قراقوش
هو في الضمير الشعبي يحتل شخصية الحاكم الظالم و الأحمق ، و كان القصاصون يروون نوادره الساخرة على رواد المقاهي و يردد المصريون في أمثالهم الشعبية و لا حكم قراقوش ، للتعبير عن الظلم.
فمن هو قراقوش ؟
هو بهاء الدين قراقوش الأسدي قائد عظيم من عظماء التاريخ ، و أحد قواد الناصر صلاح الدين الأيوبي المقربين ، لقب بالطواشي لأنه خصي ؛ وقرة قوش لفظ تركي معناه النسر الأسود ، و قد أطلق على بهاء الدين الأسدي ربما بسبب مهنته كقائد ، و كمقاتل ينقض على الأعداء أو بسبب كثرة ارتدائه للزي الأسود ، و يقال إن الذي لقبه بهذا الاسم هو الناصر صلاح الدين الأيوبي.
و كان قراقوش رجلاً من أكفأ الرجال ذا همة عالية وإرادة قوية ، و بعد إسقاط الدولة الفاطمية أراد صلاح الدين الأيوبي حماية كنوز الفاطميين من السرقة فلم يجد رجلاً أكفأ من قراقوش ليحرس الخزائن و يصون ما بها من كنوز ، و قد قام قراقوش بمهمته على خير وجه فحافظ على النفائس و الذخائر من مؤامرات السارقين حتى سلمها لصلاح الدين.
مشروعات قراقوش
قام قراقوش بمشروعات حربية عظيمة فهو الذي بنى قلعة الجبل في مصر وزاد في مساحة أسوار القاهرة و شيد قناطر الجيزة على النيل و سور مجري العيون لإمداد القلعة بالماء ، أما أصعب المهام التى أنجزها في حياته فهى حفر بئر حلزونية في الصخر في قلعة الجبل تسمي بئر يوسف ، و هي بئر مربعة الشكل تحتوي على ثلاثمائة درجة شكلها حلزوني و يصل عمقها إلى تسعين متراً ، و أسند أليه صلاح الدين الأيوبي هذه المهام الصعبة لثقته الشديدة به و قد أتم قراقوش كل مهامه بنجاح و اقتدار لإرادته الحديدية التي لا تلين .
قراقوش الوزير القوي الذي مهد القاهرة و الشام لقتال الصليبيين و كان مقربًا جدًّا لصلاح الدين الأيوبي و عندما وقع قراقوش في الأسر في حصار عكا افتداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار .
قراقوش الإنسان فهو القائد الذي أخلص لصلاح الدين الأيوبي في حياته و بعد مماته و حافظ على عرش أبنائه العزيز و المنصور باقتدار.
تشويه صورة قراقوش
تم تشويه تاريخه بالأكاذيب و ظلمه الناس باعتباره مثالا للظلم ، و الحقيقة أنه كان رجلاً شهمًا ، مخلصًا ، شجاعًا و قائدًا عسكريًّا أمينًا تختلف سيرته الحقيقية عن تلك الأقاصيص التي جعلت منه شخصية مضحكة لحاكم ظالم يجمع بين الحماقة و الغفلة.
و لكن لماذا تم تشويه صورة قراقوش في التاريخ؟
على صفحات التاريخ تم تصوير قراقوش كشخصية هزلية مضحكة تثير الاستهزاء ، يقال إن قراقوش استخدام 50000 ألف أسير و الكثير من العوام لتشيد قلعة الجبل و كان رجلًا صارمًا منضبطًا يطلب من العمال الالتزام بالجدية التامة في العمل فنقم عليه الناس لشدته معهم لإنجاز البناء في وقت قصير.
استغل القاضي و الكاتب ( الأسعد أبو المكارم ابن مماتي ) عداوته لقراقوش و شوه صورته فقد اشتدت المنافسة بين الاثنين للاستئثار بالنفوذ في دولة صلاح الدين الأيوبي ، فحول ابن مماتي إنجازات قراقوش إلى نماذج قصصية هزلية في كتابه ( الفاشوش في حكم قراقوش ) تعتمد على التشجيع و تأليف النوادر المضحكة مما سهل على الناس حفظها و تناقلتها الألسنة و الفاشوش تعنى في اللهجة العامية لا شيء.
