المتابعون

الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

مخططات التهجير الصهيوني Zionist displacement plans







الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته
لم تكن مخططات التهجير الصهيوني للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وليدة الحرب الأخيرة ، بل إنها أسقطت ورقة التوت التي كانت تتخفي وراءها الحكومات الصهيونية المتعاقبة لإيجاد حل لمشكلة غزة ، التي تعد قنبلة شديدة الانفجار ، تتفجر في وجه الكيان الصهيوني من حين لآخر - لا سيما - بعد الانسحاب منه منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة فيما يعرف بخطة الانفصال .
حاول الخبراء الإستراتيجيون و العسكريون الصهيوني إيجاد حل جذري للتخلص من قطاع غزة بهدف إعفاء الصهاينة عن مسئولياتها ، رغم أن القطاع ما زال قابعًا تحت وطأة الاحتلال ، و من بين تلك المحاولات المخطط ، الذي تزامن طرحه مع عرض خطة الانفصال الصهيونية عن قطاع غزة أثناء حكومة أرئيل شارون_ الذي طرحة العميد جيورا أيلاند رئيس ه‍يئة الأمن القومي في حينه ، ففي السادس من مايو عام ٢٠٠٤ م أماطت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ، اللثام عن تفاصيل خطة أيلاند ؛ و التي سبق وأن تحدثنا عنها في موضوع سابق للمتابعه {  مخطط الإذابة أو مخطط إيلاند  } .
و كانت تفاصيل هذه الخطة تنص على قيام مصر بتخصيص مساحة ٦٠٠ كيلو متر مربع للفلسطينيين ، بطول ٣٠ كليو متراً داخل عمق سيناء ، بما في ذلك الشريط الساحلي في مدينة العريش ، في المقابل أن {{ تحصل مـصـر على مساحة بديلة تبلغ ٢٠٠ كيلو متر مربع من صحراء النقب ، با لإضافة إلى نفق يربط مصر بالأردن بوصلة برية تحت السيادة المصرية }} و في المقابل مميزات سوف يحصل عليها الـأردن و هي : {{ حرية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر النفق البري و ميناء غزة ، كما ستحصل المملكة العربية السعودية و العراق على إمكانية الوصول إلى البحر الاحمر المتوسط بنفس الطريقة }}_*(1).
و لكن بعد مرور نحو تسعة عشر عامًا ، و في ظل إدراك الشعب المصري و العالم العربي لأبعاد هذا المخطط الصهيوني ورد الفعل القوي الذي انعكس من خلال تصريحات بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي و كل أفراد المجتمع المصري أن هذا لم ولن يكون.
و إن كان تهديدهم بالحرب فى حال تنفيذها للتهجير القسري للفلسطينيين ، دفع أيلاند للتخلى عن مخططه ، و يزعم في إطار تصريحات صحفية تعقيبًا على الحرب الأخيرة في قطاع غزة التعامل مع غزة بعد انتهاء الحرب يتعين أن يكون كتعامل الحلفاء مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
لا أقول : إنه على الكيان الصهيوني أن يدمر قطاع غزة بالكامل ، يمكن للمجتمع الدولي أن يؤسس نظامًا آخر في غزة ، ربما حتى على غرار ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، بعد هزيمة العدو كان هناك نهج معاكس من قبل المنتصرين و سنكون أكثر من سعداء لتقديم مثل هذا الشيء ، و السلطة الفلسطينية ليست قوية بما فيه الكفاية بمفردها للمجيء إلى غزة ، ستحتاج إلى مساعدة من دول عربية مثل مصر و قطر و الإمارات و المملكة العربية السعودية و غيرها لمنحها الحزم المالية لإعادة بناء ما تم هدمه ، حسب ما جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت ، *(2).
أن الموقف الحاسم لكل مصري و عربي من فكرة التهجير الصهيونية للفلسطينيين إلى سيناء ، دفع عدد آخر من الأصوات الصهيونية للخروج و توجيه انتقادات حادة لحكومة نتنياهو ودعوتها لعدم إغضاب مصر و شعب مصر ، و من بين تلك الأصوات الدبلوماسية ، مايكل هراري سفير الكيان الصهيوني السابق لدى قبرص ، في تحليل أخباري نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت ، بتاريخ ٢١ من أكتوبر ٢٠٢٣ م ، تحت عنوان { يجب على نتنياهو أن ينكر _ علنًا _ أية نية لدفع الفلسطينيين إلى مصر ، بأن علاقة الكيان الصهيوني و مصر تمرّ بواحدة من أخطر و أصعب المنعطفات خلال العقود الأربعة الماضية ، سواء بسبب الحرب على غزة أو الدعوات الصهيونية لسكان شمال قطاع غزة لمغادرة منازلهم ، و الانتقال إلى الجنوب ، حيث ينظر إليها في القاهرة و الأردن على أنها بداية انتقال محتمل لأراضيهم ، وزاد من حدة غضبهما تلك التصريحات غير الرسمية و غير المسئولة لمسئولين صهيونيين دعوا الفلسطينيين للفرار من القطاع إلى سيناء }.
ولا حتواء غضب الشارع المصري الذي ثار داخل كل واحد منا نحن ، طالب السفير هراري حكومة نتنياهو بأن توضح فورًا ، من خلال قنوات علنية و سرية بطريقة واضحة ، أن إسرائيل لا تسعى لدفع الفلسطينيين نحو مصر ؛ لأن التحرك البري و تفاقم الوضع على الأرض قد يزيد صعوبة الأمر للدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني ، و الضرر الذي يلحق بالعلاقات مع مصر قد يؤثر على دول أخرى ، و على رأسها في المقام الأول الأردن ؛ كما جاء في صحيفة جلوبس الاقتصادية العبرية*_(3).
و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺
إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 
  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼
  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
*مراجع __________________________________
*(1)- دراسة بعنوان ( التمنية في سيناء .. بين التهديد ورد الفعل ) جابي سيبوني ورام بن باراك ، معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل ومركز (( سابان saban )) لسياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز Brookings بواشنطن ، يناير ٢٠١٤ م.
*(2)- مقال بعنوان ( خطة أيلاند للتسوية الشاملة في الأراضي المحتلة ) صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ، بتاريخ ٦_٥_٢٠٠٤م .
*(3)- صحيفة جلوبس الاقتصادية العبرية أنظر الرابط التالي: 

الجمعة، 15 ديسمبر 2023

سيناء و الفكر الصهيوني Sinai and Zionist thought


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

كانت و ما زالت شبه جزيرة سيناء تمثل جزءًا أصيلًا من الفكر و الأيديولوجية الدينية اليهودية ، و ما أن لبثت حتى أصبحت قاعدة أساسية من قواعد الفكر الصهيوني الذي على أساسة قامت الحركة الصهيونية التي عقدت مؤتمرها الأول في مدينة بازل السويسرية عام _ ۱۸۹۷_ م ، و دعت خلاله في بداية الأمر إلى إقامة وطن قومي لليهود على أرض سيناء ، باعتبارها الأرض التي شهدت أهم مراحل التاريخ اليهودي. 

تذكر المصادر أن اليهود الصهاينة سعوا قبل استيطانهم الاحتلالي لأرض فلسطين إلى إقامة وطن لهم في شبه _جزيرة سيناء_ ، فيما عُرف بمشروع( العريش ) ، و كان مشروعًا محببًا إلى مؤسس الحركة الصهيونية« تيودور هرتزل » ، الذي كان يرى أن نجاح مشروع العريش يعتمد على دعم وزارة المستعمرات البريطانية ، و يعتمد كذلك على إمدادات مائية من- نهر النيل- ، سعى هرتزل لوضع هذا المشروع تحت حماية البريطانيين و رعايتهم على أنه مشروع استيطاني مستقل مستغلًا وجود : ( اللورد كرومر ) حاكم مصر العسكري الفعلي آنذاك.

و في ذلك الوقت و بـالفعل زارت سيناء عام ( ۱۹۰۲ ) م ، لجنة صهيونية عالية المستوى تضم خبراء في الاستيطان و بعض المهندسين ، ثم أجرت مفاوضات مع المسئولين في لندن ،و  مع -اللورد كرومر -في مصر ، وانتعشت آمال الصهاينة من النتائج الإيجابية التي توصلت إليها تلك اللجنة ، و لكن هذه المفاوضات لم تصل في نهاية الأمر إلى غايتها المنشودة التي أردها الكيان الصهيوني ، برفض الحكومة المصرية تقديم الإمدادات المائية من نهر النيل لشعور اللورد كرومر بأن المشروع قد يؤدي إلى خلق متاعب سياسية لبريطانيا العظمى في مصر و الإمبراطورية العثمانية في فلسطين *(1).

و شكلت سيناء بما شهدته من تطورات خلال العقد الأول من الألفية الجديدة ، ركيزة أساسية في تفكير النخبة الأمنية و السياسية في -الكيان الصهيوني- تبعه التناول البحثي

المُنْصَب على تعظيم الخطر القادم من سيناء على حد وصف العديد من القادة والباحثين -خاصة- ذوي الخلفية الأمنية و العسكرية منهم ؛ تزامن ذلك مع اهتمام أمني صهيوني بسيناء انتقل من مرحلة تسليط الضوء على المشكلة إلى مرحلة وجوب التصرف و العمل ، و قد عبّر عنه في حينه العقيد احتياط بالجيش الصهيوني ، ( يعقوب عميدرور )

بقوله : « إن السلطات المصرية تعلم أن سيناء يتواجد فيها عناصر من تنظيمات الجهاد العالمي تستغل وعورة المنطقة و تعمل على نشر الفكر -الراديكالي- المتطرف و سط البدو ، و على الرغم من التحركات التي تقوم بها مصر ، فإن قدرتهم على إحراز شيء يذكر تظل محدودة ، و هذا الأمر يدفع الكيان الصهيوني كي تدرك جيدًا- أنها تقع ضمن خريطة أهداف الجهاد العالمي ، و لهذا فإنه يجب أن نتساءل هل قمنا بالاستعداد لذلك ؟ خاصة أن هذه الأمور وغيرها تلزم الكيان الصهيوني الآن بالبحث عن السبل الكفيلة للتقليل من حدة هذه المخاطر و تخفيف أضرارها» *(2) .

