المتابعون

الخميس، 7 سبتمبر 2023

مؤيد الدين العلقمي Minister Al-Alqami

 




الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

من هو الوزير مؤيد الدين العلقمي ، و لا يغرك اسمه ، فقد كان رجلاً فاسداً خبيثاً جداً ، وكان رافضياً ، يرفض خلافتي _أبو بكر الصديق_ و _عمر بن الخطاب_ رضي الله عنهما ، وكان شديد التشيع كارهاً للسنة وأهلها ، ومن العجب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق في دولة سنية تحمل اسم الخلافة و هو على هذه الصفة ، ولا شك أن هذا كان قلة رأي و ضحالة فكر و سوء تخطيط من الخليفة ( المستعصم بالله ) ، الذي ترك هذا الوزير المفسد في هذا المكان الخطير الحساس.

و لم يتول هذا الوزير الوزارة شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين، وإنما بقي فيها ١٤_ سنة كاملة من سنة ( ٦٤٢) هجرية إلى سنة( ٦٥٦ )هجرية عندما سقطت بغداد ، فقد تولى المستعصم بالله خلافة المسلمين سنة ( ٦٤٠ )هجرية ، وبعد سنتين جاء بهذا الوزير المفسد إلى مركز كبير وزراء الخلافة العباسية.

فتعاون مع هولاكو و إستغل منصبه و اتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالآراء الفاسدة الاقتراحات المضللة على قدر ما يستطيع ، في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة.

و اقنع الوزير مؤيد الدين العلقمي الخليفة العباسي 

( المستعصم بالله ) بأن يخفض من ميزانية الجيش ، وأن يقلل من أعداد الجنود ، و ألا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح و الحرب ، وأن يحول الجيش إلى الأعمال المدنية و الزراعية و الصناعية و غيرها ، حتى يصبح الجيش مشغولاً بزراعة الطماطم و الخيار و بناء الكباري و عمل المخابز و الأطعمة ، و لا داعي للتدريب و القتال و السلاح و الجهاد ، حتى لا تثار حفيظة التتار ، ونقول لهم :_ ( نحن قوم سلام ولسنا قوم حرب ، وانظروا إلى جيشنا ماذا يعمل ) ؛ فلما قال الوزير مؤيد الدين العلقمي هذا الكلام للخليفة ( المستعصم بالله ) وافقه على ذلك.

و بدأت خطة إضعاف جيش الخلافة العباسية ، فخفض ميزانية التسليح وقلل أعداد الجنود ، أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام ( المستنصر بالله ) ( والد المستعصم بالله ) سنة ( ٦٤٠ ) من الهجرة لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة ( ٦٥٤ ) هجرية ، وكان هذا هبوطاً مروعاً في إمكانيات الخلافة العسكرية ، و ليس هذا فقط ، بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر و الضياع ، فكان الجندي لا يجد ما يأكل أصلاً ، حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق ، وأهملت التدريبات العسكرية ، و فقد قواد الجيش مكانتهم ، حتى لم يوجد بينهم من له القدرة على التخطيط أو الإدارة أو القيادة ، ونسي المسلمون فنون القتال و النزال ، و غابت عن أذهانهم تماماً معاني الجهاد بسبب ضحالة الفكر من الخلفية.

و في _البداية و النهاية_ لابن كثير ، يلقي باللوم الكامل على _مؤيد الدين العلقمي_ في نصائحه للخليفة ، و لكن اللوم هنا على الخلفية ذاته ، فهو الذي قبل بهذا الهوان ورضي بهذا الذل ، و غاب عن ذهنه أن من أهم و اجباته كحاكم أن يضمن لشعبه الأمن و الأمان ، وأن يدافع عن ترابه و أرضه ضد أي غزو أو احتلال ، وأن يبذل قصارى جهده لتقوية جيشه و تسليح جنده ، وأن يربي الشعب بكامله لا الجيش فقط على حب الجهاد و الموت في سبيل الله ، ولم يفعل _الخليفة المستعصم _ذلك ، ولا عذر له عندي و عندكم فى التاريخ ؛ فإنه كان يملك من السلطان ما يجعله قادراً على أخذ القرار ، و لكن النفوس الضعيفة لا تقوى على أخذ القرارات الحاسمة.

و كان هذا هو إعداد هولاكو و وزيرة منكو خان، و قد كان إعداداً مبهراً عظيماً كبيراً حقاً.

و في المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين استعداداً للغزو التتري القريب عما قليل للخلافة العباسية ، فما هي إلا خطوات و هولاكو يجميع الجيوش ويستعد لغزو العاصمة الإسلامية التليدة العتيدة بغداد !

التي كان بمجرد التفكير في غزوها فقط قبل بضع سنوات هي نهايته و نهاية مملكة التتار.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ و أن يجعل لنا في التاريخ عبرة ، إنه ولي ذلك والقادر علية ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله على مدونتي 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼





الاثنين، 14 أغسطس 2023

الاحتكار و المبالغة في الأسعار Monopoly and overpricing


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

إن الشريعةَ الإسلاميَّة يسَّرتْ للناسِ سُبُلَ التَّعامُلِ ، كي تَظَلَّ أجواءُ المحبَّةِ سائدةً بين الأفرادِ ، و لكي تَبْقَى الحياةُ سعيدةً نَقِيَّةً ، لا يُعكِّرُ صَفْوَها كدرٌ و لا ضَغِينةٌ.

من أجلِ ذلك حَرَّمَ الإسلامُ الاحتكارَ ؛ لما فيه من تَضيِيقٍ على عِبادِ اللَّهِ ، و لما يُسبِّبُه من ظُلمٍ و عَنَتٍ و غَلاءٍ و بلاءٍ ، و لما فيه من إهدارٍ لحريَّةِ التجارةِ و الصناعةِ و الزراعة ، و سدِّ لمنافذِ العملِ و أبوابِ الرزقِ أمام الآخرِين.

و عن المقصودِ بالاحتكارِ و العِلَّةِ في حُرمتِه ! فالجوابُ ؟ : 

هو أنَّ الاحتكارَ هو الامتناعُ عن بيعِ سلعةٍ أو منفعةٍ و الانتظارُ حتى يَرتَفِعَ سعرُها ارتفاعًا غير مُعتاد ، مع شِدَّةِ حاجةِ الناسِ أو الدول إليها ، و هو مُحرَّمٌ شَرْعًا ؛ لأنَّه نَوْعٌ من أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ ؛ قال تعالى : { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ }{ النساء _٢٩ } ، و قوله ﷺ : (( لا يَحتَكِرُ إلَّا خاطئٌ )) رواه مسلم …*(١).

كما أن الاحتكار مُخِلٌّ بمُقتضيات الإيمانِ باللَّهِ ؛ لقولِه ﷺ : 

(( من احتَكَرَ طعامًا أربعينَ ليلةً فقد بَرِئَ من اللَّهِ و بَرِئَ اللَّهُ منهُ ، و أيُّما أهلِ عَرْصةٍ باتَ فيهم امرئٌ جائعٌ فقد بَرِئَتْ منهم ذِمَّةُ اللَّهِ )) …*(٢).

وإذا كانت العِلَّةُ في حُرمةِ الاحتكار هي الإضرار بالنَّاسِ ، فكل ما يترتب على احتكاره فهو مُحرَّمٌ ، سواءٌ كان الاحتكارُ لطعامٍ او غيرِه ؛ فإن حاجةَ الناسِ لا تتعلَّقُ بالطَّعامِ فقط ، فقد تَشتَدُّ حاجَتُهم إلى كِساءٍ و دَواءٍ و مَأْوى و نحوِ ذلك ، و احتكارُ ما يحتاجونَ إليه من هذه الأشياءِ يُضَيِّقُ عليهم حياتَهم و يُوقِعُهم في حَرَجٍ.

و الاحتكارُ في وقت الشِّدَّةِ و في زَمَنِ انتشارِ الأوبئةِ و الحُروب والمجاعات ؛ أشدُّ حرمةً منه في الظروف العاديَّةٍ ؛ لأنَّه في الظُّروفِ الاستثنائيَّةِ يكونُ من بابِ تشديدِ الخِناقِ و مُضاعَفةِ الكَرْبِ على الناس ، و احتكارُ الأقواتِ و المستلزمات و كل ما تَمسُّ الحاجةُ إليه الآن أشد تحريمًا من احتكارها في أوقات الرَّخاءِ و الأمنِ .

و هنا نجدُ ان الإسلامَ قد أعطى للمسؤول الحقَّ في التَّدخُّلِ المباشرِ لمواجهةِ أزمةِ الاحتكارِ المُضرَّةِ بالمجتمع ، و لإجبارِ التُّجَّارِ على البَيْع بثَمَنِ المِثْلِ ؛ لأنَّ مَصلَحَةَ الناس لا تَتِمُّ إلا بذلكَ.

و أوادُّ أن أُشيرَ إلى أنَّ الإسلام إذا كانَ قد جَرَّمَ الاحتكارَ و حرَّمَه فإنَّه في المقابلِ دعا إلى الترشيدِ و الاقتصادِ و الاعتدالِ في الاستهلاكِ ؛ تحقيقًا للتَّعاونِ بين الناسِ ؛ و عليه فإنَّ فَزَعَ المُستهلِكين و هلَعَهم في تكديسِ الموادِّ الغذائيَّةِ ، و طلب ما لا حاجةَ لهم إليه من السِّلَع ، من أكبرِ عَوامل الاحتكارِ و تشجيعِ المُحتَكِرين على رَفْعِ الأسعار ؛ ممَّا يُعرِّضُ البسطاءَ للظُّلمِ و الحِرمانِ من هذه السِّلع.

و في هذه الظروفِ القاسيةِ ، يجبُ علينا جمَيعًا وُجوبًا شرعيًّا إحياءُ مَسلَكِ الاعتدالِ ، و عدمُ الإسرافِ ، و ترشيدُ استهلاكِ السِّلَعِ ، و هو في حال الأزماتِ أَوْلَى و أَوجَبُ ، و علينا أن نَتذكَّرَ ما قالَهُ _ إبراهيم ابن الأدهم _ عندما اشتكى النَّاس غلاءَ ثمن اللحمِ قال : أَرخِصُوه ؛ أي : لا تشتروه …*(٣) ؛ فالتَّرْكُ كفيلٌ بأنْ يَجعَلَ من الذهبِ سِلعةً رَخيصةً.

و من أنواعِ الاحتكارِ المنهيِّ عنه أن يقتصرَ بيعُ سلعةٍ أو سلعٍ مُعيَّنةٍ على تجارٍ بعينِهم دُونَ تجارٍ آخَرِين ، فهذا الأسلوبُ الملتوي يَدفعُ دفعًا إلى احتكارِ هذه السِّلَعِ ، ورفعِ أسعارِها ، و قَصْرِ شِرائها على القادِرين فقط.

و الاحتكارُ بكلِّ أنواعِة مُحرَّمٌ في شريعةِ الإسلامِ من غير فَرْقٍ أن يَقَعَ الاحتكارُ في قُوتِ الآدميِّ أو قُوتِ الدَّوابِّ ، و العِلَّةُ في ذلك هو إلحاقُ الضررِ بالآخَرين ، و هدمُ أصل من أصولِ القيم و الأخلاقِ ، و مصادرةُ حُقوقِ الناس.

اللَّهمَّ أَصلِحْ لنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أمرِنا ، و أَصْلِحْ لنا دُنيانا التي فيها مَعاشُنا ، و أَصْلِحْ لنا آخِرَتَنا التي إليها مَعادُنا ، و اجعَلْ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير ، و اجعل الموتَ راحةً لنا من كُلِّ شر…*(٤).

{ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }{ الحشر : ١٠ }.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

________________________________________

*(١) في ( صحيحه)( ١٦٠٥) من حديث مَعمَر بن عبداللَّه بن نَضلة رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

*(٢) أخرجه أحمد في (مسنده )(٤٨٨٠) من حديث عبداللَّه بن عمر رضي اللّٰه عنهما ؛ و العرصة هي : كل موضع واسع لا بناء فيه ، كما في ( النهاية ) لابن الأثير : ٢٠٨/٣.

