المتابعون

الأربعاء، 24 يوليو 2024

الشيخ حسن العطار _ Hassan Al-Attar

 



الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

نشأته و حياته :

المتوفَّى سنة ( ١٢٥٠هـ = ١٨٣٤ م ).

ولد بالقاهرة سنة - نيف ؛ وثمانين ومئة وألف من الهجرة ، ونشأ بها في ظل أبيه الشيخ محمد كتن ، ويمت بنسبه إلى أسرة مغربية ، وفدت إلى مصر وكان أبوه رقيق الحال ( عطارًا ) ، ملمَّا بالعلم كما يدل عليه ما يقوله في بعض كتبه : « ذاكرت بهذا الوالد رحمه اللّٰه » ، وكان يستصحبه إلى متجره ، ويستعين به في صغار شئونه _ نشأ حاد الذكاء قوي الفطنة ، إلى التعليم هواه ، شديد الغيرة و التنافس ، إذ يرى أترابه يترددون على المكاتب ؛ ومن ثم يتسلل إلى الجامع الأزهر مستخفيًا من أبيه ، وقد عجب والده إذ رآه يقرأ القرآن في زمن وجيز ، فشجعه ذلك على أن يدع ابنه الذكي القطن المحب للعلم يختلف إلى العلماء ، وينهل من وردهم ما يشاء ، فجد في المثابرة و الانتفاع من الفحول أمثال : الشيخ محمد الأمير ، و الشيخ الصبان ، و غيرهما حتى بلغ من العلم و التفوق فيه ما أهَّله للتدريس بالأزهر الشريف على تمكن وجدارة.

ولكن نفسه لم تقنع بهذه الغاية ؛ بل مال إلى التبحر في العلوم ، واشتغل بغرائب الفنون ، و الوقوف على أسرارها .

وكان منذ صباه ذا شغف بالأدب ، جادَّا في مطالعته والتزود منه حتى أجاد النظم و النثر في ريعان صباه وبواكير حياته .

وعُني بالأدب الإندلسي عناية فائقة فأخذ يدرسه ويحاكيه ، وكثيرًا ما كان يأسف على انحطاط الأدب في عصره ، ويصف شعراء زمانه بأنهم اتخذوا الشعر حرفة ، وسلكوا فيه طريقة متعسفٍ ، فصرفوا أكثر أشعارهم في المدح و الاستجلاب و المنح ، حتى مدحوا أرباب الحرف لجمع الدراهم ، و كان منهم من كان يصنع القطعة من الشعر في مدح شخص ، يغيرها في مدح آخر ، وهكذا حتى يمدح بها كثيرًا من الناس ، وهو لا يزيد على أن يغير الاسم و القافية ، و أشبهه في ذلك إلا بمن يفرق أوراق _الكدية*(1) بين صفوف المصلين في المساجد ، و هكذا كان حال الرجل ، فلا يكاد يتخذ وليمة أو عرسًا أو يبني بناءً أو يُرزأ بموت محب إلا بادره بشئ من الشعر قانعًا بالشئ النزر.

ولما كانت تلك نظرته إلى الشعر و الشعراء رأيناه قد أغفل شعره ، ولم يحتفظ بما قاله في المدح والهجاء اضطرارًا ، 

ورجا ألا يُحفظ عنه إلا ما لطف من النسيب ، مما ولع به أيام الشباب حيث غصن الشبيبة غض ، و الزمن من الشوائب محض ، و لأعين الملاح سهام بالفؤاد راشقة ، وتثني قدود الغيد تظل له أعين الأحبة وامقة.

ذاك وقت قضيت فيه غرامي    

                                      من شبابي في سترة بالظلام 

ثم لما بدا الصباح لعيني 

                                   من مشيبي ودعته بسلام .

ولما اضطربت الفتن بدخول الفرنسيين مصر رحل إلى الصعيد ، و معه جماعة من العلماء ، ثم عاد إلى مصر بعد أن استقرت الأمور ، و قد أداه حبه الحياة الاجتماعية وميله إلى المخالطة ، و ما عرف به من خفة الروح ، وطيب المعاشرة ، إلى الاتصال بالفرنسيين العلماء فاستفاد من فنونهم ، و أفادهم اللغة العربية ، و كان يقول : « إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها و يتجدد بها من المعارف ما ليس فيها ».

وكان يتعجب مما وقف عليه من علوم الفرنسيين ، ومن كثرة كتبهم و تحريرها وقربها من العقول و سهولة الاستفادة منها.

وهو الذي وقف في امتحان مدرسة الطب خطيبًا يشيد بفائدة الطب في تقدم الإنسانية ، ويفخر بأن أتيح للأزهر في تاريخ مدرسة الطب أول نشأتها أثر جليل إذ كان جُلُّ تلامذتها الأُوَل من الازهر ، و كان لهم في مدرسة الطب من الذكاء وحسن الاستعداد ما راع وبهر.

والشيخ حسن العطار هو الذي قدم الشاب  الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي لمحمد علي ، ليكون إمامًا للبعث الذي أرسل إلى فرنسا في سنة ( ١٨٢٦م ).

وهو الذي أوصي رفاعة أن يقيد مشاهداته في بلاد الغرب من الأمور التي يرى فيها فائدة لبني وطنه ، كي يظهرهم على النواحي المختلفة للحضارة الأوروبية ، حتى إذا أطاع رفاعة أستاذه ، و أتم رحلته ( تلخيص الإبريز في تلخيص باريز ) أوصي العطار بها حتى قامت الحكومة على طبعها ونشرها .

تنقله :

ثم إنه ارتحل إلى الشام ، وأقام بـ دمشق زمنًا كان يقرض فيه الشعر حينًا بعد حين ، قال « وقلت وأنا بدمشق هذه القصيدة ، و سببها أن صاحبنا العلامه محمد المسيري كان قدم من بيروت لـ دمشق ، فأقام بالمدرسة البدرية حيث أنا مقيم ، ومكث نحو شهرين فوقع لي به أنس عظيم  .

