المتابعون

الجمعة، 5 مايو 2023

Khan Masroor خـان مـسـرور

 




الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته

الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته .

هيا بنا لنتعرف على خان مسرور فلنطلق لخيالنا العنان و لنطف بين همسات الزمان لنتصور ماكان علية ذلك المكان ، كانت القاهرة في العصر المملوكي عاصمة لإمبراطورية شاسعة الأرجاء يفد إليها أعداد ضخمة من الجواري و العبيد من شتى الأجناس و الألوان و البلدان من تركيا و وسط إفريقيا و النوبة و جزيرة صقلية ، و تطلب ذلك وجود أسواق خاصة عرفت بأسواق الرقيق يقوم عليها تجار يعرفون بالنخاسين.

فخرج من فوق دكك العبيد سلاطين عظماء مثل سيف الدين قطز قاهر التتار والظاهر بيبرس و أبو الفتوحات و السلطان قلاوون الذي بني أعظم بيمارستان لعلاج المرضي و طومان باي القائد المغوار الذي تصدي لجيوش السلطان العثماني سليم الأول فشنق على باب زويلة و شجرة الدر أول ملكة في تاريخ الإسلام حكمت مصر ثمانين يومًا و ماتت ضربًا بالقباقيب.

عرف الرق في كل الحضارات و الثقافات منذ أقدم العصور ومن الصعب تحديد تاريخ بعينة لبداية انتشار ظاهرة استعباد الإنسان لأخية الإنسان ، و الرقيق هم سبايا الحروب أو من يختطفهم اللصوص و قطاع الطرق قسرًا من أهلهم و هم صغار و يرسلونهم إلى أسواق النخاسة ، حيث يتم بيعهم كأي سلعة تباع و تشترى و يسلبون من إرادتهم و يصيرون مملوكين بقوة القانون للمشتري.

و تنكسر قلوب هؤلاء الرقيق الصغيرة لمفارقة الأهل و الأحباب فيلهفم الشجن و الأسى و تسيل دموعهم كقطرات المطر و تتلاطم مشاعرهم فى أمواج الحياة الهادرة، يخشون رهبة الأماكن غير المألوفة ، تلسعهم نظرات المتفحصين ، يتدثرون بأشعة الأمل ويتوقون إلى قلب حنون يأوون إليه حتى ترسو بهم قوارب النجاة في مأوى آمن.

و قد وجدت أقدم أسواق النخاسة في بابل و سومر و آشور و مصر و إسبارطة و روما و أثينا و قرطاجة ، و ظلت هذه التجارة رائجة حتى تم إلغاء الرق رسميًّا في ( 1793 ) من الميلاد في سان دومنجو، و أعلنت الدولة العثمانية التي كانت مصر تابعة لها تحريم تجارة الرقيق و القضاء على صورة من أبشع صور الاستغلال الإنساني و تم إغلاق أسواق النخاسة نهائيًّا في العالم ( 1847) من الميلاد

و كانت تأتي السفن محملة بأقوى الفتيان و أجمل الفتيات من الشرق و من الغرب فيقوم النخاسون باختيار ما يحلو لهم من الجواري و العبيد .

و تطلب وفود هذه الأعداد الكبيرة من الرقيق إلى مصر وجود أسواق خاصة عرفت بأسواق الرقيق ، و من أشهر هذه الأسواق دار البركة بـ الفسطاط و خان جعفر و خان مسرور بـ الجمالية و وكالة كشك ، و يصف لنا _ابن إياس_ أن السلطان _قنصوه الغوري_ أنشأ سوقًا لتجارة الرقيق بالقرب من خان الخليلي.

و كان خان مسرور سوقًا مخصصًا لبيع الرقيق يقع في شارع القصبة في نفس مكان جامع علي المطهر القائم اليوم ، و قد ضم الخان حجرتين للرقيق ، حجرة خاصة بالجواري و إلى جوارها حجرة خاصة بالعبيد ، و بينهما دكة لجلوس من يتم عرضه للبيع يطلق عليها دكة العبيد.

