المتابعون

الجمعة، 4 أغسطس 2023

Tawakkul _ الـتَّـوكُّـل...1


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

ما هو التوكُّلُ في الإسلام ؟

إن الإجابةَ على هذا التساؤلِ ، و أمثالِه ، تقتضينا أوَّلًا أن نعرِفَ معنَى (( التَّوكُّل )) في الإسلام ، فماذا يعني التَّوكُّل في شريعةِ هذا الدِّينِ القَيِّمِ ؟

و قبل أن نناقش هذا السؤالِ المحوريِّ في موضوعِ التَّوكُّلِ على اللَّهِ تعالى ، أوَدَّ أن ألفِتَ الأنظارَ الى أن كثيرًا مِنَ العلماءِ نبَّهُوا إلى (( خطأٍ )) شديدٍ يقعُ فيه بعضُ عوامِّ المسلمينَ ، و ذلك حين يفهمون التَّوكُّلَ على أنَّه تفويضُ الأمرِ إلى اللَّهِ تعالى و إرادتِه و قدرتِه و تدبيرِه ، و لا يقيمون و زنًا للأسبابِ التي أمَرَ اللَّهُ باتخاذِها في التَّوكُّل عليه جنبًا إلى جنبٍ ، بل يَعْتدي البعضُ على هذا الأمر الالهيِّ و يتركُ الأسبابَ انتظارًا لقضاءِ اللَّهِ و قَدَرِه .

و في الحقيقةِ هذا الصِّنفُ مِنَ المسلمينَ قليلٌ جِدَّا ، و أغلَبُ الظَّنِّ أنهم يتركون الأسبابَ كسَلًا و تقاعُسًا و مَيلًا إلى الراحةِ و الخمولِ ، و يقدِّمُون مثلَ هذه الأعذارِ تبريرًا لهذا الكسل .

و قد دفع هذا السلوك أعداء الأسلام لاتهامه بأنه السببُ في ما حَلَّ بالمسلمينَ مِنَ الضَّعفِ و الهوانِ و الفَقرِ و الجهلِ .

و هذا الاتِّهامُ هو مِن جملةِ أكاذيبِ بعضِ المستشرقِينَ و المبَشَّرينَ الذين ربطُوا بينَ نَجاحِهم في مهماتهِم الاستعماريَّةِ و بينَ زعزعَةِ ثقةِ المسلمين في دينِهم و قُرآنِهم و سُنَّةِ نبيِّهم ﷺ ، و لسنا بصَدَدِ تفنيدِ هذه الأكاذيبِ و الأباطيلِ ، و يكفي أن نقولَ : إنَّ مَن يُلقِي نظرةً منصفةً على تاريخ المسلمينَ يُدرِكُ على الفَورِ أنَّ ما حَلَّ بالمسلمينَ من ضَعفٍ إنما كان نتيجةَ ابتعادِهم عن تعاليمِ دينِهم ، و أنَّ حضارَةَ المسلمينَ العلميَّةَ و الأخلاقيَّةَ _ التي امتدت مِن إسبانيا إلى الصين في وقتٍ قصيرٍ _ إنَّما تحقَّقَت حين كان المسلمونَ يتوكَّلُون على اللَّهِ وحدَه و يفعلونَ ما أُمِرُوا به مِن اتخاذِ أسبابِ القُوَّةِ الماديَّةِ و الرُّوحيَّةِ ، و كيف يُتَّهَمُ الإسلامُ بأنَّه دِينُ الكَسَلِ و التَّحريضِ على تَركِ (( الأسباب)) و القرآنُ يأمُرُ المسلمِينَ أمرًا صريحًا باتخاذِ الحَيطَةِ و الحَذَرِ و الأسبابِ ؟

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذْرَكُمْ }{ النساء : ٧١ }.

{ وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }{ الانفال : ٦٠ }.

{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }{ الشوري : ٣٠}.

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ }{ الرعد : ١١ }.

و نعودُ إلى سؤالٍ : (( ما هو التوكُّلُ في الإسلامِ ؟)) و الإجابةُ هي : أنَّ حقيقةَ التَّوكُّلِ على اللَّهِ _ في الإسلامِ _ تتركَّبُ من أمرَيِن لا بُدُّ مِنهما : 

الأمرُ الأوَّلُ : اتِّخاذُ الأسبابِ التي أمَر بها الشَّرعُ.

الأمرُ الثاني : الاعتقادُ بأنَّ الأسبابَ لا تعمَلُ عَمَلَها إلَّا بإرادةِ اللَّهِ تعالى و أمرِه إيَّاها أن تَعمَلَ أو لا تعمَل ، و هذا هو معنَى تفويضِ الأمرِ للهِ تعالى .