كعادته عمل الكيان الصهيوني على تعظيم الخطر الأمنى الذي تشهده سيناء ، لا سيما في _الشطر الشمالي_ منها ، وروجت بآلتها الإعلامية المغرضة لوجود تنظيمات إرهابية تفرض سيطرتها عليها ، و الذي تبين فيما بعد ، أن تلك الفرية -الصهيونية - كان هدفها تفريغ سيناء من سكانها ، بدافع الترويع و الترهيب ، تمهيدًا لتنفيذ المخطط الصهيوني الأكبر، وهو ترحيل أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع

غزة ، و توطينهم بها ، استغلالًا للفضاء السكاني في شمال سيناء و البالغ عدد سكانه نحو ( ٤٥٠ ) ألف نسمة ، و بالتالي لن تكون هناك مشكلة سكانية لتوطين الفلسطينيين بها خاصة و ان مساحتها تبلغ ٢٧ ألف كيلو متر ، هذا المخطط بعيد المدى ؛ و جندت( تل أبيب ) من أجله نخبة من الخبراء الصهيونيين الذين سخروا أقلامهم قبيل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ م لطرح التصورات بشأن ما هو قادم في سيناء ، و كانت

تحمل كتاباتهم بين ثناياها ملامح استزراع الفكر الجهادي الداعشي المتطرف في سيناء تحت رعاية صهيونية ، و من أبرز الكتابات الصهيونية في هذا الصدد ، التقرير الذي نشرة ( يوني بن مناحم ) ، المحلل السياسي و الخبير في شئون الشرق الأوسط ، عن تطورات الأوضاع في سيناء و الرؤية الصهيونية الخاصة لهذه التطورات و إمكانات التعامل الصهيوني مع التغيرات التي تشهدها مصر ، و خلص فيه إلى تحذير صانع القرار الصهيوني من هشاشة السلام مع مصر و تحول سيناء بوتيرة متسارعة إلى مركز لعدم الاستقرار ، و نقطة انطلاق للإرهاب الجهادي ، و مصدر للتوتر بين مصر و الكيان الصهيوني كما في المقال *(3).

و الان بعد مرور عقد  على ٢٥ ثورة يناير بات جليًّا وضوح ملامح الطمع الصهيوني في شبة جزيرة سيناء ، و أفكار و مخططات التهجير القسري للفلسطينيين ، ولكن جاء العدوان الغاشم الأخير على قطاع غزة الذي و صف بحرب الإبادة ، إنها أسقطت ورقة التوت التي كانت تتخفي وراءها الحكومات الصهيونيه المتعاقبة لإيجاد حل لمشكلة غزة ، و التي تعد في فكرهم قنبلة شديدة الانفجار و سوف تنفجر في وجه هذا الكيان الصهيوني من حين لآخر.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

مراجع __________________________________


*(1) الصهيونية الدراسة و التطبيق : يوثيل رفيل ، تحقيق نور البواطلة ، دار الجليل ، ٢٠٠٠ م ، صفحة -٤٣.

*(٢) مقال بعنوان ( المفتاح في يد مصر ) ، الكاتب يؤاف ليمور ، صحيفة (( اسرائيل هيوم )) و عدد بتاريخ ٧/٣/٢٠١٠ .

*(٣) مقال بعنوان (( شبه جزيرة سيناء قاعدة جديدة للإرهاب ضد مصر)) للكاتب يوني بن مناحيم ، موقع إكسبرت.



 

الاثنين، 11 ديسمبر 2023

الصهيونية وعداوة السلام-Zionism


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

بعضَ أحداثِ الحياةِ تظلُّ فى ذاكرةِ الأممِ مناراتِ هاديةَ و علاماتِ مضيئةَ أو نقاطًا قاسيةً.

نحن في و قتٍ تفرِّقُ أحداثُه بين الحقِّ و الباطلِ ، و الأمانةِ و الخيانةِ ؛ فالدِّفاعُ عن الأرضِ و العرضِ حقٌّ و أمانةٌ ، و الاستشهادُ في سبيل الله حقٌّ و أمانةٌ و إقامةُ كيانٍ على زور من التاريخ باطلٌ و خيانهٌ و قصف المدنيين الآمنين باطل و خيانة ، و سكوت المنظمات المسئولةِ باطلٌ و خيانه.

و ها هو شعب فلسطين صامد صابر في مواجهة المحتلِّ الغاصب المخادع ، الَّذي يثبتُ حينًا بعد حين بـإرهابة أنَّه عدوُّ للسلام ، ألا و إن ما يمرُّ به أهلنا في فلسطين ليذكرنا بواجبِ الأخوَّةِ _ فــ (( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمُ لا يَظْلِمُهُ و لا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ ))(1)* ؛ و ينادي فينا رابط الأخوة بالوحدةِ ؛ متمثلًا فى الآيه الكريمة : { إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }{ الأنبياء : ٩٢ }.

إنَّ ما تتعرض له أوطانُنا من اعتداءٍ يخالف و حيَ السماء و مواثيق الأرض ، يكشف كذب هذا الكيان الصُّهيونيَّ الغاشم ، و يؤكَّدُ أنَّه لا يسعي للسَّلام و لا يريدُه ، فقتل الأطفال ليس من السلام ، و استهداف المدنيين ليس من السلام و قصفُ المستشفياتِ ليس من السلام.

أن جرائم الصهاينة على بشاعتها من قتل للأطفال و النساء و الشيوخ ، و تدمير لأرض فلسطين الحبيبة ، و إجبار للفلسطينين على ترك أرضهم و ديارهم و النزوح بحثًا عن الأمن و الأمان ، كل هذه الجرائم لم تحرك قط الضمير العربي و العالمي والإنساني ، و لم تجد في العالم بأسره مَن يقف أمامها موقف حازمًا.

إن تحرير المسجد الأقصى و عودتَه للمسلمين خالصًا و عدٌ صادقٌ ف كتاب ربِّنا لن يتخلَّفَ ؛ حيث يقول اللهُ تعالى : { جَآءَ وَعْدُ ٱلْأَخِرَةِ لِيَسُـۥٓـُٔوا۟ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا۟ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوْا۟ تَتْبِيرًا }( الإسراء _ ٧ ) فعودةُ الأقصي للمسلمين قضيَّةٌ محسومةٌ لا يخفي علينا إلَّا و قتها ، و لعلَّه قريبٌ إن شاء اللهُ ! 

و إن الواجب على المسلمين ألا يُخدعوا عن قضيتهم ، و ألَّا يصابوا في و عيهم ، و أن يتضامنوا و يشعروا بالواقعِ الأليمِ الَّذي يعانيه أهل فلسطين ، و أن يدركوا ما يُحاك للقبلةِ الأولى الَّتي لا تقل شرفًا و تعظيمًا عن بيت اللهِ الحرام .

و من أعاجيبِ زمانِنا و نحن في عصرٍ يتغنى بالحريات و الديمقراطية أن نرى المؤسسات الدولية و الهيئات الأممية تغض الطرف عن انتهاكات المحتل بحقه منذ عقود من الزمان و لا يتحرك لهم ساكن و هم يتابعون ما يجري من حفريات لتخريب بنيانه ، و محاولات طمس هويته ، الذي يسمونه كذبًا حائط المبكي لتشييد الهيكل الذي يزعمون أنه شُيد عليه ، فضلًا عن التضييق على من يريد الصلاة فيه ، و منع فئات عمرية معينه من دخوله ، بل إغلاقة في وجه الجميع مرات متعددة ، و نصب الحواجز الحديدية في محيطه ، و وضع كاميرات المراقبة بداخلة و التفتيش المهين لقاصديه ، إضافة إلى الاعتداء الآثم على المسلمين قتلًا و جرحًا و اعتقالًا ، كل ذلك يحدث في صمت مخزٍ من المجتمع الدولي لم يكترث لكل هذه الانتهاكات و لم يصدر عنه سوى المطالبة بالتهدئة و ضبط النفس ، ولو أن ما حدث و يحدث من الصهاينة كل يوم على مرأى و مسمع من العالم في القدس الشريف خاصة و في الأراضي الفلسطينية عامة ، لو قام بعُشر معشاره بعض الفلسطينيين تجاه معبد يهودي و لو كان هذا المعبد مهجورًا ؛ أقامت الدنيا و لم تقعد ، لتحركت الدول الكبرى و الصغرى ، و لشنت المؤسسات الدولية و الهيئات الأممية و منظمات حقوق الإنسان حملة لا هوادة فيها على المستويين الرسمي و الإعلامي تتهم المسلمين بالهمجية و البربرية و العنصرية و انتهاك المقدسات ، و تصف ما حدث بأنه أبشع صور الإرهاب ، و لربما تحركت الجيوش لإنقاذ اليهود المستضعفين من أيدي المسلمين الفلسطنيين الإرهابيين ! 

و ليعلم الصهاينة و من يقف خلفهم أن المسجد الأقصى إسلامي عربي كان و ما زال و سيبقي ، و أن ظن هؤلاء أنَّ تطاولَ الأزمنةِ و تزييف التاريخ و تغييرَ الواقع سينسي العرب و المسلمين قبلتهم الأولى فهم واهمون ، و على الدول الكبرى أن تكيل بمكيال واحد في تعاملها مع قضايا العالم ، و ألا تفرق بين دين وآخر ، و أن تكف عن الانحياز و الدعم المطلق لهذا الكيان الغاصب الذي غرسوه في بلادنا و عاملوه كطفل مدلل ظلمًا و عدوانًا ، و ليعلموا أن ما يحدث بحق المسلمين و مقدساتهم يمثل بيئة خصبة للتطرف و الإرهاب.

و بقيت كلمة للتذكرة من أجلِ استعادةِ الوعيِ المطلوب عن قضية فلسطين و الأقصى و تحريرهما ، سيترتب عليه أثر إيجابي كبير بمشيئة الله تعالى في المحافل الدولية و لدى أحرار العالم ، و استعادة الوعي المطلوب لدي النشء العربي والإسلامي بقضية فلسطين عامة و القدس خاصة ، فواجب الوقت يُحتَّم علينا شحذ الهمم و إحياء القضية في الإذهان ، و أن ترسخ عقيدة أن الأديان السماوية تتبرأ من هذا الكيان الصهيوني ، و تدين جرائمة بحق البشر و المقدسات.

و أختمَ كلماتي و أجدد تأكيدي :

أولا -أن القدس المحتلَّة كانت و مازالت و ستبقى عربيَّةً عاصمةً أبديَّةً لدولةِ فلسطين ، و يتحرر و تعود ، إن لم يكن على أيدينا فعلى أيدي أبنائنا أو أحفادِنا .




ثانيًا - أن الإرهابَ الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين و بحق مقدساتنا الإسلامية في القدس الشَّريف لا يختلف كثيرًا عن الإرهاب الذي ضُرب به العراق واليمن وليبيا والسودان و القائمة لا تنتهي فكل هذا هو صناعةٌ صهيونية أمريكية خالصة ، و علينا أن نعلن ذلك صراحة دون مواربة أو مداهنه ، و لنتوقف عن جَلد أنفسنا ، و على المنهزمين نفسيًّا و المغيبين عقليًّا أن يفيقوا و ينتهوا عن اتَّهاِم مناهجنا التَّعليميَّة و ديننا الحنيف و تراثنا من هذا الإرهاب الأسود الَّذي صنعوه و زودوه بالدعم اللوجستي و بكل سبل التمدد و الانتشار ، ثم اتخذوه ذريعةً لتدمير أرضنا ، و ثم فرض الوصاية على شعوبنا ، وتحطيم آمالنا في مستقبل أفضل لنا و ل الأجيال القادمة!.