ثم عاد إلى بيروت وأرسل مكتوبًا لبعض التجار فيه قصيدة تتضمن مدح دمشق و علمائها وتجارها الذين صاحبوه مدة إقامته ، فكان جزاء تلك القصيدة أنها لم تقع منهم موقع القبول ، و ساروا يهزأون بكلماتها و قوافيها فانتدبت لنظم هذه القصيدة على بحرها ورويها ؛ انتصارًا للشيخ المسيري ، وقد ذكرت بعض متنزهات دمشق في أول قصيدتي ، وأتيت فيها بفنون من الغزل ، و الهجاء وغيرهما ، فقلت :- 

بوادي دمشق الشام جُزْ بي أخا البسط

                                 و عرج على باب السلام و لا تخطي 

ولا تبكِ ما يبكي امرؤ القيس حوملًا

                                ولا منزلًا أودى بمنعرج السقط

هنالك تلقى ما يروقك منظرًا 

                              و يسلي عن الإخوان والصحب والرهط

عرائس أشجار إذا الريح هزها 

                        تميل سكارى وهي تخطر*(2)في مرط*(3)

كساها الحيا أثواب خضر تدثرت 

                       بنور شعاع الشمس والزهر كالقرط*(4)

و منها :-

وقف بي بـ جسر الصالحية وقفة 

                                 لأقضي لبانات الهوي فيه بالبسط 

وعرج على باب البريد تجد به 

                                   مراصد للعشاق في ذلك الخط *(5)

وحاذر سويقات العمارة إنها 

                                  مهالك للأموال تأخذ لا تعطي 

فلو أن قارونًا تبايع بينهم 

                                لعاد فقيرًا للخلائق يستعطي 

ولست لما أنفقت فيها بآسف 

                             و لا بالرضا مني أمازج بالسخط .

وجاء في بعض كتبه أنه أدى فريضة الحج ، واتفق له بعد أدائه أن توجه مع الركب الشامي إلى ( معان ) ثم بلدة الخيل _ فأقام بها عشرة أيام ، ثم يمم القدس فنزل دار نقيبها ، وهنأه بعودته إلى منصبه بعد عزله منه ، ثم ارتحل إلى بلاد الروم وأقام بها طويلًا ، وسكن بلدًا من بلاد _الأرنؤوط _ ، و تأهل بها وأعقب ، ولكن لم يعش عقبه.

عودته إلى مصر :

ولما عاد إلى مصر تولى تحرير الوقائع المصرية ، فكان أحد الأزهريين الأدباء الذين نهضوا بها ، وكانت له شهرة علمية أدبية ، ومكانة أذعن لها معاصروه من العلماء و الأدباء و الأفذاذ.

كان يعقد مجلسًا لقراءة ( تفسير البيضاوي ) ، فيتوافد الشيوخ عليه تاركين حلق دروسهم ، وقد أهلته هذه المكانة العلمية و الأدبية ، وما اتسم به من النبوغ ، و ما طار من شهرته و بعد صيته أن يكون شيخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ ( الدمهوجي الشافعي ) .

و لما قدم إلى مصر عام سبعة و ثلاثين ومئتين وألف من الهجرة كبير الدروز _ و كانوا قد انتقضوا عليه _ ملتجئًا الى محمد علي باشا ، وكان في صحبته بطرس النصراني ، اجتمع به وكان بينهما اتصال ومودة ، ورأى المترجم فيه تمكنًا من الأدب والمحاضرة ، ومعرفة بالتواريخ و الأنساب وعلوم العربية وقد حدث بذلك*(6) ، وبأن بطرسًا امتدحه بقصيدة منها :- 

أمــا الـذكـاء فـإنـه             أذكــى وأبـرع مـن إيـاسـه

في أي فــنٍّ شئـتـه               فـكـأنه بـانـي أسـاسـه

أضحى البديع رفيقـه             لما تفرد في جـنـاسه.

مواهبه :

كان رحمه الله طموحًا محبًّا للاجتماع و التنقل ، ومشاهدة الحضارات المختلفة ، وكان معروفًا بالجد و الذكاء معًا ، حدَّث عنه معاصره :- الشيخ محمد شهاب الدين المصري ، الشاعر بأنه كان آية في حدة النظر وشدة الذكاء ، وأنه ربما استعار منه الكتاب في مجلدين ، فلا يلبث عنده الأسبوع أو الأسبوعين ثم يعيده إليه وقد استوفى قراءته ، وكتب في طـرره *(8) على كثير من مواضعه *(9) ، و مما عرف عنه أنه كان يرسم بيده المزاول النهارية.

آثاره : 

له تآليف عدة ؛ منها : ( حاشيته على جمع الجوامع ) نحو مجلدين ، و ( حاشية على الأزهرية في النحو ) ، و ( حاشية على مقولات الشيخ السجاعي ) ، و ( حاشية على السمر قندية ) ورسائل في الطب ، و التشريح ، و الرمل ، و اليازرجة و غير ذلك ، وقد شرح جزءًا من ( الكامل ) للمبرد.

شـعـرة :

لم يُجمع شعر العطار في ديوان ، وقد أراد هو ألا يحتفظ بشعره الذي نظمه في المدح و الهجاء ، ورغب ألا يحفظ عنه إلا ما كان غزلًا رقيقًا نظمه في صباه ، حيث العيش غض ، و الزمن من الشوائب محض ، وأن مما يؤسف له أن يفقد كثير من ثروة العطار الشعرية النفيسة ، ولو توفر جمع شعره لارتسمت فيه صورة ناطقة لشاعريته ، ومواهبه وشخصيته ، ووضحت هذه القصائد مجتمعة كثيرًا من أحوال العصر إذ الشعر مرآته المجلوة.

ومهما يكن من شيء ففي القصائد المتناثرة التي وقعنا عليها ما يعين _ و لو في جهد _ على دراسة شعره ، وطريقته و اتجاهه الشعري .

يدل ما بين أيدينا من شعر العطار على السهولة ، ووضوح الغرض و إشراق المعنى وسعة الأفق ، و غزارة مادة التشبيه ، ولعل مما بسط في أفقه الشعري ، ومد في خياله ، ومال به في الشعر إلى الوضوح و الرقة و السجاحة ما تهيأ له من مخالطة الكبراء و العظماء ، وما كلف به من حب الحياة الاجتماعية وغشيانها في شتى مجاليها ، ومختلف ميادينها وما اجتلاه في الممالك التي ارتحل إليها وحال في ربوعها من مشاهد و حضارات ، و أخلاق و عادات ، وما اطلع عليه من ألوان الحياة المتقاربة و المتباينة ، فإن كل ذلك من مقومات الشعر ، ومن أسباب بسطة وتلوينه ، على أن هذه المخالطات وتلك الاتصالات التي وثق العطار أسبابها صرفت شعره عن التعقيد و الغموض و الالتواء.