_________________________________________

*(٣) أخرجة أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) ٣٢/٨.

_________________________________________

*(٤) رواه مسلم في ( صحيحه) (٢٧٢٠) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه _ بلفظ ؛ كان رسول اللَّه ﷺ يقول : (( اللَّهمَّ أَصلِح لي دِينِي الَّذي هو عِصمةُ أَمرِي …))

________________________________________


الجمعة، 11 أغسطس 2023

الـتَّـوكُّـل…٣ Tawakkul_3


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نكمل اليوم ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن 👈التوكل👉، 

حول موضوع (( السببية )) أو (( العِلِّيَّة )) و طبيعة العلاقة بين طرفيها : السبب أو العلة من ناحية ، و المسبَّب أو ال معلول من ناحية أخرى ، و هذا الموضوع يتعلق بقضية التوكل على اللَّه تعالى ، و يمسُّها مسًّا مباشرًا ، و سوف نتخذ موضوع النار والإحراق مثالًا نمثل به : (( النار )) سببًا أو عِلَّة ، و (( الاحتراق )) مسبَّبًا و معلولًا.

كل منا يعلم علم اليقين من مشاهدته اليومية للعلاقات بين الأشياء في عالم المحسوسات أنه لا يمكن أن يحدث (( شيء )) أو يوجد من (( لا _ شيء )) فإذا شاهدنا مثلًا قطعة من القطن أو الورق تحترق فإن العقل يفترض أن هناك (( نارًا )) كانت هي السبب او العلة في حدوث ظاهرة الاحتراق ، و حين نقف أمام هذا المثال ، أو هذه الظاهرة وِقفة تأملٍ فلسفيٍّ عميق نجد أن هذه الظاهرة تتركب من ثلاث عناصر : 

الأول : النار ، وهو ما يسمى بالسبب ، أو العلَّة ( في لغة الفلسفة ) .

الثاني : الاحتراق ، و هو ما يسمى المسبَّب ، أو ال معلول ( في لغة الفلاسفة أيضًا ).

الثالث : العلاقة بين النار كسبب و الاحتراق كمسبَّب .

و العنصر الأول ظاهر للحسِّ و للعيان ظهورًا بستحيل معه الجدل أو النقاش في ثبوته و وجوده ، و كذلك العنصر الثاني يثبته الحس و العيان ثبوت الشمس في رابعة النهار .

أما العنصر الثالث و هو العلاقة بين النار و الاحتراق فهو عنصر شديد الخفاء و الغموض ؛ بسبب أن برهان الحس و العيان و المشاهدة لا يُثْبت لحواسِّنا أن النار هي التي أحدثت الاحتراق و خلقَتْه في القطن أو الورق ، و كل ما تثبته المشاهدة هو أن ظاهرةً أولى حدثت ، و هي النار ، أعقبتها في الحدوث ظاهرة ثانية هي : الاحتراق ، و لا شيء بعد ذلك مما يتعلق بهاتين الظاهرتين ؛ و إذا ما رمزنا إلى النار برمز (أ) ، و للاحتراق برمز (ب) ، فإن كل ما في أيدينا من براهين و أدلة لا يقول أكثر من أننا تعودنا أن نري (ب) تحدث كلما حدث (أ) ، أما أن (أ) هي التي أَوْجدت (ب) و خَلَقتْها فهذا ما لا أعرفه ، فقد تكون (أ) هي التي أَوْجَدَت (ب) ، و قد تكون هناك قوة أخرى هي التي أَوْجَدتْ (أ)و (ب) معًا.

هذا التساؤل تصدى له بعض من عظماء الفلاسفة و المتكلمين من المسلمين ، و بعض من فلاسفة الغرب في العصر الحديث ؛ لما له من اتصال مباشر بمسألة الاستدلال على وجود اللَّه _ تعالى ! _ بدليل العِلَّة و ال معلول ، و قد كانت لهؤلاء و هؤلاء أنظار بالغة الدِّقَّة و العُمق الفلسفي ، و يهمنا منها _ في هذه العجالة _ موقف الأشاعرة ، و بخاصة عند الإمام الغزالي _ رحمه اللَّه !_.

و ربما يَنفرد الإمام الغزالي بصراحته المطلقة في اقتحام هذه المشكلة ، و هو يُقرِّر أنه ليس بصحيحٍ ما نعتقده من أن السبب _ او العِلَّة _ في عالم الأشياء و الظواهر الإنسانية و الطبيعية يُوجِد المسبَّب او ال معلول ، و مِن ثَمَّ ليس صحيحًا أن ( النار ) هي التي توجِد الاحتراق أو تحدثه ؛ و الصَّحيح أن مَن أوجد الاحتراق _ عند ملاقاة النَّار للقطن _ هو : اللَّه _ تعالى ! _ و حده.

و حين يعترض معترض على الإمام الغزالي بأن المشاهدة _ و هي أقوى الأدلة و البراهين _ تؤكِّد أنه كلما حدثت ملامسةُ النار للقطن حدث الاحتراق ، و أننا لم نر قُطْنًا يحترق بدون نار ، و أن هذا الارتباط الذي لم يتخلف مرة واحدة في عالم المشاهدات لهو البرهان الساطع على أن النار هي فاعلة الاحتراق ، و أن العلاقة بين الأسباب و المسببات هي علاقة عِلَّة ب معلول ، أو مُحدِث بحادث ؛ كالعلاقة بين الأكل و الشبع ، و الماء و الرِّيِّ ، و آلات القتل و إزهاق الأرواح ، و غيرها من آلاف آلاف التجارب و المشاهدات.

و حين يُعترض بهذا الاعتراض فإن الإمام الغزالي يتصدى لتفنيده بأدلة عقلية و تجريبية يصعب ثردها في مقالات .

و لكن بمكن تلخيصها فيما يلي : 

أولا : إن الأسباب كلها هي من عالَم الجمادات التي لا علم لها و لا إرادة و لا مشيئة ؛ و الخَلْقُ و الإيجادُ _ الذي هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود _ لا يمكن أن يحدث من علة _ کالنار مثلًا _ لا علم لها و لا إرادة و لا مشيئة ، و الإخراج من العدم إلى الوجود لا بُدَّ له من فاعل عالم بما يخرجه و مريد لخروجه من العدم للوجود.

ثانيًاو : حجر الزاوية في بناء المذهب الأشعري بعامة ، سواء فيما يتعلق بأصول الدين أو في فروعه _ هو المبدأ المنطقيُّ الثابت ، و الذي يُقرِّر أنَّه لا فاعل و لا مؤثِّر في الأكوان و الأشياء و المخلوقات كلها إنسانية أو طبيعيَّة إلَّا (( اللَّه )) _ تعالى !_ وحده ؛ و أَصْلُ ذلك _ عند الأشاعرة _ أن صفة (( القدرة )) الإلهية شاملة و عامة لا يخرج عنها مقدور واحد من مقدورات الكون ؛ و يلزم على ذلك أمران : 

الأول : أن اللَّه هو _ وحده _ الخالقُ و الموجدُ و الفاعل في كل ظواهر الكون و أشيائه و العلاقات بينها.

الثاني : لا شيء في هذا الكون يمكن أن يستقل بالتأثير في شيءٍ آخر.

و قد تغلغل هذا المبدأ في المذهب الأشعري ، و حَكَم كل تصورات الأشاعرة وأنظارهم سواء في الإلهيات أو الطبيعيات أو الأخلاقيات ؛ و من هنا يصعب جِدًّا إن لم نقل : يستحيل_ أن يجتمع _ في مذهبهم _ الاعتقادُ بشمول القدرة الإلهية لكل المقدورات و عمومها لسائر الممكنات ، ما كان منها إنسانيًّا و ما كان طبيعيًّا ، و الاعتقاد بثبوت أي تأثير لأي شيء غير اللَّه _ تعالى !_ بما في ذلك الأسباب والمسببات ، و ما يبدو للعيان من تأثير بعضها في بعض ، فالجميع بين هذين الطرفين هو جمع بين نقيضين يستحيل اجتماعهما معًا.

ثالثًا : أما اعتراض الخصوم بأن تكرار حدوث المسبَّب بعد حدوث سببه ، كاف في إثبات علاقةٍ حتميَّةٍ و ضروريَّةٍ ، هي علاقة التأثير و التأثُّر بين السبب و المسبَّبة ، فإن الإمام الغزالي ، يَردُّ هذا الفرض و يستبدل به فرضًا آخر يؤكد فيه أن العلاقة بين السبب والمسبَّب ليست علاقة تأثير و إيجاد ، و إنما هي علاقةُ (( اقترانٍ )) عادي ، أو تجاورٍ متكرِّرٍ ، و أن تكرار الاقتران بينهما و تتابعه بحكم العادة التي سنَّها اللَّه _ تعالى ! _ لتسيير عالَم الكائنات و الأشياء _ هو الذي خَدَعَنا و جعلنا نعتقد أن السَّبب يستتبع مُسبَّبَه لا محالة ؛ و أن النار هي التي فعلت الاحتراق وأحدثته ، و إلَّا فإنَّ مجرَّد (( الاقتران )) الدائم بين ظاهرتين لا يدلُّنا _ عقْلًا و لا مشاهدةً_ على أن إحداهما علة مُوجدة ، و الأخرى معلولة لها في وجودها ، حتى لو تكرر ذلك ملايين الملايين من المرات ، و إذن فالبرهنة على إثبات هذه العلاقة _ حِسًّا أو عقلًا _ لا سبيل إليها.

بل يذهب (( الإمام )) إلي ما هو أبعد من ذلك فيُقرِّر أن في إمكان القدرة الإلهية أن تُحدِث (( الاحتراق )) من غير نار ؛ و الشِّبع من غير طعام ، و الموت بغير سبب يؤدي إليه..

و في مقدورها أن تُلامس النار القُطْن و لا يحترق..

و ما ذهب إليه الأشاعرة في هذه القضية يتناقض جذريًّا مع ما ذهب إليه بعض فلاسفة المسلمين المتأثرين بالفكر الإغريقي كالفارابي و ابن سينا مِمَّن قالوا بأن الأسباب_ طبيعية أو غير طبيعية _ تؤثر بطبعها اضطرارًا لا اختيارًا ، فالنار هي التي تحرق بطبعها في كلِّ زمانٍ و مكانٍ ، و في جميع الأحوال والظروف ، و لا دَخْلَ لأيِّ مؤثِّر آخر غير طبيعتها التي طبعها اللَّه عليها ، متى تحقَّقت الشروط ، و انتفت الموانع .

و حين نحتكم إلى القرآن الكريم فإنه يتبيَّن لنا _ في و ضوحٍ_ أن مذهب الأشاعرة في هذه القضية هو أصحُّ المذاهب على الإطلاق ، فقد أثبت القرآن الكريم أن النتائج التي تعقب الأسباب مرهونة بقدرة اللَّه تعالى و تدخُّله في كل مثال من الأمثلة التي يُخيَّلُ إلينا _ فيها _ أن الأسباب هي التي تُوجِد النتائج المنتظرة بعد حدوثها ؛ انظر إلى قوله تعالى في قصة إبراهيم _ عليه السلام _ وقَدْ ألقوه في قلب جحيم مشتعل من النيران : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ }{ الأنبياء : ٦٩ }.

و محل الشاهد في الآية الكريمة أن (( النار )) توفرت لها كل شروط الإحراق ، و إلَّا أن (( احتراق إبراهيم بها )) لم يحدث ، مما يدل المؤمنين باللَّه _تعالى!_ على أن نتائج الأسباب مصيرها بيده_ سبحانه!_ إن شاء حدوثها حدثت ، و إن لم يشأ لم يحدث ، و ليس مصيرها بيد أسبابها تحدثه بذاتها أو بطبيعةٍ ثَبَّتها اللَّه فيها ؛ و لو كان الأمر كذلك ، و كانت النار تحرق بطبيعتها ، لما تخلَّفت طبيعة الإحراق عن النار في قصة إبراهيم _ عليه السلام!_ لأن القاعدة العقلية تقرر أن (( ما بالذات لا يتخلف )) .

