الحمد لله ربِّ العالمين ، و الصلاة و السلام على سيِّدنا محمدٍ و آلِه ... وبعد ،
السَّلامُ عليكم و رحمةُ اللَّه و بركاته.
نشأته و حياته :
المتوفَّى سنة ( ١٢٥٠هـ = ١٨٣٤ م ).
ولد بالقاهرة سنة - نيف ؛ وثمانين ومئة وألف من الهجرة ، ونشأ بها في ظل أبيه الشيخ محمد كتن ، ويمت بنسبه إلى أسرة مغربية ، وفدت إلى مصر وكان أبوه رقيق الحال ( عطارًا ) ، ملمَّا بالعلم كما يدل عليه ما يقوله في بعض كتبه : « ذاكرت بهذا الوالد رحمه اللّٰه » ، وكان يستصحبه إلى متجره ، ويستعين به في صغار شئونه _ نشأ حاد الذكاء قوي الفطنة ، إلى التعليم هواه ، شديد الغيرة و التنافس ، إذ يرى أترابه يترددون على المكاتب ؛ ومن ثم يتسلل إلى الجامع الأزهر مستخفيًا من أبيه ، وقد عجب والده إذ رآه يقرأ القرآن في زمن وجيز ، فشجعه ذلك على أن يدع ابنه الذكي القطن المحب للعلم يختلف إلى العلماء ، وينهل من وردهم ما يشاء ، فجد في المثابرة و الانتفاع من الفحول أمثال : الشيخ محمد الأمير ، و الشيخ الصبان ، و غيرهما حتى بلغ من العلم و التفوق فيه ما أهَّله للتدريس بالأزهر الشريف على تمكن وجدارة.
ولكن نفسه لم تقنع بهذه الغاية ؛ بل مال إلى التبحر في العلوم ، واشتغل بغرائب الفنون ، و الوقوف على أسرارها .
وكان منذ صباه ذا شغف بالأدب ، جادَّا في مطالعته والتزود منه حتى أجاد النظم و النثر في ريعان صباه وبواكير حياته .
وعُني بالأدب الإندلسي عناية فائقة فأخذ يدرسه ويحاكيه ، وكثيرًا ما كان يأسف على انحطاط الأدب في عصره ، ويصف شعراء زمانه بأنهم اتخذوا الشعر حرفة ، وسلكوا فيه طريقة متعسفٍ ، فصرفوا أكثر أشعارهم في المدح و الاستجلاب و المنح ، حتى مدحوا أرباب الحرف لجمع الدراهم ، و كان منهم من كان يصنع القطعة من الشعر في مدح شخص ، يغيرها في مدح آخر ، وهكذا حتى يمدح بها كثيرًا من الناس ، وهو لا يزيد على أن يغير الاسم و القافية ، و أشبهه في ذلك إلا بمن يفرق أوراق _الكدية*(1) بين صفوف المصلين في المساجد ، و هكذا كان حال الرجل ، فلا يكاد يتخذ وليمة أو عرسًا أو يبني بناءً أو يُرزأ بموت محب إلا بادره بشئ من الشعر قانعًا بالشئ النزر.
ولما كانت تلك نظرته إلى الشعر و الشعراء رأيناه قد أغفل شعره ، ولم يحتفظ بما قاله في المدح والهجاء اضطرارًا ،
ورجا ألا يُحفظ عنه إلا ما لطف من النسيب ، مما ولع به أيام الشباب حيث غصن الشبيبة غض ، و الزمن من الشوائب محض ، و لأعين الملاح سهام بالفؤاد راشقة ، وتثني قدود الغيد تظل له أعين الأحبة وامقة.
ذاك وقت قضيت فيه غرامي
من شبابي في سترة بالظلام
ثم لما بدا الصباح لعيني
من مشيبي ودعته بسلام .
ولما اضطربت الفتن بدخول الفرنسيين مصر رحل إلى الصعيد ، و معه جماعة من العلماء ، ثم عاد إلى مصر بعد أن استقرت الأمور ، و قد أداه حبه الحياة الاجتماعية وميله إلى المخالطة ، و ما عرف به من خفة الروح ، وطيب المعاشرة ، إلى الاتصال بالفرنسيين العلماء فاستفاد من فنونهم ، و أفادهم اللغة العربية ، و كان يقول : « إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها و يتجدد بها من المعارف ما ليس فيها ».
وكان يتعجب مما وقف عليه من علوم الفرنسيين ، ومن كثرة كتبهم و تحريرها وقربها من العقول و سهولة الاستفادة منها.