و يظهر أن العطار يميل بطبعه إلى السلاسىة ، و ينحو بفطرته إلى الإشراق و السهولة ، وإذا رجعت إلى أقدام ما عثر عليه من شعره لم تَفُتْك منه هذه الصفات ، وطالعتك منه صفحة نقية من الغموض و الالتواء.

فمن أقدم شعره قصيدته التي رواها الجبرتي *(10) ؛ يمدح بها الشيخ :- شامل أحمد بن رمضان المتوفي سنة خمس عشرة ومئتين و ألف من الهجرة ، حينما ولي مشيخة رواق المغاربة إذ يقول : -

انهض فقد ولت جيوش الظلام

                                 وأقبل الصبح سفير اللثام

وغنت الورق على أيكها

                                 تنبه الشرب لشرب المدام

والزهر أضحى في الربا باسمًا

                                  لما بكت بالطل عين الغمام

والغصن قد ماس بأزهاره

                                   لما غدت كالدر في الانتظام

 وعطر الروض مرور الصبا

                                     على الرياحين فأبرا السقام 

كأنما الورد على غصنه

                           تيجان إبريز على حسن هام

كأنما الغدران خلجان أغــ

                                 ـصان النقا والنهر مثل الحسام(11)

كأن منظوم الزراجين بها

                              قوت غدا من نظمه في انسجام*(12) 


كأنما الآس*(13) عذار *(14) على 

                                        وجنـته وقد علاها ضرام

كأنما الورقاء لما شدت

                                        تتلو علينا فضل هذا الإمام

بشراك مولاي على منصب

                                         كان له فيك مزيد الهيام

وافاك إقبال به دائمًـا

                                   وعشت مسعودًا بطول الدوام

فقد رأينا فيك ما نرتضي 

                                   لا زلت فينا سالمًا والسلام .

وهذه الأبيات من أقدم شعرة الذي عثر عليها ، وهي مبتسمة بالسهولة و وضوح الغرض و مجافاة الغموض ، مح حسن صياغتها و تسلسلها ، وكثرة تشبيهاتها المحكمة السائغة 

و مما قاله متغزلًا :-

إلى متى أشكو ولم ترث لي

                                   أما كفى أن رق لي عذلي؟

يا باخلا بالوصل عن عاشق

                                   بعسجد الأجفان لم يبخل

أنفق في حر الهوى عمره

                                     وعن أمانيه فلا تسأل

لم يبق في الصب سوى مهجة

                                   أمست بنيران الهوى تصطلي

ومقلة ترعى نجوم الدجى

                                     شقيقك الزاهر عنها سل

تبيت تبكي شجوها كلما

                                      هـاج بذكراك فـؤاد بـلي

ما أطول الليل على عاشق 

                                 فـارق محبوبًا عليه ولي 

كأنما الصبح اتقى سطوه 

                                  من كـافر الـلـيل فلم ينجل .

فهذه القطعة من أرق أبيات الصبابة وأعذبها ، أودعها

الشاعر عواطفه وشجونه ، فعبرت عنها أصدق تعبير ، فهو

يعتب على محبوبه عتاب الشاكي ويسائله : إلام يغضي من

شكواه ، وقد رثى العُذَّل لحاله ؟

ثم يتجه إليه فيخاطبه قائلا :- متى بخل بالوصل على عاشق جاد بعسجد أجفانه لطول بكائه ، وأنفق عمره في حر الهوى ، وأنت معرض لا تسأل عن أمانيه ، لم يبق في محبك إلا مهجة تصطلي بنار الهوى ، ومقلة تبيت ساهرة ترعى النجوم ، فسل شقيقك ينبئك عن حالها ، إنها تبيت تبكي كلما هاج بذكراك الفؤاد البالي.

ثم ينتقل الشاعر إلى التبرم من طول الليل على العاشق

الذي فارق محبوبًا ولي عليه ، وينـتظر الصـبح فلا يطلع ،

فيخيل إليه أنه يخشى سطوة الليل الكافر ، فمن ثم لم ينجلِ ، وهو مسبوق إلى هذا المعنى بقول البهاء زهير :-

لـي فـيـك أجـر مـجـاهـد

                                     إن صـح أن الـلـيـل كـافـر.

 واكتفي بهذا القدر ......... حتى لا أطيل عليك عزيزي/ت ... 

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان.

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*الـمـراجـع .___________________________

*(1)_ الكدية :- بمعني ( السؤال )_______.

*(2)_ تخطر : خطر في مشيته اهتز وتبختر _____.

*(3)_ المرط : كساء من صوف أو خز _____.

*(4)_ القرط : ما يعلق في شحمة الأذن ( حلق)___.

*(5)_ الخط : بالضم موضع الحي والطريق والشارع ، ويفتح ، وبالكسر الأرض لم تمطر ، والتي تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك __________________________ .

*(6)_ الخطط التوفيقيه ، جـ ٤ ، صـ ٣٩_________.

*(7)_ الطرز ؛ جمع طرة ، وهي جانب الثوب الذي لا هدب له ، وشفير النهر و الوادي ، وطرف كل شيء وحرفه ، والناصرية______________.

*(8)_الخطط التوفيقيه ، جـ ٤ ، صـ ٣٩_______.

*(9) _ الجزء الـثـالث ، صـ ١١٣_________.

*(10)_النقا : القطعة من الرمل تنقاد محدودبة_____.

*(12)_ الزراجين ، مفردها الزرجون ، كقربوس شجر العنب( العنقود ) أو قضبانها ، والخمرة ، وماء المطر الصافي المستنقع في الصخرة______.

*(13)_ الآس : نبت معروف من الرياحين ____.

*(14)_ عذار اللحية : الشعر النازل على اللحيين _____.

