مساومة سخيِّة و لكنها مرفضة
من أعظم الأدلة على صدق محمد و أنه رسول من عند اللّٰه أن قومه عرضوا عليه عروضًا سخية في جملتها المُلْكُ ، فأباها ورَضِيَ بالكفاف في دنياه في سبيل إصلاح المجتمع و تبليغ رسالةِ ربِّه لهداية البشر إلى الصراط السويِّ ، و كان أمره كما قال تعالى:{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ }
{هود: ٨٨}.
قصة هذه العُرُوض
أنه لمَّا أسلم حمزة ورأتْ قريشٌ أن الصحابة يزيدون و أن الإيذاء لم يُجْدِ ، اجتمعوا للتشاور ، و كان فيهم _ على ما أخرجه ابنُ إسحاق عن ابن عباس _ عتبةُ و شيبةُ ابنا ربيعة و أبوسفيانَ بن حرب و الأسود بن عبدالمطلب و الوليدُ ابن المغيرة و أبوجهل و أميةُ بن خلف و العاص بن وائل ، و غيرُهم .
و كان عتبة بن ربيعة من بني عبد شمس بن عبد مناف ، و كان سيدًا مُطاعًا في قومه ، فأشار عليهم قائلًا :
يامعشر قريش ، أَلَا أقومُ لمحمدٍ فأعرضَ عليه أمورًا علَّه يَقبَلُ بعضَها فنُعطيه إياها و يَكُفّ عنَّا.
فقالوا يا أبا الوليد فقُمْ إليه فكَلِّمْه. فذهبَ إلى رسول اللّٰه ﷺ فى المسجد و قال :
⟨⟨ يا ابنَ أخي ، إنك منَّا حيثُ قد عَلِمْتَ مِنْ خِيارنا حَسَبًا و نَسَبًا ، و إنكَ قد أتيتَ قومكَ بأمر عظيم فرَّقْتَ به جماعتَهم و سَفَّهْتَ أحلامَهم ، و عِبْتَ آلهتَهم و دينَهم ، و كَفَّرْتَ مَنْ مَضَى من آبائهم . فاسْمَعْ منِّي أعرضْ عليك أمورًا تنظُر فيها لعلكَ تَقْبَلُ منَّا بعضَها ⟩⟩
فقال عليه السلام : يا أبا الوليد أسمع . فقال : يابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتي تكون أكثرنا مالًا ، و إن كنت تطلب الشرف فينا ، فنحن نسودك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك ، و إن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا ، و إن كان هذا الذي يأتيك رئيًا من الجن لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، و بذلنا فيه أموالنا ؛ حتى نبرئك منه أو _نعذر_ /أي يرتفع عنا اللوم/
فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى ،
فقال ﷺ : لقد فرغت يا أبا الوليد . قال نعم ، ثم قال : فاسمع مني ، فقرأ رسول اللّٰه ﷺ أول سورة فصلت:
بسم اللّٰه الرحمن الرحيم
{ حمٓ (1) تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (2) كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ (3) بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ (4) وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ (5) قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ (6) ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ (7) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ (8) ۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (10) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (11) فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ (12) فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ (13) إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ }
{فصلت: ١_١٤}
فأمسك عتبة بفمه و ناشده الرحم أن يكف عن ذلك خشية أن ينزل بهم ما فيه من الوعيد المماثل لمن قبلهم ، ثم عاد إلى بيته ، و لم يرجع إلى قومه فظنوه قد أسلم ، فذهبوا إليه و سألوه في ذلك ، فقال : و اللّٰه لقد سمعت قولًا ما سمعت مثله قط ، و اللّٰه ما هو بالشعر و لا بالكهانة و لا بالسحر . يا معشر قريش أطيعوني فاجعلوها لي : خلوا بين الرجل و ماهو فيه فاعتزلوه ، فو اللّٰه ليكونن لكلامه الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، و إن يظهر على العرب فعزه عزكم ، فقالوا : لقد سحرك محمد ، فقال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم .
وروي أنه ﷺ أتاه جماعة من أشرفهم ، و عرضوا عليه ما عرضه عتبة بن ربيعة من المال و الشرف فيهم أو الملك أو العلاج من الجن ، فقال ﷺ : ما بي ما تقولون ، و لكن اللّٰه بعثني إليكم رسولّا و أنزل عليًّ كتابًا و أمرني أن أكون لكم بشيرًا و نذيرًا ، فبلغتكم رسالات ربي و نصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة ، و إن تردوا عليَّ أصبر لأمر اللّٰه بيني و بينكم .
فقالوا له : فإن كنت غير قابل منا ما عرضناه عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادًا و لا أقل مالًا و لا أشد عيشًا منا ، فسل ربك فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ، و ليبسط لنا بلادنا ، و ليجر فيها أنهارًا كالشام و العراق ، و يبعث لنا مَن مضي من آبائنا و يكون فيهم قُصي فإنه كان شيخ صدٍق فنسألهم عما تقول أهو حق أم باطل ، و سله يبعث معك ملكًا يصدقك ويرجعنا عنك ، و يجعل لك جنانًا و قصورًا و كنوزًا من ذهب و فضة ، يغنيك بها عن المشي في الأسواق و التماس المعاش ، فإن لم تفعل فأسقط السماء علينا كسفًا كما زعمت أنَّ ربك إن شاء فعل ، فإنا لن نؤمن لك إلا أن يفعل . فقام ﷺ و تركهم في غيهم يعمهون .
وروى ابن إسحاق أن أباجهل بعد هذا اللقاء أقسم ليرضخن رأس الرسول ﷺ بحجر غدًا ، فلما دنا منه رجع منهزمًا ممتقعًا لونه مرعوبًا ، قد يبست يداه على حَجَرِه حتى قذفه من يده ، و قال عرض لي فحل إبلٍ ما رأيت مثله ، فَهَمَّ أن يأكلني ، قال ابن إسحاق : فذكر لي أنه ﷺ قال : ذاك جبريل لو دنا لأخذه.
و هذا و الله أعلم 🌺 ونلتقي في حديث قادم عن هجرة الرسول ﷺ و العنوان هو
الفضل مـا شـهـدت به الأعداء 🌺☘️
هناك 6 تعليقات:
ابدعت 👏🏻👏🏻👏🏻
بارك الله فيكى وزادك وأعانك
كلام جميل اخي الحبيب
استمر في الكتابة اخي الحبيب
حبيبي الغالي مشكور
جهودم جباره ابو الفوارس وبارك الله فيك وجعله بميزان حسناتك احسنت النشر 🌹
إرسال تعليق