و قل مثل ذلك في قصة إسماعيل _ عليه السلام !_ فقد قُدِّم للذبح و اتُّخِذَت أسباب الموت من آلة حادَّة ، و مباشرة للقطع و الذبح ، إلَّا أن الموت لم يحدث ، و قُل مثل ذلك _ أيضًا _ في الطريق اليابس الجاف الذي ضُرِب في عرض البحر لإنقاذ موسى _ عليه السلام!_ و مَن معه ، و حولهم المياه تصطفق يمينًا و يسارًا كالجبال دون أن تطبق عليهم و تغرقهم ؛ بل قُل مثل ذلك في سائر معجزات الأنبياء و المرسلين ، فإنها لا تفسير لها إلَّا التسليم بأن علاقة التأثير و التأثُّر بين السبب و المسبَّب ، و العلة و ال معلول ليست حتمية و لا ضرورية ، و أن ما بينهما ليس إلَّا تجاورًا و تتابعًا في الحدوث .

و السؤال المحوري الآن ، هو : ما العلاقة بين هذا (( التحليل )) و بين (( التوكل على اللَّه )) موضوع المقال و المقالات السابقة؟

و الإجابة بإيجاز ، هي : أن المؤمن مأمور في موضوع التوكل بأمر عمليٍّ ، و أمر اعتقاديٍّ.

_ أما الأمر العملي فهو ضرورة اتخاذ الأسباب و مباشرتها.

_ و أما الأمر الاعتقادي فهو الإيمان بأن هذه الأسباب ليست هي (( العلة الموجِدة )) لما يحدث معها _ او بعدها _ من مسبَّبات أو نتائج ، أما المُوجِد و الفاعل و المُحْدِث لها فهو اللَّه _ تعالى!_ وحده لا شريك له … و بعبارة الأشاعرة : (( يخلق اللَّه المسبَّبات عند اتخاذ أسبابها لا بها )).

و نختم مقالنا بمثال محسوس يعين على تصور مذهب الأشاعرة في هذه القضية البالغة الدِّقَّة ، و هو مثال العلاقة بين ( القلم ) كسبب و ( الكتابة ) كمسبَّب ، فأنت لا تستطيع أن تقول : إنَّ مَنْ أحدث الكتابة هو ( القلم ) و حده و بذاته أو بطبيعته و في استقلال عن الكاتب ؛ لأن القلم _ بذاته _ جمادٌ لا يَعي ما الحروف و لا الكلمات ، و هو مفتقر في (( حدوث )) الكتابة بعده إلى ذات أخرى مستقلة تحركه أو لا تحركه و هنا _ في هذا المثال _ما أشبه النار في مثال الاحتراق ، بالقلم في مثال الكتابه ، فكما يحتاج القلم في حدوث أثره إلى ذات تحركه فتحدث الكتابة ، فكذلك النار تحتاج في حدوث الاحتراق إلى ذات تحدثه ، و إذا كان القلم لا تحدث عنه الكتابة بدون تدخل الكاتب ، فالنار لا يحدث عنها الاحتراق بدون تدخل القُدرة الإلهيَّة و قَبْضتِها التي تمسك السموات و الأرض أن تزولا.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


الاثنين، 7 أغسطس 2023

الـتَّـوكُّـل…٢ Tawakkul_2


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

في موضوعِ اليوم نناقِشُ دعوَى مَن يزعمون أنَّهم يتوكَّلون على اللَّهِ وحدَه دُونَ الأخذِ بالأسبابِ رغمَ وُرودِ الشَّرعِ بوجوبِ الأخذِ بالأسبابِ ، و سوف نناقش ونكمل ما شرعنا فيه عن موضوع   👈التَّوكِّل 👉.

أنَّ الرَدْ على هؤلاءِ و أمثالِهم : أنَّهم بذلك يخالِفُون صريحةً ؛ القرآنِ الكريمِ ، و صحيحَ السُّنَّةِ النبويَّةِ مخالفةً صريحةً ؛ فقد ضرَب النبيُّ _ﷺ ! _ لنا مَثلًا بيَّنَ فيه حقيقةَ التوكُّلِ ، وارتباطَه _ أشدَّ الارتباطِ _ بالأخذِ والأسبابِ التي تؤدِّي إلى مُسبِّباتِها ، و ذلك في قوله ﷺ : (( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكَّلِهِ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُوا خِماصًا و تَرُوحُ بِطانًا )) …*(١).

و رغمَ وُضوحِ الحديثِ الشَّريفِ في لَفتِ الأنظارِ إلى ضرورة سبقِ الأسبابِ للمُسبَّباتِ في هذا المِثالِ إلَّا أنَّ هؤلاءِ يُغالِطونَ و يَلْغَوْن في فهم الحديثِ بما ينسجِمُ مع أهواءَهم ، فيفهمون منه أنَّ _ الطَّيرَ_ لم يَكُنْ لها حولٌ و لا قوَّةٌ ، و لا عملٌ تقدِّمُه بينَ يدَي طلبِ الرِّزقِ ، و أنَّ اللَّهَ تعالى رزقَها لمجَرَّد التوكُّلِ عليه دُونَ اتِّخاذِ أيِّ سببٍ مِنَ الأسبابِ ، و هم يتعامَوْن عن الإشاراتِ العديدةِ التي تؤكِّدُ أن _ الطيرَ_ إنَّما رُزِقَ ( بالتوكُّلِ ) المقرونِ باتخاذِ (( الأسبابِ)) من الغُدوِّ في الصَّباحِ ، و مفارقَةِ الأعشاشِ و الأوكارِ خِماصًا ، : _ خاويةَ البطونِ _ ، ثم تَلَمُّسِ الأشجارِ و البحثِ عن مواطنِ الرِّزقِ المختلِفَةِ ، ثم الرُّجوعِ بعدِ الزَّوالِ بطانًا ، : أي _ ممتلئةَ البُطونِ.

و هذه السلسةُ هي _ في حقيقتِها _ إنما هي أسبابُ و أعمالٌ قدَّمتها جماعاتُ الطَّيرِ و هي تطلبُ الرِّزقَ مِنَ اللَّهِ تعالى ، ولو كان المقصودُ مِن الحديثِ إثباتَ حصولِ الرِّزقِ بسببِ التَّوكُّلٌ و حدَه دُونَ حركَةِ الطَّيرِ و غدُوٌّها و بحثِ كلٍّ مِنهما عما يناسِبُه مِن الأشجارِ و الثِّمارِ _ فلماذا ربطَ اللَّهُ تعالى بينَ كل هذه الحركاتِ و بينَ حَصولِ الرِّزقِ ربطَ المسبَّبِ بالسَّببِ ؟! و لماذا لم يرزقْها و هي في أعشاشِها دُونَ تَكَلُّفِ الطَّيرانِ و الارتحالِ و البحثِ عن مصادرِ القُوتِ ، ما دامَ قد صحَّ منها التوكُّلُ على اللَّهِ ، و اللَّهُ تعالى قادرٌ على أن يرزقَها بمجرَّدِ التوكُّلِ ؟! 

وقد سبَق القرآنُ الكريمُ السُّنَّةَ المشرَّفَةَ في تقريرِ هذا التَّلازُمِ بينَ ضرورةِ اتِّخاذِ السَّببِ و حصولِ ما يترتَّب عليه مِن رِزقٍ أو غيرِه ، و ذلك في قِصَّةِ (( مـريـمَ )) _ عليها السَّلامُ ! _ في قولِه تعالى : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا }{ مريم : ٢٥ }.

و قد كان اللَّهُ _ تعالى ! _ قادرًا تمام القُدرةِ ، بل أَتَمَّها ، على أن يُسقِطَ الرُّطبِ ابتداءً على_ مريم_ دُونَ أن يُكَلِّفَها فعل أيِّ شيءٍ ، لكنَّه أمرَها بأن تَهُزُّ جِذْعَ النَّخلَةِ ، رغمَ تَعبِها و إعيائِها ليبيِّنَ لنا سُنَّتَه _ تعالى ! _ في ضرورةِ اتِّخاذِ الأسبابِ جنبًا إلى جنبٍ مع _ التوكُّلِ_ و هذا هو التوكُّلُ _ الشرعيُّ الذي أمرَ اللَّهُ به عبادَه و في طليعَتِهمُ الأنبياءُ و المرسلون و المؤمنون به ؛ و معناه باختصارٍ : انحصارُ الاعتقادِ بأنَّ اللَّهَ _ تعالى !_ هو وحدَه الذي يُحدِثُ المسبِّباتِ و يوجدُها و يخرجُها مِن أسبابها ، و أن_ الأسبابَ_ ليست إلَّا مُجرَّدَ إجراءٍ وضعَه اللَّه تعالى يسبِقُ حدوثَ المسبباتِ ، لكنَّه لا يؤثِّرُ في حدوثِها ، و أنَّ العَلاقَةَ بينَ الأسبابِ و ما ينتجُ عنها من مسبَّباتٍ هي مِن بابِ _ التَّجاورِ _ أو _ السَّبقِ _ في الوقوعِ ليس إلَّا ، و ليست مِن بابِ التأثيرِ مِن أحدِهما في الآخَرِ ، لا مِن قريبٍ و لا من بعيدٍ .

تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ

                        وَ لا تَرْغَبَنْ فِي العَجْزِ يَوْمًا عَنِ الطَّلَبْ(٢)

أَلَــمْ تَـرَ أَنَّ الـلَّـهَ قَـالَ لِـمَـرْيَـمٍ

                                وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ

وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزَّةٍ 

                                      جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَـهُ سَبَبْ.

نعم ! هؤلاء الذين يقولن : نكتفِي بالتَّوكَّلِ على اللَّهِ ، و ليس بلازم أن نتحرَّزَ و نحتاطَ ونفكر في كل شيءٍ _ و ان ما قدِّر اللَّهُ و شاءَه سوف يقعُ ، سواء احترزنا أم لم نحترِزْ _ هؤلاء يخرجون على توجيهات القرآن الكريمِ و السُّنَّةِ النبويَّةِ الصحيحةِ ، و تحضُرُني هنا قصَّةُ سيِّدنا عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللّٰه عنه _ مع أُناسٍ مِن أهلِ اليمنِ ، كانوا يُلقِّبون أنفسَهم بالمتوكِّلِينَ ، و كانوا يخرجُون إلى الحَجِّ بدُونِ زادٍ و لا ماءٍ و لا راحِلَةٍ ، و قد رآهم (( عُـمَـرُ )) على هذه الحالِ فقالَ لهم : (( مَن أنتم ؟ قالوا : نحن ( المتوكِّلُونَ ) ، قال : بل أنتم 

( المتأكِّلون ) أي : تأكلون مِن كَسبِ غيرِكم ، و إنَّما المتوكِّلُ الذي يُلقِي حبَّةً في الأرضِ ثُمَّ يتوكَّلُ علَى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ ))…*(٣).

و حكي عنه أيضًا أنَّه أنكَر على جماعةٍ جَلوسَهم في المسجِدِ بعدَ صلاةِ الجُمُعَةِ ، و قال لهم (( لا يَقْعُدَّن أحدُكم عن طَلَبِ الرِّزقِ و يقولُ : ( اللَّهُمَّ ارزقني! ) و قد عَلِمَ أنَّ السَّماءَ لا تُمْطِرُ ذَهَبًا و لا فِضَّةً ))…*(٤).

و مما يجِبُ أن يعتزَّ به المسلِمُ أيَّما اعْتزازٍ في بابِ _ تعظيمِ _ العملِ و شَرفِه و وجوبِه _ على القادرين _ في جميعِ الأحوالِ و الظُّروفِ و المناسباتِ قولُه ﷺ ! : (( إذا قامَتِ السَّاعةُ و بِيَدِ أحدِكُم فَسِيلةٌ فإنِ استطاع ألَّا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليفعَلْ )) …*(٥).

و معنَى الحديثِ : لو انَّ الأرضَ زُلزِلَت و قامَتِ القيامَةُ ، و في يَدِ مسلِمٍ شَتْلَةُ نَباتٍ صغيرةٍ ، فإن استطاعَ أن يزرَعَها و يَغْرِسَها في الأرضِ فواجبٌ عليه شرعًا أن يغرِسَها.

