المتابعون

الأربعاء، 18 يناير 2023

دروس من رحلة الإسراء..٥


 الإسراء و مراحل الدعوة المحمدية

كانت رحلة الإسراء بالنبي ﷺ قبل هجرته إلى المدينة بنحو سنة أو ثمانية عشر شهرًا على و جه التقريب ، كما يذكر رواة السيرة.

و كانت هذه الفترة من حياته ﷺ مجتمع ظروف عصيبة ، فلقد ماتت زوجة خديجة ، و عمه أبو طالب ، و اشتد إيذاء الناس له و لأصحابه ؛ فخرج يلتمس أتباعًا و أعوانًا لدعوته خارج مكة في القبائل و البلاد حولها ، فذهب إلى الطائف يدعوهم إلى اللّٰه فردوه أقبح الرد ، و تطاولوا عليه بالشتم و القذف بالحجارة حتى دميت قدماه ، و هو في ذلك صابرٌ محتسب يسأل اللّٰه لهم الهداية و الإيمان.

و ذهب إلى قبيلة كندة و إلى بني حنيفة ، و إلى بني عامر بن صعصعة ؛ يود أن يجد فيهم من يناصره حتى يبلِّغ دعوة اللّٰه ، و لكنهم كانوا بين رافضٍ بالمرة ، و بين طالبٍ للسلطان و الإمرة ؛ فقال لهم : إن الأمر للّٰه يضعه حيث يشاء.

و لما لم تثمر تلك المحاولات ؛ عاد النبي ﷺ إلى مكة آسفا لعدم إيمان قومة ، حزينًا على ما يصيب أصحابه ، صابرًا على أمر اللّٰه و اثقًا بوعده.

و جات رحلة الإسراء في تلك الظروف تسرية عن نفسه ، و تطييبًا لقلبه بالأضافة إلى كثير من دروس العبرة له و لأمته ، و في تلك الليلة عُرج به إلى السماوات ، و رأى مراحل دعوته ممثلة في صور من قابلوه من الأنبياء.

و لا شك أن تمثيل تلك المراحل مرتبطة بصورة أنبياء اللّٰه ، تستدعي أن ينظر في سيرتهم و صبرهم و احتمالهم ، و كيف كانت عاقبة أمرهم و منزلتهم عند ربهم ، و قد أمر أن يكون في ذلك على طريقتهم

قال تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ }{ الأحقاف : ٣٥}

و قال تعالى : { أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ }

{ الأنعام : ٩٠ }.

و قال اللّٰه له ذلك بعد أن ذكر عدة من أسماء الأنبياء عليهم السلام في سورة الأنعام ، و هذا أبلغ في الدلالة على ذلك من القول المجرد أو في تصوير مسرح الأحداث في تلك المراحل.

و لذلك كانت رؤيته للأنبياء في السماوات مخصوصة بالبعض منهم ؛ لما كان من شأنهم مما يحكي صورة مماثلة للمراحل التى ستمر بها الدعوة المحمدية بعد.

فقد جاء في كلامٍ نقله الإمام (( ابن حجر ))عن الإمام 

( السهلي ) : 

أن رؤيته ﷺ لآدم في سماء الدنيا تنبيه عن مرحلة الهجرة ، لأن آدم أُخرج من الجنة إلى الأرض مع شدة تعلقه بالجنة ، و لما نزل إلى الأرض و سأل اللّٰه أن يرجعه إلى الجنة بيَّن له أنه جعل له طريقًا آخر إليها بقوله تعالى : 

{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ البقرة : ٣٨}

فذلك الشأن يعود محمد ﷺ إلى مكة فاتحًا بطريق الجهاد.

و كانت رؤيته لعيسى و يحيى _عليهم السلام_ إشارة إلى ما سيلقاه من عدواة اليهود و كيدهم و مكرهم و إرادتهم لقتلة ، و أن اللّٰه سينجيه منهم كما نجى عيسى بن مريم _عليه السلام_.