و إذن فالتَّوكُّلُ الشَّرعيُّ الحقيقيُّ هو مجموعُ الأمرَيْنِ : 

اتخِّاذ الأسبابِ و تفويضُ الأمر إلى اللَّهِ تعالى ، و المسلِمُ المتوكِّلُ على اللَّهِ حَقَّ التَّوكُّلِ هو الذي يتخِذُ كُلَّ الأسبابِ الممكِنةِ ثم يُفَوِّضُ أمرَه إلى ربِّه ، و معنَى التَّفويضِ : أن يعلَمَ عِلمَ اليقِين أن_ الأسبابَ_ رغمَ وجوبِ اتخاذِها فإنَّ ما يترتَّبُ على اتخاذِها مِن نجاحٍ أو فشلٍ في النتائج المنتظرةِ مرهونٌ بإرادةِ اللَّهِ تعالى وحده ، و ليس لها دخلٌ في تحقيقِ النتائجِ أو فشلِها.

الأمرُ بالتَّوكُّلِ :

و التوكُّلُ بالمعنَى الذي تقدَّم ليس متروكًا لاختيارِ المسلِمِ و حريَّتِه في أن يلتزِمَ به ، أو يُلقِيه جانبًا ثم يعتمِدُ في طلَبِ حاجاتِه على اجتهادِه فقط ، او يعتمِدُ على اللَّهِ دُونَ الأخذِ بالأسبابِ ، و يزعُمُ أنَّ كُل شيءٍ بقضاءٍ وقَدَرٍ ، فلا معنَى لاتخاذِ الأسبابِ و لا داعِيَ لها ، نقولُ : إنَّ التوكُّلَ بالمعنَى الشَّرعيِّ الذي أوضحناه هو مِنَ الأوامرِ الشرعيَّةِ التي يأثَمُ المسلِمُ إذا خالفَها و خرَج في عملِه واعتقادِه عن مقتضاها ، و الدَّليلُ على أهميَّةِ التوكُّلِ و خطرهِ في حياةِ المسلم هو أن اللَّهَ تعالى أمَر به النبيَّ بل و الأنبياءَ مِن قبلِه ، صلواتُ اللَّهِ و سلامُه عليهم أجمعينَ ، كما أمرَ به المؤمنينَ كافَّةً فقالَ _ حكايةً عن حالِ جميعِ المرسلينَ السابقِينَ _: 

{ وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }{ إبراهيم : ١٢}.

و يقولُ على لسانِ سيِّدِنا نوحٍ عليه السلام : { يَٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ }{ يونس : ٧١ }.

و على لسانِ هودٍ عليه السلام : { إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ }{ هود : ٥٦}.

كما جاء الأمرُ صريحًا للنبي ﷺ بأن يتوكل على الله في أكثر من آيةٍ : 

{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ }{ هود : ١٢٣ }.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }{ الفرقان : ٥٨ }.

{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }{ النمل : ٧٩ }.

{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }{ التوبة : ١٢٩ }.

كما أمَر اللَّهُ المؤمنينَ كافَّةً بالتوكُّل عليه في قولِه تعالى

{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }{ التوبة : ٥١ }.

{ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }{ المائدة : ٢٣ }.

و لا تقتصِر أهمية التوكل على ما ورد في القرآن الكريمِ مِن أوامِرَ صريحةٍ ، بل نجدُها في السُّنَّةِ النبويَّةِ و بما لا يستوعِبُه مقالات و مقالات ، و يكفينا في هذا السياقِ الجوابُ العلميُّ الذي أجابَ به النبيُّ ﷺ صاحِبَ النَّاقَةِ ، حينَ سألَه : هل يعقِلُها أو يُطْلِقُها و يتوكَّلُ على اللَّهِ ؟ فقال النبي ﷺ : (( اعْقِلْها و تَوَكَّلْ ))…*(١) ، و كذلك قوله ﷺ في الحديثِ الصَّحيحِ (( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكَّلِهِ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُوا خِماصًا و تَرُوحُ بِطانًا )) …*(٢).

و هذا باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_________________________________________

*(١) أخرجه ابن حبان في (( صحيحه )) (٧٣١) من حديث عمرو بن أمية رضي الله عنه.

_________________________________________

*(٢) أخرجه التِّرمذيُّ في (( جامعه )) (٢٣٤٤) و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : حديث حسن صحيح .

_______________________________________








  

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

تسلم ايدك يا أستاذ فارس

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
احسنت جزاك الله خيرا

غير معرف يقول...

احسن الله إليك

غير معرف يقول...

احسنت يا ابن الشيخ 😍

الإثارة والتشويق بطرح الأسئلة Content creators

  الإثارة والتشويق بطرح الأسئلة في السيرة النبوية الحمد اللّٰه رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، و بعد . فإن الإثا...