المتابعون

الجمعة، 26 مايو 2023

humility _ التواضُع


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

 هيا بنا نستكمل حديثنا عن فضيلة التواضعَ ولمتابعة الجزء الاول من الموضوع إضغط هنا👈التواضُع

هناك في شريعتِنا الإسلامية _ كما في شرائع الأديانِ كلها ، و بخاصَّةٍ في موعظة سيدنا عيسى على الجبلٍ _ أحاديثُ كثيرةٌ تدور كلُّها حولَ معنى قولة تعالى { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } ، و الدعوة إلى وجوب احترامِ الناس ، و هو قولُه ﷺ: (( أَلاَ أُخْبرُكُمْ بأَهل الجَنَّةِ ؟ قالو: بَلَى ، قالَ : كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ، لو أقْسَمَ علَى اللًَهِ لَأَبَرَّه ، ألا أُخْبِرُكُمْ بأهلِ النارِ ؟ قالوا : بلي، قالَ : كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبرٍ )) _ متفق عليه ؛ أخرجه البخاريُّ في صحيحة( ٤٩١٨ )  و مسلم في صحيحه ( ٢٨٥٣ ) من حديث_ حارثة بن وهب الخُزاعيِّ رضي اللّٰه عنه _.

و الضعيف المتضعِّفُ هو ما يَستضعِفُه الناس ، أو هو رقيقُ القلبِ لَيِّنُ العريكةِ ، و لكنَّه لو حَلَفَ يمينًا طمعًا في كرم الله بإبرارِه لأَبَرَّه ، و هو كنايةٌ عن أنَّه مُستجابُ الدعوةِ ، أما العُتلُّ : فهو الغليظُ الجافي، الشديدُ الخصومةِ ، و الجوَّاظُ : فيما يقول شُرَّاحُ الحديث هو : الجَموعُ المنوعُ ، أي : الذي يَجمعُ المالَ ، و يمنعُه عن مُستحقِّيه ، ثم يَمشي مُختالًا بين الناسِ ؛ و المرادٌ بأهل الجنةِ في الحديثِ أنَّ أغلبَهم من القسم الأول ، كما أنَّ المرادَ بأهل النارِ أغلبهم منَ القِسمِ الثاني.

و يَرِد في هذا المعني دعاؤه ﷺ : (( اللَّهمَّ أحْيِني مِسكينًا و أَمِتْني مِسكينًا ، و احْشُرْني في زُمرةِ المساكينِ )) أخرجه الترمذي في جامعه ( ٢٣٥٢ ) من حديث أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه ، و قال ( حديث غريب ) و أخرجه ابن ماجه في سننه ( ٤١٢٦ ) من حديث_ أبي سعيد الخدري_ رضي اللّٰه عنه.

و قولة ﷺ (( إنَّ اللَّه أوحى إلَيَّ أنْ تواضَعُوا حتَّى لا يَبغِيَ أحَدٌ على أحَدً ، و لا يفخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ )) _ أخرجه مسلم في صحيحه ( ٢٨٦٥ ) من حديث _مطرِّف بن عبداللّٰه بن الشِّخِّير_ رضي اللّٰه عنه.

و أيضًا : (( مَا تواضَع أَحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعه )) _ أخرجه مسلم في صحيحه ( ٢٥٨٨ ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 

و قد خيِّر اللَّه تعالى نبيه بين أن يكون نبيًّا ملكًا ، أو نبيَّا عبدًا فقال : (( نبيَّا عَبْدًا )) إلى آخِر ما ورد في شأن هذا الخُلُق الرفيع الذي يخلُقُ من المجتمع شعبًا قويًّا متماسكًا .

و التأسيس الفلسفي لخُلُق التواضعِ في الإسلام هو أنهُ يأتي نتيجةً حتميِّةً لمبدأُ (( المساواةِ )) الذي أصَّلَه اللّٰه و رسولُه في القرآنِ الكريمِ و السُّنَّةِ المشرَّفةِ ، و كذا مبدأُ رجوعِ الناسِ جميعًا في أصلِهم إلى أبٍ و أمٍّ واحدةٍ ، فلماذا الاستكبارُ إذن بين المتساوينِ ! 

و هذا ما عَناه عمرُ رضي اللّٰه عنه _ في صرختِة التاريخيِّة : (( مَتَى اسْتَعبَدْتُمُ النَّاسَ وَقَدْ و لَدَتْهُم أُمَّهاتُهُم أَحْرَارًا )) _ أخرجة ابن عبد الحَكَم في ( فتوح مصر وأخبارها ) : ١٨٣.