ايه الكرسي أسمعها فقط ،،،،،



              


الجمعة، 12 يوليو 2024

نفي رفاعة الطهطاوي إلى الخرطوم _Sudan - Khartoum


 


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

قبل أن نكمل ما شرعنا فيه عن رفاعة بك رافع الطهطاوي للمتابعة أضغط هنا 👈رفاعة بك رافع الطهطاوي 👉 

نفيه إلى الخرطوم 

لنظارته لمدرسة الخرطوم بالسودان قصةٌ تهوى النفوس معرفتها : 

تولى عرش مصر عباس باشا الأول ، بعد وفاة إبراهيم ، و كان محمد على لا يزال ينوء بمرضه ، ولعباس نفس تلح عليه أن ينسخ ما فعله محمد على ، و ينتهز فرصة موته لتنفيذ خطته الرجعية.

و يقول الأستاذ أحمد عزت عبد الكريم في كتابه ( تاريخ التعليم ) : إن عباسًا أظهر منذ تولي الحكم في مصر أنه لن يكون الحاكم الذي يتابع سياسة جده ، و يحنو على مؤسساته ، ويؤيد نظمه ... وأن سياسة عباس في الإصلاح الداخليّ كانت فشلًا متصلًا ، و لايشفع له في ذلك أن حكمه كان قصيرًا ، و هو أيضًا يرجع السبب في ذلك إلى أن سياسة عباس قامت على تسفيه الجهود التي بذلها محمد علي و إبراهيم في ميدان الإصلاح الداخليّ ، و السياسة التي اعتقد أنهما كانا يتمسكان بها ، و يدعوان إليها *(1).

فإذا ارتسمت لنا سياسة عباس على هذه الصورة ، فقد هان علينا أن نفهم السر في إغلاقه معظم المدارس الخصوصية في أول عهدة ، وقد كان مدرسة الألسن أول مدرسة ألغيت في عهد عباس ، فمؤسسها و ناظرها رفاعة بك ، أحد الأدنين من جده وعمه ، الناعم بعطفهما و ثقتهما ، ورسالة هذه المدرسة هي نقل الحضارة الغربية و الثقافة الأوروبية ، و الذي رسم هذه الخطة الرشيدة هما : محمد على ، و إبراهيم ، و الذي اضلطلع بتنفيذ هذه السياسة ، وبذل فيها أعظم الجهود إنما هو رفاعة بك ، و عباس _ كما يقول المؤرخ الإيطاليّ ( ساماركو ) : ( يتجلى عداؤه للحضارة الغربية ، و كرهه لجميع الأعمال التي كونت مجده ، و يبذل كل الجهد لتحطيمها شيئًا فشيئًا ) ، فلا عجب إذًا أن يجافي رفاعة بطل هذه الحضارة ، و حامل لواء تلك النهضة ، وأن يحصل له من البغض والشنآن ما ينتهي به إلى نفيه إلى السودان.

و يرى الأستاذ عبدالرحمن الرافعي بك

أن لكتاب ( تلخيص الإبريز ) سببًا يتصل بنفيه ؛ إذ لا يخفى أنه طُبع للمرة التانية سنة ١٢٦٥ هـ ؛ أي: في أوائل عهد عباس ، و الكتاب يحوي آراء و مبادئ لا يرغب فيها الحاكم المستبد ، و عباس كان بطبعة مستبدًّا ، فلا بد أن الوشاة قد لفتوا نظره إلى ما في كتاب رفاعة ، مما لا يروق عباسًا ، فرأى أن يبعده إلى الخرطوم ؛ ليكون السودان منفًى له *(2) ؛ وليبعده ، ويبعد من يشاكله في آرائه و أفكاره عن مصر ، ويتخذ لإبعاده و إبعادهم علةً منتحلةً و سببًا مخادعًا.

و الأستاذ عزت عبدالكريم في كتابة ( تاريخ التعليم في عهد محمد علي) يرى أن هناك احتمالين لإبعاد رفاعة إلى السودان :

أحدهما 

سعي علي مبارك الذي عاد من أوروبا ممتلئًا بالأطماع ، و الذي كان يحقد على رفاعة لما أصابه من مكانة و بلوغ شهرة.

والثاني 

: ما يحتمل أن يكون رفاعة قد لقيه من معارضة بعض المشايخ المتعصبين الذين ربما عدوه متطفلًا على مبادئهم في دارسة الشريعة و الفقة *(3).

و هذا تكهنات يضرب فيها المؤرخون و الباحثون ، إلّا أنها لم تتكئ على وقائع ملموسة تكون أقرب إلى الجزم و اليقين ، وأنه وإن كانت هذه مجتمعةً ، أو منفردةً ، تصلح أسبابًا لنفي رفاعة وتغير عباس عليه ، إلا أن رفاعة نفسه جَلَّى السبب وأزال إبهامه ؛ فقد ذكر أنه سافر إلى السودان بسعي بعض الأمراء بضمير مستتر ، بوسيلة نظارة مدرسة الخرطوم *(4).

وأنه ، وإن لم يذكر أسماء السعاة ، ولم يشرح السعاية التي قاموا بها ، أشار إلى الوشاة و الوشاية في قصيدته التي نظمها بالخرطوم ، مستنجدًا بحسن باشا كتخدا مصر _ و مما قاله في هذه القصيدة : 

وما خلت العزيز يريد ذلي .... ولا يصغي لأخصام لداد 

لديه سعوا بألسنة حداد  ....  فيكف صغى لألسنة حداد ؟

مهازيل الفضائل خادعوني.... وهل في حربهم يكبو جوادي؟

وزخرف قولهم إذا زخرفوه   .....على تزييفه نادى المنادي    

فهل من صير في المعنى بصير ...صحيح الانتقاء والانتقاد؟

قياس مدارسي قالوا عقيم ....بمصر فما النتيجة في بعادي ؟

وهو يعجب كيف يؤدي لوطنه هذه الخدمة الجليلة ، ثم يُجْزَى هذا الجزاء ، ويبدي جزعه على أطفاله الصغار الذين ملكوا عليه فكره فيقول : 

على عدد التواتر معرباتي           تفي بفنون سلم أو جهاد 

و( ملطبرون ) يشهد وهو عدٌل    ( ومنتسكو ) يقر بلا تماد 

ولاح لسان ( باريس ) كشمسٍ     بقاهرة المعزِّ على عمادي 

رحلت بصفقة المغبون عنها      وفضلي في سواها في المزاد 

وما السودان قط مقام مثلي       ولا سلماي فيه ولا سعادي 

وقد فارقت أطفالًا صغارًا     بطهطا دون عودي واعتيادي 

أفكر فيهمُ سرًّا و جهرًا        ولا سمري يطيب ولا رقادي

أريد وصالهم و الدهر يأبى    مواصلتي ويطمع في عنادي .


