المتابعون

الجمعة، 9 يونيو 2023

justice _ العَدْل


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

من القيمِ التي نفتقدُها _ اليوم _ في مجتمعاتنِا ، قيمةُ العدلِ في معاملاتِنا و تصرفاتنا العاديَّةِ.

و سبقَ و أن قُلْنا : إنَّ الأضدادَ تستدعي أضدادَها ، و هناك شيءٌ من هذا المعنى ينطبِقُ على علاقةِ التضادِّ بين العدلِ و الظلمِ كما ذكرت لكم في مقال سابق عن هذا المفهوم 👈( الظُّلْمُ )👉 فلا بد للربطِ بين المفهومين.

و العدلُ باختصارٍ شديدٍ : هو الأمرُ المتوسِّطُ بين الإفراطِ و التِّفريطِ ، و من لوازمِة : القسطُ و المساواةُ بين الناسِ في الحكم.

و العدلُ اسمٌ من أسماءِ اللَّه تعالى ، و به قامتِ السمواتُ و الأرضُ و بُنِيَتْ عليه كلُّ صغيرةٍ و كبيرةٍ في مخلوقاتِ اللَّه تعالى ، و قد ذُكِرَ في القرآن الكريمِ في أكثر من عشرين آيةً ، إظهارًا لأهميتِه و ضرورته.

و صفةُ ( العدلِ ) من أوجب الصفاتِ التزامََا و تطبيقًا في جميع مناحي الحياةِ ؛ فهي معيارٌ أو ميزانٌ يزنُ الأمورَ كلها ، و إذا دَرَجنا مع القائلينَ بأنَّ الحياةَ ليسَتْ ألَّا سلسلةً لا تنتهي من الاختيارِ بين أمريْنِ _ تَبيِّنَ لنا خطرُ (( العدلِ و العدالةِ )) في جميعِ ما يصحُّ فيه هذا المعني ، و (( العدلُ )) يستلزمُ (( الإنصافَ )) ، كما يستلزمُ (( المروءةَ و الاستقامةَ )) و الترفعَ عن صغائرِ الأمورِ و سَفْسَافِها.

و قد و عظَ اللَّهُ به عبادَه و عظًا صريحًا في قوله تعالى : { ۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } 

{ النحل : ٩٠ }.

و العدلُ في الآيةِ كما يقولِ علماء التفسيرِ هو : الإنصافُ بين الناسِ ، و التعاملُ معهم باعتدالٍ لا مَيْلَ فيه و لا عِوَجَ .

و قد وُصِفَتْ هذه الآيةِ الكريمة بأنها أجمعُ آيةٍ في كتابِ اللّٰه للخيرِ و الشرِّ كما قال عنها القاضِي البيضاويِّ أحدُ عمالقةِ علمِ التفسيرِ ؛ : (( لو لَمْ يَكُن في القُرآنِ غيرُ هذه الآيةِ لصدقَ عليه أنه تِبيانٌ لكلِّ شيءٍ و رحمةٌ للعالمينَ ))_ تفسير البيضاوي _ ٢٣٨/٣.

و ذلك لِمَا اشتملَت عليه من الأمرِ بالعدلِ و الإحسانِ و صلةِ القربى و النهيِ عن الفحشاءِ و المنكرِ ، و منها يتبيَّنُ أن العدلَ أولُ الأركانِ في استقرارِ الحياةِ و انضباطِها على شريعةِ اللَّه.

من هنا قيل : (( العدلُ أساس المُلكِ ))

و قد أمر اللًَهُ تعالى نبيَّه أن يلتزمَ جادةَ (( العدلِ )) في المعاملةِ بين الناسِ ، و ذلك في قولِه تعالَى : { فَلِذَٰلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ }{ الشورى : ١٥ }.

و قد أمر اللَّه المؤمنينَ بما أمر به نبيَّه عليه الصلاةُ و السلامُ من إقامة العدل بينهم كما هو معروفٌ في هذا الشأنِ ، لكن يَلِفتُ نظرَ المتأمِّلِ في القرآن الكريمِ هذا الحرصُ الشديدُ على (( إقامةِ العدلِ )) في المواطِنِ التي يصعُبُ فيها عادةً على المرءِ أن يلتزم جادَّةَ الوسطِ فيما يفعلُ أو يقولُ ، و أصعبُ هذه المواطِنِ التزامُ العدلِ مع الأعداءِ و الأولياءِ على السواءِ ، و مع القريبِ و البعيدِ على قَدمِ المساواةِ ، و ألَّا يتحيَّفَ المؤمنُ على البعيدِ أو العدوِّ قَيدَ شعرةٍ ، و بخاصةٍ في باب الشهادةِ و القضاءِ ، يقولُ اللّٰه تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }       { الأنعام : ١٥٢ } و معني الآيةِ : قُولُوا الحقَّ و إن كانَ على ذي قُربى .

