القاضي الفاضل نجم 💫 سطع فى مصر

 

هو عالم من العلماء النابغين الذين أتقنوا فنون الكتابة و التأليف و التصنيف في الأدب و التاريخ ، إمام أئمة اللغة العربية آتاه اللّٰه فصاحة في البيان ، و الشعر و النثر و النحو ، هو صاحب القلم البديع العبقري ، صاحب ديوان الإنشاء و شيخ البلاغة القاضي الفاضل .

لعب القاضي الفاضل دورًا مهمًّا في إثراء الحركة الثقافية في مصر ، قال عنه ياقوت الحموي : (( إنه صاحب البلاغة و الإنشاء التي أعجزت كل بليغ )).

لم يكن القاضي الفاضل رجل علم فقط بل كان سياسيًّا بارعًا من صفوة رجال الناصر صلاح الدين الأيوبي ؛ تبوأ مركز الرجل الثاني في دولته ، و عاون صلاح الدين في تخطيط سياسته وإدارة شئون دولته الداخلية و الخارجية و تجهيز جيوشة و تأمين رعاياه ، كما ائتمنه صلاح الدين على تربية أبنائه و تعليمهم.

القاضي الفاضل هو (( أبو على عبدالرحيم بن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي بن القاضي السعيد محمد بن الحسين اللخمي البيساني العسقلاني ) و عرف بالقاضي الفاضل .

و لد بمدينة عسقلان ( ١١٠٨ ) م و تولى أبوه القضاء بمدينة بيسان بين بيت المقدس و يافا و لذلك ينسب إلى مدينة بيسان .

نشأ القاضي الفاضل في أسرة عُرفت بالعلم و الحكمة ، أرسلة و الده إلى الديار المصرية في آخر عهد الدولة الفاطمية و ترعرع مع كبار العلماء ، و حضر مجالس كبار الشيوخ و أظهر همة عالية في تحصيل العلوم الفقهية و الأدبية ، و ظهر نبوغه في الكتابة و الإنشاء منذ صغره ، ففاق أقرانه و أظهر مقدرة فائقة على صياغة اللغة العربية بشكل بليغ.

و قد عمل في ديوان الإنشاء في عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين اللّٰه ثم تدرج في المناصب حتى تولى رئاسة الديوان ، و عند دخول صلاح الدين الأيوبي مصر عين القاضي الفاضل كاتبًا و وزيرًا له و صار رفيق دربه المقرب في رحلة الكفاح و الجهاد المقدس.

كان القاضي الفاضل رجلاً ثاقب الفهم ، حاد الذكاء ، بعيد النظرة ، سريع البديهة ، وثق صلاح الدين في رأيه وأخذ بمشورته في كثير من أمور الدوله.

قام صلاح الدين الأيوبي بفتوحاته العظيمة و فتح البلاد و الأقاليم ، يؤازره قلم القاضي الفاضل و حسن بيانه فيصوغ الرسائل البليغة إلى أمراء البلاد المعادية محذرًا و مهددًا و منذرًا فترهب كلماته النفوس و تروع القلوب حتى صار كاتب صلاح الدين الأوحد .

و عبر صلاح الدين عن شدة تقديره للقاضي الفاضل في مقولة جميلة مخاطبًا بها أمراءه : (( لا تظنوا أني فتحت البلاد بسيفي ، و لكن بقلم القاضي الفاضل )) .

و عند خروج صلاح الدين للجهاد في الحروب الصليبية كان ينيب القاضي الفاضل على ولاية مصر لحين عودته ، كما كان يستأمنه على رعاية أبنائه البالغ عددهم سبعة عشر ولدًا و بنتًا واحدة.

و لما وافته المنية كان حاضرًا بجواره ، ولم ينقطع عن عمله و لا أثره بوفاة صلاح الدين ، إنما استمر في رعايته لأولاده من بعده.