وقد كان الشيخ ماكرا ، فقد وضع القصيدة على وزن وقافية 

لقد أسمعت إذا ناديت حيًا .... ولكن لا حياة لمن تنادي .

قياس رفاعة 

من المصادافات الغربية والتنبؤ الطريف ، ما نرويه في هذه القصة التي وقعت بين رفاعة و كبار المصريين في السودان ؛ ففي غضون شهر شوال سنة ١٢٧٠ هـ ، أعدَّ جزايرلي سليم _ حكمدار السودان _ وليمة بإحد السفن الراسية بمياة النيل تجاه الخرطوم ، ودعا إليها سفراء الدول ، و رفاعة الطهطاوي ، وقد شرعت السفينة تتهادى في الماء وتختال قبل الموعد بقليل ، و المدعوون يسمرون و يمرحون ، وبينما هم كذلك فاجأهم رفاعة بقولة : (( إن الوالي عباسًا قتل ، فاضطرب الجمع ، واضطر الحكمدار المُوَلَّى من قبل عباس أن يلغي الوليمة ، و تفرق الجميع ، ولما عاد رفاعة إلى مدرسة الخرطوم سأله المدرسون عن عودته ، فأخبرهم بأن عباسًا قتل ، فقالوا له : من أين علمت ؟ فقال لهم : انتهيت في ترجمة _تلماك إلى اجتماع الملوك المتعاهدة ، وانضمام تلماك معهم على محاربة الملك _أدرسته _ ملك الدونية ، وإعدامه بيد تلماك ؛ لارتكابه كل الأمور التي أرى أن عباسًا ارتكبها تمامًا )) وحيث كانت عاقبة ( أدرسته ) القتل ، فقياسًا على هذا قلت لا بد أن يكون عباس قُتِل مثله ، فقالوا :_ ألم يكفيك اغترابنا في الخرطوم حتى رحت تجترئ على هذا القياس الخرافي الذي يترتب عليه إبعادنا إلى ما بعد الخرطوم

وفي اليوم التالي للحادث اسْتُدْعِىَ رفاعة بك من الحكمدار ، وزفَّ إليه بشرى أن سعيد باشا أمر بإعادته ومن معه إلى القاهرة ، و سلمه الحكمدار جانبًا من التبر هدية لوالي مصر الجديد .

هذه رواية عن قياس رفاعة ، وما من شك في أن رفاعة كان حزينا لنفيه ، موجعًا لبعده ، آسفًا لما بقية من والٍ أغفل فضله العريض في نهضة البلاد ، ولم يجازه إلا بالنفي و الاغتراب .

كان ذلك الألم يحزُّ في نفس رفاعة ، ويبلغ من شعوره كل مبلغ ، ويتغلغل في نفسه كل تغلغل ، وربما صقل الحزن نفسه ، و تجسم الأمل في نفسه ، وتملكه الخيال الذي تمثل له قصة تلماك ، فراح يقرن بين حال الملكين و يتكهن بأن يكون أحدهما كالآخر في مصرعه ، و لم يدع له الغيظ قوةً يكتم بها إحساسه ، فأرسل حدسه في صورة الخبر ، وأبرز

 خياله في معرض اليقين ، و كم في الأمور من مصادفات .

أثر رفاعة في السودان 

قضى رفاعة في السودان زهاء أربعة أعوام ، شعر فيها بمرارة الخزن و الألم ، و كانت صابًا وعلقمًا لمعني الظلم والجور الذي يتمثل له ، ولاغترابه عن أطفال صغار لا يدري مافعل بهم الزمان ، ولجزعه في منفاه على علم من أعلام النهضة ، و هو محمد بيومي ، أستاذ الرياضيات ، ورئيس أحد أقسام الترجمة ، فقد صحب رفاعة فى رحلته إلى باريس ، وعاونه في نشر العلم بالسودان ، وكان مصرعه بها ، وقد أشار إلى الجزع على فقده نصف صحبه الذي كان معه بقوله : 

وحسبي فتكها بنصف صحبي .. كأن وظيفتي لبس الحداد

أما شعوره نحو السودان ، فقد كان شعور حبٍّ وعاطفةٍ ، وهو الذي قال على لسان مصر و السودان : 

نحن غصنان ضمَّنَا عاطف الوجد 

                                   ..جميعًا في الحب ضم النطاق

في جبين الزمان منك ومني  

                                         غــرة كـوكـبـية الانـغـلاق.

وأيَّا ما كان ، فقد نشر رفاعة في السودان ثقافةً و عامًا ، وقام على إدارة هذه المدرسة بإرشاده وجهوده ، ونظم في محنته شعرًا أودعه مكنون نفسه وخوالج حسه ، وشغل كثيرًا من وقته بالترجمة ، فكان مما ترجمه _قصة تلماك_ الرائعة.

بعد عودته من السودان 

وبعد عودته من السودان جُعِلَ عضوًا ومترجمًا في مجلس المحافظة ، تحت رئاسة _ أدهم باشا _ ثم جُعِلَ ناظرًا لمدرسة الحربية بالحوض المرصود ، وبعد شهور تجدد المدرسة الحربية بالقلعة ، فأحيلت إليه نظارتها مع نظارة قلم الترجمة ، و مدرسة المحاسبة ، و الهندسة الملكية ، و التفتيش ، و العمارة ، وفي سنة ١٢٧٧هـ ، ألغيت المدرسة الحربية المذكورة وقلم الترجمة ، وما معهما فظَلَّ خاليًا من الوظيفة حتى سنة ١٢٨٠هـ ، و فيها أحليت إليه نظارة قلم الترجمة ، وجعل من أعضاء قومسيون المدارس ، مع الأشراف على صحيفة ( روضة المدارس ) .