وهو الذي وقف في امتحان مدرسة الطب خطيبًا يشيد بفائدة الطب في تقدم الإنسانية ، ويفخر بأن أتيح للأزهر في تاريخ مدرسة الطب أول نشأتها أثر جليل إذ كان جُلُّ تلامذتها الأُوَل من الازهر ، و كان لهم في مدرسة الطب من الذكاء وحسن الاستعداد ما راع وبهر.
والشيخ حسن العطار هو الذي قدم الشاب الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي لمحمد علي ، ليكون إمامًا للبعث الذي أرسل إلى فرنسا في سنة ( ١٨٢٦م ).
وهو الذي أوصي رفاعة أن يقيد مشاهداته في بلاد الغرب من الأمور التي يرى فيها فائدة لبني وطنه ، كي يظهرهم على النواحي المختلفة للحضارة الأوروبية ، حتى إذا أطاع رفاعة أستاذه ، و أتم رحلته ( تلخيص الإبريز في تلخيص باريز ) أوصي العطار بها حتى قامت الحكومة على طبعها ونشرها .
تنقله :
ثم إنه ارتحل إلى الشام ، وأقام بـ دمشق زمنًا كان يقرض فيه الشعر حينًا بعد حين ، قال « وقلت وأنا بدمشق هذه القصيدة ، و سببها أن صاحبنا العلامه محمد المسيري كان قدم من بيروت لـ دمشق ، فأقام بالمدرسة البدرية حيث أنا مقيم ، ومكث نحو شهرين فوقع لي به أنس عظيم .
ثم عاد إلى بيروت وأرسل مكتوبًا لبعض التجار فيه قصيدة تتضمن مدح دمشق و علمائها وتجارها الذين صاحبوه مدة إقامته ، فكان جزاء تلك القصيدة أنها لم تقع منهم موقع القبول ، و ساروا يهزأون بكلماتها و قوافيها فانتدبت لنظم هذه القصيدة على بحرها ورويها ؛ انتصارًا للشيخ المسيري ، وقد ذكرت بعض متنزهات دمشق في أول قصيدتي ، وأتيت فيها بفنون من الغزل ، و الهجاء وغيرهما ، فقلت :-
بوادي دمشق الشام جُزْ بي أخا البسط
و عرج على باب السلام و لا تخطي
ولا تبكِ ما يبكي امرؤ القيس حوملًا
ولا منزلًا أودى بمنعرج السقط
هنالك تلقى ما يروقك منظرًا
و يسلي عن الإخوان والصحب والرهط
عرائس أشجار إذا الريح هزها
تميل سكارى وهي تخطر*(2)في مرط*(3)
كساها الحيا أثواب خضر تدثرت
بنور شعاع الشمس والزهر كالقرط*(4)
و منها :-
وقف بي بـ جسر الصالحية وقفة
لأقضي لبانات الهوي فيه بالبسط
وعرج على باب البريد تجد به
مراصد للعشاق في ذلك الخط *(5)
وحاذر سويقات العمارة إنها
مهالك للأموال تأخذ لا تعطي
فلو أن قارونًا تبايع بينهم
لعاد فقيرًا للخلائق يستعطي
ولست لما أنفقت فيها بآسف
و لا بالرضا مني أمازج بالسخط .
وجاء في بعض كتبه أنه أدى فريضة الحج ، واتفق له بعد أدائه أن توجه مع الركب الشامي إلى ( معان ) ثم بلدة الخيل _ فأقام بها عشرة أيام ، ثم يمم القدس فنزل دار نقيبها ، وهنأه بعودته إلى منصبه بعد عزله منه ، ثم ارتحل إلى بلاد الروم وأقام بها طويلًا ، وسكن بلدًا من بلاد _الأرنؤوط _ ، و تأهل بها وأعقب ، ولكن لم يعش عقبه.
عودته إلى مصر :
ولما عاد إلى مصر تولى تحرير الوقائع المصرية ، فكان أحد الأزهريين الأدباء الذين نهضوا بها ، وكانت له شهرة علمية أدبية ، ومكانة أذعن لها معاصروه من العلماء و الأدباء و الأفذاذ.
كان يعقد مجلسًا لقراءة ( تفسير البيضاوي ) ، فيتوافد الشيوخ عليه تاركين حلق دروسهم ، وقد أهلته هذه المكانة العلمية و الأدبية ، وما اتسم به من النبوغ ، و ما طار من شهرته و بعد صيته أن يكون شيخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ ( الدمهوجي الشافعي ) .
و لما قدم إلى مصر عام سبعة و ثلاثين ومئتين وألف من الهجرة كبير الدروز _ و كانوا قد انتقضوا عليه _ ملتجئًا الى محمد علي باشا ، وكان في صحبته بطرس النصراني ، اجتمع به وكان بينهما اتصال ومودة ، ورأى المترجم فيه تمكنًا من الأدب والمحاضرة ، ومعرفة بالتواريخ و الأنساب وعلوم العربية وقد حدث بذلك*(6) ، وبأن بطرسًا امتدحه بقصيدة منها :-
أمــا الـذكـاء فـإنـه أذكــى وأبـرع مـن إيـاسـه
في أي فــنٍّ شئـتـه فـكـأنه بـانـي أسـاسـه
أضحى البديع رفيقـه لما تفرد في جـنـاسه.
