المتابعون

الأحد، 7 يوليو 2024

رفاعة بك رافع الطهطاوي_ Taha


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

هو السيد : 

رفاعة بك ابن بدوي بن علي بن محمد بن علي رافع ، و يلحقون نسبهم بمحمد الباقر بن على زين العابدين ابن الحسين ابن فاطمة الزهراء.

المتوفي سنة ١٢٩٠ هـ = ١٨٧٣ مـ .

ولد في طهطا بمديرية جرجا في صعيد مصر ، و يؤخذ مما كتبه عن نفسه في رحلته أن أجداده كانوا من ذوي اليسار . 

و لكن الدهر أخنى عليهم ، و الأيام تنكرت لهم ، فلما وُلِدَ تفتحت عيناه على الضيق و العسرة ، و سار به و الده إلى منشأة - النيدة - بالقرب من مديرية جرجا ، فألقى عصاة تسياره بين قوم كرام النفوس ، ذوي يسار و  مجد ،  يقال لهم ( بيت أبي قطنة ) فأقاما هناك مدةً ، ثم نزحا إلى - قنا -و لبثا بها حتى شَبَّ الغلام ، و شرع يقرأ كتاب الله ، ثم نقل إلى فرشوط التي عاد منها إلى طَهْطَا و طنه الأول ، بعد أن أتمَّ القرآن حفظًا .

الأزهري الصغير

و قد تهيأت له في حداثته ثقافةٌ أزهريةٌ ؛ إذ قرأ كثيرا من المتون الأزهرية المتداولة على أخواله ، و فيهم طائفة من علماء الأزهر الفضلاء ؛ كالشيخ : عبد الصمد الأنصاري ، و الشيخ : أبي الحسن الأنصاري ، و الشيخ فراج الأنصاري ، و غيرهم .

و لما توفي والد رفاعة قدم هو إلى القاهرة ، و انتظم في سلك الطبلة بـ الجامع الأزهر ، في سنة ١٢٢٣ هـ ؛ وجَدَّ في الدرس و المطالعة حتى نال من العلم حظًّا محمودًا ، و لم يمضِ بضع سنين حتى صار من طبقة العلماء في اللغة و الحديث و الفقة ، و سائر علوم _المنقول _ و المعقول ، و كان في جملة مَنْ تلقَّى عنهم العلم العالم اللغويّ الشاعر و الكاتب الشيخ _ حسن العطار ؛ المتوفي في سنة ١٢٥٠ هـ ، و قد تنبه إلى مخايل ذكائة ، وأمارات نجابته ، فميزه من أقرانه ، و خصه ببالغ عطفه ، و كان يتردد على منزله لينهل من علمه ، و ينشد توجيهه ، و يشترك معه في الاطلاع على الكتب الغريبة التي لم تتداولها أيدي علماء الأزهر*(1).

نبوغـه المبكر 

أشرق نبوغُ رفاعةَ وذكاؤُه وهو لدن العود ، غَض الصبا ، وبدت لذلك علائم ودلائل ، فقد أُثِرَ عنه أن أحد الفضلاء المدرسين سأله زمن حضوره بالأزهر ، تأليف خاتمة لكتاب _ قطر الندى وبل الصدى _ فأجابه لذلك و أنشأها في صحن الأزهر ، في جلسة خفيفة ، فختم القطر بها ذلك المدرس ، وعُدَّ ذلك على فضله مع حداثة سنه من أبلغ الدلائل ، ومن ذلك الوقت اعترف له وهو ابن عشرين سنة جميع أبناء طبقته ؛ بأنه تلقى راية العلم باليمين*(2).

مواهبه وجده 

قضى رفاعة في الدراسة في الأزهر زهاء ثماني سنوات ، كان فيها مرموقًا لذكائه وجدِّه ، وسلامة ذوقه ، ودقة فهمه ، لم يكن يلتزم طريقة زملائه الطلاب في مبدأ طلبه ؛ = بل كانت دروسه تتعدد في اليوم الواحد تعدادًا زائدًا عن طاقته و وسعه*(2).*

وقد اشتغل في الأزهر بعد تخرجه بتدريس كتبٍ شتى في المنطق و البيان و البديع و العروض و الأدب وغير ذلك وكان سهل الأداء ، عذب الأسلوب ، فصيح التعبير ، قادرًا على تصوير المعنى بطرق مختلفة ، يجد الذكي و غيره في درسه نفعًا وإرشادًا وهداية.