وقد ظل كذلك في جهدٍ وعمل دائبين حتى كانت غرة ربيع الآخر سنة تسعين و مئتين و ألف ، فخبت بالموت شعلته ، و انطفأت بالمنية حياته و عبقريته .


أثره في النهضة 

كان رفاعة بك شعلةً متقدةً لا يخبو نورها ، و حركة يقظة لا يفتر نشاطها ، اضللع بهذه الجهود الجبارة التي تعجز الجهد وتعيي الطاقة ، فكان مجموعة من الرجال ، وجمهرةً من النابهين ، و طائفة من المواهب ؛ ألَّفَ وترجَمَ ووجَّه وعَلَّمَ وشَرَّعَ ونَظَمَ ونقل إلى مصر ما كانت تنشده من علم أوروبا وآدابها و فنونها و مختلف ثقافتها ، ودرج على نظمها وأسباب مجدها ، وصنع على عينه تلامذة أذكياء أفذاذًا ، كانوا أقباسًا من ضوئه ، و مشاعل من هداه ، فنهجوا نهجه ، وسلكوا طريقه ، وكانوا الغاية البعيدة التي تنشدها البلاد ، و الحقّ أن رفاعة كان في الناهضين و المصلحين ورجال العلم أمة وحده ، وهو الأديب البارع ، و الشاعر المقبول ، والعالمُ الفَذُّ المتمكن في غير ما ناحيٍة من نواحي العلم ، و المترجم الذي فتح العيون على أطايب آداب الغرب و علومه ، و لعمري إنه فخرة هذا الجيل ، و الآية الناطقة بفضل الأزهر و جلائل آثاره .

كان رفاعة أول مترجم مصري في النهضة الحاضرة وقد استطاع أن يشرف على قلم الترجمة الذي ضم خمسين مترجمًا ، كان له شرف توجيههم و إرشادهم ، و ما منهم إلّا له اليد البارعة في ترجمة آداب الغرب و علومه و فنونه.

وقد كان رئيس الترجمة قبله بمدرسة الطبِّ رجل شامي ، يُدعى ( عنحوري ) فلما ألحق رفاعة بهذه المدرسة كتب المترجم الشامى باختباره في الترجمة ، و أعطاه فصلًا من كتاب ، وقال له : ترجمه في مجلسنا هذا ، فترجمه رفاعة من فوره ؛ فإذا قرأه الممتحن ملكه العجب ، وحمل ترجمة رفاعة إلى الديوان ، وقال للرؤساء في ذلك الحين : هذا أستاذي ، هو أحق بالرياسة مني ؛ لأنه أدرى من بالتعريب و التنقيح و التهذيب ، وهذه شهادة الحق تقضي له بالسبق*(5).

هو أول منشئ لصحيفة أخبار بالقطر المصريّ ، فقد تكفَّل إثر عودته من باريس بنشر صحيفة خبرية هي  ( روضة المدارس ) مع تعذر الحصول على موادها إذ ذاك ، وقد مكثت هذه الصحيفة مدةً ، ثم انتكست قليلًا إلى نهوض و نشاط .

ومما امتاز به وقوفه على التواريخ القديمة و الحديثة و الأنساب ، مما لم يكد يلحقه فيه غيره *(6) ؛ كما كان له أكبر الفضل في نشر العلوم و المعارف بِحَثَّهِ الحكومة على طبع طائفةٍ من أمهات الكتب العربية على نفقتها ؛ كتفسير الفخر الرازي و معاهد التنصيص ، و خزانة الأدب ، و المقامات الحريرية ، وغير ذلك *(7). وسوف نكمل ما ألفة وترجمة ؛ وأسلوبه فى الشعر ؛ نثرة ، وكلامه فى حب الوطن ، وبعض نماذج من شعره.

واكتفي بهذا القدر ......... حتى لا أطيل عليك عزيزي/ت ... 

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

* الـمـراجـع .___________________________


*(1)_ تاريخ التعليم ، لأحمد عزت عبدالكريم الجزء الأول ، صـ ٦، ٧._________

*(2)_ تاريخ الحركة القومية وتطوير نظام الحكم في مصر ، صـ ٤٨٩_______________

*(3)_ تاريخ التعليم ، لأحمد عزت عبدالكريم ، ٦/١و ما بعدها.

*(4)_ مناهج الألباب المصرية ، صـ ١٦٧.________

*(5) _ حلية الزمن بمناقب خادم الوطن ، للسيد صالح مجدي ، صـ١١._________

*(6)_ حلية الزمن ، صـ١١______

*(7)_تاريخ الحركة القومية ، عبدالرحمن الرافعي ، ج٣ ، صـ ٤٩٣._____

الأحد، 7 يوليو 2024

رفاعة بك رافع الطهطاوي_ Taha


الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ، 

السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.

هو السيد : 

رفاعة بك ابن بدوي بن علي بن محمد بن علي رافع ، و يلحقون نسبهم بمحمد الباقر بن على زين العابدين ابن الحسين ابن فاطمة الزهراء.

المتوفي سنة ١٢٩٠ هـ = ١٨٧٣ مـ .

ولد في طهطا بمديرية جرجا في صعيد مصر ، و يؤخذ مما كتبه عن نفسه في رحلته أن أجداده كانوا من ذوي اليسار . 

و لكن الدهر أخنى عليهم ، و الأيام تنكرت لهم ، فلما وُلِدَ تفتحت عيناه على الضيق و العسرة ، و سار به و الده إلى منشأة - النيدة - بالقرب من مديرية جرجا ، فألقى عصاة تسياره بين قوم كرام النفوس ، ذوي يسار و  مجد ،  يقال لهم ( بيت أبي قطنة ) فأقاما هناك مدةً ، ثم نزحا إلى - قنا -و لبثا بها حتى شَبَّ الغلام ، و شرع يقرأ كتاب الله ، ثم نقل إلى فرشوط التي عاد منها إلى طَهْطَا و طنه الأول ، بعد أن أتمَّ القرآن حفظًا .

الأزهري الصغير

و قد تهيأت له في حداثته ثقافةٌ أزهريةٌ ؛ إذ قرأ كثيرا من المتون الأزهرية المتداولة على أخواله ، و فيهم طائفة من علماء الأزهر الفضلاء ؛ كالشيخ : عبد الصمد الأنصاري ، و الشيخ : أبي الحسن الأنصاري ، و الشيخ فراج الأنصاري ، و غيرهم .

