قد ذكرنا فيما مَّر ببعض ما أصاب النبي ﷺ من أذى قومه ، و آن الأوان... لذكر ما أصاب المسلمين من تعذيبهم لِتَتِمَّ لك عزيزي القارئ معرفة الأسباب التي حملت المسلمين على الهجرة إلى الحبشة أولًا ثم إلى المدينة ثانيًا لما كثر المسلمون و ظهر الإسلام أقبل المشركون على من أسلم يعذبونهم بألوان التعذيب إن لم يكن لهم قوة و منعة ، ويؤذونهم بالتوبيخ إن كانت لهم قوة و منعة ، روي أن أبا جهل كان إذا سمع برجل أسلم و له شرف و منعة لاَمه و قال : (( تركت دين أبيك و هو خير منك لنُسَفِّهن_حلمك_ ( اي عقلك) و لنغلبن رأيك و لنضعن شرفك ، و إن كان تاجرًا قال لنُكَسِّدَن تجارتك و لنهلكن مالك ، و إن كان ضعيفًا ضربه و أغرى به ).
و من جرائمه أنه مر بسمية أم عمار بن ياسر و هي تعذب مع ابنيها عمار و عبداللّٰه و أبيهما ياسر بن عامر فطعنها في فرجها بحربة و هي عجوز فقتلها ، و كانت أول شهيدات الإسلام ، فقال عمار للرسول : بلغ منا العذاب كل مبلغ ، فقال ﷺ {{ صبرًا أبا اليقظان ... اللهم لا تعذب من آل ياسر أحدًا بالنار }} ، و كما قتل أبو جهل سمية رمى ولدها عبداللّٰه فسقط .
و مات زوجها ياسر من أثر التعذيب ، و كان ابنها عمار يعذب حتى لا يدرى ما يقول ، ورؤي في ظهره أثر فقال : هذا ما كانت تعذبني قريش في رمضاء مكة وروي أن النبي ﷺ مر به و قد أحرقوه بالنار فأمَرَّ يده عليه و قال
{{ يا نار كوني بردًا و سلامًا على عمار كما كنت على إبراهيم }}
و قد كان النبي ﷺ يمر بهذه الأسرة و هي تعذب فيقول :
( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنه ) . و لقد صبر القوم و ثبتوا على الإيمان برغم التعذيب ، و كان أبوبكر إذا مر بأحد من العبيد يعذب اشتراه من سيده و أعتقه ابتغاء وجه ربه الأعلى.
و ممن اشتراه و أعتقه بلال بن رباح و كان مملوكًـا لأمية بن خلف الجحمي القرشي و كان شديد التعذيب له ، فكان يجعل في عنقه حبلًا ويدفعه إلى الصبيان ليلعبوا به ، و هو يقول ((أحد أحد)) لم يشغله ما هو فيه عن توحيد اللّٰه ، و كان أمية يخرج به في و قت الظهيرة في الرمضاء (( أي الرمل الشديد الحرارة الذي لو وضعت عليه قطعة لحم لنضجت )) ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له : لا تزال كذلك حتى تكفر بمحمد و تعبد اللات و العزى أو تموت ، فيقول: (( أحد أحد)) .و قد مر به أبوبكر يومًا و هو يعذبه فقال : (( يا أمية أما تتقي اللّٰه في هذا المسكين حتي متي تعذبه ؟ قال : أنت أفسدته فأنِقذه مما ترى... فاشتراه منه و أعتقه ، و يروي أنه اشتراه بخمس أواق و هو مدفون بالحجارة ، و نزل فيه و في أمية في سورة الليل : { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ }
{ الليل: ١٤_٢٠}.
و قال عمر : أبوبكر سيدنا و أعتق سيدنا ( يعني بلالًا ) ؛ و قال ﷺ لبلال : (( سمعت دَفَّ نعليك في الجنة )) كما جاء فى البخاري أيضًا.
و قد هانت نفس بلال عليه في سبيل اللّٰه فلم يبال بتعذيب سيده له ، و هان على قومه و لكنه عظم قدرة عند المسلمين ، حتى قال فيه عمر ما ذكرناه مرويّّا عن الإمام البخاري ، و عند اللّٰه حتى سمع الرسول دفَّ نعليه في الجنة...و (( انتقم اللّٰه لبلال من أمية في حياته فقد أسره عبدالرحمن بن عوف في غزوة بدر الكبرى وقد أراد استبقاءه لأخوة كانت بينهما في الجاهليه فرآه بلال معه ، فصاح بأعلى صوته : يا أنصار اللّٰه. رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا ، فأقبل الأنصار نحوهما و كان مع أمية ابنه علىّ فقتلوه قال عبدالرحمن بن عوف : فتبعونا و كان رجلًا ثقيلا فلما أدركونا قلت له : ابرك ، فبرك فألقيت نفسي عليه لأمنعه فنهشوه بأسيافهم حتى قتلوه.
و ممن اشتراهم أبوبكر و أعتقهم أم بلال و اسمها_حمامه_ وكانت جارية بني المؤمل ، و عامر بن فهيرة وكان يعذب حتي لا يدرى ما يقول ، و أبوفكيهة و كان عبدًا لصفوان بن أمية بن خلف.
و منهم زنيرة و كانت تعذب في اللّٰه حتي عميت ، فلم يزدها ذلك إلا إيمانًا ، وكان أبوجهل يقول : ( ألا تعجبون لهؤلاء و أتباعهم لو كان ما أتى به محمد خيرًا ما سبقونا إليه أفتسبقنا زنيرة إلى رشد ) فأنزل اللّٰه في سورة الأحقاف :{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا۟ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ }
{ الأحقاف: ١١ }.
و جاء خباب مرة إلى رسول اللّٰه ﷺ و هو متوسد برده في ظل الكعبة ، فقال يارسول اللّٰه ألا تدعو اللّٰه لنا ، فقد ﷺ محمرًّا وجهه فقال: ⟨⟨ إنه كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم و عصب ، و يوضع المنشار على فرق رأس أحدهم فيشق ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، و ليظهرن اللّٰه هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللّٰه و الذئب على غنمه ⟩⟩ كما ذكر_ البخاري_
و ما قاله الرسول ﷺ في بشارته لخباب قد حدث ، و ذلك لا يكون منه إلا بوحى من اللّٰه ، فإن أتباع الرسول وقتئذ كانوا من القلة و الضعف إلى حدٍّ لا يؤذن بحصول الإيمان لأضعافهم في حياة الرسول ، فالإخبار بذلك لا يكون من باب الرجاء ، فإن المقدمات لا توصل إليه. ثم أنزل اللّٰه تثبيتًا للمؤمنين أول سورة العنكبوت { الٓمٓ (١)أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓا۟ أَن يَقُولُوٓا۟ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } { العنكبوت: ١_٣}
و هذا و اللّٰه أعلم إلى أن التقي بكم في موضوع جديد عن #هجرة_الرسول .🌺 وارجو من الله تعالى أن اكون افدتكم و أفدت نفسى 🌺
و العنوان هو🌺 وصول المحنة إلى الأشرف🌺
هناك 5 تعليقات:
اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد
عليه افضل الصلاه والسلام
وان شاء الله نتخطى هذا الظلم ونجعل أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الطريق الصحيح
اخوكم محمود سعيد
بارك الله فيك
بإذن الله في ميزان حسناتك
سلمت يداك 🌹🌹
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم
إرسال تعليق