و يقولُ تعالى في موطنٍ آخرَ أكثرَ صعوبةً و حرجًا : { ۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلْهَوَىٰٓ أَن تَعْدِلُوا۟ وَإِن تَلْوُۥٓا۟ أَوْ تُعْرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } { النساء : ١٣٥ }.

و القِسطُ في الآيةِ الكريمةِ هو العدلُ .

و معنى { قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ } أن يكونَ القسطُ في القولِ و الفِعلِ خُلُقّا راسخًا ، و سجيةً حاضرةً في كل شهادةٍ يُؤدِّيها المؤمنُ ، حتى لو كانت شهادتُه على نفسِه ؛ كالاعترافِ أو الإقرارِ لخصمِه فيما شَهِدَ به عليه ، أو كانت شهادتُه على والدَيه و على أقربِ الناسِ إليه ؛ فالمطلوبُ في كلِّ هذِه المواقفِ الصعبةِ أن يلتزِمَ المؤمنُ بقولِ الحقِّ ، لا يحابي فيها غنيًّا من أجلِ غناه ، أو قريبًا من أجل قَرابتِه ، و لا يجور فيها على فقيرٍ أو مسكينٍ لفقرِه و مسكنتِه ، و على المؤمنِ أن يعلمَ أن اللَّهَ سوَّى في إقامةِ العدلِ بين الأغنياء و الفقراءِ ، وحذَّر منَ المحاباةِ و الظلمِ أيًّا كانتِ الظروفُ و الملابساتُ ؛ ثمَّ يؤكِّدُ اللَّهُ سبحانه هذه الأوامر نفسها في موضعٍ آخرَ يقولُ فيه : 

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍة عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ ٱعْدِلُوا۟ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ }{ المائدة : ٨ }.

و تتشابَه هذه الآيةُ مع سابقتِها في توجيهِ النداءِ الإلهيِّ للمؤمنينَ و القيامِ بأداء شهادةِ (( العدلِ و الحقِّ )) ؛ امتثالًا لأمرِه تعالى و ابتغاءَ مرضاتِه و حسبةً لوجهه الكريم ، و ما تنفردُ به هذه الآيةُ عن سابقتِها هو نهيُ اللَّه تعالى للمؤمنين أن يحمِلَهم بغضُهم و كراهيتُهم لبعضِ الناسِ على عدمِ العدلِ معهم في الحكمِ و الشهادةِ ، و كذلك تنفرد الآية بتكرار الأمرِ بالعدل في موطن واحد ؛ و معنى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ } ، أي : لا تحملنَّكم عداوةُ قومٍ على التفريطِ في العدلِ و إنصاف الناس.

و انظروا إلى العدل في قضيةِ تعدُّد الزوجاتِ ، و كيف أن مجرَّدَ الخوفِ من عدم تحقيقه يَمنعُ المسلمَ شرعًا من التعدُّد : قال تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } { النساء : ٣ } و كيف أن الوقوفَ عند مثنى و ثلاث و رباع دون الانتباهِ للعدلِ الذي هو شرطُ إباحةِ المثني و الثلاثِ و الرباعِ ، كيف أضاع حقوقًا و جلبَ مظالم وشرَّدَ أطفالًا و هدَمَ بيوتًا كانت عامرةً !؟ و قد كان غيابُ العدِل هو العاملَ المشتركَ في كل هذه المآسي.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼

و سوف أكمل لكم أن شالله عن العدل في المقال القادم .

إلى أن ألقاكم أن شالله في يومي الإثنين و الجمعة من كل أسبوع على مدونتي الشخصية 

  ‏بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


                     ‏


 



 

هناك 8 تعليقات:

غير معرف يقول...

العدل أساس الملك..وإن لم يكن العدل فلا ملك ولاسلطان..بل سطوة واستبداد واغتصاب للعدل..فالله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولاينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة.
جزاكم الله خيراً على كل حرف كتبته وجعله في ميزان حسناتك.
راضية بديني.

غير معرف يقول...

من العجيب ان مصر هي من اعطت العالم رمزا للعدالة وجعلتها اله هي الالهه ماعت ..

غير معرف يقول...

خير الكلام ما رسمته بحروفك بأقل دلالة وصل المعنى ،بورك إبداعك .
تحياتي

غير معرف يقول...

ماشاءاللہ

غير معرف يقول...

احسنت النشر اخي العزيز

غير معرف يقول...

بارك الله فيك و وحفظك من كل سوء

غير معرف يقول...

اللهم صل على البشير النذير

غير معرف يقول...

بارك الله فيك

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...