ثالثًا - أن عروبةَ القدسِ و إسلاميَّتَها مسألةٌ محسومة تاريخًا و دينًا و واقعًا ، فنحن الأحقُّ بجميع الأنبياء و المرسلين لا هؤلاء الصهاينة الذين لا يتبعون نبيََّا من أنبيائهم الذين يزعمون أنهم هم من أعطوهم الحق في القدس ، فـ القرآن الكريم يجعلنا أولى منهم بأبي الأنبياء إبراهيم _ عليه السلام _ يقول الله عز وجلِ : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِىُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ }{ آل عمران : ٦٧_٦٨ } ، و نحن مَنْ أُمِرنا بحمل ميراث الأنبياء ، ثمَّ إنَّ رسولنا الخاتم حامل إرث الأنبياء جميعًا تسلَّمَ القدسَ منهم حين أسريَ به إليه ، وصلَّى بهم جميعًا في المسجدِ الأقصى المبارك قبل أن يعرج به إلى السماوات العلا ، و قد تولى صحابته من بعده قيادة القدس ، و العهدة العمرية خير شاهد على ذلك ، و ما فعله صلاح الدين ماهو إلا استرداد لمغصوب ، و ما سيطر الصهاينة عليه بعد ذلك إلا غصب جديد من خلال وعد بلفور المشئوم الذي منح فيه مَن لا يملك جزءًا من أرض العرب إلى عصابة سياسية لا صلة لهم بالهيودية الخالصة التي جاء بها موسى _عليه السلام_.

رابعًا - نرفض تمامًا كل ما يُدبَّر لأهل غزة لإكراههم على ترك أرضهم ، و الإقامة عوَضًا عن ذلك في أرض سيناء و قطعة غالية من أرض مصر لها مكانتها و قداستها في تاريخ البشرية عامة وقلوبنا المصرين خاصة .

خامسًا - أن من واجب الوقت أن نحشد كل طاقات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي و التي نعتبرها المنفذ المنصف لبيان حقائق القضية الفلسطينية و تاريخها و حاضرها ، و التوعية بأبعادها ، و مشروعية مطالب الفلسطينيين التي تكفلها كل القيم الدينية والإنسانية.

سادسًا- علينا جميعًا أن نحيِّي بكل فخر جهود مقاومة الشعب الفلسطيني الأبيّ ، و أن نطالب العالم و المجتمع الدولي الذي وصف نفسة ب المتحضر ، بالنظر بعين العقل و الحكمة في أطول احتلال عرفه التاريخ الحديث ؛ هذا الاحتلال الذي يُعَدُّ وصمة عارٍ في جبين الإنسانية و المجتمع الدولي الذي يكيل بمكالين ، و لا يعرف سوى ازدواجية المعايير حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

و ختامًـا _ إن على وزارت التربية والتعليم في الدول العربية و الإسلامية تنوير الأجيال الحالية و القادمة بتاريخ فلسطين و القدس و عروبتها ، و أن تغرس في أذهان الأطفال أهميتها لتبقي حيةً في أذهانهم (( القدس عاصمة لفلسطين على مر التاريخ و ستبقي عربية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها )). 


و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼_____________________________________

*(1).. صحيح البخاري ، رقم ٢٤٤٢ ، من حديث عبدالله بن عمَر ، و اللفظ له ، و صحيح مسلم ، رقم ٢٥٨٠ ، من حديث أبي بي سالم ، بنحوه.





الخميس، 7 ديسمبر 2023

نماذجُ من العنف التاريخي الصهيوني _ Gaza under bombardment


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

و بعد أن عرفنا الرؤية الصهيونية للواقع وتشكيل العصابات   هيا بنا لنتعرف على نماذج العنف الصهيوني لهذه العصابات ،

إن ما يحدث من اعتداءات وحشية من الجانب الصهيوني على مدار الأيام السابقة في فلسطين يؤكد مدى الغل و الحقد و كراهيتهم لغير جنسهم ، و لعل ذلك يتضح جليا في الدمار و الإبادة التي تتعرض له غزة ليل نهار ، و مشاهد الشهداء من الأطفال و النساء و الشيوخ دون رادع وبكل وحشية.

نثرد فيما يلي بعض النماذج العملية و المترجمة لشخصية العنف الصهيونية البربرية ، و هذه النماذج و غيرها سجلها تاريخ الشهداء الذين راحوا ضحية العدوانية و الهمجية الوحشية الصهيونية ، رحمهم الله جميعًا .

مذبحة دير ياسين 

في مساء يوم ٩ من نيسان / أبريل عام ١٩٤٨ م ، فوجئت القرية الفلسطينية العربية بنداء مكبرات الصوت تدعو الأهالي لإخلاء القرية بسرعة ، فهب السكان و تدافعوا ، فإذا بهم من جميع الجهات محاطون بالعصابات الصهيونية من جماعتَي : أرجون ، و شتيرن ، اللتين اغتنمتا هذا الفزع و ما نتج عنه من فوضى فانطلقوا يُقتلون فيهم تقتيلا وتمثيلاً و نتكيلاً و انتهاكًا لحرمات النساء ، و بقرًا لبطون الحُبالى منهن ، وقد ذُبح في هذا الهجوم مائتان و خمسون إنسانا ذبح الشاة ، و مثل بأجسامهم ، فقطعت أوصال البعض ، وبُقِرت بطون البعض قبل الإجهاز عليهن ، أما الأطفال الرضع فقد ذبحوا في أحضان أمهاتهم و أمام أعينهن ، ولم يكتف الجناة بحملتهم هذه بل جمعوا ما بقي من النساء و البنات - على قيد الحياة - و جردوهن من ثيابهن و وضعوهن في سيارات نقل مفتوحة وطافوا بهن في الشوارع اليهودية من القدس لإهانتهن وإهانة الأمة العربية والإسلامية من بعدهن.

مذبحة كفر قاسم 

في عَشِية العدوان الثلاثي على مصر أراد الكيان الصهيوني أن يفرض الأحكام العرفية على القرى العربية في الأراضي المحتلة المجاورة للحدود ، و منها قرية كفر قاسم ، و بعد ظهر ۲۹ من تشرين أول / أكتوبر ١٩٥٦ م دخلت قوات الحدود الصهيونية القرية و أعلنت الأحكام العرفية الساعة الخامسة مساءً ، و عندما عاد المزارعون إلى قريتهم غير عالمين بالأحكام أطلقت القوات الصهيونية عليهم النار ، فقتل ٤٧ ، منهم ٩نساء و ٧ أطفال ، و في أيلول / سبتمبر ١٩٦٠م عُيّن أحدُ مرتكبي المذبحة (( المقدمُ دهان )) مستشارًا للشئون العربية البلدية مكافأة له .

مذبحة خان يونس

 في ٣ من تشرين الثاني/ نوفمبر عام ١٩٥٦ م ، التي احتلتها

القوات الصهيونية، جرى فيها قتل عدد كبير من السكان بحجة المقاومة.

 الكارثة الإنسانية في صبرا و شاتيلا

عام ۱۹۸۱ م عندما استباحت العصابات الصهيونية لنفسها قتل النساء و العجائز  و الرجال و الأطفال المحاصرين في مخيمات صبرا و شاتيلا ، و تكرر الوضع نفسه في ( قانا ) أيضًا بعيدًا عن أي التزام إنساني ، فالالتزام الوحيد عندهم هو شريعة الغاب والحيوانية.

ما زالت المذابح و المجازر مستمرة ؛ 

من قانا ( ٢٠٠٦م ) إلى غزة (۲۰۰۸ م ، ۲۰۱۲ م ، ٢٠١٤ م ، ۲۰۲۱ م ، ۲۰۲۳م ) ، إن نماذج العنف و العداء الصهيونى و القوة الغاشمة لا تُحصى و لا تُعد و كل يوم يشهد العالم منها ما يشاء و ما لا يشاء ، إنه عدو لا يعرف قيمةً للسلام و لا للإنسانية ، و إنما يعرف لغة { وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىْءٍ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } ( الأنفال :_٦٠ ) ، و هو ما لقنه لهم رجال الجيش المصري يوم ٦ اكتوبر ١٩٧٣ م و ثم و على المنوال نفسة لقنتهم المقاومة الفلسطينية في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ م .



و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

🌼🌼



الأربعاء، 6 ديسمبر 2023

الرؤية الصهيونية للواقع وتشكيل العصابات _Gang formation


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

 يمثل العنف أحدَ السمات الأصلية للشخصية اليهودية التي بلورت ذلك العنف في نفسيتهم ضدد كل كائن حي ، و مارست كل أشكال و أنواع العنف على المستوي العربي ؛ و خاصة الفلسطيني. 

و من الأسباب النفسية و العقدية التي عملت على غرس و تثبيت هذه الروح العدوانية لدي الشخصية اليهودية الصهيونية إلى الحد الذي نجد فيه كل مستوطني و مستعمري فلسطين مسلحين سواء كانوا رجالًا أو نساء أو شبابًا ، فهناك مصادرَ تراثية دينية ( تلمودية تارة و توارتية محرفة تارة أخري ) ساهمت بشكل كبير في تشكيل العصابات الصهيونية.

من دعائم تأصيل عقيدة العنف ما استقر في النفسية اليهودية حول رؤية الصهيوني للواقع العربي والفلسطيني تحديدا ، فهو يعتقد في المقولة الراسخة لديه بأن فلسطين أرض بلا شعب ، هذه المقولة التي شكلت الإطار الإدراكي و الأيديولوجي لكل الصهاينة واتفق عليها الاجتماع الصهيوني ، ففلسطين -من- منظور صهيوني - ( هي إرتس يسرائيل ) وطن قومي لليهود ، وعلى حد تعبير ( ليبرمان ) وزير خارجة الكيان الصهويني « إيريتس يسرائيل » « أرض إسرائيل » و هي المكان الذي وُلد فيه الشعب اليهودي ، وهنا تبلورت هويته الروحية والدينية والسياسية ، و هنا اكتسب صفة الدولة لأول مرة ، وبلور قيمًا حضارية ذات دلالة قومية و عالمية و قدم للعالم سفر الأسفار الخالد ( التوراة ).

و من ثم فإن كل اليهود لهم حقوق مطلقة فيه، والحقوق المطلقة لا تقبل الآخر ؛ مما يعني انعدام الوجود العربي في فلسطين ، و من هنا صدر قانون العودة ١٩٥٠ م ، الذي وصفه

( بن جوريون ) بأنه عمود الصهيونية الفقري ، و هو قانون يمنح أي يهودي - ترك وطنه المزعوم من عدة آلاف السنين - الحق في العودة ليصبح مواطنًا فور عودته إليه .

