المتابعون

السبت، 29 أبريل 2023

Tennis City مدينة تنيس


 

مدينة تنيس

 أو تل تنيس ، مدينة دونت تاريخها بالخيوط الكتانية الفاخرة المزخرفة بالنقوش المستوحاة من البيئة المصرية الأصيلة.

تنيس هي لؤلؤة بحيرة المنزلة نغمة تخرج من صدر التاريخ ؛ قديمة قدم الزمان ، مدينة نائية صُنعت الحضارة على أرضها ، جزيرة صغيرة في حجمها كبيرة في أثراها رفعت اسم مصر عاليًا و جذبت إليها الأنظار ، أشرقت بوجهها الساحر منذ أكثر من ألف عام فأضفت على العالم قبسًا من الجمال و الرومانسية ، حازت لقب عاصمة الموضة و الأناقة و الجمال في العالم القديم و أبهرت العيون بمنسوجاتها الغنية التي تتداخل خيوطها مع خيوط الذهَب فتفوقه تألقًا .

.موقع مدينة تنيس..

تباهي بعباءاتها السلاطين و ارتدي منسوجاتها العزيز باللّٰه و هارون الرشيد و الأمين ، و تسابق الناس لاقتناء أعجوبة العصر قماش البوقلمون الذي انفردت تنيس بصناعته و كان يتغير لونه بتغير ساعات النهار ، و مما زادها شرفّا و مكانة صناعة كسوة الكعبة المشرفة على أرضها قرونًا طويلة ، شهد التاريخ على سيرة أهلها العطرة الذين تجلت عبقريتهم ونقشوا سيرتهم بسطور من الذهب في ذاكرة الزمان.

و على مر العصور صنع الإنسان المصري كل احتياجاته من الخامات التي و فرتها له الطبيعة و أظهر تفوقًا في المنتجات اليدوية على اختلاف أشكالها من رسم و نحت و خرط و فخار ، و ظلت هذه الفنون متميزة عبر العصور ، أما أكثر صناعة برع فيها الحرفي المصري و فاقت شهرتها الزمان فهي صناعة المنسوجات و أشهرها على الإطلاق القباطي ، و القباطي هو منسوجات كتانية مزخرفة بدأ إنتاجها في مصر من العصر الفرعوني و تطور الإنتاج في العصر الروماني و ازدهر في العصر القبطى حتى بلغ أوج عظمته في العصر الإسلامي لمصر ، فهي من أقدم المنسوجات الزخرفية في العالم.

... لوحات مرسومه للرحالة الراهب بيكانو.. لمدينة تنيس

و تعد مدينة تنيس درة مدائن مصر في العصور الوسطي ، كانت جزيرة صغيرة حالمة تحيطها الطبيعة الساحرة في أحضان بحيرة المنزلة التي أطلق عليها قديمًا بحيرة تنيس.

و كان بالمدينة ما يقرب من عشرة آلاف حانوت ( دكان ) تزخر بالسلع المجلوبة من الشرق و من الغرب و لا تهدأ حركة البيع و لا الشراء في الاسواق التي يتعاظم فيها زحام التجار الوافدين من سائر أنحاء العالم لاقتناء المنسوجات.

امتاز أهل تنيس برقة طبائعهم و اعتادوا استقبال التجار بود وترحاب و بالغوا في إكرام الغرباء ، هم فنانون عشقوا الجمال و أجادوا الرسم و التصوير وصنعوا أرقي و أجود أنواع القباطي التي حازت إعجاب الناس في شتى أنحاء البلاد فعلا شأن مدينتهم حتى قال المؤرخون ؛ ليس في الدنيا منزل إلا و فيه ثوب من تنيس و لو خرقة.

اكتظ ميناء تنيس بالسفن التجارية التي تجلب كل متطلبات أهل الجزيرة من المواد الغذائية ؛ لأن تربتها مالحة لا تصلح للزراعة ، تأتي السفن من سائر البلدان ممتلئة بالبضائع المختلفة و تعود محملة بالأنواع العديدة من الأقمشة .

و كثغر بحري هام كانت مدينة تنيس محطًّا لأنظار البيزنطيين و الصليبيين ، فكثرت غاراتهم عليها و كانوا مصدر تهديد دائم لأمنها فشيدت حولها الأسوار العالية و الأبواب المصفحة بالحديد ، و أقيمت بها قلعة منيعة يصطف بها الجنود ، و تم حشد أسطولٍ قوي لحمايتها من الغارات الخارجية.

و لكن افتقد أهل مدينة تنيس الماء العذب في جزيرتهم ، و كان المذاق المالح هو الغالب على بحيرة تنيس معظم العام نتيجة لامتزاجها بمياه البحر المتوسط ، و كان موسم الفيضان هو موسم عودة الحياة ينتظره أهل الجزيرة بفارغ الصبر فيخزنون الماء العذب في صهاريج ضخمة مبنية تحت بيوتهم و يستخدمون هذا الماء طوال العام و من لديه فائض ماء يقوم ببيعه.