و قد يَرِدُ _ في هذا السِّياقِ _ تساؤلٌ مشروعٌ ، هو : كيف يتوَجَّهُ على المسلِمِ أَمرٌ شرعيٌّ بالقيامِ بعملٍ يَتَيقَّنُ كُلَّ اليقينِ أنَّه لا جدوَى منه ، بل يراه في مثلِ هذه الظُّروفِ عبثًا و ضَرْبًا مِن كواذب الأوهام و الأماني ؟! 

و الجوابُ : أنَّ العملَ في شريعةِ الإسلامِ و اجبٌ شرعيٌّ متى بَقِيَ للمسلمِ قَدْرٌ مِن عقلٍ و قدرةٍ على القيامِ به ، بغَضِّ النَّظرِ عمَّا يترتَّبُ على هذا العمل من ثمارٍ أو نتائجَ.

و الإسلامُ يتفرَّدُ بهذه النَّظرةِ إلى _ العمل _ و قيمَتِه ، و يَطْلُبُه لذاتِه أوَّلًا قبلَ أن يكونَ مطلوبًا لغيرِه ، لأن الهدفَ مِنَ العملِ في الإسلامِ أعمُّ من أن يكونَ منفعةً لشخصٍ أو أسرةٍ أو مجتمعٍ ، و إنَّما الغايةُ منه منفعةُ الإنسانيَّةِ بأسرِها على اختلافِ الزَّمانِ و المكانِ.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_________________________________________

*(١) أخرجه التِّرمذيُّ في (( جامعه )) (٢٣٤٤) و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : حديث حسن صحيح .

_________________________________________

*(٢) الطَّلب : اتخاذ السبب .

_________________________________________

*‏(٣) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (٥٢٤) ، و الحديث أصله في صحيح البخاري ( ١٥٢٣ ) من حديث ابن عبَّاس _ رضي اللّٰه عنه ، بسياق مختصر.

_________________________________________

*‏(٤) أخرجه ابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) : ٣٤٢/٢ ، و الغزالي في ( إحياء علوم الدين ) : ٦٢/٢.

_________________________________________

*‏(٥) أخرجه أحمد في ( المسند ) : ( ١٢٩٨١ ) ، و البخاري في ( الأدب المفرد ) : ( ٤٧٩ ) من حديث أنس رضي اللّٰه عنه.

__________________________________

الجمعة، 4 أغسطس 2023

Tawakkul _ الـتَّـوكُّـل...1


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

ما هو التوكُّلُ في الإسلام ؟

إن الإجابةَ على هذا التساؤلِ ، و أمثالِه ، تقتضينا أوَّلًا أن نعرِفَ معنَى (( التَّوكُّل )) في الإسلام ، فماذا يعني التَّوكُّل في شريعةِ هذا الدِّينِ القَيِّمِ ؟

و قبل أن نناقش هذا السؤالِ المحوريِّ في موضوعِ التَّوكُّلِ على اللَّهِ تعالى ، أوَدَّ أن ألفِتَ الأنظارَ الى أن كثيرًا مِنَ العلماءِ نبَّهُوا إلى (( خطأٍ )) شديدٍ يقعُ فيه بعضُ عوامِّ المسلمينَ ، و ذلك حين يفهمون التَّوكُّلَ على أنَّه تفويضُ الأمرِ إلى اللَّهِ تعالى و إرادتِه و قدرتِه و تدبيرِه ، و لا يقيمون و زنًا للأسبابِ التي أمَرَ اللَّهُ باتخاذِها في التَّوكُّل عليه جنبًا إلى جنبٍ ، بل يَعْتدي البعضُ على هذا الأمر الالهيِّ و يتركُ الأسبابَ انتظارًا لقضاءِ اللَّهِ و قَدَرِه .

و في الحقيقةِ هذا الصِّنفُ مِنَ المسلمينَ قليلٌ جِدَّا ، و أغلَبُ الظَّنِّ أنهم يتركون الأسبابَ كسَلًا و تقاعُسًا و مَيلًا إلى الراحةِ و الخمولِ ، و يقدِّمُون مثلَ هذه الأعذارِ تبريرًا لهذا الكسل .

و قد دفع هذا السلوك أعداء الأسلام لاتهامه بأنه السببُ في ما حَلَّ بالمسلمينَ مِنَ الضَّعفِ و الهوانِ و الفَقرِ و الجهلِ .

و هذا الاتِّهامُ هو مِن جملةِ أكاذيبِ بعضِ المستشرقِينَ و المبَشَّرينَ الذين ربطُوا بينَ نَجاحِهم في مهماتهِم الاستعماريَّةِ و بينَ زعزعَةِ ثقةِ المسلمين في دينِهم و قُرآنِهم و سُنَّةِ نبيِّهم ﷺ ، و لسنا بصَدَدِ تفنيدِ هذه الأكاذيبِ و الأباطيلِ ، و يكفي أن نقولَ : إنَّ مَن يُلقِي نظرةً منصفةً على تاريخ المسلمينَ يُدرِكُ على الفَورِ أنَّ ما حَلَّ بالمسلمينَ من ضَعفٍ إنما كان نتيجةَ ابتعادِهم عن تعاليمِ دينِهم ، و أنَّ حضارَةَ المسلمينَ العلميَّةَ و الأخلاقيَّةَ _ التي امتدت مِن إسبانيا إلى الصين في وقتٍ قصيرٍ _ إنَّما تحقَّقَت حين كان المسلمونَ يتوكَّلُون على اللَّهِ وحدَه و يفعلونَ ما أُمِرُوا به مِن اتخاذِ أسبابِ القُوَّةِ الماديَّةِ و الرُّوحيَّةِ ، و كيف يُتَّهَمُ الإسلامُ بأنَّه دِينُ الكَسَلِ و التَّحريضِ على تَركِ (( الأسباب)) و القرآنُ يأمُرُ المسلمِينَ أمرًا صريحًا باتخاذِ الحَيطَةِ و الحَذَرِ و الأسبابِ ؟

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذْرَكُمْ }{ النساء : ٧١ }.

{ وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }{ الانفال : ٦٠ }.

{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }{ الشوري : ٣٠}.

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ }{ الرعد : ١١ }.

و نعودُ إلى سؤالٍ : (( ما هو التوكُّلُ في الإسلامِ ؟)) و الإجابةُ هي : أنَّ حقيقةَ التَّوكُّلِ على اللَّهِ _ في الإسلامِ _ تتركَّبُ من أمرَيِن لا بُدُّ مِنهما : 

الأمرُ الأوَّلُ : اتِّخاذُ الأسبابِ التي أمَر بها الشَّرعُ.

الأمرُ الثاني : الاعتقادُ بأنَّ الأسبابَ لا تعمَلُ عَمَلَها إلَّا بإرادةِ اللَّهِ تعالى و أمرِه إيَّاها أن تَعمَلَ أو لا تعمَل ، و هذا هو معنَى تفويضِ الأمرِ للهِ تعالى .

و إذن فالتَّوكُّلُ الشَّرعيُّ الحقيقيُّ هو مجموعُ الأمرَيْنِ : 

اتخِّاذ الأسبابِ و تفويضُ الأمر إلى اللَّهِ تعالى ، و المسلِمُ المتوكِّلُ على اللَّهِ حَقَّ التَّوكُّلِ هو الذي يتخِذُ كُلَّ الأسبابِ الممكِنةِ ثم يُفَوِّضُ أمرَه إلى ربِّه ، و معنَى التَّفويضِ : أن يعلَمَ عِلمَ اليقِين أن_ الأسبابَ_ رغمَ وجوبِ اتخاذِها فإنَّ ما يترتَّبُ على اتخاذِها مِن نجاحٍ أو فشلٍ في النتائج المنتظرةِ مرهونٌ بإرادةِ اللَّهِ تعالى وحده ، و ليس لها دخلٌ في تحقيقِ النتائجِ أو فشلِها.

الأمرُ بالتَّوكُّلِ :

و التوكُّلُ بالمعنَى الذي تقدَّم ليس متروكًا لاختيارِ المسلِمِ و حريَّتِه في أن يلتزِمَ به ، أو يُلقِيه جانبًا ثم يعتمِدُ في طلَبِ حاجاتِه على اجتهادِه فقط ، او يعتمِدُ على اللَّهِ دُونَ الأخذِ بالأسبابِ ، و يزعُمُ أنَّ كُل شيءٍ بقضاءٍ وقَدَرٍ ، فلا معنَى لاتخاذِ الأسبابِ و لا داعِيَ لها ، نقولُ : إنَّ التوكُّلَ بالمعنَى الشَّرعيِّ الذي أوضحناه هو مِنَ الأوامرِ الشرعيَّةِ التي يأثَمُ المسلِمُ إذا خالفَها و خرَج في عملِه واعتقادِه عن مقتضاها ، و الدَّليلُ على أهميَّةِ التوكُّلِ و خطرهِ في حياةِ المسلم هو أن اللَّهَ تعالى أمَر به النبيَّ بل و الأنبياءَ مِن قبلِه ، صلواتُ اللَّهِ و سلامُه عليهم أجمعينَ ، كما أمرَ به المؤمنينَ كافَّةً فقالَ _ حكايةً عن حالِ جميعِ المرسلينَ السابقِينَ _: 

{ وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }{ إبراهيم : ١٢}.

و يقولُ على لسانِ سيِّدِنا نوحٍ عليه السلام : { يَٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ }{ يونس : ٧١ }.

و على لسانِ هودٍ عليه السلام : { إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ }{ هود : ٥٦}.

كما جاء الأمرُ صريحًا للنبي ﷺ بأن يتوكل على الله في أكثر من آيةٍ : 

{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ }{ هود : ١٢٣ }.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }{ الفرقان : ٥٨ }.

{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }{ النمل : ٧٩ }.

{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }{ التوبة : ١٢٩ }.

كما أمَر اللَّهُ المؤمنينَ كافَّةً بالتوكُّل عليه في قولِه تعالى

{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }{ التوبة : ٥١ }.

{ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }{ المائدة : ٢٣ }.

و لا تقتصِر أهمية التوكل على ما ورد في القرآن الكريمِ مِن أوامِرَ صريحةٍ ، بل نجدُها في السُّنَّةِ النبويَّةِ و بما لا يستوعِبُه مقالات و مقالات ، و يكفينا في هذا السياقِ الجوابُ العلميُّ الذي أجابَ به النبيُّ ﷺ صاحِبَ النَّاقَةِ ، حينَ سألَه : هل يعقِلُها أو يُطْلِقُها و يتوكَّلُ على اللَّهِ ؟ فقال النبي ﷺ : (( اعْقِلْها و تَوَكَّلْ ))…*(١) ، و كذلك قوله ﷺ في الحديثِ الصَّحيحِ (( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكَّلِهِ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطَّيرَ ، تَغدُوا خِماصًا و تَرُوحُ بِطانًا )) …*(٢).

و هذا باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_________________________________________

*(١) أخرجه ابن حبان في (( صحيحه )) (٧٣١) من حديث عمرو بن أمية رضي الله عنه.

_________________________________________

*(٢) أخرجه التِّرمذيُّ في (( جامعه )) (٢٣٤٤) و ابن ماجه في (( سننه )) ( ٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : حديث حسن صحيح .

_______________________________________








  

الاثنين، 31 يوليو 2023

Patience over affliction الصَّبرُ على البلاءِ


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

بيَّنَّا في مقالات سابقةِ أن الابتلاءَ بالنسبةِ للمؤمنِ باللَّه تعالى خيرٌ كلُّه ؛ لأنه يُعرِّضُه لثوابٍ عظيمٍ ينالُه جزاءَ ما قدَّمَ من شكرٍ أو صبرٍ ، وبيَّنَّا أن الابتلاءَ بالمصائبِ كالفقرِ و المجاعةِ و الأمراضِ و فَقْدِ الأحبَّةِ ليس أمارةً على سَوءِ حالِ المبتلَى ، فصفوةُ البشريةِ هي التي يُصيبُها البلاءُ ، كما بيَّنا أنَّ البلاءَ كثيرًا ما يكون طريقًا معبَّدًا الى جنةِ الرضوانِ و النعيمِ المقيمِ .... بل إن العبدَ قد تكونُ له منزلةٌ في الجنهِ لا يَصِلُ إليها بعملِه الذي اعتادَ عليه لعلوِّ هذه المنزلةِ و سُموِّها عن درجةِ عمله ، فيُبتلَى من اللَّهِ ، فيبلغ هذه الدرجة بثواب الصبرِ على قضاء اللَّه ، و قد مرَّ بنا قول النبي ﷺ : (( عَجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمْرَه كلَّه له خيرٌ ، و ليسَ ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ؛ إن أصابَتْه سراءُ شَكرَ فكان خيرًا له ، و إن أصابَتْه ضراءُ صبرَ فكان خيرًا له )) …*(١).

