سلطان العلماء…٢

 

هجم التتار على بغداد و استولوا عليها ، فتم تولية السلطان المملوكي سيف الدين قطز على حكم مصر تحسبًا لهجوم التتار ( ١٢٥٨ ) ميلادية ، وصل المغول إلى أبواب مصر بعد أن اجتاحوا العالم الإسلامي و أرسلوا رسلاً إلى القاهرة تطلب التسليم دون قيد أو شرط فرفض قطز هذا التهديد و أصر على المقاومة و الدفاع.

و هنا جاء دور سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، و كيف برزت مؤازرة العز للمصرين في هذه المحنة ، و كيف انقسم شعب مصر بين مؤيد للمقاومة و معارض لها ، فحث الناس على الخروج للجهاد و قتال التتار ، عقد قطز مجلسًا حضره قاضي مصر بدر الدين السخاوي و الشيخ عز الدين بن عبد السلام و طلب السماح له بجمع الضرائب من الناس لأن الأموال المتوفرة في خزانة الدولة لا تكفي لإعداد الجيوش و تجهيزها ، و لكن عارض العز بن عبد السلام هذا الاقتراح ورفض بشدة فرض ضرائب على الناس و وقف قائلاً : 

(( إذا طرق العدو بلاد الإسلام و جب على العالم قتالهم ، و جاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح و السروج الذهبية و الفضة و غير ذلك و تبيعوا ما لكم من الحوائص الذهبية و الآلات النفيسة و يقتصر كل الجند على سلاحه و مركوبه ، حينئذ يسيغ للحاكم أخذ شيء من أموال الناس في دفع الأعداء عنهم )) .

ثار أمراء المماليك على هذه الفتوى فجمعهم قطز و طلب منهم التنازل عن ممتلكاتهم طائعين بدلاً من التنازل عنها مجبرين فرضخوا للأمر ، ثم طلب قطز من العز بن عبد السلام إنشاء ديوان للدعوة و للجهاد ، كونه من خطباء المساجد و الدعاة و أخذوا يجوبون أنحاء البلاد يدعون الناس للجهاد و التصدي للتتار و يهددون لهم مساوئهم ، فتطوع الرجال للانضمام طواعية ، و تنافس الرجال و النساء و الأطفال للتبرع لبيت مال المسلمين لدعم الجيش . و خرج قطز بجيوشه المتحفزة للقاء المغول و كان العز بن عبد السلام في وداع الجيش يشد من أزرهم ويدعو لهم بالنصر و التمكين على هذا العدو الغاشم ، و خاضوا معركة شرسة من أشهر مواقع التاريخ الإسلامي ، موقعة عين جالوت التي هزم فيها التتار هزيمة منكرة.

تعددت مساهمات العز كعالم و كمفكر في الإفتاء و الخطابة و القضاء و التدريس و التأليف ، وانتهت إليه رئاسة الشافعية واستحق لقب سلطان العلماء الذي أطلقه عليه تلميذه ابن دقيق العيد .

و ترك لنا ثروة طائلة من المؤلفات العديدة التي بلغت أكثر من ثلاثين مؤلفًا شملت التفسير و علوم القرآن و الحديث و السيرة النبوية ، و علم التوحيد و أصول الفقه و الفتوى .

و من أشهر كتبه ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام ) و ( الغاية في اختصار النهاية في الفقه الشافعي ) و ( مختصر صحيح مسلم ) و ( مقاصد الصلاة ) ، و ( رسالة في علم التوحيد )

 و ( الإيجاز في بعض أنواع المجاز ) و ( تفسير القرآن العظيم ) . حفلت حياة العز بمواقف جريئة تدل على شجاعته و صلابته و قوة إيمانه ، و رغم المناصب المهمة التي تولاها التزم بقول كلمة الحق ، و قد طال به العمر فبلغ الثالثة و الثمانين ، قضى معظمها في جهاد دائم بالكلمة الحرة ، و القلم الشجاع ، و الراي الثاقب و حمل السلاح ضد الفرنج للمحافظة على حقوق الأمة ، و شهد أحداثًا جسامًا و لقي ربه ( ١٢٦١ ) م في حكم الظاهر بيبرس و هو يدرس لتلاميذه في حلقة علم ، و دفن في سفح جبل المقطم ، فهو من العلماء الأجلاء درة في جبين الزمان ، سقى اللّٰه ثراه و خلد ذكراه .  

و هذا رابط الموضوع الأول 👇

https://rovaer55501.blogspot.com/2023/02/blog-post_16.html

و هذا و اللّٰه أعلم 

لو قرأت المقال و نال رضاكم ارجو دعمكم لمدونه 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

صلوا على رسول اللّٰه ﷺ 🌺🌺🌺

زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 ‏