و حدة الدين في أصوله و مصدره
من المقرر المعلوم أن الدين و حيٌ من اللّٰه إلى أنبيائه ليبلغوه إلى من أُرسلو إليه ، ليكون لهم شريعة و منهاجًا
، و باتباعهم طريقه تكون لهم العزة و السيادة في الدنيا و السعادة و النعيم في الآخرة ، و هذا الوحي ينزل به جبريل_عليه السلام_ على النبي ﷺ ، قال تعالى :
{ وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ (١٩٣) عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ }{الشعراء:١٩٢_١٩٥}
و جبريل ملك من الملائكة الذين هم خلق اللّٰه ، أنشأهم على هيئة نورانية خاصة ، و قد ركب اللّٰه في الإنسان استعدادًا خاصًّا يستطيع به أن يسمو بنفسه إلى رتبة الملائكة ، إذا أعطى لمطالب روحه السيادة على العلائق في نفسه و من حوله. و هذا الاستعداد للتحول إلى حال أرقى هو سنة اللّٰه في الموجودات من معادن أو نبات أو سوائل و غيرهما ؛ إذ كلٌّ من هذه الأشياء مستعد أن يتحول _ كما يقول ابن خلدون _ إلى الأفق الذي يليه صاعدًا و هابطًا ، و المثل لذلك الماء مستعد للتحول إلى غاز عند التبخر و إلى جماد عندما يصير ثلجًا. و إذا كان من يعتقدون في الأديان يؤمنون بأن ملك الوحي ينزل من السماء على نبيًّ من أنبياء اللّٰه ؛ حيث يكون في أرض اللّٰه ثم يرجع الملك إلى موضعه في السماء _ فإنه يجب تبعًا لذلك أن لا يستبعدوا على نبي من أنبياء اللّٰه أن يصعد من موطنه على الأرض إلى موضع ملك الوحي في السماء ، ثم يعود إلى الأرض في قليل من الزمن .
و لقد كانت رحلة الإسراء و المعراج تأكيدًا عمليًّا لهذا المعنى ، حيث أُسرِيَ بمحمد ﷺ من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام ، ثم عُرج به إلى السموات السبع إلى سدرة المنتهى حيث شاء اللّٰه.
و هذا هو الأساس الذي بنى عليه أبو بكر تصديقه للنبي ﷺ في أمر الإسراء ؛ حين جاءه المشركون متعجبين مشككين في حدث الإسراء يقولون :
أتصدقه فيما يقوله من خبر الإسراء ؟ فقال لهم : إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء يأتيه في غدوة أو روحة _ أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب معرفة الصحابة ، باب من فضائل خليفة رسول اللّٰه ﷺ أبى بكر_
يعني : أن تصديقه بأمر الإسراء أولى.
و على هذا النحو كان الإسراء و المعراج تقريرًا و تأكيدًا لأصل الأديان السماوية في مصدرها ، و أنها من عند اللّٰه بواسطة ملك الوحي ينزل على نبيًّ من الأنبياء.
كذلك كان الإسراء تأكيدًا لوحدة الدين في أصوله و قواعده ، فإن عقيدة الإيمان باللّٰه و اليوم الآخر ، و رسالات النبيين على ما جاء به محمد رسول اللّٰه ﷺ ليست خلافًا لما جاء به موسى و عيسى و من قبلهما من النبيين ، بل هي تصديقٌ بها و تأكيدٌ لها .و عن ذلك يتحدث القرآن ؛
فيقول :
{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ }{ الشورى : ١٣ }
و يقول :
{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيْمَٰنَ وَءَاتَيْنَا دَاوُۥدَ زَبُورًا }{النساء :١٦٣ }
و يقول :
{ ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }{ البقرة : ٢٨٥ }
و لقد جاء الإسراء يؤكد ذلك عمليًّا بما ذُكر في الأحاديث المروية في قصة الإسراء ، من أن النبي ﷺ صلَّى في بيت لحم حيث وُلد عيسى _ عليه السلام _ و بطور سيناء حيث كلم اللّٰه موسى ، و أنه صلى إمامًا بالأنبياء _ أخرجة الطبراني في المعجم الكبير _ فيكون التذكير بالإسراء هو تذكيرًا بوحدة الدين ، و أنه طريق جميع الأنبياء ؛ ليلتقي الجميع على الأخوة و المودة و التعاون و التضامن من أجل بناء مجتمعهم الذي يعيشون فيه ، و يتكاتفون لحمايته إذا أراده الأعداء بسوء.
و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌺
إلى أن ألقاكم مع موضوع جديد على مدونتي الشخصية
بصمات من ياقوت ومرجان
أرجو منكم متابعة مدونتي الشخصية
زيارتكم تسعدوني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