و سببُ الخير في عموم البلاءِ هو : 

التَّحقُّقُ بمقامِ الصبرِ أو مقامِ الشكرِ ، و هما مَنزلانِ لا يَنزلُهما إلا مؤمنٌ باللَّه و باليومِ الآخرِ ، و بالجزاءِ ثوابًا و عقابًا .

و قد وردَ ذِكرُ الصبرِ و مُشتقاته في القرآنِ الكريمِ أكثر من مئة مرةٍ ، و هو يدورُ على(( حبس النَّفسِ على ما تَكرَه ابتغاءَ مرضاةِ اللَّه )) ، و قد أشارَ النبي ﷺ الى مناطِ الثوابِ في الصبرِ ، و هو : 

الصبرُ على المكارِه ، و ذلك في الحديثِ الشريفِ : (( و اعْلَمَ أنَّ في الصبرِ على ما تَكرَه خيرًا كثيرًا )) …*(٢).

و قد ربطَ القرآنُ الكريمُ ، و كذلك السنةُ المشرفةُ ، بين الصبرِ و بين أعظمِ الدرجاتِ في الدنيا و أجلِّها ثوابًا في الآخرةِ ، فالصابرونَ هم أئمةُ المتقينَ ، و ينالون أجرهم مرتينِ بما صبروا ، و اللَّهُ مع الصابرينَ ، كما ربطَ القرآن بين الصَّبر و النَّصر ، و جعَل الصَّبر الأنفعَ في النوازلِ و الملماتِ : { وَأَن تَصْبِرُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْ }{ النساء : ٢٥ } ،

{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } { النحل : ١٢٦}.

و قد رُوي عن النبي ﷺ أنَّه وصفَ الصَّبرَ بأنَّه نصفُ الإيمانِ …*(٣).

و علينا أن نعلمَ أن الصبرَ المقبولَ هو ما كانَ في و قتِه الصحيحِ : (( إنَّما الصَّبرُ عند الصَّدمةِ الأُولَى ))…*(٤).

فإذا فَترَ المبتلَى بتأثيرِ مرورِ الزَّمنِ أو مواساةِ الآخرينَ فإنه لا يُسمَّى صابرًا محتسبًا .

و قد بلغت فضيلةُ الصبرِ هذه المنزلةَ لضرورتِها القُصوَى في تحقيقِ الآمالِ في الدنيا و الآخرةِ ، فهو ضرورةٌ دينيَّةٌ و ضرورةٌ دنيويةٌ سواءً بسواءٍ ، و إذا كان اللَّهُ تعالى قد أجرَى العادةَ في الدنيا على نظامِ التَّدرُّجِ ، درجةً بعدَ درجةٍ و خطوةً إثرَ أُخرَى ، فلا جرمَ أن كان الصبرُ هو الوسيلةَ الوحيدةَ التي يتمكن بها العبد من تحقيق آماله و بلوغ غاياته ، فالزارعُ و الصانعُ و التَّاجِرُ و العالمُ و المتعلِّمُ و المفكِّرُ و غيرهم لا يُمكنُ لهم أن يُنجِزُوا عملًا أو يحقِّقوا غايةً أو هدفًا إلا باصطحابِ الصبرِ و الانتظارِ لقَطعِ كل مرحلةٍ من المراحلِ التي تَسبِقُ مرحلةَ الإنجازِ.

و يطولُ الكلام كثيرًا في ذِكرِ الحِكَمِ في الشعرِ و النثرِ التي تدعو لفضيلةِ الصبرِ ، و أن الإنسانَ لا يبلُغُ مجدًا و لا نجاحًا و إلَّا إذا اتخذَ الصبرَ مطيةً في السعي لبلوغ المقاصِدِ و تحقيقِ الآمالِ .

و من أبلغِ ما قيلَ في ذلك ؛ قولُه ﷺ (( حُفَّتِ الجَنَّةّ بالمَكارِه ، و حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ ))…*(٥).

و قولُ المسيحِ عليه السلامُ : (( إنَّكم لا تُدركُون ما تحبُّونَ إلا بصبرِكم على ما تَكرهُون ))...*(٦).

و ما من زمنٍ نحن فيه أحوجُ إلى الصبرِ على نزلَ بنا مثلُ زمنِ هذا الوباء الذي يَجثُمُ على الصدورِ ، و يخنُقُ الأنفاسَ ، و يَقُضُّ المضاجعَ ، و يَحدُّ من الحرياتِ العامةِ و الخاصةِ .

و إنه لَبَلاءٌ عظيمٌ لا يعالجُه إلا الصبرُ و الدعاءُ الدائم عَقِبَ الصلواتِ أن يَكشِفَ اللَّهُ عن عبادِه ما نَزَلَ بهم .

و هذا باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 و اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

                     ‏

_________________________________________

(١)*أخرجه مسلم في صحيحه (٢٩٩٩) من حديث صُهيب الرُّوميِّ رضي اللّٰه عنه.

_________________________________________

(٢)*جزء من حديث أخرجه أحمد في مسنده (٢٨٠٣) من حديث عبداللَّه بن عبَّاس رضي اللّٰه عنهما.

________________________________________

(٣)*أخرجه ابن الأعرابيِّ في معجمه (٥٩٢) و ابن شاهين في التَّرغيب في فضائل الأعمال (٢٧٠) من حديث عبداللَّه بن مسعود رضي اللّٰه عنه.

_________________________________

(٤)*جزء من حديث أخرجه البخاريُّ في صحيحه (١٢٨٣) و مسلم في صحيحه (٩٢٦) من حديث أَنَس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

(٥)* أخرجه مسلم في صحيحه (٢٨٢٢) من حديث أَنَس بن مالك رضي اللّٰه عنه.

_______________________________________

(٦)* رواه ابن أبي الدُّنيا في(( ذمِّ الدُّنيا )) (٢٨٦) عن فُضيل بن عِياض ، قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ((إنَّكم لن تُدرِكُوا ما تُرِيدُون إلَّا بتَركِكُم ما تَشتَهُون ، و لا تَنالُونَ ما تَأمَلُونَ إلَّا بصَبرِكُم على ما تَكرَهُونَ ...)).____________



الجمعة، 28 يوليو 2023

Scourge and affliction البلاءُ و الابتلاءُِ٢


 الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

 نكلم اليوم موضعاتنا عن السابقةِ إلى توضيحِ معنى  البلاءُ و الابتلاءُِ، و كيف أنَّه يصيبُ العبدَ سواءٌ كانَ هذا العبدُ صالحًا أو غيرَ صالحٍ ، و أن البلاءَ كما يكونُ بالشَّرِّ يكونُ بالخيرِ ، و كما يكونُ بالضَّراءِ يكون بالسَّراءِ.

ثم نأتي للسؤالِ الذي كان دائما يطرأ في مخيلة كل إنسان ، وهو ؛ ما علاقةُ البلاءِ بما يمرُّ به العالَمُ الآنَ مِن وباءِ و أمراض و مجاعات !؟ 

هل هو : عقابٌ ؟ أو هو : ابتلاءٌ ، وبناءً على ما فهمنا نستطيعُ القولَ بأن اللَّهَ سبحانه و تعالى له أن يفعلَ مع عبادِه ما يَشاءُ .

لكِن هناكَ شواهد تبعث على الاعتقاد بأنَّ ما يحدُثُ الآن هو رسالةُ تحذير أو إنذار من اللَّهِ_تعالى!_ ... ولله _ سبحانه _ و كما هو معلوم ، نُذُرٌ في عباده ، يخوِّفهم بها ليرجعوا عمَّا هم فيه مِن ضلال و انحراف.

إن مَن يتتبَّعُ تاريخيَّا و ضعَ الحضارةِ الغربيةِ سواء فى الغرب أو في الدول التي تسير على سيرها _ يُطالعه كمٌّ هائل من الانحرافات الخُلقية و الإنسانية و الأُسرية و الاجتماعية ، لا يمكن استقصاؤها في مقالات وموضوعات.

و لكن تكفينا في هذا السياق مؤلَّفات كثيرة جدًّا غربيةٌ ، تُرجمتْ إلى اللغةِ العربيةِ ، و كُتِبَتْ بأقلامٍ حكيمةٍ ، نبَّهت إلى الخَطر الشَّديدِ الذي يتربَّص بالعالمِ كلِّه من جراءِ انحرافِ هذه الحضارةِ العِلميَّةِ عن أصول الأخلاقِ الإنسانية ، و أثبَت مؤلفوها أنَّ هذه الحضارةَ تنكَّرت لله سبحانه و تعالى ، و للأديانِ ، كما تنكَّرت للأخلاقِ ، و لقيم الأسرة وبخاصة في أيامنا هذه ، بل تنكَّرت لكلَّ قيمةٍ بُنيَت على الفِطرةِ الإلهيَّةِ التي فَطرَ اللَّهُ النَّاسَ عليها ، و قد أصبح من المألوف _ اليوم _ أن نجد بعضَ الشَّخصيَّاتِ الغَربيَّةِ المرموقةِ سياسيَّا ، و التي تمثِّل أنموذجًا يتطلَّع الجميعُ إلى محاكاته _ يُقدِّم في احتفال عام صاحبتَه التى أنجَبَ منها أولادًا كبارًا ، على أنها مخطوبته التي سيتزوج بها بعد أن عاشَ معها فترةً في علاقةٍ بالنسبة لنا _ نحن أبناء الأديان أو المؤمنين _ آثمة.

و قد يعيب علىَّ بعض الاخوة ، و يقول (( خلِّيك في حالك وسيب الناس )) ، أو دع الحضارات الأخرى و شأنها ، فهي حضارات رضي بها أهلها ، و أن القرآن الكريم يُقرِّر : { لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }{ المائدة : ١٠٥} ، و هذا صحيح و لكن يجب أن نتنبَّه إلى أن هذه الانحرافات لو كانت قاصرة على بلاد المنشأ ، و لا تسعى ليل نهار في فرضها على الأمم الأخرى ، و بخاصة : الأمم الأسلامية ، فإن مثل هذا الاعتراض تكون له و جاهته و منطقيته.

و لو أنَّ الغربَ اكتفى بانحرافاتِه و أغلق بابهَ عليه و لم يُطالِبنا بالاقتداء به ، لكان الحال أن نحمدَ اللّه على أن عافانا و ينتهي الأمر ، و لكن نحن اليوم أمامَ غزوٍ متدفِّقٍ لنَشرِ هذه الثقافة ، التي تهدف إلى إزالةِ كل الفروق بين الرجلِ و المرأةِ ، و التي تُطالبُ بأنَّ المرأةَ تتزوج امرأة ، و الرجل يتزوج رجلًا ، و أن تستبدل كلمة (( مشاركة )) أو (( مؤاخاة)) بكلمة (( زواج )) و (( زوج و زوجة )) .

مشكلة الغرب معنا الآن أنه يريد أن يفرِضَ علينا ثقافةً تُدَمِّرُ ثقافَتنا ، بحيث تغرقنا فيما غرق فيه ، أو نقاومه لننجو و نَسْلم ، و أنا هنا أتذكَّرُ الحديث الشَّريفَ في تصويره لما يحيط بنا من مخاطر الحضارات الإلحادية ، و هو قولُه ﷺ : (( مَـثَـلُ القائمِ في حُدُودِ اللَّهِ و الواقعِ فيها ، كمَثَل قَومٍ استَهَمُوا على سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاها و بعضُهم أسفَلَهَا ، فكان الَّذين في أسفَلِها إذا استَقَوا من الماء (١) مَرُّوا على مَن فَوقَهُم ، فقالوا : لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا و لم نؤْذِ مَن فَوقَنا ))...*(٢).

