المتابعون

الثلاثاء، 21 مارس 2023

سيدي قماري ( السلطان حسن )


 

من هو السلطان حسن ؟!

لم يكن السلطان حسن من سلاطين المماليك الذائعي الصيت ، و لا كان من الحكام العظماء ، و لا كان محبوبًا من العامة ، ولكنه بنى مسجدًا عظيمًا ، شامخًا من أجلِّ العمائر الإسلامية خلد اسمه على مر الزمان .

هو الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون الابن السابع لثمانية أولاد خلفهم الناصر محمد بن قلاون ،اعتلى العرش للمرة الأولى ( 1347م ) بعد أخيه الملك المظفر حاجي و عمره ثلاث عشرة سنة ، ولم يكن له في أمر الملك شيءٌ لصغر سنه ، بل كان الأمر بيد أمرائه ؛ و يقول عنه ابن إياس : أطلق اسم سيدي قماري على السلطان حسن منذ صغره سنه لشدة حسنه وجماله و لما تولى السلطنة طلب من الأمراء أن يطلقوا عليه سيدي حسن فقال لهم : (( ما اسمى قماري ، إنما اسمي سيدي حسن ، فقال له الأمراء و الوزراء و الحاشية : على بركة اللّٰه )) . و اتفق المؤرخون على أن السلطان حسن كان أشقر الشعر ، يميل إلى الطول و يذكر المقريزي أنه كان ملكًا حازمًا ، مهيبًا ، شجاعًا ، ويصفه ابن تغري بردي بأنه كان مفرط الذكاء ، عاقلاً ، رفيقًا بالرعية ، متدينًا ، ولو وجد ناصرًا أو معينًا لصار من أجلِّ الملوك. و يروي المقريزي أنه عند تولية السلطان حسن الحكم دقت الطبول دقات عنيفة تحية له وكانت أصوتها عالية ففزع السلطان و أصيب بصرعة صاحبته طوال حياته.

و فى عام ( 1350م ) حدثت فتنة كبيرة يقودها الأمير _طاز_ و جماعة من الأمراء فأعلنوا الثورة و اقتحموا القلعة و قبضوا على السلطان حسن و عزلوه عن الحكم و حبسوه في قاعة الحريم وولوا شقيقة ( الملك الصالح صلاح الدين ) بدلًا منه ، و بعد ثلاث سنوات استطاع السلطان حسن خلع أخيه الملك الصالح و عاد إلى الحكم مرة أخرى فعظم شأنه هذه المرة و اشترى عددًا كبيرًا من المماليك .

اجتاح مصر في حكمه الطاعون الكبير الذي يطلق عليه الوبيلي ( 1348م ) ، و شح ماء النيل و بلغ عدد الوفيات من عشرة آلاف إلى عشرين ألف وفاة يوميًّا ، وتسبب الوباء في حدوث نقص كبير في عدد سكان مصر ففقدت ثلثي سكانها حتى قيل إن الشوارع كانت خالية و مات إجمالاً تسعمائة ألف شخص فخلت البيوت من السكان و وصل سعر أوقية القمح إلى مائتي درهم.

و في عام ( 1356م ) قرر السلطان حسن تشيد جامع و مدرسة لتخليد اسمه كعادة سلاطين المماليك فكل سلطان تولى الحكم شيِّد جامعًا ، انتقى السلطان حسن موضعًا يعرف بسوق الخيل مكان قصر الأمير _ يلبغا اليحياوى_ نائب الشام ، وأمر بهدم القصر لتوفير المساحة الكافية لاستيعاب وحدات مدرسته ، و يروى أن السلطان وجد كنزًا من الدنانير _اليوسفية_ عند حفر أساس هذا الجامع فأنفق منها على البناء ؛ عني السلطان حسن بهذا الجامع عناية فائقة واستمر العمل به طوال حياته وكان ينفق عليه بسخاء شديد ، واستمرت العمارة فيه ثلاث سنوات بدون أي توقف ولو يومًا واحدًا و كانت تكلفة البناء تصل إلى عشرين ألف درهم يوميًّا ، وقيل إن القالب الخشبي الذي شيد حوله الإيوان الكبير تكلف مائة ألف درهم .