و كان يجلس الرقيق مثلهم مثل أي سلعة معروضة للبيع في وسط الأسواق التي لا تخلو ساحاتها من بائعين و مشترين ، يغطي وجوههم الجمود و يضيق بهم الزمان على اتساعه ، و يأتي المشترون و يقومون بفحص و تقليب الجواري بصورة تقشعر لها الأبدان و يجرون اختبارات لقدرات المماليك في الذكاء و الحساب و الفروسية أمام أعين المارة .

كما يثني النخاس على بضاعتة و يبدأ في تعديد فضائل الإماء ( الجواري ) مرددًا عبارات على شاكلة : 

هيفاء القد ، ممشوقة القوام ، مليحة الحركات ، مسكية الأنفاس ، ممدودة الألحاظ .

كما يقوم النخاس بإمداد المشترين بالنصيحة فيقول : 

من أراد حسن القوام و السمرة المقرونة بالجمال فليأخذ الهنديات لحسنهن ، و من أراد المربيات فليأخذ النوبيات لحنانهن، و من أراد الخازنات و الحافظات فليأخذ الروميات لأمانتهن ، و من أراد الجاريات للولد فليأخذ الفارسيات لخصوبتهن ، و من أراد العبيد للكد و الخدمة فليأخذ الأرمن لقوتهم و من أرادهم للحرب فليأخذ الأتراك و الصقالبة ( صقلية ) لحرارة قلوبهم و هكذا.

و لكن هناك عدة عوامل مؤثرة في تحديد أسعار الجواري تبعًا للغرض الذي سوف يتم استخدامهن فيه ؛ فبذلك يرتفع سعر المغنيات و خصوصًا ذوات المواهب ، و قد فطن النخاسون لذلك فكانوا يعلمون الجواري فنون الأدب و الشعر و الموسيقى ، ثم يبيعوهن بأسعار مرتفعة .

و كثيرًا ما قام النخاسون بعمليات الغش و التدليس للرفع من أسعار الجواري و العبيد ، فكانوا يطيلون شعور الجواري بالوصل بالضفائر ، و يخفون آثار النمش من الوجوه باستخدام غسول من عروق القصب و اللوز المر ، و يغطون الكلف في البشرة ببذر الجرجير و الكروم المعجون بالعسل.

و تتراوح أسعار العبيد مابين 150الى200 درهم من الفضة ، و تتباين أسعارهم حسب اختلاف أجناسهم و أعمارهم ، بينما يرتفع سعرا العبد الخصي إلى أربعماية دينار من الذهب.

و كانت توكل إلى العبيد الأعمال الشاقة مثل الزارعة و الصناعة أو الخدمة في البيوت ويتم تدريب بعضهم كجنود للحرب .

و كان يتم تعين محتسبٍ خاص لهذه الأسواق يجلس على دكة عالية تطل على سوق النخاسة ليراقب حركة البيع و الشراء و يحصل الرسوم و الضرائب المفروضة ، و يسجل عمليات البيع في دفتر خاص ، و قال المقريزي و أشار الية (( خان مسرور)) في خططه { فيجد السالك على يمينه خان مسرور و حجرتي رقيق و دكة المماليك بينهما ولم تزل موضعًا لجلوس من يعرض من المماليك الترك و الروم ونحوهم للبيع إلى أوائل الملك الظاهر برقوق ثم بطل ذلك }.

و كلمة خان في الأصل فارسية تعني الدار ، و قد استخدمت للدلالة على ذلك البناء الذي يتكون من حجرات عديدة محاطة بفناء مكشوف لاستقبال التجار الوافدين على مصر ببضائعهم و يحتوي الطابق الأرضي على إسطبلات للدواب و مخازن و دكاكين البيع و تخصص الأدوار العلوية للسكن.

و لقد تعددت الأسماء التي تطلق على الإناث من الرقيق فكان يقال أمة ، جارية ، مملوكة ، و قد عملت الجواري في الخدمة في بيوت الأثرياء التي تضم عادة جارية أو اثنين للنظافة و تربية الأولاد ، و كن يقمن في الحرملك و يصرن جزءًا من أفراد العائلة.