و على المستوى الإنساني كان القاضي الفاضل رجلاً صالحًا كثير الأموال ، كثير الصدقات و الصيام و القيام ، يواظب كل يوم وليلة على ختمة كاملة للقرآن الكريم ، كما كان رحيم القلب ، حسن السيرة ، طاهر السريرة ، خصص جزءًا من إيراداته على شكل أوقاف تنفق على طلبة العلم و الفقراء و أسرى المسلمين ، و مد يد العون للغرباء و المحتاجين وزار المرضى وشيع الجنائز و صفح عن المسيئين ، ولم يكن له خدم سوى غلام واحد لتلبية حاجاته ، كما كان زاهدًا في حياته ، و لم تكن ملابسه تساوي أكثر من دينارين بالرغم من كثرة إيراداته السنويه التي تتجاوز الستين ألف دينار.

انصبت أكثر رسائل القاضي الفاضل على خدمة المجهود الحربي كمتحدث رسمي لجيش صلاح الدين من خلال تقديمه نماذج من المجاهدين المسلمين لإشاعة الأفكار التي تخدم التعبئة العسكرية ، و قيل إن مسودات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلد 

ولم يكتف القاضي الفاضل ببراعته في فنون الكتابة و مساهماته العلمية المختلفه ، بل أحيا حركة العلوم و الثقافة و الآداب و ساهم في تشييد المدارس ودور الحديث و الكتاتيب و الربط و الزوايا ، فوفد الطلاب و العلماء إلى مصر من شتى أنحاء المعمورة للتزود من علمه.

كما شيد مدرسة في القاهرة افتتح التدريس فيها عام ( ١١٨٤ ) على المذهبين المالكي و الشافعي ، و كانت تقع بدرب ملوخيا ، و هي أول مدرسة في مصر تدرس مذهبين في مدرسة واحدة ، وقد وصفت هذه المدرسة بأنها من أجل المدارس و كان ملحقًا بها كتاب لتعليم الأطفال الأتيام و مكتبة ضخمة تضم أعدادًا كبيرة من الكتب التي اشتراها القاضي الفاضل من خزانة القصر الفاطمي و بلغت مائة ألف مجلد ، و خصص نساخًا و مجلدين لنسخ الكتب لطلبة العلم .

و في رسالة كتبها القاضي الفاضل إلى الخليفة العباسي في بغداد يبشرة بفتح بلاد النوبة على يد صلاح الدين و يصف له انهزام ملكها و جنوده فيقول : [ و لم يبق إلا مواقد نيران رحلت قلوبهم بضرامها و أثافي ، دهم أعجلت المهابة ما رد سغبهم عن طعامها ، و غربان بين كأنها في الديار ما قطع من رءوس بني حامها و عوافي طير كانت تنتظر من أشلائهم فطر صيامها ، و عادت الرسل المنفذة لاقتفاء آثارهم ، و أداء أخبارهم ، ذاكرة أنهم لبسوا الليل حدادًا على النعمة التى خلعت ، و غسلوا بماء الصبح أطماع نفس كانت قد تطلعت ، و أنهم طلعوا الأوعار أوعالاً و العقاب عقابًا ، و كانوا لمهابط الأودية سيولاً ، و لأعالى الشجر قضبانًا ].

و من أشعار القاضي الفاضل :

و إني إذا استغربت يومًا من الأسى

                                  فمالي ما استغربت عامًا من الفرح

  وإني قد استأثرت بالعيش ما صفا

  ‏                               وإني قد استمتعت بالدهر ما صلح

  ‏فلا تشمتن الدهر بالدمع إن جرى

                                فيعلم أن الهم في القلب قد جرح.

و قال ايضا : 

و ما كان فـضـل الزهد في العيش عن غنًى

                           يقاس بفضل الزهد في العيش عن فقر

ومـا هـذه الأيـام إلا قـصـيرة 

                            و لكنها ليـسـت بــزاد إلــى الـقـبـرِ

و توفي ، رحمه اللّٰه ( ١١٩٩ ) م ، و دفن في سفح جبل المقطم بعد حياة حافلة ، أثرى فيها العالم بعطائه الذي لا ينفد.

فهل يعود مره اخري إلى مصر القاضى الفاضل و العز بن عبدالسلام ؟ وكثر من العلماء الذين سطع نجمهم في مصر ، هل سوف يعودون أم لا ؟   

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼   

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

               ‏

                            ‏ 

     ‏