وفي ضوء هذا الاعتقاد - المزعوم - ظهرت أسطورة أخرى هي أسطورة الاستيطان و أحقية كل صهيوني في سكن في هذه الأرض الموعودة ، واقتلاع كل من احتلها من العرب و غيرهم - على حد زعمهم ، و من ثم أضحى كل صهيوني مسلحًا يدافع عن هـذا الحق المزعوم بقوة السلاح .

ومما عمَّق العنف الإدراكي لدى الصهاينة ، هو تفسيرهم للعقيدة اليهودية ، فقد حوّلوا العهد القديم إلى فلكلور للشعب اليهودي ، و هو كتاب تفيض صفحاته بوصف حروب كثيرة خاضها العبرانيون  ضد الكنعانيين و غيرهم من الشعوب التي أبادوا بعضها ، و هو يفصل فصلًا حادًا بين الشعب اليهودي المقدس ، و بين غيرهم من الأغيار ، ( أي: غير اليهود ) ، بكل ما يتبع ذلك من ازدواجية و معايير تجعل الآخر مباحًا تمامًا ، وتجعل استخدام العنف تجاهه أمرًا مقبولا (۱)*.

مَأْسسة العنف المسلح :

لم يكن العنف الذي تأسس في و عي الصهيونية الاعتقادي، يقوم على التبني الوجداني الانفعالي فقط ، بل انعكس في الواقع المادي من خلال تأسيس المنظمات المسلحة التي مارست العنف من أجل تحقيق عملية « الإحلال » و « الاستيطان » للمحتلين الصهاينة على ارض فلسطين ، و من أقدم المنظمات المسلحة ما يأتي :

١_ منظمة الهاغانا و البالماك

و هي منظمة عسكرية مسلحة جيدة التسليح تتبع قيادة مركزية في تل أبيب ؛ تدعمها قيادات إقليمية ذات فروع ثلاثة ، تضم نساء في عضويتها ، و تتألف على النحو الآتي :

- قوة أساسية تتألف من المستوطنين و سكان المدن و قدر عدد أفرادها - و قتذاك - بأربعين ألف رجل.

- جيش ميداني يتألف من شرطة الأحياء اليهودية ، و يقوم بالعمليات السريعة و يتألف من قوة قوامها ( ١٦٠٠٠ ) رجل تقريبًا .

- قوة على أهبة الاستعداد « البالماك » ، مزودة بوسائل نقل ، و يقدر عدد أفرادها بألفَـي رجل في زمن السلم و ستة آلاف في حالة الحرب.

٢_ الآرغن زفاي لومي : « منظمة قومية عسكرية » :

تأسست عام ١٩٣٥م من الأعضاء المنشقين عن الهاغانا ، عملت تحت إمرة قيادتها السرية وقدرت قوتها و قتذاك -

بـ « ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف رجل ».

٣_عصبة الشتيرن

قدرت قوتها في عام ۱۹۳۹ م بـ ٢٠٠ إلى ٣٠٠ من المتطرفين الخطرين ، و قد تعاونت هذه العصابة مع « الآرغن زفاي لومي » تعاونًا كاملا على اعتبار أن الطرفين يتبعان سياسة بالغة التطرف.

و مما يذكر في مسيرة هذه العصابات و غيرها أنها جميعها أو أكثرها تلتقي تحت قيادة واحدة هي { الوكالة اليهودية } التي جمعت تحت رايتها كثيرًا من العصابات المسلحة ، والتي قادت حروبها الأولى ضد الجيوش العربية في فلسطين المحتلة.

٤_ بن عفير - وزير أمن العدو الصهيوني- يقوم بتسليح المستوطنين بالأسلحة الرشاشة في أكتوبر ،۲۰۲۳م في مشاهدة علنية عبر و سائل الإعلام الصهيونية .



و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*(١) عبد الوهاب المسيري : الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى ، صفحة (١٦٦).

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

مخطط الإذابة أو مخطط أيلاند الصهيوني _ Dissolution chart

 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

مع بدء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة و ممارسة أبشع جرائم الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، و انتهاج سياسة هتلرية غير مسبوقة نحو التخيير الضمني لسكانه ما بين الإبادة الجماعية أو التهجير القسري إلى شبة جزيرة سيناء بهدف تفريغ القطاع لاستكمال مخططات التوسع التتاري التوراتي ، أتي الواقع دون حديث ليكشف لنا نحن العرب و المسلمين ، أبعاد المخطط الخفي من وراء تلك الحرب البربرية لتئده في مهده ، و تميط اللثام عن الوجه الوحشي للحكومة الصهيونية في العمل المتعمد على التهجير القسري لسكان قطاع غزة و إجبارهم على الخروج من الشمال إلى الجنوب ، تحت تهديد النار ، وثم دفعهم نحو شبة جزيرة سيناء ، لخق واقع جديد ، و تدشين فصل ( هتشيكوكي ) آخر من فصول مآساة الشعب العربي الشقيق الفلسطيني .

و من خلال هذا الموضوع سوف نتحدث فقط بعد البحث و التحليل في أبعاد المخطط المشبوه ، و رصد رؤى الخبراء و السياسين الإسرائيليين و هذا هو أهم مخطط قررت ان ابحث فيه إلا وهو مخطط الإذابة .

أو مخطط أيلاند ، لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء و ظل هذا المخطط حبيس أدارج الحكومات الصهيونيه المتعاقبة ، و كان يتم التلويح به من حين لآخر مع أية مواجهة عسكرية صهيونية فلسطينية في قطاع غزة تحدث مع المقاومة ، إلى أن جاء العدوان الأخير ليكشف التوجه الصهيوني نحو الرغبة لتنفيذ هذا المخطط القديم الجديد ، و هو ما انعكس من خلال تصريحات العديد من القادة العسكريين و المسئولين و الخبراء الصهيونين بدعوة الفلسطينيين بالذهاب إلى سيناء ، و بالطبع استعان الكيان الصهيوني بآلته العسكرية الوحشية لدفعهم قسرًا نحو الحدود الدولية مع مصر ، ليخرج علينا أمير وايتمان ، و هو سياسي إسرائيلي و أحد الكوادر الشبابية المستقبلية داخل حزب الليكود ، بخطة متكاملة الأركان تهدف ليس فقط إلى تهجير الفلسطينيين إلى شبة جزيرة سيناء ، بل و دمجهم داخل المجتمع المصري و إذابتهم بين أبنائه في مدن الدلتا و العاصمة و مدن مصرية آخري.

و كما كشف ( وايتمان ) عن تفاصيل هذا المخطط المشبوه من خلال ورقة بحثية (1)* زاعمًا بأنها خطة مستدامة ذات جدوى اقتصادية عالية ، تتوافق بشكل جيد مع المصالح الاقتصادية و الجيوسياسية لدولة إسرائيل و مصر و الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة العربية السعودية ، مشيرًا إلى أنه طبقًا للبيانات والمعلومات المصرية في عام ٢٠١٧ م ، هناك حوالى ١٠ ملايين و حدة سكنية شاغرة في مصر نصفها تقريبًا تابعين للقاهرة ، و هما في السادس من أكتوبر و العاشر من رمضان ، إلى جانب عدد هائل من الشقق المبنية و الشاغرة المملوكة للحكومة و الشركات الخاصة ، و مساحات البناء تكفي لاستيعاب حوالي ستة ملايين نسمة ، و في المقابل أن غالبية السكان المحليين غير القادرين على شراء الشقق ، رغم سعرها المنخفض للغاية ( فقط بين ١٥٠ و ٣٠٠ دولار للمتر المربع ) و تابع وايتمان و رقته البحثية قائلًا

(( صحيح أن مخزون الشقق الشاغرة في مصر يتغير بمرور الوقت ، إلا أنه يبدو أنه يظل كبيرًا جدًا و متوفرًا لتسكين جميع سكان غزة ، و بناء عليه يمكن تقدير إجمالي المبلغ المطلوب و تحويلة إلى مصر لتمويل المشروع ما بين ٥ إلى ٨ مليارات دولار ، و هذا المبلغ يقدر بنحو واحد بالمئة و واحد ونصف بالمئة فقط من الناتج المحلى الإجمالي للكيان الصهيوني ، التي يمكن دفع هذا المبلغ بدون أي مساعدة دولية ، خاصة و أن مصر تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة ، بل ومن الممكن للكيان الصهيوني مضاعفة هذا المبلغ و ثلاثة أضعافه و حتى أربع أضعاف من أجل حل قضية قطاع غزة ، و التي ظلت لسنوات عائقًا أمام السلام و الأمن و الاستقرار ، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب ، بل في جميع أنحاء العالم أيضًا ، و إذا كان إنفاق بضعة مليارات من الدولارات ؛ حتي لو كانت ٢٠ أو ٣٠ مليار دولار ؛ لحل هذه القضية الصعبة فهو أمر مبتكر ، و حل منخفض التكاليف و يتسم بالاستدامة حسب ما جاء فى ورقة وايتمان البحثية .

و سيظل قطاع غزة وإبطال غزة هاجسًا يؤرق مضاجع القيادات الصهيونية ، و أن فشلت فكرة التهجير القسري لسكان قطاع غزة إلى سيناء تلجأ لمخطط الإذابة من خلال نقل الفلسطينيين إلى الداخل المصري و دمجهم و سط أبناء الشعب و نسيان القضية الفلسطينية على أكثر تقديري الشخصي خلال عقدين من الزمن ، ف الشعب الفلسطيني هم الطرف الأهم في المعادلة و أن لا يري بديلًا للتخلى عن أرضة سوى العيش فيها أو الاستشهاد ، هذا هو ما ينسف كافة المخططات الصهيونية سواء التهجير أو الإذابة .

و خطورة هذة الورقة البحثية التي تقدم بها وايتمان أنها تتمثل في دعوة إذابة الشعب الفلسطيني ودمجه فى شعوب أخري ، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعلن إسكوتلندا بعد العدوان على قطاع غزة إلى استعدادها لاستقبال لاجئين فلسطينيين على أراضيها. 

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*(1) _صحيفة يدعوا أحرونوت العبرية ، انظر الرابط التالى :

https://www.ynet.co.il/news/article/s1qfxnkg6



الأربعاء، 22 نوفمبر 2023

حكاية شعب أعزل في مرمى مهنية إعلامية زائفة Palestine

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

ليست هي المرة الأولى يكشف فيها الإعلام الغربي عن وجهه الحقيقي بعد أن ظل لسنوات يُصدّر لنا في العالم النامي و خاصة الشرق أوسطي ، مهنية زائفة اعتاد أن يطليها بطلاء الموضوعية و الحيادية ، لكن سرعان ما تنكشف حقيقة هذه الموضوعية المزعومة في كل أزمة يضطر الإعلام الغربي أن يتعامل معها من واقع سياساته التحريرية و انتماءاته الجغرافية و العنصرية ، فالمتابع للإعلام الغربي في مختلف القضايا التي تشغل الرأي العام العالمي خاصة تلك التي تتعلق بقضايا المسلمين حول العالم يدرك تمامًا حجم التفاوت الواضح و الازدواجية في التغطية لتطورات هذه القضايا و تبعات تلك الأحداث ؛ لدرجة قد تصل إلى إصدار أحكام مختلفة على حدثين متشابهين إلى حد ما .