..لوحات مرسومه للرحالة الراهب بيكانو للمدنية تنيس

كان يوجد بتنيس خمسة آلاف منسج ( نول ) و يعمل بها عشرة آلاف عامل ، فنانون ذوو أنامل ذهبية يسري الإبداع في عروقهم ابتكروا أجمل النقوش ، ورسموا أدق الصور بخيوط الكتان الناعمة التي تتجانس بانسجام مع الخامات الراقيه فأنتجوا أروع المنسوجات ، و نظرًا لأهمية صناعة النسيج في العصور الإسلامية أولتها مصر عناية خاصة ، و كان لذلك الاهتمام أكبر الأثر في ازدهار تلك الصناعة. أنشأت الدولة دار طراز الخاصة لصناعة ملابس سلطان مصر التي يطلق عليها الطراز الشريف ، و لا يستطيع أي شخص مهما علت مكانته شراء ما ينسج بها ، أما دور طراز العامة فكانت مملوكة لأفراد من الشعب يصنع بها المنسوجات التي يرتديها الناس . و خضعت دور الطراز لأشراف الدولة التي كانت تمدهم بالمواد الخام و تتولى عملية ختم الأقمشة بخاتم السلطان الرسمي و تفرض ضرائب باهظة على النسيج و تسجل المبيعات اليومية في دواوين حكومية و تحدد أسعار البيع ؛ و يشرف على دور الطراز موظف كبير يسمى ناظر الطراز كان من أعلى الموظفين مقامًا و أعلاهم راتبًا. 

 تعجز الألسن عن وصف عظمة ملابس سلطان مصر الفريدة التي أثارت غيرة ملوك العالم بخاماتها الغنية و أذواقها الرفعية و صناعتها المحكمة ، و قد انفردت تنيس بعمل ثوب يصنع خصيصًا لسلطان مصر يطلق عليه البدنة السلطانية ينسج بخيوط الكتان و الذهب بطريقة متقنة لا يحتاج بعدها إلى تفصيل و يبلغ ثمنه ألف دينار. 

كما اشتملت ملابس السلاطين على شرائط كتابية يطلق عليها شرائط الطراز ينقش عليها اسم السلطان بخيوط من الذهب و الفضة مع إضافة ألقابه و بعض العبارات الدعائية مثل : نصر من اللّٰه ، سعادة مؤبدة و نعمة مخلدة ، و اسم المدينة التي صنع فيها الطراز و اسم الوزير و صاحب الخراج و ناظر الطراز .

 و تاقت نفس ملوك العالم لارتداء ملابس مماثلة لملابس سلطان مصر التي لا يوجد لها مثيل في العالم ، و حالوا اقتناءها بشتى الطرق و لكن ذهبت محاولاتهم هباء ؛ لأنها كانت حكرًا على السلطان ، 

كما روي الرحالة ناصر خسرو الذي زار الجزيرة فى ( 1047 ) من الميلاد ( أن ملكًا فارسيًّا بعث بِرُسله إلى تنيس بعشرين ألف دينار ليشتروا حُلِة من كسوة السلطان و مكثوا عدة سنوات يساومون الصناع و لم يبلغوا مرادهم وعادوا صفر اليدين). 

و كان الصناع يعملون للسلطان و يتقاضون أجورهم و يتم تشجيعهم و منحهم مكافآت مجزية حين يتقنون عملهم.

و يروي أن أحد سلاطين الروم بعث رسولاً إلى سلطان مصر و طلب أن يضم مدينة تنيس إلى مملكته مقابل مائة مدينة من مدن الروم و لم يقبل هذا العرض و رفض التخلي عن هذه المدينة الزاهرة التي اندثرت منذ ألف عام.

طبقت شهرة قباطي مصر الآفاق و يكفيها الفخر و الشرف أن الرسول ﷺ ارتداها بعد أن بعث المقوقس حاكم مصر قبل الفتح الإسلامي بهدية للرسول ﷺ و تضمنت عشرين ثوبًا من القباطي

أنتج صُنْاعَ مدينة تنيس المنسوجات الموشاة بأنواع لا تعد و لا تحصى ، فأنتجوا القصب الملون و هو نسيج رقيق من الكتان يشبه المنخل ( الغربال ) يستخدم في صناعة العمائم و ملابس النساء . 

كما براعو في صناعة الثياب الشرب و هو نسيج رقيق شفاف يصنع من الكتان أو الحرير ، كما تفوقوا في صناعة البُرد الكتانية.