و لما توفي والد رفاعة قدم هو إلى القاهرة ، و انتظم في سلك الطبلة بـ الجامع الأزهر ، في سنة ١٢٢٣ هـ ؛ وجَدَّ في الدرس و المطالعة حتى نال من العلم حظًّا محمودًا ، و لم يمضِ بضع سنين حتى صار من طبقة العلماء في اللغة و الحديث و الفقة ، و سائر علوم _المنقول _ و المعقول ، و كان في جملة مَنْ تلقَّى عنهم العلم العالم اللغويّ الشاعر و الكاتب الشيخ _ حسن العطار ؛ المتوفي في سنة ١٢٥٠ هـ ، و قد تنبه إلى مخايل ذكائة ، وأمارات نجابته ، فميزه من أقرانه ، و خصه ببالغ عطفه ، و كان يتردد على منزله لينهل من علمه ، و ينشد توجيهه ، و يشترك معه في الاطلاع على الكتب الغريبة التي لم تتداولها أيدي علماء الأزهر*(1).

نبوغـه المبكر 

أشرق نبوغُ رفاعةَ وذكاؤُه وهو لدن العود ، غَض الصبا ، وبدت لذلك علائم ودلائل ، فقد أُثِرَ عنه أن أحد الفضلاء المدرسين سأله زمن حضوره بالأزهر ، تأليف خاتمة لكتاب _ قطر الندى وبل الصدى _ فأجابه لذلك و أنشأها في صحن الأزهر ، في جلسة خفيفة ، فختم القطر بها ذلك المدرس ، وعُدَّ ذلك على فضله مع حداثة سنه من أبلغ الدلائل ، ومن ذلك الوقت اعترف له وهو ابن عشرين سنة جميع أبناء طبقته ؛ بأنه تلقى راية العلم باليمين*(2).

مواهبه وجده 

قضى رفاعة في الدراسة في الأزهر زهاء ثماني سنوات ، كان فيها مرموقًا لذكائه وجدِّه ، وسلامة ذوقه ، ودقة فهمه ، لم يكن يلتزم طريقة زملائه الطلاب في مبدأ طلبه ؛ = بل كانت دروسه تتعدد في اليوم الواحد تعدادًا زائدًا عن طاقته و وسعه*(2).*

وقد اشتغل في الأزهر بعد تخرجه بتدريس كتبٍ شتى في المنطق و البيان و البديع و العروض و الأدب وغير ذلك وكان سهل الأداء ، عذب الأسلوب ، فصيح التعبير ، قادرًا على تصوير المعنى بطرق مختلفة ، يجد الذكي و غيره في درسه نفعًا وإرشادًا وهداية.

ولقد يبلغ به الجد والمثابرة أنه لا يقف في ذلك اليوم و الليلة على وقت محدود ، فكان ربما عقد الدرس للتلامذة بعد العشاء ، أو عند ثلث الليل الأخير ، ومكث نحو ثلاث أو أربع ساعات على قدميه في درس اللغة ، أو فنون الإدارة و الشرائع الإسلامية ، و القوانين الاجنبية ، و كذلك كان دأبه معهم في تدريس كتب فنون الأدب العاليه ؛ بحيث أمسى جميعهم في الإنشاء نظمًا ونثرًا أطروفة مصرهم ، وتحفة عصرهم ، ومع ذلك كان هو بشخصه لا يفتر عن الاشتغال بالترجمة أو التأليف ، و كانت مجامع الامتحان لا تزهو إلّا به*(3).

الوظائف التي شغلها 

شغل رفاعة بك كثيرًا من الوظائف العلمية و الإدارية ، فكان فيها مثلًا رفيعًا للكفاية و الجد ، ونموذجًا يحتذى في بروز الشخصية و وفرة الإنتاج ، و قد عثر صالح بك مجدي صاحب كتاب ( حلية الزمن بمناقب خادم الوطن ) على ورقة مختومة سرد فيها رفاعة المناصب التي تقلدها ، و الأعمال التي اضطلع بها ، وذلك أنه عُيِّنَ خطيبًا و واعظًا لدى _حسن بك المانسترلي_ ، الذي ارتقى فيما بعد رتبة الباشوية ، وعين في منصب (( الكتخدائية )) في عهد عباس باشا الأول _، وتُوفيَ في زمن محمد سعيد باشا _ ، ثم نقل إلى مثل هذه الوظيفة لدى أحمد بك الشكلي ، الذي مُنح رتبة الباشوية فيما بعد ، و توفي في عهد محمد سعيد باشا.

رفاعة في البعثة 

ولما أراد محمد علي أن يرسل طائفةً من الشباب النابهين إلى باريس ؛ لينقلوا علوم الغرب وآدابه وثقافته ، و طلب من الشيخ حسن العطار ، أن ينتخب لهم إمامًا من علماء الأزهر ، فيه الأهلية و اللياقة ، اختار تعيين صاحب الترجمة لتلك الوظيفة .

و كان الشيخ حسن العطار من المعجبين بذكائه ، المقدرين كفايته و علمه ، فزكَّاه لهذا العمل الذي كان باكورة نجاحه و مطلع شهرته وانبلاج صبحه.

اتجه مع البعثة إلى باريس موصًّى من شيخه العطار بأن يجدي على بلاده بعمل رحلة ، يسجل فيها ما يشاهده في فرنسا من أحوال و أخلاق و عادات فألف رحلته المشهروة التي سماها : ( تلخيص الإبريز ، و الديوان النفيس ) ، وقد شرع يتعلم الفرنسية منذ غادر مصر ، وبذل همه وعزمه ، واتخذ له بعد وصوله إلى باريس معلمًا خاصًّا على نفقته ، و ما لبث في هذه البلاد أن عرفه العلماء و الأدباء و قدروه حق قدره و كان للمسيو ( جومار ) فضل سابغ عليه بإرشاده وتعليمه و وفائه له في وده ، كما فعل ذلك معه العالم الشهير ( البارون دساسي ) .