و الحديث يصور مغالطات هؤلاء الخارجين على قواعد الأخلاق الإنسانية ، و مبرراتهم التي يقدمونها بين يدي إفسادهم و تخريبهم ، و أنهم إنما يفعلون ذلك حتى يُجنِّبوا مَن فوقهم الأذى ، و يوفروا على أنفسهم تعب الصعود و الهبوط .

ثم يقول النبي ﷺ : (( فـإنْ تَرَكُوهُم و ما أَرادُوا )) ، أي : إن ترك أصحاب السفينة هؤلاء القوم ينفذون خطتهم التي هي في ظاهرها خطة لتحقيق المنفعة العامة ، فإن السفينة ستغرق بهم و بمن فوقهم ، و لكن إذا تحرك العقلاء في هذه السفينة ، و أخذوا على أيدي هؤلاء العابثين ، و منعوهم من أن يحدثوا هذا الحدث ، فالنتيجة هي نجاة السفينة : مَن كان بأسفلها ، و مَن كان بأعلاها .

و علينا أن نقارن بين هذه الصورة ، و بين سفينة العالم اليوم ، لنستخلص الدروس و العِبَر من هذا الحديث النبوي الشريف ، و بخاصةٍ تحذيره ﷺ لعقلاء العالم في قوله في آخر الحديث : (( فإنْ تَرَكُوهُم وما أَرادُوا هَلَكُوا جميعًا ، و إن أَخَذُوا على أَيدِيهِم نَجَوْا و نَجَوْا جميعًا )…**(٢).

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_____________________________________

(١) _بمعني أن _كلما أرادوا أن يشربوا ذهبوا إلى الدَّور الأعلى ليُحضِروا الماء.

_______________________________________

(٢)** أخرجه البخاريُّ في ( صحيحه) ( ٢٤٩٣ ) من حديث النُّعمان بن بشير _رضي اللّٰه عنهما _

_____________________________

الاثنين، 24 يوليو 2023

Scourge and affliction البلاءُ و الابتلاءُِ ١


 

نتابعُ ما بدأَناه من موضوع سابق منذ شهر رمضان المبارك عن البَلاءِ وقد عرفنا فيه إنَّ الثَّرِيَّ أو الغنيَّ مُطالَبٌ بالشُّكرِ. 

 لمتابعة المقال السابق 👈 البلاءُ و الابتلاءُِ 👉

إنَّ شكرَ كلِّ نعمةٍ إنما يكون من جنسِها ، و عليه فلا يَصِحُّ أن يكونَ الشُّكرُ على النِّعمةِ بالكَلامِ ، كأن نكرِّرُ عبارة :( الحمدللَّه ) أو ( نشكرك يارب ) أو ( الشكر للَّه ) ، و ذلك أن الكلام ليس من جنس النعمة ، فلا يكون شكرًا عليها حتى لو تكرَّر الشكر ( الكلامي ) مئات المرات.

أمَّا الشُّكرُ الحقيقيُّ الذي هو واجِبٌ في مجال النعمة ، فهو أن يُخرِجَ الشاكر بعضًا مما يمتلك ، سواء كان المملوك مالًا أو منفعة من المنافع، فمثلًا الأطباء الذين وفقهم اللَّه في مهنتهم ، و جنوا منها أرباحًا طائلة لا يكون الشُّكرُ في حقِّهم باللِّسان أو ببذل المالِ فحَسب ، بل بتقديم الخدمة الطبية ، و العلاج مجانًا للمرضي من الفقراء و المحتاجين.

و لو أنَّ كل إنسانٍ أعطاهُ اللَّهُ نعمةً عاد على غيره بشئ ، ولو يسيرًا ، من هذه النعمة إذن لتحقق التكافل الاجتماعي ، و لتحققت معه كل مقومات الأمن  الاجتماعي و الاقتصادي .

و ها هنا نقطة قد تخفى على كثيرين ، و هي الاعتقاد بأن (( البلاء )) إنما يكون بالمصائب و.الشدائد كالفقر و ضيق الرزق أو المرض أو فَقْدِ عزيز و غير ذلك ، و أن النعمة و التنعم و سعة الرزق و بحبوحة العيش ليست ابتلاءً من اللَّه للعبد ، و الحقيقة غير ذلك .

فالنعمة و البؤس ، و الصحة و المرض ، و كل من هذه الثنائيات هو ابتلاء من اللَّه للعباد ؛ استمع لقوله تعالى :{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥)}{ الفجر : ١٥} ؛ ثم استمع للآية التي تليها { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }{ الفجر : ١٦} ، لنعلم أن اللَّه تعالى كما يَبْتلي بالفقر كذلك يَبْتلي بالغِنَى سواء بسواء ، و أن الإنسان معرَّض الابتلاء بأي منها ؛ و يؤيد ذلك قوله ﷺ : (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمؤمنِ إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكانَ خَيْرًا لَهُ ))…(١).

و هنا ينشأ سؤال عن استحقاق الغنيِّ الشاكر للثواب مثل الفقير الصابر ، فقد نعلم أن الثواب مرتبط بالمشقة ، أو هو على قدر المشقة ، كما يُقال ، و أن من المنطقي و من المعقول أن يعوِّض اللَّه هذا الفقير الصابر بنعيم يوم القيامة يُنسيه ما مرَّ من بؤس و فقر في حياته الدنيا ، فكيف يمكن فَهْمُ ذلك في مثال الغنيِّ الشاكر !؟ ؛ و أين هذه المشقة التي يعانيها هذا الغنيَّ ، و هو يتقلب في كثرة المال وسعة الرزق و بحبوحة العيش ؟! حتى يعوَّض بالثواب يوم القيامة !!

و قبل أن نجيب على هذا التساؤل نودُّ أن نلفت الأنظار إلى خطأ (( شائع)) في تفسير معنى (( الشكر)) و حصره في مفهوم واحد ، هو : ترديد ألفاظ الحمد و الشكر و الثناء على اللَّه باللسان ، و ليس أمرًا آخر وراء ذلك ، و هذا التفسير وأن كام صحيحًا في حالة : الفقير الصابر ، إذ ليس في مقدوره إلا الشكر باللسان ، و غير أن الأمر ليس كذلك في حالة الغنيِّ الشاكر ؛ لأن شكر هذا الغنيِّ لا تغني فيه ألفاظ الحمد و الثناء على اللَّه تعالى ، و إنما يغني فيه الشكر الذي هو من جنس ما أنعم اللَّه به عليه ، و معنى ذلك أن شكر الغني هو : بذل المال و إنفاقه على المحتاجين و الفقراء من ذوي القُربى و اليتامى و المساكين وابن السبيل وغيرهم ممن ذكرهم القرآن الكريم ، وذكِّر بهم مواضع كثيرة ، فضلًا عن أحاديث نبوية يصعب حصرها في هذا المقام .

و إذا أخذنا في الاعتبار أن الإنسان _ غنيًّا أو فقيرًا _ فطره اللَّه تعالى على محبَّة المال ، و إمساكه و الضَّنَّ به على الغير و على النفس أيضًا ، أدركنا أن شكر الغَنِيِّ فيه (( معاناة )) من نوع آخر غير معاناة الفقير ، إنها معاناة التغلب على النوازع النفسية ، والسِّبْح ضد رغبات النفس و شهواتها ، و ما جُبلت عليه من إمساك و تقتير و شح ؛ و قد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر في أكثر من موضع فقال : { وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ }{ النساء : ١٢٨ } ، أي : خُلِقَت النفوس على الشح ، و الشحُّ هو : شدَّة البخل ، و معني (( أُحْضِرَتِ )) : خُلِق فيها هذا الطبع : خلقه اللَّه تعالى ورَكَزَه في فطرتها ؛ و هنا يتبيَّن بوضوح أن بَدْل الغَنِي ماله لغيره و إنفاقه فيما لا يعود عليه بمنفعة ناجزة و حاضرة فيه معاناة و صبرٌ و مشقَّةٌ قد تفوق مشقَّة الفقير و صَبْرَه على فقره ؛ يدلُّنا على ذلك قوله تعالى : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }{ الحشر : ٩} ، و قوله تعالى : { وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }{ التغابن : ١٦ } ، و واضح أن مدار (( الفلاح )) في الآيتين الكريمتين إنما هو على فعالية النفس و الانتصار عليها ، وفي ذلك من المشقة ما فيه ، بل نقول : إن معاناة الشكر العملي لدى الغنيِّ الشاكر هي نفسها معاناة الصبر عند الفقير الصابر ، بل نذهب إلى أبعد من ذلك ونقول : إن معاناة الفقير الصابر قد تكون أهون من معاناة الغنيِّ الشاكر ، وليست هذه مبالغة متخيَّلة لتصوير مشقة الشكر عند الغنيِّ و إنما هو واقع عبَّر عنه الصحابيُّ الجليل عبدالرحمن بن عوف _ رضي اللّٰه عنه _ في قوله ((ابتُلِينا مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ بالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنا ، ثمَّ ابتُلِينا بالسَّرَّاءِ بعده فلم نَصبِر ))…*(٢) ، و معنى الحديث فيما يقول الشُّرَّاح : (( اخْتُبرنا بالفقر و الشدَّة و العذاب فصبرنا عليه ، فلما جاءتنا الدنيا و السعة و الراحةُ بَطَرْنا )) أي كَفَرْنا النعمة و لم نشكرها.

فلا بد من الألم و التَّألم ؛ لأنَّ التَّكاليفِ هي مناطُ الثَّواب ، فلا ثوابَ بدونِ تكليفٍ إلا الذي يُفيضُه اللَّه سبحانه و تعالى كرمًا على الآخرين ، لكن عادةً ارتبطَ الثَّوابُ بالتَّكاليفِ و أيضًا ارتبطَ العِقابُ بالخروج على التَّكاليف و هي المنهيات.

و لكن هناك تساؤل مهم ؛ و هو : هل هناك علاقة بين الابتلاء و حال العبد من طاعة أو معصية

بمعني أن الابتلاء بنوازل المصائب مؤشر أو دليل على أن هذا المُبتلى رجلٌ سيِّءٌ و رجلٌ غيرُ صالحٍ ، و حقيقة الأمر أن هذا التساؤل غير صحيح ، وأنه لا علاقة بين الابتلاء و بين حال العبد ، و إلَّا فنحن نعلمُ أنَّ (( أشدُّ النَّاسِ بلاءً الأنبياءُ )) …*(٣) ؛ و هذا واضحٌ في سيرتِهم و في تواريخِهم ، و أن عباد اللَّه مُبْتلَوْن ، بل يكون (( البلاء )) على قدر القرب من اللَّه تعالى ، فلو أنَّ البلاءَ بالمصائِبِ دليلٌ على أنُّ المبتلَى رجلٌ شريرٌ ، أو رجلٌ فاسدٌ ، أو فاسقٌ ، أو مغضوبٌ عليه من اللَّه _ سبحانه و تعالى _ لكُنَّا نقول _ والعياذ باللَّه_ إن الأنبياء أحق بهذا الوصف ، لأنهم أهل بلاء ؛ مِمَّا يدلنا دلالة واضحة بأنه لا علاقة بين نزول البلاء و بين الشخص المبتلَى ، و أنه كما يبتلى الطالح يبتلى الصالح أيضًا .

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*(١) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) (٢٩٩٩) من حديث صهيب رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

*(٢) أخرجه الترمذي في جامعه (٢٤٦٤) ، وانظر في شرح الحديث تحفة الأحوذي ١٦٥/٧.

_________________________________________

*(٣) جزء من حديث أخرجه التِّرمذيُّ في جامعه (٢٣٩٨) وابن ماجه في سننه (٤٠٢٣) من حديث سعد بن أبي وقَّاص رضي اللّٰه عنه ، و قال التِّرمذيُّ : ( حديث حسن صحيح ).

_______________________________



الجمعة، 21 يوليو 2023

كيفة الربح من تويتر Twitter


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

تويتر يطلق برنامج مشاركة عائدات الإعلانات مع صناع المحتوى

أعلنت منصة تويتر رسميًا عن إطلاق “ برنامج مشاركة عائدات الإعلانات الذي يسمح لصانعي المحتوى على المنصة بالحصول على جزء من عائدات الإعلانات التي تظهر في الردود على التغريدات التي ينشرونها.