من المؤلم أن نقول : إن فضيلة التواضعِ _ و كذلك فضيلة المساواةِ _ في غير بلادِ غير المسلمينَ أظهرُ و أكثرُ انتشارًا منها في بلادِ المسلمينَ ، و تحليلُ هذه الظاهرةِ و ما تتَضمَّنُه من مُفارقات لا تحتملُه هذه الكتابات.

ففي هذه البلادِ غيرِ الإسلاميِة - مثلًا - لا تجدُ هذا الحرصَ الشَّديدَ على ذِكرِ الألقاب في كل مرةٍ يُخاطب فيها صاحبُ اللقب ، و لا أتحدثُ عن دوائرَ خاصةٍ تقتضي طبيعةُ عملها الالتزامَ بتراتبيَّةِ الألقابِ المحدَّدةِ بلوائح و قوانين خاصة ، و لكن أتحدث عن مخاطباتنا العامة في الدواوين و الوزارات و الجامعات و المكاتب و غيرها ، و ما تعودنا عليه من ضرورةِ اقترانِ الاسم باللقب مثل : ( باشا ، أو بيه ، أو صاحب السعادة ، أو صاحب المعالي ، أو صاحب الفضيلةِ ) أو غيرها من الألقاب التي خَيَّلتْ لأصحابها من فَرْطِ تكرارها على مسامِعِهم أنَّهم مُتميزون فعلًا على غيرهم ، و أنهم ينتمونَ لطَبَقةٍ أعلى و أسمى منزلة من طبقات الآخَرين ، و كثيرًا ما خُيِّلَ لأصحابِ هذه الألقابِ أنَّهم نُخبةٌ مُتميِّزةٌ ، و أن أبناءَهم ليسوا كبقية أبناء الناس ، و من حقِّهم أن يَتميِّزوا باستثناءاتٍ في الوظائفِ و المناصبِ يسبقونَ بها أصحاب الكفاءات العليا من أبناء و بنات الطبقات المغمورة في المجتمع ، و أن من حقهم أن يُورِّثُوا أبناءهم و ظائفهم و كراسيَّهم التى يجلسون عليها.

و هذا السلوكُ الذي تشقى به شريحةٌ عريضةٌ منَ الناس أساسُه التنكُّرُ لخُلُقِ (( التواضعِ )) و مبدأِ المساواةِ ، و الانزلاقُ_ اللا شعوري المتدرِّجُ _ في هاويةِ ( الكِبْرِ و الاستعلاء ) و التصنيفُ الزَّائفُ للناس على أساسِ المالِ و الجاهِ ، و ليسَ على أساس العملِ الصالحِ و الخُلُق الحسَنِ الطيب.

و ليس من الإسلام و لا من مكارم الاخلاق - الترفُّعُ- على الفقراءِ ، و التأفُّفُ من البسطاءِ ، أو النظرةُ الدونيَّةُ لمن يعملُ في أعمالٍ أو حِرَفٍ متواضعةٍ ، و ليس من الإسلام و لا من التحضُّر و لا من مكارم الأخلاق تصنيفُ العائلات إلى طبقات ، بعضُها فوق بعضٍ ، و امتناعُ عائلاتٍ من تزويج بناتِها من عائلاتٍ أخرى كِبرًا و تعاليًا ، و المسلمُ الحقيقيُّ هو من يقولُ : سمعًا و طاعةً لأمر النبي ﷺ في قولة : (( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَه و خُلُقَه فَزَوِّجُوه ، إلَّا تَفْعَلُوا تكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرضِ و فَسَادٌ كَبيرٌ )) ، صدق رسولُ اللّٰه ﷺ.

_ أخرجة الترمذي في جامعه ( ١٠٨٤ ) و ابن ماجه في سننه ( ١٩٦٧ ) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼🌼🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

مجهود كبير ومميز بالتوفيق دائما

Ahmed Mekky Solar يقول...

ما شاء الله
الله ينور يا مبدع
ابداع ولا أروع

غير معرف يقول...

احسنت

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

غير معرف يقول...

ما شاء الله ربنا يزيدك يا ابن الشيخ 😍

غير معرف يقول...

ما شاء الله تبارك الله كالعاده سرد متميز

غير معرف يقول...

جميل بجد ما شاء الله عليك 🌹🌹

غير معرف يقول...

ربط فضيلة التواضع بالدين موفق هنا .. ويوضح أن الإيمان يساعد المؤمن على التحلي بصفات حميدة

مهندس اسامه يقول...

ماشاء الله ربنا يحفظك

Muhammad Mustafa Al-Maraghi- محمد مصطفى المراغى

  الأستَاذ الإمَام الشَيخ محمد مصطفى المراغى  شيخ الأزهر الأسبق  الشيخ المراغى كان إمام المسلمين فى عصره وحامل لواء الإصلاح الأزهرى تشريعا و...