و ما سبق ليست بتكهنات شخصية و إنما واقع رصدته بعض الدراسات الإعلامية ، فقد كشفت دراسة سابقة نشرتها مجلة (( ذا نيشن الأمريكية وهي أقدم مجلة أسبوعية مازالت و متخصصة بالأمرو السياسية و الثقافية وذات توجهات يسارية صدر أول عدد منها ١٨٦٥ في نيويورك )) .

و تحدثت عن الموضوعية الغائبة في تغطية وسائل الإعلام الغربية للأحداث الإرهابية عن الانحياز الصارخ الذي يمارسه الإعلام الغربي في تغطيته لمثل هذه الأحداث ، بالإسهاب في تناول الحوادث التي تقع في الدول الغربية ، مقابل الاهتمام المحدود و ربما التجاهل التام ، عندما تكون دولة من دول العالم الثالث هي الضحية ، حيث ترجمت الدراسة هذا الخلل الإعلامي بأرقام محددة و كشفت في الوقت نفسة عن أن العمليات الارهابية تقع معظمها في دول إسلامية أو عربية أو نامية و ليس في الغرب ، ومن ثمَّ فإن معظم الضحايا من العرب و المسلمين

كما أن الدراسة اقتصرت على التغطية في و سائل الإعلام المقروءة فقط ، أي: و حصرت نطاق عملها في عام ٢٠١٥ م ، الذي شهد ٣٣٤ حادثًا إرهابيًّا في أنحاء العالم .

و وفقًا للدراسة فإن نيجيريا جاءت في طليعة الدول التي عانت من الإرهاب ، و بلغ عدد ضحاياها ٣١٩٣ قتيلًا اي أكثر من ضحايا هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ م في الولايات المتحدة ، كما أن الدولة الثانية كانت العراق و تكبدت ٧٠٨ قتلى ، ثم سوريا ٣٤٦ قتيلًا ، يليها أفغانستان ٣٠٩ ، ثم مصر و اليمن و باكستان كل هذا في عام ٢٠١٥ فقط و القائمة طويلة بعد ذلك ، لكن الإعلام الغربي لم يكن لينتفض إلا إذا طال الإرهاب شيئًا من مكونات دولة فقط .

و لعل هذا التوجه الذي دأب عليه الإعلام الغربي بجميع وسائله لم ينج منه العالَمين العربي و الإسلامي في سلم أو حرب، فرغم ما أوردته مواثيق الشرف الإعلامية من تأكيدات ينبغي أن يكون الإعلام الدولى و منه الغربي من أوائل الملتزمين بها ، خاصة وأنه ارتضى لنفسه أن يكون مصدر تنوير و تثقيف للرأي العام العالمي فيُنَحِّي انتماءاته الجغرافية في تناوله لكل حدث أو قضية تشكل مصدر اهتمام للرأي العام ، إلا أن هذه المواثيق وما حوته من بنود بالنسبة لهذا النوع من الإعلام قد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض .  

و إذا كان المقام هنا في الوطن العربي يستدعي أن تستند المعلومة على حقائق راسخة لا أن تُطلق الاتهامات جزافًا ، فإن النماذج التي تكشف الحقيقة المؤلمة للإعلام الغربي حدِّث عنها و لا حرج ، و لعلّ من أولاها هذه القضية الأزلية التي شاهد العالم أجمع خلالها الكثير من المشاهد الدامية التي اهتزت لها القلوب ، فقد باتت ازدواجية التعامل مع العدوان الإسرائيلي على ( غــزة )و اقعًا لم يتم تغييره بعد ، فقد بدأ انحياز الإعلام الغربي واضحًا في تغطيته للعدوان الصهيوني السابق و الحالى على قطاع غزّة و على شعبها الأعزل .

و رغم تلك المناشدات الحقوقية للمؤسسات الدوليه التي فقدت كلَّ عوامل التنفيذ في توفير الحماية للأطفال في غزة ممن بلغ بهم الأمر أنهم قرروا كتابة أسمائهم على أيديهم انتظارًا لقصفهم المتوقع في أي لحظة حتي يتم التعرف على جثثهم ، إلا أن الوسائل الإعلامية الغربية تحدثت عن ألم الطرفين و كأنه متساوٍ ، متجاهلة تلك الخسائر البشرية في صفوف المدنيين الفلسطينيين و الدَّمار الذي لحق بغـزة مقابل خسائر الكيان الإسرائيلي المحدودة و التي تتركز في نطاق العسكريين فقط ، لكن العجيب في الأمر أنه في كل مرة يجري تقديم إسرائيل كضيحة و لها حق الدفاع عن نفسها. 

و هناك مشهد آخر يكشف زيـف هذه الترسانه الإعلامية و هو ماحدث في واقعة الهجوم على جريدة ( شارلي إيبدو ) في باريس ف ٧ يناير ٢٠١٥ م ، حيث أسفر هذا الحادث عن مقتل نحو ١٢ شخص فقط ، و في هذه الواقعة لا يمكن الحكم على الإعلام الغربي ظاهريًّا بأنه قد انحاز لطرف دون آخر لكن المدقق لأساليب هذه الوسائل و منهجيتها يدرك ذلك من خلال الوقوف على حجم التغطية لهذا الحدث التي بلغت الصحف الغربية أكثر من ٢٠ ألف موضوع صحفي و أعلامي ، و هنا قد يقول قائل فما وجه الانحياز في ذلك و هذه التغطية جزء من مهام هذه الوسائل !؟ فأقول له بأن سياسة (( الكيل بمكيالين )) تظهر واضحة وضوح الشمس ، ففي نفس التوقيت الذي وقع فيه هذا الحادث قتـ.ل نحو ٣٨ شخصًا في انفجار حدث في اليمن و هو عدد يتجاوز ضعف حادث (( شارلي إبيدو )) ، لكن تغطية الإعلام الغربي لحادث اليمن بلغت فقط ٥٦٥ تقريرًا صحفيًّا ، الأمر الذي يكشف عن ازدواجية صارخة في التعامل مع الأحداث العالمية بتفرقة واضحة في حجم الاهتمام و التجاهل .

و حسبنا في ذلك أن المقام هنا مقام إيجاز ، لكن القضايا و المواقف التي تكشف النقاب عن هذه الازدواجية أكثر من أن يمكن حصرها في مو ضوع واحد ، بل فالأمر لا يقتصر على قضايا بعينها و إنما يتعلق بمفاهيم و ثقافات راسخة داخل المجتمعات الإسلامية و العربية و هنا أذكر نظرة الإعلام الغربي للمرأة المسلمة و قضاياها المتنوعة ، و ما تحتوي عليه هذه النظرة من مفارقات عجيبة تحكي هذا التوجّه و التحيّز المستمر ، فقضية حجاب المرأة المسلمة ليست ببعيدة ، فشأن الإعلام الغربي في التعامل مع هذه القضية أنه هنا إذا غطَّت المرأة المسلمة شعرها أصبحت رجعية ، وفي نفس المقام عندما تغطي الراهبة رأسها فإنها بذلك ممتثلة لأوامر ربها ، و كذلك إذا قامت المرأة العربية و المسلمة على شئون أهلها و بيتها فإن أقلام الإعلام الغربي لا تتوقف عن إطلاق حملات تدعو إلى تحرر المرأة المسلمة من العبودية - على حد قولهم - ، لكن إذا قامت المرأة الغربية بهذا الفعل فهي من وجهة نظرهم تضحي بجهودها في سبيل العناية بأهلها و بيتها ! قمة العنصرية و التحيز لم و لن تتوقف عنه الآلة الإعلامية الغربية ، ما يدعونا في النهاية إلى العمل على تكوين كيان إعلامي قوي يضع الأمور في نصابها و يحمي مجتمعاتنا من تبعات تلك المعالجات المجحفة .

تَحيَّة طَيبة مِن عِـنـد الـلـه 

مُـبـارَكـة لَـكُـم أَيـُّهـا الأَبْـطَـال.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
 

الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

Tahira Quraish طاهرة قريش


 



كانت قريش على حقٍّ حين لقَّبَتْها بلقبِ الطاهرة ؛ فقد شدت انتباهَ أهلِ مكةَ بنقائِها ، و أمانتِها ، و طهارتِها فى كل ما تفعلُ أو تتركُ من الأمر.

رأتها قريش طاهرةَ اللسان ؛ تقولُ فتصدقُ ، و تعِدُ فتَفِى ، و تتحدثُ بالكلمةِ النافعةِ التى تحمى حقََّـا ، أو تدفعُ ظلماً ، أو تنفِّسُ كربةَ سائل أو جائعٍ أو محروم ، فإذا لم يكن حقٌّ و خيرٌ صانت لسانَها عما يلوِّثُه و يشوِّهُـه .


و وجدَتْها طاهرةَ اليِـد ، تبسُطُها بالعطاء ، فتمسحُ بها دموعَ المحزونين ، و تداوى بها آلامَ البائسين و اليائسين ، و تقبضُها عن أن تمتدَّ إلى ما ليس لها ، أو تؤذىَ أحداً من أهلِها أو ممن يعملون في تجارتِها أو من غيرِ هؤلاء و هؤلاء .

و عهِدَتْها طاهرةَ الذَّيلِ ، تعـطِّـرُه بالعـفَّـةِ و الالتزامِ و قوةِ الإرادةِ ، و لا تعرِّضُـه أبداً إلى شيءٍ مما يدنّسُ النساء ، ويجلب لهنَّ الفضيحة والعار .

و عرفَتْها طاهرةَ القلبِ ، تعمُرُه بحبِّ الخير للناسِ ، و لا تطويه على غلٍّ أو حقدٍ أو طمعٍ أو خداع .

و تابعَتْ قريش حياةَ هذه السيدة : بنتاً ، و زوجةً ، و أُمًّـا ، وربَّةَ عملٍ واسعٍ في التجارةِ و تـثميرِ المالِ ، فأعجِبَت بها فى كلِّ حالٍ من أحوالِها ، و كل موقفٍ من مواقفِها.

أُعجبت بها فتاةً عاقلةً رزينةً ، تترفَّـعُ ، مع جمالها و شبابها ، عن كلِّ ما يصدرُ عن الفتياتِ الطائشاتِ من نظرةٍ مائعة ، أو كلمةٍ لينة خاضعة ، أو حركة منحطة نابية ، و تحرِصُ على أن تتصرَّفَ في الخفاءِ كما تتصرفُ حين يراها الناسُ ، و تتسلطُ عليها الأنظار .