وحظي الإعلان باهتمام واسع من مستخدميها ، حيث شارك بعضهم الأرباح التي حصلوا عليها ، واعتبرها آخرون خطوة مهمة ستُعيِد الزخم للمنصة ، معبرين عن ترقبهم لتعميمها عالميا.




فيما كان هناك تيار آخر وجد بالخطوة محاولة من مالك تويتر الملياردر الامريكي إيلون ماسك لمنافسة تطبيق “ثريدز” الجديد الذي أطلقته مؤخراً شركة ؛ ميتا خطوة متأخرة.


و حول أهمية الخطوة و توزيع عائدات الإعلان أعتبرها آخرون خطوة متأخرة نوعاً ما ، وكان لابد أن تحدث من قبل حتى استحواذ إيلون ماسك على تويتر ، وهذا التأخير تسبب بتراجع ونمو تويتر على مدار السنوات الماضية.


إذا ما قارنا بين يوتيوب الذي بدأ بتوزيع إيرادات الإعلانات مع صناع المحتوى و فيسبوك الذي اتبع خطوات يوتيوب بعد سنوات ، فإن تويتر كان من الممكن أن يكون في مكان آخر ومساحة مختلفة اليوم.


وحول توقيت توزيع الأرباح وما يدور عن حديث حول رشوة صناع المحتوى قال أحد المتخصصين في مجال صناعة المحتوي ، لا أعتقد بأي شكل من الأشكال أن توزيع الأرباح في الوقت الحالي هو رشوة لأن ماسك ومنذ بداية استحواذه على تويتر ذكر الموضوع أكثر من مرة وأن المنصة تعمل على تفعيل الخاصية ، وخطط توزيع أرباح الإعلانات.


وتابع توقيت الإعلان عن توزيع الأرباح قد يكون قد أعطى انطباعاً خاطئاً حول رغبة تويتر في منافسة تطبيق _ثريدز_ ، لكن أعتقد أن إيلون ماسك وفى بوعده ولا وجود لأي رشوة في الموضوع.

التأثير على صناع المحتوى!

الخطوة سيكون لها تأثير كبير على نشاط صناع المحتوى في تويتر ، وجذب آخرين منهم إلى المنصة. جميعنا يعرف أن تويتر يركز بشكل كبير على المحتوى الصحفي والسياسي ومن مجالات مختلفة ، لكن الخطوة الأخيرة يمكن أن تجذب صناع محتوى من قطاعات أخرى مختلفة كالترفيه و الفاشون والطبخ وغيرها ، وهذا بدوره سيعود بأرباح على تويتر وكذلك يحقق له انتشارا أكبر.

في اعتقادي النقطة الأهم التي يمكن أن تُحدث فرقاً في مستقبل تويتر هي توزيع الأرباح على الحسابات النشطة وليس فقط على صناع المحتوى ، وبالتالي لو تم تقدير الوجود والاستخدام والتفاعل فإن أي منصة ستقوم بهذه الخطوة ستتمكن من جذب جمهور أكبر بكثير وتحقق تفاعلاً أكبر وبالتالي تحقيق المزيد من الأرباح والإيرادات.


شروط وأحكام

وحددت تويتر 3 شروط ليكون الحساب جاهزا للحصول على الأرباح 


أولها الاشتراك في خدمة تويتر بلو

 وثانيها حصول تغريداتك على 5 ملايين ظهور شهري خلال آخر 3 أشهر

 ‏الثالث أن يجتاز عملية التحقق التي يجريها موظفو المنصة على الحسابات المتقدمة للخدمة.


وأكد مالك المنصة إيلون ماسك في تغريدة له أن العائدات ستحسب منذ إعلانه عن نيته إطلاق الخدمة في فبرابر الماضي ، مؤكدا أن الأمر سيخضع للتدقيق بحيث يدفع مقابل عدد الإعلانات المعروضة لمستخدمين حقيقيين تحققت منهم المنصة ، حتى لا يتم التلاعب باستخدام الحسابات الوهمية المنتشرة عليها.

و هذا  اللّٰه أعلم 🌼🌼

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

الاثنين، 17 يوليو 2023

Love of prestige and control


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

حبُّ الجاهِ و السَّيطرةٍِ

من الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التي لا يتوقَّفُ العلماءُ و الحُكماءُ منذُ أقدَمِ العصورِ عن التَّحذيرِ منها _مرضُ (( حبِّ الجاهِ و السَّيطرةِ و استغلالهما في تحقيقِ المنافعِ الخاصَّةِ )).

و للإسلام موقفٌ دقيقٌ في بيانِ هذا المرضِ الوخيمِ ؛ الذي لا تتوقَّفُ آثارُه الضارَّةُ على صاحبِها ، و إنَّما تتعدَّاه إلى طبقاتٍ مختلفةٍ من الناسِ ، و موقفُ الإسلامِ في هذه القضيَّةِ هو التشدُّدُ في مراقبةِ صاحبِ الجاهِ و محاسبتِه و كفِّ أذاه عن الناسِ.

و المقصودُ بالجاهِ هنا : هو القوَّةُ المستنِدةُ إلى قُوَّةِ المالِ و السُّلطانِ و تملِكُ التأثيرَ _ إيجابًا و سلبًا _ على سَيرِ المجتمعِ .

و لا يَحتاجُ الإنسانُ إلى عناءٍ في البحثِ عن هَدْي الإسلام في هذا الأمرِ ليعلَمَ أنَّ الإسلامَ لا يُشَجِّعُ على السعي لطلبِ الجاهِ و البحثِ عن سلطانِه ، و لكن يقرِّرُ مع ذلك أنَّ الجاهَ إن سعى إليك فسوفَ يُعينك اللَّهُ عليه ، و إن سعَيت له فسوفَ يَكِلُك اللُّهُ إليه ؛ كما في قوله ﷺ : لعبد الرحمن بن سَمُرة : (( يـا عـبـدَالـرَّحـمـن ، لَا تَـسْـأَلِ الإِمـَارَةَ ؛ فَـإنَّـكَ إِن أُعْـطِـيـتَـهـا عَـنْ مَـسْـألَـةٍ وُكِـلْـتَ إِلَـيْـهَـا ، وإنْ أُعْـطِـيـتَـهَـا عَـنْ غَـيْـرِ مَـسْـألَـةٍ أُعِـنْـتَ عَـلَـيْـهَـا ))…*(١).

و القُرآنُ ينْحو مَحنى تزهيدِ عامَّةِ المؤمنينَ من الجَري وراءَ الجاهِ أو امتلاكِ الإمارةِ ؛ لما يُلازِمُها عادةً من علوٍّ في الأرضِ و فسادٍ في النَّاسِ إلَّا مَن عَصَمه اللَّهُ و حَفِظَه من هذا الوبالِ.

و قد جعلَ اللَّهُ الدارَ الآخرةَ للذين { لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } { القصص :٨٣ } ؛ و انظر كيفَ اقترنَ العُلوُّ في الأرضِ بالفسادِ فيها ؛ و هو ما تتكشَّفُ عنه خلائِقُ الأممِ و الدُّولِ الحديثةِ يومًا بعد يوم ، و تُعاني منه اممٌ و شعوبٌ أخرى أيَّما مُعاناة.

و أروعُ ما تتكشَّفُ عنه الآيةُ الكريمةُ من دروسٍ أخلاقيَّةٍ و اجتماعيَّةٍ هو تحديدُ (( مقياسٍ)) دقيقٍ تُوزَنُ به أقدارُ الناسِ ، و تُقيَّمُ به استقامةُ حياتِهم أو اعوجاجُها ، ذلكم هو ميزانُ : (( التَّقوى )) الذي ذُيِّلَت به الآية و هو قوله تعالى : {وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }.

و من الأخطاءِ التي يقَعُ فيها كثيرونَ ، قَصْرُ معنى (( التَّقوى )) على بابِ العباداتِ فقط دونَ بقيَّةِ الحوانبِ الأخرى : السلوكيةِ و الأخلاقيةِ ، و كأنَّ التَّقِيَّ ، عند كثيرٍ من الناسِ ، هو ذلك الرجلُ - أو المرأةُ - المنكفئُ على عبادتِه ، و المتردِّدُ على المساجدِ ، و المنسحِبُ من المجتمعِ و المستقيلُ من الحياةِ العامَّةِ ؛ و هذا فَهْمٌ خاطئٌ أُصيبَت به الأُمَّةُ مؤخَّرًا و ترسَّخ في عقلِها و وجدانِها حتى باتَت ظِلالُ هذه الكلمةِ تشعُرُ بالاغتراب عن المجتمعِ و العُزْلَةِ بعيدًا عن حركتِه وسَيرِه و ضوضائه.

مع أنَّ كلمةَ (( التقوى )) في تراثِنا مرتبطةٌ أشدَّ الارتباطِ و أوثَقَه بالجانبِ العمليِّ في الحياةِ ، مِن فعلِ الخيرِ و تجنُّبِ الشُّرورِ و الآثامِ و اتِّقائِها ؛ و التَّقِيُّ بهذا المعنى _ لا ريب _ هو رَجُلُ مجتمعٍ صالحٍ قادرٍ على الدَّفعِ بالتَّنمية بكلِّ توجُّهاتِها الاقتصاديَّةِ و الإنسانيةِ ، و يبدو أنَّ الذي حملَ بعضَ المعاصرينَ على استبعادِ كلمةِ (( التقوى )) من قاموسِ المصطلحاتِ الاجتماعيةِ هو مضمونُها الدِّينيُّ الذي تعرَّض منذُ بدايةِ القرنِ الماضي إلى شيءٍ من التشكيكِ في قيمتِه العمليةِ و التداوليةِ ؛ أدَّى إلى زَحزحتِه و إحلالِ مصطلحاتٍ أخرى محلَّه ، مثل اشتراكي و قومي ورأسمالى و شُيوعي و نَهضوي و محافظ و اصلاحي وما إليها من مصطلحاتٍ أخرى وافدةٍ لا تُعيرُ التفاتًا لخطَرِ العُلوِّ في الأرضِ و لا للفسادِ فيها من قريبٍ أو بعيدٍ .

و كيف (( و العُلوُّ في الأرض )) هو الذي جاءَ بهؤلاءِ المتزعِّمينَ للثَّقافة المغشوشة التي تعادي كلَّ أصيلٍ في هذه الأمَّة ، و أيضا الدُّعاةِ الجدُدِ بدعواتِهم التي انتهَت بنا إلى ما نحنُ فيه الآن.

إنَّ الإسلامَ - و الأديانَ الإلهيةَ كلّها - لا يُقيم وَزْنًا ، في تقييمِ الإنسانِ لوجاهةِ الشكل و لا وسامةِ الصورةِ ، و لا طول الأجسامِ أو عرضِها ، و ما كان لهذا الدِّينِ ، و لا للأديانِ السابقةِ عليه ، أن يُفاضِلَ بين الناسِ بأعراضٍ لا يملكونها ، و أوصافٍ لا يستطيعونَ صنعَها و لا تغييرَها ، أو يعلِّقَ نُظمَ الحياةِ الاجتماعيةِ و المعيشيةِ على الوجاهةِ أو الثراءِ أو القوةِ الغاشمةِ ، فكلُّ هذه العناصرِ لا وزنَ لها في تقييمِ قدراتِ الإنسانِ العلميةِ و العمليةِ ، و لا هي بشيءٍ في التعرفِ على هذه القدراتِ ، و العمل النافعِ وحدَه هو فَرقُ ما بين الإنسانِ العظيمِ و الإنسانِ الآخرِ ؛ (( إِنَّ الـلَّـهَ لَا يـنـظـرُ إلـى صُـوَرِكُـمْ وَأمْـوالِـكُـمْ ، ولـكـنْ يـنـظـرُ إلـى قـلـوبِـكـم وأعـمـالِـكـم )) …*(٢).