ولقد يبلغ به الجد والمثابرة أنه لا يقف في ذلك اليوم و الليلة على وقت محدود ، فكان ربما عقد الدرس للتلامذة بعد العشاء ، أو عند ثلث الليل الأخير ، ومكث نحو ثلاث أو أربع ساعات على قدميه في درس اللغة ، أو فنون الإدارة و الشرائع الإسلامية ، و القوانين الاجنبية ، و كذلك كان دأبه معهم في تدريس كتب فنون الأدب العاليه ؛ بحيث أمسى جميعهم في الإنشاء نظمًا ونثرًا أطروفة مصرهم ، وتحفة عصرهم ، ومع ذلك كان هو بشخصه لا يفتر عن الاشتغال بالترجمة أو التأليف ، و كانت مجامع الامتحان لا تزهو إلّا به*(3).

الوظائف التي شغلها 

شغل رفاعة بك كثيرًا من الوظائف العلمية و الإدارية ، فكان فيها مثلًا رفيعًا للكفاية و الجد ، ونموذجًا يحتذى في بروز الشخصية و وفرة الإنتاج ، و قد عثر صالح بك مجدي صاحب كتاب ( حلية الزمن بمناقب خادم الوطن ) على ورقة مختومة سرد فيها رفاعة المناصب التي تقلدها ، و الأعمال التي اضطلع بها ، وذلك أنه عُيِّنَ خطيبًا و واعظًا لدى _حسن بك المانسترلي_ ، الذي ارتقى فيما بعد رتبة الباشوية ، وعين في منصب (( الكتخدائية )) في عهد عباس باشا الأول _، وتُوفيَ في زمن محمد سعيد باشا _ ، ثم نقل إلى مثل هذه الوظيفة لدى أحمد بك الشكلي ، الذي مُنح رتبة الباشوية فيما بعد ، و توفي في عهد محمد سعيد باشا.

رفاعة في البعثة 

ولما أراد محمد علي أن يرسل طائفةً من الشباب النابهين إلى باريس ؛ لينقلوا علوم الغرب وآدابه وثقافته ، و طلب من الشيخ حسن العطار ، أن ينتخب لهم إمامًا من علماء الأزهر ، فيه الأهلية و اللياقة ، اختار تعيين صاحب الترجمة لتلك الوظيفة .

و كان الشيخ حسن العطار من المعجبين بذكائه ، المقدرين كفايته و علمه ، فزكَّاه لهذا العمل الذي كان باكورة نجاحه و مطلع شهرته وانبلاج صبحه.

اتجه مع البعثة إلى باريس موصًّى من شيخه العطار بأن يجدي على بلاده بعمل رحلة ، يسجل فيها ما يشاهده في فرنسا من أحوال و أخلاق و عادات فألف رحلته المشهروة التي سماها : ( تلخيص الإبريز ، و الديوان النفيس ) ، وقد شرع يتعلم الفرنسية منذ غادر مصر ، وبذل همه وعزمه ، واتخذ له بعد وصوله إلى باريس معلمًا خاصًّا على نفقته ، و ما لبث في هذه البلاد أن عرفه العلماء و الأدباء و قدروه حق قدره و كان للمسيو ( جومار ) فضل سابغ عليه بإرشاده وتعليمه و وفائه له في وده ، كما فعل ذلك معه العالم الشهير ( البارون دساسي ) .

و في المدة التي أقامها بباريس بين _ ١٢٤١ و ١٢٤٦ هجرية ؛ نبغ في العلوم و المعارف الأجنبية ، و لاسيما في الترجمة في سائر العلوم على اختلاف مصطحاتها ، ولم تكن هذه المدينة البراقة الفاتنة لتصرفه عن التوفر على المثابرة والتضلع في ثقافة هذه البلاد ، أو تجرح خلقه وحصانته ، بل أكبَّ على عمله غير مدخر وسعًا ، حتى ترجم خلال إقامته بباريس جمهرةً من الرسائل و الكتب ، منها : ( قلائد المفاخر ) و الذي سنذكره في آثاره.

عودة رفاعة من بعثته

ولما رجع من بعثته عُيِّنَ في سنة ١٢٤٩هـ ؛ بمدرسة الطب بأبي زعبل في وظيفة مترجم و مدرس للغة الفرنسية ، ورئيسًا لقسم الجغرافيا بالمدرسة ، ثم انتقل في السنة نفسها إلى مدرسة الطوبجية ، وأقام بها إلى سنة ١٢٥١ هـ ؛ شغل وظيفة مترجم ، و كانت هذه المدرسة قائمة على تحصيل الفنون العربية ، مؤسسة لترجمة العلوم الهندسية و الفنون العسكرية ، ويقول صاحب (( حلية الزمن )) صـفحة رقم -١٢؛ وقد عثرت له مدة إقامته بها على رسالةٍ مترجمةٍ في الهندسة العادية ، مطبوعة بمطبعة بولاق البهية ، و هذه الرسالة من جملة الرسائل الفرنسية التي يقرؤها التلامذه بمدرسة سانسيرا بفرنسا ، و قد انتفع بها أبناء هذه المدارس .