مواهبه :
كان رحمه الله طموحًا محبًّا للاجتماع و التنقل ، ومشاهدة الحضارات المختلفة ، وكان معروفًا بالجد و الذكاء معًا ، حدَّث عنه معاصره :- الشيخ محمد شهاب الدين المصري ، الشاعر بأنه كان آية في حدة النظر وشدة الذكاء ، وأنه ربما استعار منه الكتاب في مجلدين ، فلا يلبث عنده الأسبوع أو الأسبوعين ثم يعيده إليه وقد استوفى قراءته ، وكتب في طـرره *(8) على كثير من مواضعه *(9) ، و مما عرف عنه أنه كان يرسم بيده المزاول النهارية.
آثاره :
له تآليف عدة ؛ منها : ( حاشيته على جمع الجوامع ) نحو مجلدين ، و ( حاشية على الأزهرية في النحو ) ، و ( حاشية على مقولات الشيخ السجاعي ) ، و ( حاشية على السمر قندية ) ورسائل في الطب ، و التشريح ، و الرمل ، و اليازرجة و غير ذلك ، وقد شرح جزءًا من ( الكامل ) للمبرد.
شـعـرة :
لم يُجمع شعر العطار في ديوان ، وقد أراد هو ألا يحتفظ بشعره الذي نظمه في المدح و الهجاء ، ورغب ألا يحفظ عنه إلا ما كان غزلًا رقيقًا نظمه في صباه ، حيث العيش غض ، و الزمن من الشوائب محض ، وأن مما يؤسف له أن يفقد كثير من ثروة العطار الشعرية النفيسة ، ولو توفر جمع شعره لارتسمت فيه صورة ناطقة لشاعريته ، ومواهبه وشخصيته ، ووضحت هذه القصائد مجتمعة كثيرًا من أحوال العصر إذ الشعر مرآته المجلوة.
ومهما يكن من شيء ففي القصائد المتناثرة التي وقعنا عليها ما يعين _ و لو في جهد _ على دراسة شعره ، وطريقته و اتجاهه الشعري .
يدل ما بين أيدينا من شعر العطار على السهولة ، ووضوح الغرض و إشراق المعنى وسعة الأفق ، و غزارة مادة التشبيه ، ولعل مما بسط في أفقه الشعري ، ومد في خياله ، ومال به في الشعر إلى الوضوح و الرقة و السجاحة ما تهيأ له من مخالطة الكبراء و العظماء ، وما كلف به من حب الحياة الاجتماعية وغشيانها في شتى مجاليها ، ومختلف ميادينها وما اجتلاه في الممالك التي ارتحل إليها وحال في ربوعها من مشاهد و حضارات ، و أخلاق و عادات ، وما اطلع عليه من ألوان الحياة المتقاربة و المتباينة ، فإن كل ذلك من مقومات الشعر ، ومن أسباب بسطة وتلوينه ، على أن هذه المخالطات وتلك الاتصالات التي وثق العطار أسبابها صرفت شعره عن التعقيد و الغموض و الالتواء.
و يظهر أن العطار يميل بطبعه إلى السلاسىة ، و ينحو بفطرته إلى الإشراق و السهولة ، وإذا رجعت إلى أقدام ما عثر عليه من شعره لم تَفُتْك منه هذه الصفات ، وطالعتك منه صفحة نقية من الغموض و الالتواء.
فمن أقدم شعره قصيدته التي رواها الجبرتي *(10) ؛ يمدح بها الشيخ :- شامل أحمد بن رمضان المتوفي سنة خمس عشرة ومئتين و ألف من الهجرة ، حينما ولي مشيخة رواق المغاربة إذ يقول : -
انهض فقد ولت جيوش الظلام
وأقبل الصبح سفير اللثام
وغنت الورق على أيكها
تنبه الشرب لشرب المدام
والزهر أضحى في الربا باسمًا
لما بكت بالطل عين الغمام
والغصن قد ماس بأزهاره
لما غدت كالدر في الانتظام
وعطر الروض مرور الصبا
على الرياحين فأبرا السقام
كأنما الورد على غصنه
تيجان إبريز على حسن هام
كأنما الغدران خلجان أغــ
ـصان النقا والنهر مثل الحسام(11)
كأن منظوم الزراجين بها
قوت غدا من نظمه في انسجام*(12)
كأنما الآس*(13) عذار *(14) على
وجنـته وقد علاها ضرام
كأنما الورقاء لما شدت
تتلو علينا فضل هذا الإمام
بشراك مولاي على منصب
كان له فيك مزيد الهيام
وافاك إقبال به دائمًـا
وعشت مسعودًا بطول الدوام
فقد رأينا فيك ما نرتضي
لا زلت فينا سالمًا والسلام .
