السلامُ عليكم ورحمةُ اللّٰه و بركاتُه
.... كلُّ عامٍ و أنتم بخير ، بمناسبةِ حُلولِ هذا الشِّهرِ الكريم المبارَكِ … شهر رمضان .. شهر الخيرِ و البركةِ ، شهرِ المغفرةِ و الرحمةِ و العتق منَ النَّارِ ، و إنَّا و في هذه الساعات الأولى من هذا الشهرِ ، لَنسألُ المولى _سبحانَه _ العفوَ و العافيةَ مما أصابَ البلادَ و العبادَ ، و اللُّطفَ بما نزل بنا و بغيرِنا منَ البأساءِ و الضَّراءِ .... آمينَ .
و أُذكِّركُم و أذكر نفسِي بما نَعلمُه جميعًا من نداءِ اللَّه تعالَى للمؤمنينَ في الآيةِ الكريمة التي يَحفظُها الجميعُ ، و هي قولُه سبحانَه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( ١٨٣ ) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ } _ البقرة { ١٨٣_١٨٤ }.
أذكركُم ببعض ما تضمَّنتْه الآيةُ من إشاراتٍ لا ينبغي أبدًا أن نغفل عن مرامِيها ، و عن دلالاتِها ، فهي نداءٌ للمؤمنينَ بأن لا يستوحشوا من رمضانَ ، و ألَّا يستثقلوه ، و ألَّا يستقبلوه بصدرٍ ضَيِّقٍ ، فالذين آمنوا لم يتفرَّدوا وحدَهم من بين سائر الأمم بهذه الفريضةِ ، فهذا التَّكليفُ ليس قاصِرًا عليهم دُونَ غيرهم ، بل كتبَه اللَّهُ على الأمم السابقةِ أيضًا ، و إن كان لم يُبيِّن لنا كيفيِّةَ الصومِ المفروض عليهم ، و لا نوعَه ، و لا وقتَه.
و التَّاريخُ يحدِّثنا أن الصومَ عبادةٌ معروفةٌ لدى القدماءِ ، حتى لدى غيرِ المؤمنينَ من الوثنيينَ و اليونانِ الأقدمينَ و الرومانِ ، و يؤكِّد المؤرخون أن الصوم كان رُكنًا من أركانِ عبادات هذه الأمم : طبَّقتْه البراهمةُ ، و فرضَتُه على الجميع ، حتى على الشيوخ و على المرضى ، كما طبِّقتْه طوائفُ (( اليوجا )) ؛ فكانوا يصومونَ صَومًا مُتواصِلًا من عشَرةٍ إلى خمسةَ عشرَ يومًا ، لا يتناولونَ في أثنائها إلا حَسَواتٍ من ماءٍ ،، و الأمرُ كذلك عند البوذيَّةِ ؛ يصومونَ يومًا و ليلةّ لا يذوقون فيها شيئًا ، و كذلك الصينُ و قدماءُ المصربينَ و الرومانِ.
و الصومُ من شعائر الدِّينِ عند اليهودِ و منصوصٌ عليه في (( التَّوراةِ )) ، و من قدمائِهم مَن كانوا يصومونَ يومًا كامِلًا من المساءِ إلى المساءِ ، و يضمُّون إلى الصَّومِ عن الطَّعام و الشَّرابِ النومَ على الحصى و الترابِ.
و الأمر كذلك عند المسيحيينَ يصومونَ أربعينَ يومًا ، و يَمتنِعونَ عن أَكلِ اللُّحومِ بأنواعها كافة ، و ما يَنتُجُ عنها من لبنٍ و جُبنٍ و زُبدٍ.
و كلُّ هذا يُفسِّرُ قوله تعالى :( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )
و هو تأنِيسٌ للمسلمينَ ، و ترغيبٍ لهم في تأديةِ هذه الفريضةِ التي تمثِّلُ رُكنا ثابتًا من أركانِ الدينِ في كلِّ زَمانٍ و مكان.
ثمٌ تأتي الإشارةُ الثَّانيةُ في الآيةِ في قولِه تعالى : ( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ ) حيثُ يُشيرُ التَّنكيرُ في قولِه ( أَيَّامًا ) إلى القلَّةِ ، و إلى التَّهوينِ ، مما يُشجِّعُ المؤمنين على المسارعةِ لتلبيةِ النِّداءِ بصَوم هذا الشَّهر ، و كأن القرآن يقولُ : إن صومُ رمضانَ أمرٌ هيِّنٌ على المؤمِن ، و لا يَليقُ أن يتركَه المسلم و المسلمةُ إلا لعُذر شرعيٍّ من مرضٍ و سفرٍ و غيرِهما.
