر اللَّه به ، يَستَوجِبُ الطاعةَ ، و أن قطيعتَها نهيٌ إلهيٌّ يستوجِبُ الكَفَّ و الامتناعَ ، فهي مَناطُ الثوابِ أو العقابِ يومَ القيامةِ .

جاء رجلٌ إلى النبيِّ _ﷺ_ فقال يارسولَ اللَّه ، أخبِرْني بعملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ، فقال النَّبيُّ _ﷺ_ : (( تَـعـبُـدُ الـلَّـهَ و لَا تُـشـرِكُ بـه شـيـئًـا ، و تُـقِـيـمُ الـصَّـلاةَ ، و تـؤتـي الـزَّكـاةَ ، و تَـصِـلُ الـرَّحِـمَ ))...*(٢).

و تُلاحظون _ حضراتُكم _ أنَّ الأمرَ بصلةِ الرحمِ يقفُ في هذا الحديث على قَدَمِ المساواةِ مع الأمرِ بالتوحيدِ و إقامةِ الصلاةِ و إيتاءِ الزكاةِ ، و نحن لا نقولُ بأنها ركنٌ من أركان الإسلام ، و لكنَّ سَوْقَها هذا المساقَ في الحديثِ الشَّريفِ مع أركانِ الإسلامِ يُفِيدُ عِظَمَ شأنِها ، و شِدَّةَ خطَرها ، و هو تحذيرٌ لمن يقعُ في هذا المحظورِ الشَّرعيِّ.

و قد حذَّرَ النبيُّ ﷺ من الوقوعِ في هذا الذَّنبِ العظيمِ صَراحةً فقالَ : (( لَا يَـدْخُـلُ الْـجَـنَّـةَ قَـاطِـعُ رَحِـمٍ ))…*(٣).

و قال في حديثٍ آخَرَ : (( لا يَـدخُـلُ الـجـنَّـةَ مُـدْمِـنُ خـمـرٍ ، و لا مُـصَـدِّقٌ بِـسِـحـرٍ ، و لا قـاطِـعُ رَحِـمٍ ))…*(٤).

و قد جاء عن النَّبيِّ ﷺ أن قاطع الرحمِ يُعجِّل اللَّهُ عقوبتهَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُه له في الآخرةِ من عذابٍ أليمٍ ، يقول النبيُّ ﷺ : (( مـا مِـن ذنـب أجـدَرُ أن يُـعَـجِِّـلَ اللَّـهُ تـعـالـى لـصـاحـبِـهِ الـعـقـوبـةَ فـي الـدُّنـيـا ، مـع مـا يُـدَّخَـرُ لـه فـي الآخِـرةِ ، مِـثـلُ الـبـغـيِ و قـطـيـعـةِ الـرَّحِـمِ ))…*(٥)

و في الأثر أنَّ أبوابَ السماءِ مُغلَقةٌ في وجهِ قاطعِ الرحمِ …*(٦) .


صدق رسول اللَّه ﷺ و هذا و اللّٰه أعلم و باللَّه التوفيق ؛ 

عزيزي/تي ...القارئ /ه‍... سَوْفِ أكمل لكم موضوع صِـلَـةُ الـرَّحِـم حتى لا تمل بإذن الله على مدونتي الشخصية

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_________________________________

*(١) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه)) (٤٨٣٠) ؛ و مسلم في (( صحيحه ))(٢٥٥٤) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

______________________________________

 *(٢) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه )) (١٣٩٦) و مسلم في (( صحيحه )) (١٣) من حديث أبي أيِّوب الأنصاريِّ رضي اللّٰه عنه.

 _______________________________________

 ‏*(٣) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه )) (٥٩٨٤) و مسلم في (( صحيحه ))(٢٥٥٦) من حديث جُبير بن مطِعم رضي اللّٰه عنه.

 ‏_____________________________________

 ‏*(٤) أخرجة أحمد في (( مسنده )) ( ١٩٥٦٩) و ابن حبَّان في (( صحيحه)) ( الإحسان/ ٦١٣٧ ) ، و الحاكم في (( مستدركه )) : ١٤٦/٤ ، من حديث أبي موسى الأشعريِّ ، و قال الحاكم : (( حديث صحيح الإسناد )).

 ‏________________________________________

 *(٥) أخرجه أبو داود في ((سننه)) ( ٤٩٠٢ ) ، و التِّرمذيُّ في ((جامعه))(٢٥١١) ، و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤٢١١ ) من حديث أبي بكر ، و قال التِّرمذيُّ : ( حديث صحيح).

 ______________________________________

 ‏*(٦) روى مَعمَر في (( جامعه )) ( ٢٠٢٤٢) و من طريقه الطَّبرانيُّ في (( المعجم الكبير)) ( ٨٧٣٩ ) و البيهقيُّ في (( شعب الإيمان )) ( ٧٥٩٢ ) : أنَّ عبداللَّه ابن مسعود رضي اللّٰه عنه _ كان جالسًا بعد الصُّبح في حَلْقة ، فقال (( أَنْـشُـدُ الـلَّـه قَـاطِـعَ رَحـِـم إلَّا مـا قَـامَ عَـنَّـا ، فَـإِنَّـا نُـرِيـدُ أَنْ نَـدْعُـوَ رَبَّـنَـا ، وَإنَّ أَبْـوَابَ الـسَّمَـاءِ مُـرْتَـجَـةٌ دُونَ قَـاطِـعِ الـرَّحِـمِ ))___________🌼🌼🌼🌼🌼🌼

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

تسلم ايدك يا استاذ فارس

غير معرف يقول...

بارك الله فيكم.
موضوع مهم جداً .. وهو مشكلة هذا العصر..أغلب شباب هذا الزمن لايكثرتون لأمر الرحم وكأنه لايمتُّ بصلةٍ للإسلام قد تجد شاباًّ متديناً وصالحاً لكنه لايصل رحمه إلا نادراً ويجد صعوبة كبيرة في زيارة أقاربه..ولكن بالرغم مما يحمله زماننا من ضلال وفساد وبعد عن الدين فهناك أشياء هيأها الله لنا ليسهل علينا الكثير..فمثلاً الهاتف يسهل صلة الرحم والمواصلات تقرب البعيد..ولكن الناس كأنهم في غيبوبة حتى يفتحوا أعينهم وهم تحت اللحود.
اللهم أيقظنا من غيبتنا وافتح أعيننا على ديننا وذكرنا منه ما نسينا يارب العالمين.
"راضية بديني"

غير معرف يقول...

تسلم ايدك يا ابن الشيخ 😍

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...