و أُعجِبَت بها زوجةً صالحةً ، تنهضُ بحقِّ زوجِها ، و تخلِصُ له ، و تحملُ أعباءَه و ما تستطيعُ من هفواتِه ، و لكنها تترفَّعُ عما لا يجمُلُ بمثلها من حياةِ سيداتِ قريش اللائى تصوَّرْنَ أن السيادة غطرسةٌ و كبرياء ، و إسراف في المأكِل و الملبَس و الزينة ، و مجاراةٌ للأزواجِ فى اللهو و العبث والتمتعِ بالرقصِو الغناءِ . 

كما أُعجِبت قريش بها ؛ لحسنِ قيامِها على تربيِة أولادِها الذين تركهم لها عتيقُ بنُ عائٍذ المخزومىُّ زوجُها الأول ، و هندُ بنُ زُرارةَ زوجُها الثاني ؛ فقد بذلت غاية جهدها فى رعايتهم وإعدادهم للحياة التي تنتظرُ أمثالَهم ورضِيَت قريش عنها كل الرضا ، وهى تمارس عملها التجارى الواسع ، فى مَقدرةٍ يعجِزُ عنها كثيرٌ من الرجالِ ؛ لأنها فتحت أبوابَ العيش لمن يعملونَ في تجارتها ، كما فتحت بجودها وسخائِها أبواب الأملِ لمن كانوا يتهافتون عليها من الجياعِ المطحونين فى مكةَ ، و ممن يفدون إليها طلباً للمعونة والعطاء .

لهذا كلِّه ، و أكثرِ منه ، رضيت عنها قريش وأُعجِبَتْ بها في الجاهلية ، و عبرت عن رضاها و إعجابِها بهذا اللقب الذى منحته إياها ، وكانت تسميها و تناديها به.

و لكن أهلَ مكة عادوا ، فاستعجبوا ودهشوا لموقفها الغريب من الزواج ؛ فقد تقدَّمَ لها عددٌ غيرُ قليل من كبارِ قريش ، و طلبوا فى إلحاحٍ يدَها ، و لكنها ردتهم جميعاً ، و لم تَرتَضِ واحداً منهم .. و طالما تساءَلَ مَنْ حولَها عن سرِّ هذا

الرفض ، و قالوا فى حيرة : حقًّا إنها تزحف نحو الأربعين من عمرها و لكنها تبدو و كأنها فى ميعة الشباب ؛ بما فيها من قوةٍ و حيوية ، و ما لها من جمالٍ و نضارةٍ و إشراق .. ثم إنها ذاتُ حسبٍ و نسبٍ و ثراءٍ و منزلةٍ كريمة في عيون الناسِ و قلوبهم ، و كلُّ هذه مبرراتٌ ، تدفع إلى الزواج ، و لا تدفع إلى

العُدولِ عنه .. و كثيراً ما عتبوا عليها ، وودُّوا لو تغيّر موقفها منه ، و لكنها لم تستمع لهم ، و لم تغير من موقفها شيئاً

و لم تكن هذه الحيرة بعيدةً عن بيت هذه السيدة نفسه ، فكثيراً ما كان

مواليها يفرُغون من عملهم ، فيلتقُون على سمرٍ أو حديث أو حوار كهذا الحوار :

الأول : لقد رعانى القدَرُ حين ساقنى إلى بيتِ هذه السيدةِ الطيبة .. إن بيتها جنة ! إنها تعاملُنا كما تعامل أولادَها ، فلا شتم ولا زجر ، ولا ضربَ ولا إذلالَ ولا شيء مما يعانى الموالى والعبيد من حولنا !

الثاني : الموالى و العبيد من حولنا ! إنهم يعيشون فى جحيم ! يأكلون من بقايا الطعامِ كالكلاب ، و يُضْرَبون بالسياطِ ، و يكلَّفونَ القيامَ بأشقِّ الأعمال ، ولا يحسُّ أحد بآلامِهِم ، و إذا تعبوا أو مرِضوا أو هدَّتهم السنُّ لم يجدوا من يفكر فيهم.

الثالث : كم أود أن تكمل سعادتها بزوج صالحٍ مثلِها !

الأول : و من مثلُها ؟ لا أجد أحداً مثلَها أو قريباً منها . شرفٌ و سيادةٌ ، و عفة و طهارةٌ ، و أدبٌ وأخلاقٌ ، و جمال ورقةٌ ، و عقلٌ كبيرٌ ، ويدٌ سخيةٌ ؛ يبدو أنها عزفت عن الزواجِ و أصبحت لا تفكر فيه !

الثاني : بل هى تفكرُ فيه ! أراها من حين إلى حين شاردةَ الذهن كأنها تحلمُ ، و فى ملامحِ و جهِها ثقةٌ وأمل بأنَّ الأقدارَ سوف تُهدِيها أو تُهدى إليها الرجلَ الذي تحلمُ به !

الثالث : لعل القدَرَ أَخَّرَ زواجها لأمرٍ أراده و لا نعلمه !

كانت طاهرةُ قريش التى جذبت انتباهَ ، قومِها ، فأعجبوا بها ، و حاروا في أمرِها هي خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسدٍ حفيدِ قصيِّ بن كِلاب ، عَظيمِ قريش الذى ألَّفَ بين أهلها ، وجمعهم على الوحدة والمحبة والسلام .

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


الخميس، 7 سبتمبر 2023

مؤيد الدين العلقمي Minister Al-Alqami

 




الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

من هو الوزير مؤيد الدين العلقمي ، و لا يغرك اسمه ، فقد كان رجلاً فاسداً خبيثاً جداً ، وكان رافضياً ، يرفض خلافتي _أبو بكر الصديق_ و _عمر بن الخطاب_ رضي الله عنهما ، وكان شديد التشيع كارهاً للسنة وأهلها ، ومن العجب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق في دولة سنية تحمل اسم الخلافة و هو على هذه الصفة ، ولا شك أن هذا كان قلة رأي و ضحالة فكر و سوء تخطيط من الخليفة ( المستعصم بالله ) ، الذي ترك هذا الوزير المفسد في هذا المكان الخطير الحساس.

و لم يتول هذا الوزير الوزارة شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين، وإنما بقي فيها ١٤_ سنة كاملة من سنة ( ٦٤٢) هجرية إلى سنة( ٦٥٦ )هجرية عندما سقطت بغداد ، فقد تولى المستعصم بالله خلافة المسلمين سنة ( ٦٤٠ )هجرية ، وبعد سنتين جاء بهذا الوزير المفسد إلى مركز كبير وزراء الخلافة العباسية.

فتعاون مع هولاكو و إستغل منصبه و اتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالآراء الفاسدة الاقتراحات المضللة على قدر ما يستطيع ، في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة.

و اقنع الوزير مؤيد الدين العلقمي الخليفة العباسي 

( المستعصم بالله ) بأن يخفض من ميزانية الجيش ، وأن يقلل من أعداد الجنود ، و ألا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح و الحرب ، وأن يحول الجيش إلى الأعمال المدنية و الزراعية و الصناعية و غيرها ، حتى يصبح الجيش مشغولاً بزراعة الطماطم و الخيار و بناء الكباري و عمل المخابز و الأطعمة ، و لا داعي للتدريب و القتال و السلاح و الجهاد ، حتى لا تثار حفيظة التتار ، ونقول لهم :_ ( نحن قوم سلام ولسنا قوم حرب ، وانظروا إلى جيشنا ماذا يعمل ) ؛ فلما قال الوزير مؤيد الدين العلقمي هذا الكلام للخليفة ( المستعصم بالله ) وافقه على ذلك.

و بدأت خطة إضعاف جيش الخلافة العباسية ، فخفض ميزانية التسليح وقلل أعداد الجنود ، أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام ( المستنصر بالله ) ( والد المستعصم بالله ) سنة ( ٦٤٠ ) من الهجرة لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة ( ٦٥٤ ) هجرية ، وكان هذا هبوطاً مروعاً في إمكانيات الخلافة العسكرية ، و ليس هذا فقط ، بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر و الضياع ، فكان الجندي لا يجد ما يأكل أصلاً ، حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق ، وأهملت التدريبات العسكرية ، و فقد قواد الجيش مكانتهم ، حتى لم يوجد بينهم من له القدرة على التخطيط أو الإدارة أو القيادة ، ونسي المسلمون فنون القتال و النزال ، و غابت عن أذهانهم تماماً معاني الجهاد بسبب ضحالة الفكر من الخلفية.

و في _البداية و النهاية_ لابن كثير ، يلقي باللوم الكامل على _مؤيد الدين العلقمي_ في نصائحه للخليفة ، و لكن اللوم هنا على الخلفية ذاته ، فهو الذي قبل بهذا الهوان ورضي بهذا الذل ، و غاب عن ذهنه أن من أهم و اجباته كحاكم أن يضمن لشعبه الأمن و الأمان ، وأن يدافع عن ترابه و أرضه ضد أي غزو أو احتلال ، وأن يبذل قصارى جهده لتقوية جيشه و تسليح جنده ، وأن يربي الشعب بكامله لا الجيش فقط على حب الجهاد و الموت في سبيل الله ، ولم يفعل _الخليفة المستعصم _ذلك ، ولا عذر له عندي و عندكم فى التاريخ ؛ فإنه كان يملك من السلطان ما يجعله قادراً على أخذ القرار ، و لكن النفوس الضعيفة لا تقوى على أخذ القرارات الحاسمة.

و كان هذا هو إعداد هولاكو و وزيرة منكو خان، و قد كان إعداداً مبهراً عظيماً كبيراً حقاً.

و في المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين استعداداً للغزو التتري القريب عما قليل للخلافة العباسية ، فما هي إلا خطوات و هولاكو يجميع الجيوش ويستعد لغزو العاصمة الإسلامية التليدة العتيدة بغداد !

التي كان بمجرد التفكير في غزوها فقط قبل بضع سنوات هي نهايته و نهاية مملكة التتار.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ و أن يجعل لنا في التاريخ عبرة ، إنه ولي ذلك والقادر علية ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله على مدونتي 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼





الاثنين، 14 أغسطس 2023

الاحتكار و المبالغة في الأسعار Monopoly and overpricing


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

إن الشريعةَ الإسلاميَّة يسَّرتْ للناسِ سُبُلَ التَّعامُلِ ، كي تَظَلَّ أجواءُ المحبَّةِ سائدةً بين الأفرادِ ، و لكي تَبْقَى الحياةُ سعيدةً نَقِيَّةً ، لا يُعكِّرُ صَفْوَها كدرٌ و لا ضَغِينةٌ.

من أجلِ ذلك حَرَّمَ الإسلامُ الاحتكارَ ؛ لما فيه من تَضيِيقٍ على عِبادِ اللَّهِ ، و لما يُسبِّبُه من ظُلمٍ و عَنَتٍ و غَلاءٍ و بلاءٍ ، و لما فيه من إهدارٍ لحريَّةِ التجارةِ و الصناعةِ و الزراعة ، و سدِّ لمنافذِ العملِ و أبوابِ الرزقِ أمام الآخرِين.