و ينسب الطواشي مقبل الشامي إلى السلطان حسن قولة (( لو لا أن يقال إن سلطان مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ماصرف عليه )).

يشغل الجامع مساحة كبيرة تصل إلى ما يقرب من فدانين إذ تبلغ مساحته _7906 أمتار ، و يبلغ طوله مائة و خمسين مترًا ، وارتفاعه سبعة و ثلاثين مترًا و سبعين سنتيمترًا و هو ما يوازي عمارة مكونة من اثني عشر طابقًا و يقال : إنه أكبر من إيوان كسرى بالمدائن في العراق بخمسة أذرع.

هذا البناء العظيم الذي يبعث في النفس شعورًا خفيٍّا بالرهبة و السمو ، تقر العين من روعة الجمال الطاغي و تصفو النفس من روحانية المكان؛ يقع بصدر المدخل مسطبة محلاة بالرخام الملون المعشق في رخام أبيض مرمري ، يمر الإنسان بدهليز طويل قبل أن يدخل إلى الصحن المكشوف الذي يحيطه أربعة إيوانات ضخمة و يتوسطها ميضأة تعلوها قبة خشبية محمولة على ثمانية أعمدة من الرخام الأبيض ، يحيط بالصحن أربعُ مدارس على المذاهب الأربعة ؛ المدرسة الشافعية ، و المدرسة الحنفية ، و المدرسة المالكية ، و المدرسة الحنبلية ، كما كانت توجد خلف هذه المدرسة مساكن الطلاب موزعة على ثلاثة طوابق ، و يحيط بإيوان القبلة إفريز نادر من الجص مكتوب عليه بالخط الكوفي المزهر آيات من القرآن الكريم يتخللها زخارف دقيقة ، يقبع خلف إيوان القبلة الضريح الذي يتم الوصول إليه عبر بابين يكتنفان المحراب و قد كتبت آية الكرسي بالكوفية على ألواح الخشب المعلقة فوق الجدران ، تضم قبة الضريح كرسي مصحف و يعد من أقدم كراسي المصاحف الموجودة بمصر و هو مطعم بحشوات من خشب الأبنوس على هيئة أطباق نجمية.

و الجامع من الداخل لا يقل عظمة و بهاء عنه من الخارج فنرى براعة و دقة الحفر على الحجر في زخارف المدخل و مقرنصاته الرائعة التي تتحول إلى رموز تظل محفورة في ثنايا الذاكرة و تدعو الإنسان للتفكير في عبقرية هذا المكان الفريد.


و كان يخطط لهذا الجامع أو المدرسة أن تضم أربع مآذن شاهقة ، أتم العمال بناء المئذنتين الجنوبية و الشرقية و عند تشييد المئذنة الثالثة سقطت بدون سابق إنذار و قتل تحت أنقاضها ثلاثمائة طفل من الأيتام الذين يدرسون في كتاب الجامع و لم ينج منهم إلا ستة أطفال فقط ، فتغاطى السلطان حسن عن إكمال هذه المئذنة و ألغي فكرة بناء المئذنة الرابعة ، ورأى العامة في تلك الحادثة نذير شؤم يهدد بزوال ملك السلطان و تحققت نبوءتهم فمات السلطان بعدها بثلاثة و ثلاثين يومًا فقط.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن أكمل لكم قصة السلطان حسن وكيف قتل 

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

جميل يا استاذ فارس .. بس عاوزين شغل رمضان وأجل السلطان حسن إلى بعد العيد

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا

غير معرف يقول...

جميلة جدا ،بوركت وزادكم الله من فضله

ashraf elshreef يقول...

تحياتى لكم وكل عام وأنتم بخير ونشكر لكم هذا السرد الجمل للقصص التاريخى ونتمنى المزيد عن دول الخلافة العباسية والاموية

zizo يقول...

احسنت

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...