أما أشهر منتجات مدينة تنيس على الإطلاق التي كانت تعد من عجائب ذلك الزمان فهو نسيج البوقلمون أو الطاووس الذي انفردت تنيس بصناعته و هو قماش ذهبي يتغير لونه بتغير ساعات النهار عندما تنعكس عليه أشعة الشمس و كان يصدر إلى بلاد المشرق و المغرب ، و يعد من أندر و أقيم التحف. كما أنتجت مناسج تنيس أنواعًا نادرة من المخمل كانت تستخدم في تنجيد أثاث المنازل من ستائر و أسِرِة و وسائد ، وصنع عمالها المهرة ثوبًا من الكتان الخالص يطلق عليه الطراز و هو لا يحتوي على ذهب و مع ذلك كان يباع الثوب بمائة دينار من الذهب ، كما تفننوا في صناعة القميص الذهبي الذي يحتوي على أربعمائة دينار من الذهب و أوقيتين من الكتان ، و أنتجوا الثياب المعلمة و هي ثياب كتانية تشتمل على شرائط كتابية ، و الحرير المرقوم الذي يحتوي على كتابات بالإضافة إلى المناديل و المناشف و الوسائد.

أراد الخلفاء العباسيون صنع كسوة فاخرة للكعبة المشرفة فبحثوا عن خير من يحسن صناعة النسيج في العالم فلم يجدوا أعظم من مدينة تنيس رائدة صناعة المنسوجات في العصور الوسطي ، فوقع اختيارهم عليها . و يروي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب _رضي اللّٰه عنه_ كان يطلب من والى مصر صناعة كسوة الكعبة المشرفة من القباطي و يسدد ثمنها من بيت المال .

و عندما تولى معاوية بن أبي سفيان خلافة المسلمين صار يكسو الكعبة المشرفة مرتين في العام ، فكان يتم صنع كسوة القباطي في آخر شهر رمضان المعظم و كسوة الديباج في يوم عاشوراء في مدينة تنيس و شطا وتونه. وقال _ الفاكهي_ في كتاب _أخبار مكة_ رأيت كسوة من الكعبة مكتوبًا عليها ( مما أمر به السري بن الحكم والي مصر و عبدالعزيز بن الوزير الجروي حاكم مدينة تنيس بأمر الفضل بن سهل ذي الرياستين و طاهر بن الحسين ) .

و من المعروف أن الجزيه السنوية التي ترسلها مصر إلى بلاط الخليفة العباسي في بغداد كانت من منسوجات دور الطراز المصرية، و قد شجع الولاة الأمويون و العباسيون صناعة النسيج في مصر بسبب رغبتهم في ارتداء الثياب الأنيقة التي تليق بمكانتهم. 

قال المؤرخ المعروف الفاكهي إنه رأي بتنيس كسوة صنعت للخلفية العباسي هارون الرشيد مدونًا عليها : ( بسم اللّٰه بركةمن اللّٰه للخلفية الرشيد عبداللّٰه هارون أمير المؤمنين) و شقة من قباطي مصر كتب عليها بخط دقيق أسود ( مما أمر به أمير المؤمنين المأمون 206 هجرية ) .

و هذا و اللّٰه أعلم 🌼

أكتفي بهذا القدر إلى أن نكمل بعون الله عن مدينة تنيس وعصر الفاطميين و نتعرف على قصة المحتسب ( ابن بسام ) وماذا فعل الحاكم بأمر اللّٰه الفاطمي ليشيد المساجد بها وأنه ولما هدم الكنائس و لماذا أمر السلطان ( صلاح الدين الايوبي ) بإخلاء المدينة من السكان وكيف كانت قصة نهاية هذه المدينة الزاهرة مدينة تنيس.

صلوا على رسول اللّٰه 🌼

الرجاء دعمكم لمدونتى الشخصيه بزيارة و متابعة و تعليق 

#بصمات_من_ياقوت_ومرجان 

 ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

 


هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

تسلم ايدك يا استاذ فارس . اشعرني موضوعك بأن سر تنيس قد انتقل الى دمياط في عصرنا الحديث

غير معرف يقول...

معلومات قيمه جدا مكنتش اعرفها.. تسلم ايدك استاذ فارس وجزاك الله خيرا

غير معرف يقول...

احسنت حديثا

غير معرف يقول...

سبحان الله..رائعة والله..لكن هل لا تزال حية وحاضرة أم أصبحت أطلال..!؟
جزاكم الله خير إذ تقربوا لنا هذه المعالم والتاريخ الجميل.
زادكم الله علماً وزادنا معكم إن شاء الله.
راضية بديني

غير معرف يقول...

شكرآ لمجهودك الرائع 👏

غير معرف يقول...

اول مره اعرف المعلومات دي بصراحه،،
تسلم ايدك

غير معرف يقول...

بارك الله لك في الصحة والعافية وجزاك الله كل خير وبركة،فعلا مجهود ولا اروع ومعلومة كانت بالنسبة لي غير معروفة وبفضلك عرفت شيء لم اكن اعلمه،لك كل الإحترام والتقدير والشكر الجزيل...

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...