و عن المقصودِ بالاحتكارِ و العِلَّةِ في حُرمتِه ! فالجوابُ ؟ : 

هو أنَّ الاحتكارَ هو الامتناعُ عن بيعِ سلعةٍ أو منفعةٍ و الانتظارُ حتى يَرتَفِعَ سعرُها ارتفاعًا غير مُعتاد ، مع شِدَّةِ حاجةِ الناسِ أو الدول إليها ، و هو مُحرَّمٌ شَرْعًا ؛ لأنَّه نَوْعٌ من أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ ؛ قال تعالى : { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ }{ النساء _٢٩ } ، و قوله ﷺ : (( لا يَحتَكِرُ إلَّا خاطئٌ )) رواه مسلم …*(١).

كما أن الاحتكار مُخِلٌّ بمُقتضيات الإيمانِ باللَّهِ ؛ لقولِه ﷺ : 

(( من احتَكَرَ طعامًا أربعينَ ليلةً فقد بَرِئَ من اللَّهِ و بَرِئَ اللَّهُ منهُ ، و أيُّما أهلِ عَرْصةٍ باتَ فيهم امرئٌ جائعٌ فقد بَرِئَتْ منهم ذِمَّةُ اللَّهِ )) …*(٢).

وإذا كانت العِلَّةُ في حُرمةِ الاحتكار هي الإضرار بالنَّاسِ ، فكل ما يترتب على احتكاره فهو مُحرَّمٌ ، سواءٌ كان الاحتكارُ لطعامٍ او غيرِه ؛ فإن حاجةَ الناسِ لا تتعلَّقُ بالطَّعامِ فقط ، فقد تَشتَدُّ حاجَتُهم إلى كِساءٍ و دَواءٍ و مَأْوى و نحوِ ذلك ، و احتكارُ ما يحتاجونَ إليه من هذه الأشياءِ يُضَيِّقُ عليهم حياتَهم و يُوقِعُهم في حَرَجٍ.

و الاحتكارُ في وقت الشِّدَّةِ و في زَمَنِ انتشارِ الأوبئةِ و الحُروب والمجاعات ؛ أشدُّ حرمةً منه في الظروف العاديَّةٍ ؛ لأنَّه في الظُّروفِ الاستثنائيَّةِ يكونُ من بابِ تشديدِ الخِناقِ و مُضاعَفةِ الكَرْبِ على الناس ، و احتكارُ الأقواتِ و المستلزمات و كل ما تَمسُّ الحاجةُ إليه الآن أشد تحريمًا من احتكارها في أوقات الرَّخاءِ و الأمنِ .

و هنا نجدُ ان الإسلامَ قد أعطى للمسؤول الحقَّ في التَّدخُّلِ المباشرِ لمواجهةِ أزمةِ الاحتكارِ المُضرَّةِ بالمجتمع ، و لإجبارِ التُّجَّارِ على البَيْع بثَمَنِ المِثْلِ ؛ لأنَّ مَصلَحَةَ الناس لا تَتِمُّ إلا بذلكَ.

و أوادُّ أن أُشيرَ إلى أنَّ الإسلام إذا كانَ قد جَرَّمَ الاحتكارَ و حرَّمَه فإنَّه في المقابلِ دعا إلى الترشيدِ و الاقتصادِ و الاعتدالِ في الاستهلاكِ ؛ تحقيقًا للتَّعاونِ بين الناسِ ؛ و عليه فإنَّ فَزَعَ المُستهلِكين و هلَعَهم في تكديسِ الموادِّ الغذائيَّةِ ، و طلب ما لا حاجةَ لهم إليه من السِّلَع ، من أكبرِ عَوامل الاحتكارِ و تشجيعِ المُحتَكِرين على رَفْعِ الأسعار ؛ ممَّا يُعرِّضُ البسطاءَ للظُّلمِ و الحِرمانِ من هذه السِّلع.

و في هذه الظروفِ القاسيةِ ، يجبُ علينا جمَيعًا وُجوبًا شرعيًّا إحياءُ مَسلَكِ الاعتدالِ ، و عدمُ الإسرافِ ، و ترشيدُ استهلاكِ السِّلَعِ ، و هو في حال الأزماتِ أَوْلَى و أَوجَبُ ، و علينا أن نَتذكَّرَ ما قالَهُ _ إبراهيم ابن الأدهم _ عندما اشتكى النَّاس غلاءَ ثمن اللحمِ قال : أَرخِصُوه ؛ أي : لا تشتروه …*(٣) ؛ فالتَّرْكُ كفيلٌ بأنْ يَجعَلَ من الذهبِ سِلعةً رَخيصةً.

و من أنواعِ الاحتكارِ المنهيِّ عنه أن يقتصرَ بيعُ سلعةٍ أو سلعٍ مُعيَّنةٍ على تجارٍ بعينِهم دُونَ تجارٍ آخَرِين ، فهذا الأسلوبُ الملتوي يَدفعُ دفعًا إلى احتكارِ هذه السِّلَعِ ، ورفعِ أسعارِها ، و قَصْرِ شِرائها على القادِرين فقط.

و الاحتكارُ بكلِّ أنواعِة مُحرَّمٌ في شريعةِ الإسلامِ من غير فَرْقٍ أن يَقَعَ الاحتكارُ في قُوتِ الآدميِّ أو قُوتِ الدَّوابِّ ، و العِلَّةُ في ذلك هو إلحاقُ الضررِ بالآخَرين ، و هدمُ أصل من أصولِ القيم و الأخلاقِ ، و مصادرةُ حُقوقِ الناس.

اللَّهمَّ أَصلِحْ لنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أمرِنا ، و أَصْلِحْ لنا دُنيانا التي فيها مَعاشُنا ، و أَصْلِحْ لنا آخِرَتَنا التي إليها مَعادُنا ، و اجعَلْ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير ، و اجعل الموتَ راحةً لنا من كُلِّ شر…*(٤).

{ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }{ الحشر : ١٠ }.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

________________________________________

*(١) في ( صحيحه)( ١٦٠٥) من حديث مَعمَر بن عبداللَّه بن نَضلة رضي اللّٰه عنه.

________________________________________

*(٢) أخرجه أحمد في (مسنده )(٤٨٨٠) من حديث عبداللَّه بن عمر رضي اللّٰه عنهما ؛ و العرصة هي : كل موضع واسع لا بناء فيه ، كما في ( النهاية ) لابن الأثير : ٢٠٨/٣.

_________________________________________

*(٣) أخرجة أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) ٣٢/٨.

_________________________________________

*(٤) رواه مسلم في ( صحيحه) (٢٧٢٠) من حديث أبي هريرة رضي اللّٰه عنه _ بلفظ ؛ كان رسول اللَّه ﷺ يقول : (( اللَّهمَّ أَصلِح لي دِينِي الَّذي هو عِصمةُ أَمرِي …))

________________________________________


الجمعة، 11 أغسطس 2023

الـتَّـوكُّـل…٣ Tawakkul_3


 

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نكمل اليوم ما شرعنا فيه من موضوع سابق عن 👈التوكل👉، 

حول موضوع (( السببية )) أو (( العِلِّيَّة )) و طبيعة العلاقة بين طرفيها : السبب أو العلة من ناحية ، و المسبَّب أو ال معلول من ناحية أخرى ، و هذا الموضوع يتعلق بقضية التوكل على اللَّه تعالى ، و يمسُّها مسًّا مباشرًا ، و سوف نتخذ موضوع النار والإحراق مثالًا نمثل به : (( النار )) سببًا أو عِلَّة ، و (( الاحتراق )) مسبَّبًا و معلولًا.

كل منا يعلم علم اليقين من مشاهدته اليومية للعلاقات بين الأشياء في عالم المحسوسات أنه لا يمكن أن يحدث (( شيء )) أو يوجد من (( لا _ شيء )) فإذا شاهدنا مثلًا قطعة من القطن أو الورق تحترق فإن العقل يفترض أن هناك (( نارًا )) كانت هي السبب او العلة في حدوث ظاهرة الاحتراق ، و حين نقف أمام هذا المثال ، أو هذه الظاهرة وِقفة تأملٍ فلسفيٍّ عميق نجد أن هذه الظاهرة تتركب من ثلاث عناصر : 

الأول : النار ، وهو ما يسمى بالسبب ، أو العلَّة ( في لغة الفلسفة ) .

الثاني : الاحتراق ، و هو ما يسمى المسبَّب ، أو ال معلول ( في لغة الفلاسفة أيضًا ).

الثالث : العلاقة بين النار كسبب و الاحتراق كمسبَّب .

و العنصر الأول ظاهر للحسِّ و للعيان ظهورًا بستحيل معه الجدل أو النقاش في ثبوته و وجوده ، و كذلك العنصر الثاني يثبته الحس و العيان ثبوت الشمس في رابعة النهار .

أما العنصر الثالث و هو العلاقة بين النار و الاحتراق فهو عنصر شديد الخفاء و الغموض ؛ بسبب أن برهان الحس و العيان و المشاهدة لا يُثْبت لحواسِّنا أن النار هي التي أحدثت الاحتراق و خلقَتْه في القطن أو الورق ، و كل ما تثبته المشاهدة هو أن ظاهرةً أولى حدثت ، و هي النار ، أعقبتها في الحدوث ظاهرة ثانية هي : الاحتراق ، و لا شيء بعد ذلك مما يتعلق بهاتين الظاهرتين ؛ و إذا ما رمزنا إلى النار برمز (أ) ، و للاحتراق برمز (ب) ، فإن كل ما في أيدينا من براهين و أدلة لا يقول أكثر من أننا تعودنا أن نري (ب) تحدث كلما حدث (أ) ، أما أن (أ) هي التي أَوْجدت (ب) و خَلَقتْها فهذا ما لا أعرفه ، فقد تكون (أ) هي التي أَوْجَدَت (ب) ، و قد تكون هناك قوة أخرى هي التي أَوْجَدتْ (أ)و (ب) معًا.

هذا التساؤل تصدى له بعض من عظماء الفلاسفة و المتكلمين من المسلمين ، و بعض من فلاسفة الغرب في العصر الحديث ؛ لما له من اتصال مباشر بمسألة الاستدلال على وجود اللَّه _ تعالى ! _ بدليل العِلَّة و ال معلول ، و قد كانت لهؤلاء و هؤلاء أنظار بالغة الدِّقَّة و العُمق الفلسفي ، و يهمنا منها _ في هذه العجالة _ موقف الأشاعرة ، و بخاصة عند الإمام الغزالي _ رحمه اللَّه !_.