و صار قراقوش في التاريخ شخصيتان متناقضتان ، فهو في التاريخ قراقوش المجاهد العظيم و القائد العسكري المتميز و الوزير المخلص ، و في الأدب قراقوش المضحك الظالم المتسلط الذي يمثل اللامعقول في تصرفاته التي لا يقبلها العقل و لا المنطق.
و هذا الوضع يعكس لنا صورة مغايرة للمألوف ؛ فالمتعارف عليه أن يناصر الإعلام الطبقة الحاكمة و يكون لسان حالها و يظهرها بصورة مثالية و لكن هنا نرى مدى جرأة و قوة الإعلام المعارض للحاكم في ذلك الزمان المنصرم ، و كتاب الفاشوش في حكم قراقوش كتاب صغير الحجم يحتوي على ثمانٍ وعشرين نادرة من نوادر قراقوش و لكنه كبير الأثر فقد استطاع ابن مماتي بأسلوب التشنيع الذي اتبعه فى قلب الحق إلى باطل و التأثير بالسلب على رأي الناس لقرون عديدة .
و ظل الناس يتداولون حكايات قراقوش على مر الزمان ، و يتلو القصاصون هذه النوادر الساخرة على رواد المقاهي ، و كان قراقوش هو الشخصية المحورية لكل الحكايات فيظهر في النوادر كقاض يصدر الأحكام و في أحيان أخرى كسلطان أو كأمير و تكون أفعاله و أقواله على درجة كبيرة من الحماقة و الهزل ، و قد أضاف القصاصون على هذه الروايات و ابتكروا قصصًا أخرى على هذا المنوال و صاروا يقصونها على الناس و هذه بعض من نوادر ابن مماتى عن قراقوش.
يروى أن قراقوش نشر قميصه ؛ فوقع من على الحبل فلما بلغه ذلك تصدق بألف درهم ، و قال لو كنت لابسًا هذا القميص وقت وقوعه لانكسرت.
و قيل إن قراقوش سابق رجلاً بفرس له فسبقه الرجل بفرسه فحلف قراقوش أنه لا يعلف فرسه ثلاثة أيام فقال له السابق ، (( يا مولاي أخشى أن يموت الفرس )) فقال له قراقوش ، (( احلف لي أنك إذا علفته يا هذا لا تعلمه أنني دريت بذلك )) فحلف له الرجل و أعطى العلف للفرس.
و يحكى أنه سرقت عملة في زمن قراقوش فقال لصاحب العملة ؛
(( الحارة بتاعتكم لها باب ))
فقالوا له ( نعم )
فقال (( اذهبوا و ائتوني به ))
ففعلوا و أحضروا له الباب ، فقال (( مدوه ))
فقالوا ( يا مولانا هذا خشب لا يعقل ) فقال لهم (( افعلوا ما آمركم به )) فمدوه و ضربوه و نزل إليه قراقوش و وضع أذنه بجانبه و جعل يوشوشه فلما فرغ قال لهم : (( أجمعوا لي باقي أهل الحارة و الدرب )) ، فلما حضروا قال لهم : (( الباب يخبرني أن الذي سبق العملة على رأسه ريشة )) ، و كان سارق العملة واقفًا بجملة الناس فتوهم ورفع يده إلى رأسه فرآه قراقوش فأمر به و قرره بالضرب فأقر و أحضر العملة و دفعها إلى أصحابها.
و هذا و اللّٰه أعلم 🌼🌼
صلوا على رسول اللّٰه 🌼 إلى أن ألقاكم من جديد
الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق
#بصمات_من_ياقوت_ومرجان
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
هناك 6 تعليقات:
لو ركزت على قراقوش كما تناوله الادب الشعبي لكانت أنسب للواقع ولكان بها إسقاط على قراقوشنا السيسي
جميل جدا ومفيد وسهل الشرح
يسيؤون لتاريخنا ولأبطالنا لكي لايكون لنا ما نعتز به ولامن نفتخر به.
جزاكم الله خير على مجهوداتكم
راضية بديني هي صاحبة التعليق
احسنت
جميل جدا جدا احسنت والله اخى
إرسال تعليق