ثم وكلت إليه نظارة ( قلم أفرنجي ) في عهد محمد سعيد باشا ، و نيطت به نظارة دار كتب قصر العيني ، و كانت ضخمة حافلة بالأسفار ؛ إذ تضم أثني عشر ألف ، أو خمسة عشر ألف مجلد ، ومعظمها بالفرنسية و الإيطالية*(4).

كما وُكِّلَت إليه رئاسة فرقة تلامذة الجغرافيا بهذا القصر.

رفاعة ومدرسة الألسن

و كانت هذه المدرسة من وحي رأيه ، وثمرات فكره ، فقد عرض على الجناب العالي أن تنشأ هذه المدرسة لتجدي على الوطن أبلغ جدوى ، و ليستغني بها عن الأجانب الدخلاء ، وقد عهد إليه اختيار التلامذة لهذه المدرسة فطاف بهم ، وانتخب مَن وجد فيه صلاحية وكفاية . 

أسس رفاعة مدرسة الألسن، وانتهت إليه إدارتها والإشراف على تلاميذها والترجمة بها ، وعلاوة على قيامه بإدارة المدرسة من الوجهة الفنية ، كان ناظرًا لها من الوجهة الإدارية ، كما كان يشرف على مراجعة و إصلاح الكتب التي كان يمر بها تلامذته *(5).

ولما كان مرهقًا بكثرة العمل ، و الاضطلاع بمختلف الشئون ، خصص له ديوان المدارس مدرسًا فرنسيًّا ليعاونه في إدارة المدرسة ، و التفتيش على الدروس وأمانة المكتبة ، وليخفف بمعاونته من هذه الأعمال التي يضيق الزمن بها ، فإنه كان يطوف كل عام بمكاتب المبتديان في الأقاليم ؛ ليشرف على امتحان التلاميذ الذين يتقدمون إلى المدرسة التجهيزية ؛ ليلحق المتفوقين منهم بها .

و من العجيب أن يضطلع إلى جانب هذا كله بنظارة مدرسة التجهيزبة ، و الوقائع المصرية ، و الكتبخانة الأفرنجية ، و مخزن عموم المدارس ، و الإشراف على قلم الترجمة الذي أُسِّس بمدرسة الألسن ، و الإشراف على مدرسة المحاسبة و الفقه الشرعيّ ، و الإدارة ، و الأحكام الإفرنجية ، وملاحظة المكتب العالي ( بالخانقاه ) ، وقد ظل رفاعة بك مديرًا لمدرسة الألسن ، و المدارس الملحقة بها ، حتى أوائل عصر عباس الأول ؛ حيث نُقلت من الأزبكية إلى الناصرية و لما ألغيت مدرسة الألسن ، عُيِّنَ ناظرًا للمدرسة الابتدائية التي أنشئت في الخرطوم .

تلك هى الوظائف التي شغلها رفاعة بك ، الذي كان حركة دائبةً و عملًا موصولًا ، و إنها لجهود جبارة تتقاصر دونها جهود الرجال وتعيا عن حملها قوي متضافرة و عزائم متعاونة ، عدا ما اضطلع به من أعمال جسام عقب عودته من الخرطوم .

و لنظارته لمدرسة الخرطوم بالسودان قصةٌ تهوى النفوس معرفتها : سوف نكلمها في موضوع اخر وكيف كان نفيه إلى الخرطوم ، وأثر رفاعة في الحركة العلمية فى السودان واكتفي بهذا القدر ......... حتى لا أطيل عليك عزيزي/ت ... 

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*الـمـراجـع .___________________________


*(1) الخطط التوفيقيه ، جـ ١٣ ، صـ ٥٤._________

*(2) حلية الزمن بمناقب خادم الوطن ، للسيد صالح مجدي صـ٥______________

*(2) نفس المرجع صــ٥_________

*(3) الخطط التوفيقيه ، جـ١٣ ، صـ٥٤______

*(4) تقويم النـيل ، لأمين باشا سامي جـ٢ ، صـ ٤٤٨.___

*(5) دفتر رقم ٢٠٢١ ( مدارس تركي ) ، جلسة شورى

 المدارس ، في ٢١ من ذي القعدة ، سنة ١٢٥٢ هـ.
 

هناك 5 تعليقات:

جزاك الله خيراً وبارك فيك صديقي العزيز يقول...

جزاك الله خيراً وبارك فيك صديقي العزيز

ghadahelmy200@gmail.com يقول...

موضوع مهم ومتميز...سيرة النابهين من علماء مصر موضوع مشوق ..في عصرنا هذا في امس الحاجة إليه
موفق دائما

غير معرف يقول...

اللهم اجعلنا على أثره..إنه قدوة وعلم ومرجع يُحتدى به
راضية بديني

غير معرف يقول...

جزاكم الله خيرا موضوع فوق الرائع

غير معرف يقول...

بارك الله فيك دراسة حديثة ومعبرة ووافية

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...