و ربما يَنفرد الإمام الغزالي بصراحته المطلقة في اقتحام هذه المشكلة ، و هو يُقرِّر أنه ليس بصحيحٍ ما نعتقده من أن السبب _ او العِلَّة _ في عالم الأشياء و الظواهر الإنسانية و الطبيعية يُوجِد المسبَّب او ال معلول ، و مِن ثَمَّ ليس صحيحًا أن ( النار ) هي التي توجِد الاحتراق أو تحدثه ؛ و الصَّحيح أن مَن أوجد الاحتراق _ عند ملاقاة النَّار للقطن _ هو : اللَّه _ تعالى ! _ و حده.

و حين يعترض معترض على الإمام الغزالي بأن المشاهدة _ و هي أقوى الأدلة و البراهين _ تؤكِّد أنه كلما حدثت ملامسةُ النار للقطن حدث الاحتراق ، و أننا لم نر قُطْنًا يحترق بدون نار ، و أن هذا الارتباط الذي لم يتخلف مرة واحدة في عالم المشاهدات لهو البرهان الساطع على أن النار هي فاعلة الاحتراق ، و أن العلاقة بين الأسباب و المسببات هي علاقة عِلَّة ب معلول ، أو مُحدِث بحادث ؛ كالعلاقة بين الأكل و الشبع ، و الماء و الرِّيِّ ، و آلات القتل و إزهاق الأرواح ، و غيرها من آلاف آلاف التجارب و المشاهدات.

و حين يُعترض بهذا الاعتراض فإن الإمام الغزالي يتصدى لتفنيده بأدلة عقلية و تجريبية يصعب ثردها في مقالات .

و لكن بمكن تلخيصها فيما يلي : 

أولا : إن الأسباب كلها هي من عالَم الجمادات التي لا علم لها و لا إرادة و لا مشيئة ؛ و الخَلْقُ و الإيجادُ _ الذي هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود _ لا يمكن أن يحدث من علة _ کالنار مثلًا _ لا علم لها و لا إرادة و لا مشيئة ، و الإخراج من العدم إلى الوجود لا بُدَّ له من فاعل عالم بما يخرجه و مريد لخروجه من العدم للوجود.

ثانيًاو : حجر الزاوية في بناء المذهب الأشعري بعامة ، سواء فيما يتعلق بأصول الدين أو في فروعه _ هو المبدأ المنطقيُّ الثابت ، و الذي يُقرِّر أنَّه لا فاعل و لا مؤثِّر في الأكوان و الأشياء و المخلوقات كلها إنسانية أو طبيعيَّة إلَّا (( اللَّه )) _ تعالى !_ وحده ؛ و أَصْلُ ذلك _ عند الأشاعرة _ أن صفة (( القدرة )) الإلهية شاملة و عامة لا يخرج عنها مقدور واحد من مقدورات الكون ؛ و يلزم على ذلك أمران : 

الأول : أن اللَّه هو _ وحده _ الخالقُ و الموجدُ و الفاعل في كل ظواهر الكون و أشيائه و العلاقات بينها.

الثاني : لا شيء في هذا الكون يمكن أن يستقل بالتأثير في شيءٍ آخر.

و قد تغلغل هذا المبدأ في المذهب الأشعري ، و حَكَم كل تصورات الأشاعرة وأنظارهم سواء في الإلهيات أو الطبيعيات أو الأخلاقيات ؛ و من هنا يصعب جِدًّا إن لم نقل : يستحيل_ أن يجتمع _ في مذهبهم _ الاعتقادُ بشمول القدرة الإلهية لكل المقدورات و عمومها لسائر الممكنات ، ما كان منها إنسانيًّا و ما كان طبيعيًّا ، و الاعتقاد بثبوت أي تأثير لأي شيء غير اللَّه _ تعالى !_ بما في ذلك الأسباب والمسببات ، و ما يبدو للعيان من تأثير بعضها في بعض ، فالجميع بين هذين الطرفين هو جمع بين نقيضين يستحيل اجتماعهما معًا.

ثالثًا : أما اعتراض الخصوم بأن تكرار حدوث المسبَّب بعد حدوث سببه ، كاف في إثبات علاقةٍ حتميَّةٍ و ضروريَّةٍ ، هي علاقة التأثير و التأثُّر بين السبب و المسبَّبة ، فإن الإمام الغزالي ، يَردُّ هذا الفرض و يستبدل به فرضًا آخر يؤكد فيه أن العلاقة بين السبب والمسبَّب ليست علاقة تأثير و إيجاد ، و إنما هي علاقةُ (( اقترانٍ )) عادي ، أو تجاورٍ متكرِّرٍ ، و أن تكرار الاقتران بينهما و تتابعه بحكم العادة التي سنَّها اللَّه _ تعالى ! _ لتسيير عالَم الكائنات و الأشياء _ هو الذي خَدَعَنا و جعلنا نعتقد أن السَّبب يستتبع مُسبَّبَه لا محالة ؛ و أن النار هي التي فعلت الاحتراق وأحدثته ، و إلَّا فإنَّ مجرَّد (( الاقتران )) الدائم بين ظاهرتين لا يدلُّنا _ عقْلًا و لا مشاهدةً_ على أن إحداهما علة مُوجدة ، و الأخرى معلولة لها في وجودها ، حتى لو تكرر ذلك ملايين الملايين من المرات ، و إذن فالبرهنة على إثبات هذه العلاقة _ حِسًّا أو عقلًا _ لا سبيل إليها.

بل يذهب (( الإمام )) إلي ما هو أبعد من ذلك فيُقرِّر أن في إمكان القدرة الإلهية أن تُحدِث (( الاحتراق )) من غير نار ؛ و الشِّبع من غير طعام ، و الموت بغير سبب يؤدي إليه..

و في مقدورها أن تُلامس النار القُطْن و لا يحترق..

و ما ذهب إليه الأشاعرة في هذه القضية يتناقض جذريًّا مع ما ذهب إليه بعض فلاسفة المسلمين المتأثرين بالفكر الإغريقي كالفارابي و ابن سينا مِمَّن قالوا بأن الأسباب_ طبيعية أو غير طبيعية _ تؤثر بطبعها اضطرارًا لا اختيارًا ، فالنار هي التي تحرق بطبعها في كلِّ زمانٍ و مكانٍ ، و في جميع الأحوال والظروف ، و لا دَخْلَ لأيِّ مؤثِّر آخر غير طبيعتها التي طبعها اللَّه عليها ، متى تحقَّقت الشروط ، و انتفت الموانع .

و حين نحتكم إلى القرآن الكريم فإنه يتبيَّن لنا _ في و ضوحٍ_ أن مذهب الأشاعرة في هذه القضية هو أصحُّ المذاهب على الإطلاق ، فقد أثبت القرآن الكريم أن النتائج التي تعقب الأسباب مرهونة بقدرة اللَّه تعالى و تدخُّله في كل مثال من الأمثلة التي يُخيَّلُ إلينا _ فيها _ أن الأسباب هي التي تُوجِد النتائج المنتظرة بعد حدوثها ؛ انظر إلى قوله تعالى في قصة إبراهيم _ عليه السلام _ وقَدْ ألقوه في قلب جحيم مشتعل من النيران : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ }{ الأنبياء : ٦٩ }.

و محل الشاهد في الآية الكريمة أن (( النار )) توفرت لها كل شروط الإحراق ، و إلَّا أن (( احتراق إبراهيم بها )) لم يحدث ، مما يدل المؤمنين باللَّه _تعالى!_ على أن نتائج الأسباب مصيرها بيده_ سبحانه!_ إن شاء حدوثها حدثت ، و إن لم يشأ لم يحدث ، و ليس مصيرها بيد أسبابها تحدثه بذاتها أو بطبيعةٍ ثَبَّتها اللَّه فيها ؛ و لو كان الأمر كذلك ، و كانت النار تحرق بطبيعتها ، لما تخلَّفت طبيعة الإحراق عن النار في قصة إبراهيم _ عليه السلام!_ لأن القاعدة العقلية تقرر أن (( ما بالذات لا يتخلف )) .

و قل مثل ذلك في قصة إسماعيل _ عليه السلام !_ فقد قُدِّم للذبح و اتُّخِذَت أسباب الموت من آلة حادَّة ، و مباشرة للقطع و الذبح ، إلَّا أن الموت لم يحدث ، و قُل مثل ذلك _ أيضًا _ في الطريق اليابس الجاف الذي ضُرِب في عرض البحر لإنقاذ موسى _ عليه السلام!_ و مَن معه ، و حولهم المياه تصطفق يمينًا و يسارًا كالجبال دون أن تطبق عليهم و تغرقهم ؛ بل قُل مثل ذلك في سائر معجزات الأنبياء و المرسلين ، فإنها لا تفسير لها إلَّا التسليم بأن علاقة التأثير و التأثُّر بين السبب و المسبَّب ، و العلة و ال معلول ليست حتمية و لا ضرورية ، و أن ما بينهما ليس إلَّا تجاورًا و تتابعًا في الحدوث .

و السؤال المحوري الآن ، هو : ما العلاقة بين هذا (( التحليل )) و بين (( التوكل على اللَّه )) موضوع المقال و المقالات السابقة؟

و الإجابة بإيجاز ، هي : أن المؤمن مأمور في موضوع التوكل بأمر عمليٍّ ، و أمر اعتقاديٍّ.

_ أما الأمر العملي فهو ضرورة اتخاذ الأسباب و مباشرتها.

_ و أما الأمر الاعتقادي فهو الإيمان بأن هذه الأسباب ليست هي (( العلة الموجِدة )) لما يحدث معها _ او بعدها _ من مسبَّبات أو نتائج ، أما المُوجِد و الفاعل و المُحْدِث لها فهو اللَّه _ تعالى!_ وحده لا شريك له … و بعبارة الأشاعرة : (( يخلق اللَّه المسبَّبات عند اتخاذ أسبابها لا بها )).

و نختم مقالنا بمثال محسوس يعين على تصور مذهب الأشاعرة في هذه القضية البالغة الدِّقَّة ، و هو مثال العلاقة بين ( القلم ) كسبب و ( الكتابة ) كمسبَّب ، فأنت لا تستطيع أن تقول : إنَّ مَنْ أحدث الكتابة هو ( القلم ) و حده و بذاته أو بطبيعته و في استقلال عن الكاتب ؛ لأن القلم _ بذاته _ جمادٌ لا يَعي ما الحروف و لا الكلمات ، و هو مفتقر في (( حدوث )) الكتابة بعده إلى ذات أخرى مستقلة تحركه أو لا تحركه و هنا _ في هذا المثال _ما أشبه النار في مثال الاحتراق ، بالقلم في مثال الكتابه ، فكما يحتاج القلم في حدوث أثره إلى ذات تحركه فتحدث الكتابة ، فكذلك النار تحتاج في حدوث الاحتراق إلى ذات تحدثه ، و إذا كان القلم لا تحدث عنه الكتابة بدون تدخل الكاتب ، فالنار لا يحدث عنها الاحتراق بدون تدخل القُدرة الإلهيَّة و قَبْضتِها التي تمسك السموات و الأرض أن تزولا.

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...