و في المدة التي أقامها بباريس بين _ ١٢٤١ و ١٢٤٦ هجرية ؛ نبغ في العلوم و المعارف الأجنبية ، و لاسيما في الترجمة في سائر العلوم على اختلاف مصطحاتها ، ولم تكن هذه المدينة البراقة الفاتنة لتصرفه عن التوفر على المثابرة والتضلع في ثقافة هذه البلاد ، أو تجرح خلقه وحصانته ، بل أكبَّ على عمله غير مدخر وسعًا ، حتى ترجم خلال إقامته بباريس جمهرةً من الرسائل و الكتب ، منها : ( قلائد المفاخر ) و الذي سنذكره في آثاره.

عودة رفاعة من بعثته

ولما رجع من بعثته عُيِّنَ في سنة ١٢٤٩هـ ؛ بمدرسة الطب بأبي زعبل في وظيفة مترجم و مدرس للغة الفرنسية ، ورئيسًا لقسم الجغرافيا بالمدرسة ، ثم انتقل في السنة نفسها إلى مدرسة الطوبجية ، وأقام بها إلى سنة ١٢٥١ هـ ؛ شغل وظيفة مترجم ، و كانت هذه المدرسة قائمة على تحصيل الفنون العربية ، مؤسسة لترجمة العلوم الهندسية و الفنون العسكرية ، ويقول صاحب (( حلية الزمن )) صـفحة رقم -١٢؛ وقد عثرت له مدة إقامته بها على رسالةٍ مترجمةٍ في الهندسة العادية ، مطبوعة بمطبعة بولاق البهية ، و هذه الرسالة من جملة الرسائل الفرنسية التي يقرؤها التلامذه بمدرسة سانسيرا بفرنسا ، و قد انتفع بها أبناء هذه المدارس .

ثم وكلت إليه نظارة ( قلم أفرنجي ) في عهد محمد سعيد باشا ، و نيطت به نظارة دار كتب قصر العيني ، و كانت ضخمة حافلة بالأسفار ؛ إذ تضم أثني عشر ألف ، أو خمسة عشر ألف مجلد ، ومعظمها بالفرنسية و الإيطالية*(4).

كما وُكِّلَت إليه رئاسة فرقة تلامذة الجغرافيا بهذا القصر.

رفاعة ومدرسة الألسن

و كانت هذه المدرسة من وحي رأيه ، وثمرات فكره ، فقد عرض على الجناب العالي أن تنشأ هذه المدرسة لتجدي على الوطن أبلغ جدوى ، و ليستغني بها عن الأجانب الدخلاء ، وقد عهد إليه اختيار التلامذة لهذه المدرسة فطاف بهم ، وانتخب مَن وجد فيه صلاحية وكفاية . 

أسس رفاعة مدرسة الألسن، وانتهت إليه إدارتها والإشراف على تلاميذها والترجمة بها ، وعلاوة على قيامه بإدارة المدرسة من الوجهة الفنية ، كان ناظرًا لها من الوجهة الإدارية ، كما كان يشرف على مراجعة و إصلاح الكتب التي كان يمر بها تلامذته *(5).

ولما كان مرهقًا بكثرة العمل ، و الاضطلاع بمختلف الشئون ، خصص له ديوان المدارس مدرسًا فرنسيًّا ليعاونه في إدارة المدرسة ، و التفتيش على الدروس وأمانة المكتبة ، وليخفف بمعاونته من هذه الأعمال التي يضيق الزمن بها ، فإنه كان يطوف كل عام بمكاتب المبتديان في الأقاليم ؛ ليشرف على امتحان التلاميذ الذين يتقدمون إلى المدرسة التجهيزية ؛ ليلحق المتفوقين منهم بها .

و من العجيب أن يضطلع إلى جانب هذا كله بنظارة مدرسة التجهيزبة ، و الوقائع المصرية ، و الكتبخانة الأفرنجية ، و مخزن عموم المدارس ، و الإشراف على قلم الترجمة الذي أُسِّس بمدرسة الألسن ، و الإشراف على مدرسة المحاسبة و الفقه الشرعيّ ، و الإدارة ، و الأحكام الإفرنجية ، وملاحظة المكتب العالي ( بالخانقاه ) ، وقد ظل رفاعة بك مديرًا لمدرسة الألسن ، و المدارس الملحقة بها ، حتى أوائل عصر عباس الأول ؛ حيث نُقلت من الأزبكية إلى الناصرية و لما ألغيت مدرسة الألسن ، عُيِّنَ ناظرًا للمدرسة الابتدائية التي أنشئت في الخرطوم .

تلك هى الوظائف التي شغلها رفاعة بك ، الذي كان حركة دائبةً و عملًا موصولًا ، و إنها لجهود جبارة تتقاصر دونها جهود الرجال وتعيا عن حملها قوي متضافرة و عزائم متعاونة ، عدا ما اضطلع به من أعمال جسام عقب عودته من الخرطوم .

و لنظارته لمدرسة الخرطوم بالسودان قصةٌ تهوى النفوس معرفتها : سوف نكلمها في موضوع اخر وكيف كان نفيه إلى الخرطوم ، وأثر رفاعة في الحركة العلمية فى السودان واكتفي بهذا القدر ......... حتى لا أطيل عليك عزيزي/ت ... 

و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺

إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية 

  ‏#بصمات_من_ياقوت_ومرجان

  ‏صلوا على رسول اللّٰه 🌼

  ‏ ‏زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده 

جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼

*الـمـراجـع .___________________________


*(1) الخطط التوفيقيه ، جـ ١٣ ، صـ ٥٤._________

*(2) حلية الزمن بمناقب خادم الوطن ، للسيد صالح مجدي صـ٥______________

*(2) نفس المرجع صــ٥_________

*(3) الخطط التوفيقيه ، جـ١٣ ، صـ٥٤______

*(4) تقويم النـيل ، لأمين باشا سامي جـ٢ ، صـ ٤٤٨.___

*(5) دفتر رقم ٢٠٢١ ( مدارس تركي ) ، جلسة شورى

 المدارس ، في ٢١ من ذي القعدة ، سنة ١٢٥٢ هـ.
 

الإثارة والتشويق بطرح الأسئلة Content creators

  الإثارة والتشويق بطرح الأسئلة في السيرة النبوية الحمد اللّٰه رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، و بعد . فإن الإثا...