و من بداهةِ القولِ أنَّ الأديانَ السماويةَ وقفت إلى جوارِ الشرفاءِ ، سواءٌ كانوا من طبقة الأغنياءِ ، أو من طبقةِ الفقراءِ ، و أنَّ هذا الموقفَ أثمرَ ثمرتَه الكريمةَ في إنصافِ الفقيرِ الملتزمِ بمنظومةِ القِيَم الإنسانيةِ و مكارمِ أخلاقِها. 

و لعلك أخي العزيز القارئ/ ة ؛ تتفقونَ معي في أن موازينَ تقييمِ الإنسان و الإنسانيةِ في مجتمعاتِنا اليومَ قدِ اختلَّت واضطربت اضطرابًا شديدًا ، إن لم تكن قد تراجَعَت أمامَ سطوةِ قيمٍ أخرى ماديَّةٍ ، قوامُها الشهرةُ و المالُ و الأضواءُ ، حتي أصبحَ من المشروعِ و المعتادِ أن تتعامِلَ مجتمعاتنا بالدرهمِ و الدينارِ في مجالِ التعاملِ بالقيم والأخلاقِ ، و لا علاجَ لهذه الظاهرةِ الغريبةِ علينا إلَّا بتكاتفِ العلماءِ و المفكرينَ و السياسيينَ من أجل وضعِ تصوُّرٍ لصياغةِ مجتمعاتِنا الحديثةِ صياغةً جديدةً تجمعُ بين ضرورةِ التقيُّدِ بقيم التراثِ الأصيلةِ ، و الجديةِ في اقتباسِ العلومِ الحديثةِ و امتلاكِ مناهجِها و تطبيقِها.

و إذا كنَّا نؤمن إيمانًا عميقًا بالقول الشريفِ : (( اسْـتَـعِـنْ بـالـلَّـهِ وَلَا تَـعْـجِـزْ )) …*(٣) ؛ و بالحكمةِ القائلة : (( لا يـأسَ مـع الـحـيـاة و لا حـيـاةَ مـع الـيـأس )) فإنَّا نقول : آن الأوانُ أن تبدأ أمتنا العربيَّةُ و الإسلاميةُ في البحث عن خطةٍ تجتمعُ عليها القلوبُ قبل الأبدان ، تلتقي و تتصارَح و تتكاشفُ ، و تبحثُ عن العلاجِ الحاسم لعِلَلِنا و أمراضنا اللامعقولة و اللامقبولة أيضًا.

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_______________________________________

*(١) أخرجه البخاريُّ في (( صحيحه ))(٦٦٢٢) ومسلم في (( صحيحه ))(١٦٥٢) من حديث عبدالرَّحمن بن سَمُرة -رضي اللّٰه عنه-.

______________________________________

*(٢) أخرجه مسلم في (( صحيحه ))(٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة -رضي اللّٰه عنه-

______________________________________

*(٣) جزء من حديث أخرجه مسلم في (( صحيحه ))(٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة -رضي اللّٰه عنه-.

________________________________

الجمعة، 14 يوليو 2023

الـجِـدالُ arguing


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

مِمَّا أُصيبَت به مجتمعاتُنا في العَقْدِ الأخير صناعةُ الجدال ، وادِّعاء المعرفة بلا سقف ، و القُدرةُ على التحدُّث في موضوعاتٍ بالغة التعقيد متنوعةِ المجالِ ؛ حديثَ الخبيرِ الذي يعرف الأكَمَةَ و ما وراءَها ، ويُدلي بأعاجيبَ من القولِ و أفانينَ من التَّحليلات لا يستندُ معظمُها إلى أيِّ أساسٍ ممنهجٍ من عِلمٍ أو دراسةٍ مُتخصِّصَةٍ ، و قد تولَّدتِ عن هذه الجائحةِ جائحةٌ أكبر تمثَّلت في الجرأة على حُرْمَةِ التخصُّص العلمي ، ومكانةِ العلماء المتخصِّصين مِمَّن أفنوا زَهرات أعمارِهم و سَكبوا ماء عيونهم في الدِّراسَةِ و التعلُّم و البَحْث.

و أصبحَ الجميعُ يعرِفُ كلَّ شئ عن أي شيءٍ ، و قد أصابَ التخصُّصَ في العلم الإسلامي : عقيدةً و شريعةً و أدبًا و لغةً و ثقافةً ، شيءٌ غير قليل مِمَّا تموج به السَّاحةُ من هذا الجدَل المنفَلِت من ضوابطِ المعرفةِ و الحوارِ العلميِّ و الثَّقافي.

و يُسَوِّغُ هؤلاء المجادلون هجومَهم هذا ، بأباطيلَ زعمُوا فيها أنَّ الإسلام ليسَت عِلْمًا بالمعني الذي تتمتِّعُ به العُلومُ المعاصِرةُ من تخصُّصٍ دقيقٍ و دراسةٍ ممنهجةٍ ، و من ثمَّ يجب أن تُفتحَ الأبوابُ على مصاريعِها لكلِّ مَن هبِّ ودبَّ مِمَّن زعموا لنا أن مهمةَ إصلاحِ الإسلام و المسلمين تقعُ على عواتقِهم وحدَهم دونَ غيرِهم ، من المتخصِّصينَ في العِلم الإسلامىِّ.

و لقَد أشارَ القُرآنُ الكريمُ _ أعزائي_ إلى أشباهٍ لهؤلاءِ المجادلينَ في أوئِلِ سورةِ الحَجِّ ، و ذكَّرهم أوَّلًا في الآيتَينِ الثالثةِ و الرابعةِ ، ثم أعادَ ذكرَهم في الآيتين السَّابعة والثَّامنة .

وفي الآيتينِ الأولَيينِ ترتسِمُ معالمُ هؤلاءِ المجادِلين في صورة طائفة من جُهلاءِ النَّاس يُجادلون في (( اللَّه )) دون سابقِ علمٍ ، تَدمَغُهمُ الآيةُ الكريمةُ بالجهلِ و اتِّباعِ أخبثِ فصائلِ الشَّياطينِ و هم المردَةُ ، و أنَّ اللَّهَ كتبَ على مَن يتَّبِعهم من الناس سوءَ المصير : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)}{ الحج : ٣_٤} ، ثم تكتمِلُ الصورةُ في الآيتَين : الثَّامنة و التَّاسعة فيظَهرُ هؤلاءِ في صورةِ جُهلاء يجادلونَ في اللَّهِ دونَ رجوعٍ إلى علمٍ ولا استدلالٍ و لا كتابٍ يضيءُ لهم بدلالاتِ العَقلِ و النقَّلِ طريقَ ما يجادلونَ فيه ، وذكرَ في وصفِهم أنَّهم أهلُ كِبرٍ ، يُميلون أعطافَهم إعْرَاضًا و تكَبُّرًا ، و أهلُ ضلالٍ و إضلالٍ للنَّاس عن طريقِ الحَقِّ ، و نصيبُهم في الدنيا خِزْيٌ و هَوَانٌ من كثرة ما يذمهم النَّاس و يتأفَّفُون من ضلالهم ، إمَّا في الآخِرة فنصيبهم عذاب الحريق قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٩) }{ الحج : ٨_٩}.

و الجَدلُ 

هو : حوارٌ بين اثنين حولَ مسألةٍ واحدةٍ قابلةٍ للبَحثِ ، يُحاولُ كلٌّ منهما أن يصِلَ إلى حقيقةِ الأمرِ فيها عبر استخدامِ الحُجَجِ و البراهين ، و هو منهجٌ من مناهج البَحثِ العِلميّ التي تُفيد اليقينَ المسلمين ، وهو عِلمٌ إسلاميٌّ ، ابتكره المسلمون ولم يُعرف لغيرهم ، و له قواعِدُ و مسائلُ و قضايا وشروط و آداب إذا التُزمت كان جدلًا حسنًا مطلوبًا ، و إن أُهمِلت كان جدلًا مذمومًا.

ومن هنا انقسم الجدل في القرآن الكريم إلى جدل حسن ، كما في قوله تعالى : { ۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ }{ الـعـنـكـبـوت : ٤٦ } ،و قولـه : { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ }{ الـنحـل : ١٢٥ } ، و جدل مذموم كما في الآيات السابقة من سورة الحج و غيرها كثير.

و يُستعمَل الجِدالُ كثيرًا بمعنى الجدلِ المَذموم ، و يرادِفُه المراءُ ، و قد وردَت في ذمِّه أحاديثُ كثيرةٌ منها قوله ﷺ : (( مـا ضَـلَّ قـومٌ بـعـدَ هُـدًى كـانـوا عليهِ إلَّا أُوتُـوا الــجَـدَلَ ))…*(١) ؛ ثم تلا قوله تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًۢا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }{ الـزخـرف }.

و منها : ما ورد في الحثِّ عن الابتعادِ عن الجَدل بغيرِ عِلمٍ ، مثل ما روي عنه ﷺ من قوله : (( أنـا زعـيـمٌ بـبــيـتٍ ربَـضِ الـجـنَّـةِ لِـمَـن تَـرَكَ الـمِـراءَ و إن كـان مُـحِـقًّـا ))…*(٢) ؛ و ذلك العواقبِ الوخيمةِ التي تترتبُ على هذا النوع من الحِوارِ ، و التي تتمثَّل في صورة الغَضبِ أو اللُّجوءِ إلى الكذبِ حتي يغلِبَ صاحبَه ، أو ادعاءِ العِلم وذمِّ الخَصمِ ، و كلُّها عاهاتٌ خُلقُيَّةٌ مُهْلِكَة لكل من المتجادَليْن أو المتجادِليْن حول موضوع واحد.

عزيزي /تى القارئ !

مِما يتصل بموضوع انتشارِ الجدَل بغير علمٍ و لا ضوابطَ ، هذه الثِّقةُ في المعلوماتِ التي تُنْشر على الشَّبكاتِ العنكبوتيةِ ، و التعامُلُ معها كأخبارٍ و معلوماتٍ تتمتَّعُ بالصِّدقِ و يُعتمد عليها في الحوارِ الجادِّ ، بل وفي بناء مواقفَ علميَّة و خصومات شخصية.

و قد أصبحَ من السَّهل المعتادِ أن يُخبِرَك شخصٌ بنقدٍ لاذِعٍ لبعض الناس ، وحين تُنكر عليه يبادرُك بحجَّتِه التي لا يرتابُ في صدقها و يقول لك : _ مكتوبٌ على النَّت أو الفيس أو غيرهما.

و ذكر نبيَّ الإسلامِ صلواتُ اللَّه و سلامه عليه نبَّه قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان إلى كذب مَن يتحدَّث اعتمادًا على ما يسمعه دونَ تدقيقٍ أو تمحيصٍ ، و أن ذلكَ يكفي في أن يُوصم برذيلةِ الكَذبِ ، و يُسمَّى كذابًا ، ويكون عندَ اللَّهِ آثمًا .

هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼 باللَّهِ التَّوفيق🌺🌺 .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

_____________________________________

يقول ﷺ : (( كَـفَـى بـالـمَـرْءِ كَـذِبًـا _ و في رواية : كـفـى بـالـمَـرْءِ إِثْـمًـا _ أنْ يُـحَـدِّثَ بـكُـلِّ مـا سَـمِـعَ ))…*(٣) و احذر أن تتحدث بكل ما تسمع حتي لا تُكتب عنداللَّه كذابًا آثمًا .

*(١) أخرجه التِّرمذيُّ في (جامعه)(٣٢٥٣) و ابن ماجه في (سننه)(٤٨) من حديث أبي أمامة الباهِليِّ رضي اللّٰه عنه ؛ و قال التَّرمذيُّ ( حديث حسن صحيح).

_________________________________________*(٢) جزء من حديث أخرجه أبو داود في (سننه)(٤٨٠٠) من حديث أبي أُمامة الباهِليِّ رضي اللّٰه عنه ؛ و معني رَبَضِ الجَنَّةِ : ما حَولَها خارِجًا عنها ، تَشْبيهًا بالأبْنِيَة التِي تَكُونُ حولَ المُدُنِ و تحت القِلاع ؛ انظر : (النهاية في غريب الحديث والأثر ) ١٨٥/٢.

________________________________

*(٣) أخرجه مسلم في(صحيحه)(المقدمة) : ٨/١ ، من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه.

_________





تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...