و أما لقاؤه بيوسف _عليه السلام_فهو تنبيه على عدواة أقرب الناس إليه في قريش و تفننهم في إيذائه ، و أن عاقبته ستكون كما كانت عاقبة يوسف نصرًا و تمكينًا و رعاية و حماية.

و عند فتح مكة قرن النبي ﷺ موقفه بموقف يوسف _عليه السلام_ ؛ فقال لقومه : أقول لكم كما قال أخي يوسف : 

{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }{ يوسف : ٩٢}

و أما لقاؤه مع إدريس _عليه السلام_ فكان تنبيهًا على ما سيصل إليه أمره و دعوته من الرفعة و الانتشار و دعوة الملوك و الامراء.

و أما مقابلته لهارون _عليه السلام_ فكانت إعلامًا عن مرحلة يعود فيها المشركون إلى رشدهم و صوابهم ؛ فيسلمون و يبذلون المودة و الوفاء للنبي ﷺ و أصحابه ، كما أشار إلى ذلك القرآن في قوله تعالى : 

{ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }{ الممتحنة : ٧}

و لقد كان شأن هارون كذلك ، كان الرجل المحبب في قومه بعد شدة أذى و طول مناوأة.

و أما لقاؤه بموسى _عليه السلام_ فهو إشارة إلى لونٍ من الأذى و العنت ، يُلحقه الأعداء بشخص النبي ﷺ و نوع من المعايب يقذفونه بها ، و أن عاقبته ستكون براءة كاملةً و طهرًا خالصًا ، كما كان الشأن مع موسى _عليه السلام_.

و القرآن الكريم بعد أن ذكر شأن النبي ﷺ و شأن زوجاته أمهات المؤمنين يحذر من أذى النبي ﷺ و زوجاته ، ثم يقول في الختام

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوْا۟ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا۟ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهًا }

{ الأحزاب : ٦٩ }.

و أما رؤيته لإبراهيم _عليه السلام_ في السماء السابعة عند البيت المعمور ؛ فقد كان تنبيهًا على ما أعده اللّٰه له من النصر و فتح مكة ؛ ليصبح عامًرا للبيت الحرام ، طائفًا به ، حاجًّا إليه ، معظمًا إياه ، تدين له بعدها العرب و العجم.

و نري أن العلماء المسلمين لم يروا في قصة الإسراء والمعراج طرائف تحكى أو أساطير تروى ، أو أنها دلالة على أمر النبوة و صدق الرسالة ، و لكنهم رأوها تعبيرًا عن حياة عملية سيحياها النبي ﷺ و المسلمون ، و إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع و هو شهيد.

و هذا و اللّٰه أعلم 🌺🌺

إلى أن ألقاكم مع موضوع جديد على مدونتى الشخصيه

#بصمات_ من_ياقوت_ومرجان

تابعونا و ادعمونا بزيارة وتعليق 

زيارتكم تسعدوني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼


هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وزد وبارك علي سيدنا محمد ﷺ

غير معرف يقول...

اللهم صل وسلم وزد وبارك علي سيدنا محمد ﷺ

غير معرف يقول...

تسلم ايدك يا استاذ فارس .. فعلا انها بصمات من ياقوت ومرجان

غير معرف يقول...

تقبل الله مجهودكم

غير معرف يقول...

احسنت 🌷

غير معرف يقول...

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم نفع بكم

غير معرف يقول...

تبارك الرحمٰن 🥀جزاك الله خيراً🌹

Unknown يقول...

عليه افضل الصلاة والسلام
احسنت النشر

غير معرف يقول...

امين يارب اجمعين.. عليه افضل الصلاة والسلام
جزاك الله الجنة ونعيمها

تشغيل الأطفال بين الإفراط و التفريط - Children's work

  الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،  السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته. أن الأصل في مرحل...