و تأتي الإشارةُ الثَّالثة لتُفيدَنا أن الغايةَ مِن الصوم هي تقوى اللّٰه ، بمعنى مُراقبةِ الله تعالى في كلِّ صغيرةٍ و كبيرةٍ ، و محاسبةِ النَّفسَِ ، و حَبسِها عن الشَّرِّ و إطلاقِ عِنانِها في الخير. و ما يَجبُ التِّنبُّةُ له في أمرِ الصَّومِ هو أنَّ كثيرينَ يُخيَّل إليهم أن الصومَ يكفِي فيه الامتناعُ عن الطعام و الشراب و ما إليهما من دَعواتِ الغَرائزِ و الشَّهوات ، و هذا ليسَ بصَحيح ؛ لأن هذا النوع من الصيام هو صومُ المعدَةِ ، و هو أحدُ أنواع الصِّيام التي تتعدَّدُ بتعدُّدِ جوارحِ الإنسانِ ؛ فللعين صومٌ ، و للسانِ صومٌ ، و لليد صومٌ ، و كلُّها أنواعٌ من الصَّومِ و الإمساكِ و الامتناعِ لا مَفرَّ منها لتدريب المسلمِ على الكفِّ عن محارمِ اللَّهِ منَ النَّظرةِ الآثِمةِ ، و استباحةِ الكَذِبِ ، و قولِ الزُّورِ ، و السُّخريةِ من النَّاسِ ، و سَماع الغِيبَةِ و النَّميمةِ ، و تَرويج الأكاذيب و الأراجيف ، و إيذاءِ الآخَرِ باللسانِ أو اليد قال رسول اللّٰه ﷺ : (( الـمـسـلـمُ مَـنْ سَـلِـمَ الـنـاسُ مـن لِـسَـانِـه ويـدِه )) _ أخرجه _بهذا اللَّفظ _ أحمد في (( مسنده )) ( ٧٠٨٦ ) من حديث عبدالله بن عمرو _ رضي الله عنهما ، و الحديث أصله في ( الصَّحيحين ) .
و إن من أدلِّ الدِّلائلِ على أنَّ معنى الصومِ في الإسلام أوسعُ و أشملُ بكثيرٍ من معنى الامتناعِ عنِ الطَّعامِ و الشرابِ قولُه ﷺ : (( مَـنْ لم يَـدعْ قـولَ الــزُّورِ و الـعـمـلَ بـه ، و الـجـهـلَ ، فـلـيـسَ لـلَّـه حـاجَـةٌ فـي أن يَـدَعَ طـعـامَـه و شـرابـَه )) _ أخرجه البخاريُّ في ( صحيحة ) ( ١٩٠٣ ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه النَّسائيُّ في (( السُّنن الكبرى )) ( ٣٢٣٦) و ابن ماجه في ( سننه ) (١٦٩٠ ) و أحمد في (( مسنده)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إنَّ فلسفةَ رمضانَ هي التَّدريبُ على مَلكةِ الاعتلاءِ و الارتفاعِ و الاستغناء ، و امتلاكِ الإرادةِ ، و القدرةِ على التَّرك ، و التَّحرُّر من عبوديَّةِ الشيطانِ و النَّفسِ و الهوى و الفُجورِ ، إنها تقوى اللَّه في السرِّ و العَلَنِ.
و هذا و اللّٰه أعلم 🌺🌼🌼
و كل عام و أنتُم بخير 🌼
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق
#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
هناك 9 تعليقات:
جزاك الله خير جزاك ..إستمر فى الكتابة ولا تتوقف ...
كل سنة وانت طيب يا استاذ فارس . طبعا الصيام والإسلام عموما لا ينبغي فرضه على الناس
احسنت
جزاك الله خيرا
بارك فيك استاذنا وفي محهوداتك وكل عام وحضرتك بخير
بارك الله فيك أخى الفاضل
نفع الله بك
احسنت
جزاكم الله خيراً رائع .. كل عام وأنتم بخير
إرسال تعليق