وهذه الأبيات من أقدم شعرة الذي عثر عليها ، وهي مبتسمة بالسهولة و وضوح الغرض و مجافاة الغموض ، مح حسن صياغتها و تسلسلها ، وكثرة تشبيهاتها المحكمة السائغة
و مما قاله متغزلًا :-
إلى متى أشكو ولم ترث لي
أما كفى أن رق لي عذلي؟
يا باخلا بالوصل عن عاشق
بعسجد الأجفان لم يبخل
أنفق في حر الهوى عمره
وعن أمانيه فلا تسأل
لم يبق في الصب سوى مهجة
أمست بنيران الهوى تصطلي
ومقلة ترعى نجوم الدجى
شقيقك الزاهر عنها سل
تبيت تبكي شجوها كلما
هـاج بذكراك فـؤاد بـلي
ما أطول الليل على عاشق
فـارق محبوبًا عليه ولي
كأنما الصبح اتقى سطوه
من كـافر الـلـيل فلم ينجل .
فهذه القطعة من أرق أبيات الصبابة وأعذبها ، أودعها
الشاعر عواطفه وشجونه ، فعبرت عنها أصدق تعبير ، فهو
يعتب على محبوبه عتاب الشاكي ويسائله : إلام يغضي من
شكواه ، وقد رثى العُذَّل لحاله ؟
ثم يتجه إليه فيخاطبه قائلا :- متى بخل بالوصل على عاشق جاد بعسجد أجفانه لطول بكائه ، وأنفق عمره في حر الهوى ، وأنت معرض لا تسأل عن أمانيه ، لم يبق في محبك إلا مهجة تصطلي بنار الهوى ، ومقلة تبيت ساهرة ترعى النجوم ، فسل شقيقك ينبئك عن حالها ، إنها تبيت تبكي كلما هاج بذكراك الفؤاد البالي.
ثم ينتقل الشاعر إلى التبرم من طول الليل على العاشق
الذي فارق محبوبًا ولي عليه ، وينـتظر الصـبح فلا يطلع ،
فيخيل إليه أنه يخشى سطوة الليل الكافر ، فمن ثم لم ينجلِ ، وهو مسبوق إلى هذا المعنى بقول البهاء زهير :-
لـي فـيـك أجـر مـجـاهـد
إن صـح أن الـلـيـل كـافـر.
واكتفي بهذا القدر ......... حتى لا أطيل عليك عزيزي/ت ...
و هذا و باللَّهِ التَّوفيقُ ؛؛ و اللَّه أعلم 🌼🌼🌺🌺
إلى أن ألقاكم بإذن الله على مدونتي الشخصية
#بصمات_من_ياقوت_ومرجان.
صلوا على رسول اللّٰه 🌼
زيارتكم تُسعدني و متابعتكم تجعلني في قمة السعاده
جعلنا الله وإياكم أن شالله من أهل السعادة في الدارين
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
*الـمـراجـع .___________________________
*(1)_ الكدية :- بمعني ( السؤال )_______.
*(2)_ تخطر : خطر في مشيته اهتز وتبختر _____.
*(3)_ المرط : كساء من صوف أو خز _____.
*(4)_ القرط : ما يعلق في شحمة الأذن ( حلق)___.
*(5)_ الخط : بالضم موضع الحي والطريق والشارع ، ويفتح ، وبالكسر الأرض لم تمطر ، والتي تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك __________________________ .
*(6)_ الخطط التوفيقيه ، جـ ٤ ، صـ ٣٩_________.
*(7)_ الطرز ؛ جمع طرة ، وهي جانب الثوب الذي لا هدب له ، وشفير النهر و الوادي ، وطرف كل شيء وحرفه ، والناصرية______________.
*(8)_الخطط التوفيقيه ، جـ ٤ ، صـ ٣٩_______.
*(9) _ الجزء الـثـالث ، صـ ١١٣_________.
*(10)_النقا : القطعة من الرمل تنقاد محدودبة_____.
*(12)_ الزراجين ، مفردها الزرجون ، كقربوس شجر العنب( العنقود ) أو قضبانها ، والخمرة ، وماء المطر الصافي المستنقع في الصخرة______.
*(13)_ الآس : نبت معروف من الرياحين ____.
*(14)_ عذار اللحية : الشعر النازل على اللحيين _____.
ايه الكرسي أسمعها فقط ،،،،،