و قد عامل المسلمون العبيد و الجواري معاملة حسنة ، و قد أقر الإسلام الرق بصورة تؤدي إلى القضاء التدريجي عليه فألزم الناس بحسن معاملة الرقيق و إطعامهم مما يطعم سيدهم و الرفق بهم و عدم تحميلهم فوق طاقتهم و دعا الناس إلى إعتاقهم و جعله كفارة لكثير من الذنوب مثل حنث اليمين و الإفطار عمدًا في نهار رمضان و القتل الخطأ.

و قد أوصى الرسول ﷺ بالمحافظة على مشاعرهم و نهى الناس عن مناداتهم بعبدي أو أمتيِ و استبدالها بفتاي و فتاتي ؛ لأنها أرق على النفس ، كما أمر الرسول ﷺ بحسن معاملتهم فقال : (( من لطم مملوكة أو ضربه فكفارته أن يعتقه )) _ رواه مسلم _ 1657.

و قد حكم الشرع الإسلامي على تجار الرقيق بالالتزام بعدد من القواعد لمراعاة مصلحة الجواري و العبيد منها عدم التفريق بين الجارية و ولدها بالبيع.

و كانت العلاقة بين العبيد و سادتهم تتسم بالود و المحبة ، و كان مسموحًا للعبيد أن يشتروا أنفسهم مقابل مبلغٍ من المال ، و كان يطلق على العبيد الذين يتم إعتاقهم الموالى ، أما الجارية المعتوقة فكان يطلق عليها المولاة.

و يصف لنا الرحالة الإنجليزي ريتشارد بيرتون الذي زار مصر   ( 1848 ) من الميلاد أحوال الرقيق فيقول : « إن الرقيق في بلاد الشرق عامة يأكلون أفضل من الخدم أو حتى من أفراد الطبقات الدنيا الإنجليز ؛ فالشريعة الإسلامية تلزم المسلمين بمعاملة رقيقهم برقة بالغة ، و المسلمون بشكل عام حريصون على الأخذ بتعاليم نبيهم . الرقيق يعد فردًا من أفراد الأسرة و في البيوت حيث يوجد الخدم الأحرار و نادرًا ما يقوم الرقيق بأي عمل خلا تعمير الأرجيلة ( الشيشة ) و إعداد القهوة و مرافقة سيدهم عند خروجه».

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼

أكتفي بهذا القدر إلى أن نكمل بعون الله عن خان مسرور وكيف شجعت حالة الرخاء التي شهدتها مصر أهالى تركستان على بيع أولادهم طمعًا في الحياة الرغدة ، و اشهر جواري العصر المملوكي الست مسكة الناصرية مربية السلطان الناصر محمد بن قلاوون و اسمها الأصلي حدق ، و شجرة الدر ، و الجارية عائشة التي بلغت ثروتها تقدر بأربعمائة ألف دينار من الذهب.

 صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


هناك 15 تعليقًا:

غير معرف يقول...

شكرا اخي العزيز جزاك الله خيرا

غير معرف يقول...

الموضوع جميل وفيه عبق التاريخ .

aladham يقول...

جميل جدا

aladham يقول...

والله حاجه جميله جدا

taherleila يقول...

شكرا على هذه المعلومات القيمه

غير معرف يقول...

ماشاء الله ثرد شيق ومعلومات مفيدة معتبره شكرا لحضرتك استاذ محمد

غير معرف يقول...

مقال تاريخى رائع ملئ بالمعلومات القيمه .. الحمد لله على نعمه الاسلام الذى اكرم العبيد وساعد على تحرير العبيد

Ahmed Abdo يقول...

رائع

غير معرف يقول...

روعة حبيبي الغالي

غير معرف يقول...

جميييل يا مبدع 😍

غير معرف يقول...

سرد رائع و معلومات قيمه شكرا لك احى الكريم

zizo يقول...

احسنت

غير معرف يقول...

احسنت كثيرا ..الموضوع شيق و جميل ..اكمل ..موفق كثيرا

Metra يقول...

احسنت كثيرا الموضوع شيق و مثير لمتذوقي القراءه ...اكمل ..موفق كثيرا

غير معرف يقول...

احسنت

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...